الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نَزَلَتْ فِي شَأْنِ أَرْبَدَ بْنِ رَبِيعَةَ حَيْثُ قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: مِمَّ رَبُّكَ آمن دُرّ أم من يا قوت أَمْ مِنْ ذَهَبٍ؟ فَنَزَلَتْ صَاعِقَةٌ من السماء فأحرقته {وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ} [الرعد: 13] قَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه: شَدِيدُ الْأَخْذِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: شديد الحول، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: شَدِيدُ الْقُوَّةِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: شَدِيدُ الْعُقُوبَةِ. وَقِيلَ: شَدِيدُ الْمَكْرِ. وَالْمِحَالُ وَالْمُمَاحَلَةُ الْمُمَاكَرَةُ والمغالبة.
[قوله تعالى لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ]
لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ. . . .
[14]
{لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ} [الرعد: 14] أَيْ: لِلَّهِ دَعْوَةُ الصِّدْقِ. قَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه: دَعْوَةُ الْحَقِّ التَّوْحِيدُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. وَقِيلَ: الدُّعَاءُ بِالْإِخْلَاصِ وَالدُّعَاءُ الْخَالِصُ لَا يَكُونُ إِلَّا لِلَّهِ عز وجل. {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ} [الرعد: 14] أَيْ: يَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ مِنْ دُونِ اللَّهِ تَعَالَى. {لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ} [الرعد: 14] أَيْ: لَا يُجِيبُونَهُمْ بِشَيْءٍ يُرِيدُونَهُ مِنْ نَفْعٍ أَوْ دَفْعِ ضُرٍّ. {إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ} [الرعد: 14] أَيْ: إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ لِيَقْبِضَ عَلَى الْمَاءِ وَالْقَابِضُ عَلَى الْمَاءِ لَا يَكُونُ فِي يَدِهِ شَيْءٌ وَلَا يَبْلُغُ إِلَى فِيهِ مِنْهُ شيء، كذلك الذين يدعون الْأَصْنَامَ وَهِيَ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ لَا يَكُونُ بِيَدِهِ شَيْءٌ. وقيل: معناه كالرجل العطشان الْجَالِسِ عَلَى شَفِيرِ الْبِئْرِ يَمُدُّ يَدَهُ إِلَى الْبِئْرِ فَلَا يَبْلُغُ قَعْرَ الْبِئْرِ إِلَى الْمَاءِ وَلَا يَرْتَفِعُ إِلَيْهِ الْمَاءُ فَلَا يَنْفَعُهُ بَسْطُ الْكَفِّ إِلَى الْمَاءِ وَدُعَاؤُهُ لَهُ، وَلَا هُوَ يَبْلُغُ فَاهُ كَذَلِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ الْأَصْنَامَ لَا ينفعهم نداؤها ودعاؤها، وَهِيَ لَا تَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: كَالْعَطْشَانِ إِذَا بسط كفيه إلى الْمَاءِ لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ مَا لَمْ يَغْرِفْ بِهِمَا الْمَاءَ وَلَا يَبْلُغُ الْمَاءُ فَاهُ مَا دَامَ باسطا كفيه، مثل ضربه الله لِخَيْبَةِ الْكُفَّارِ. {وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ} [الرعد: 14] أصنامهم، {إِلَّا فِي ضَلَالٍ} [الرعد: 14] يَضِلُّ عَنْهُمْ إِذَا احْتَاجُوا إِلَيْهِ كَمَا قَالَ: {وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} [الأنعام: 24]{وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَدْعُونَ} [فصلت: 48] وَقَالَ الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ رَبَّهُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ لِأَنَّ أَصْوَاتَهُمْ مَحْجُوبَةٌ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى.
[15]
{وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا} [الرعد: 15] يعني: الملائكة والمؤمنين، {وَكَرْهًا} [الرعد: 15] يَعْنِي: الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ الَّذِينَ أُكْرِهُوا على السجود بالسيف. {وَظِلَالُهُمْ} [الرعد: 15] يَعْنِي: ظِلَالَ السَّاجِدِينَ طَوْعًا وَكَرْهًا تَسْجُدُ لِلَّهِ عز وجل طَوْعًا. قَالَ مُجَاهِدٌ: ظِلُّ الْمُؤْمِنِ يَسْجُدُ طَوْعًا وَهُوَ طَائِعٌ، وَظِلُّ الْكَافِرِ يَسْجُدُ طَوْعًا وَهُوَ كَارِهٌ. {بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} [الرعد: 15] يعني إذا سجد بالغدو والعشي يسجد معه ظله، والآصال: جمع الأصل والأصل جَمْعُ الْأَصِيلِ وَهُوَ مَا بَيْنَ الْعَصْرِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ. وَقِيلَ: ظِلَالُهُمْ أَيْ: أَشْخَاصُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ بِالْبُكَرِ وَالْعَشَايَا. وَقِيلَ: سُجُودُ الظِّلِّ تذليله لما أريد له.
[16]
قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الرعد: 16] أَيْ: خَالِقُهُمَا وَمُدَبِّرُهُمَا فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ، إنهم يُقِرُّونَ
بِأَنَّ اللَّهَ خَالِقُهُمْ وَخَالِقُ السَّمَاوَاتِ والأرض إذا أَجَابُوكَ، فَقُلْ أَنْتَ أَيْضًا يَا مُحَمَّدُ: اللَّهُ. وَرُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا قَالَ هَذَا لِلْمُشْرِكِينَ عَطَفُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا: أجِبْ أَنْتَ، فَأَمَرَهُ اللَّهُ عز وجل فقال:{قُلْ} [الرعد: 16] أنت يا محمد، {اللَّهُ} [الرعد: 16] ثُمَّ قَالَ اللَّهُ لَهُمْ إِلْزَامًا لِلْحُجَّةِ: {قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ} [الرعد: 16] مَعْنَاهُ: إِنَّكُمْ مَعَ إِقْرَارِكُمْ بِأَنَّ اللَّهَ خَالِقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ اتَّخَذْتُمْ مَنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَعَبَدْتُمُوهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ، يَعْنِي: الْأَصْنَامَ، وَهُمْ {لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا} [الرعد: 16] فَكَيْفَ يَمْلِكُونَ لَكُمْ؟ ثُمَّ ضَرَبَ لَهُمْ مَثَلًا فَقَالَ: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ} [الرعد: 16] كَذَلِكَ لَا يَسْتَوِي الْكَافِرُ وَالْمُؤْمِنُ، {أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ} [الرعد: 16] أَيْ: كَمَا لَا يَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ لَا يَسْتَوِي الْكُفْرُ وَالْإِيمَانُ. {أَمْ جَعَلُوا} [الرعد: 16] أي: جَعَلُوا، {لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ} [الرعد: 16] أَيِ: اشْتَبَهَ مَا خَلَقُوهُ بِمَا خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَلَا يَدْرُونَ مَا خَلْقَ اللَّهُ وَمَا خَلَقَ آلِهَتُهُمْ {قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} [الرعد: 16]
ثُمَّ ضَرَبَ اللَّهُ تَعَالَى مَثَلَيْنِ لِلْحَقِّ وَالْبَاطِلِ.
[17]
فَقَالَ عز وجل: {أَنْزَلَ} [الرعد: 17] يَعْنِي اللَّهَ عز وجل، {مِنَ السَّمَاءِ مَاءً} [الرعد: 17] يعني المطر، {فَسَالَتْ} [الرعد: 17] مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ {أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا} [الرعد: 17] أَيْ: فِي الصِّغَرِ وَالْكِبَرِ، {فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ} [الرعد: 17] الَّذِي حَدَثَ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ، {زَبَدًا رَابِيًا} [الرعد: 17] الزَّبَدُ الْخَبَثُ الَّذِي يَظْهَرُ عَلَى وجه الماء، رَابِيًا أَيْ عَالِيًا مُرْتَفِعًا فَوْقَ الماء الصَّافِي الْبَاقِي هُوَ الْحَقُّ. وَالذَّاهِبُ الزَّائِلُ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِالْأَشْجَارِ وَجَوَانِبِ الْأَوْدِيَةِ هُوَ الْبَاطِلُ. وَقِيلَ: قَوْلُهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً هَذَا مَثَلٌ لِلْقُرْآنِ وَالْأَوْدِيَةُ مَثَلٌ لِلْقُلُوبِ يريد ينزل القرآن، فتحتمل مِنْهُ الْقُلُوبُ عَلَى قَدْرِ الْيَقِينِ وَالْعَقْلِ وَالشَّكِّ وَالْجَهْلِ، فَهَذَا أَحَدُ الْمَثَلَيْنِ وَالْمَثَلُ الْآخَرُ قَوْلُهُ عز وجل:{وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ} [الرعد: 17] قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَحَفْصٌ {يُوقِدُونَ} [الرعد: 17] بِالْيَاءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا يَنْفَعُ النَّاسَ} [الرعد: 17] ولا مخاطبة ها هنا، قرأ الْآخَرُونَ بِالتَّاءِ وَمِمَّا تُوقِدُونَ، أَيْ: ومن الذي توقدون عليه النَّارِ، وَالْإِيقَادُ جَعْلُ النَّارِ تَحْتَ الشيء ليذوب، {ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ} [الرعد: 17] أَيْ: لِطَلَبِ زِينَةٍ، وَأَرَادَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ لِأَنَّ الْحِلْيَةَ تُطْلَبُ مِنْهُمَا، {أَوْ مَتَاعٍ} [الرعد: 17] أَيْ: طَلَبِ مَتَاعٍ وَهُوَ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ، وَذَلِكَ مِثْلُ الْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ وَالرَّصَاصِ، وَالصُّفْرِ تُذَابُ فَيُتَّخَذُ مِنْهَا الْأَوَانِي وَغَيْرُهَا مِمَّا يُنْتَفَعُ بِهَا، {زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ} [الرعد: 17] أَيْ: إِذَا أُذِيبَ فَلَهُ أَيْضًا زَبَدٌ مِثْلُ زَبَدِ الْمَاءِ، فَالْبَاقِي الصَّافِي مِنْ هَذِهِ الْجَوَاهِرِ مِثْلُ الْحَقِّ، وَالزَّبَدُ الَّذِي لَا يُنْتَفَعُ بِهِ مِثْلُ الْبَاطِلِ، {فَأَمَّا الزَّبَدُ} [الرعد: 17] الذي علا السيل {فَيَذْهَبُ جُفَاءً} [الرعد: 17] أَيْ: ضَائِعًا بَاطِلًا، وَالْجُفَاءُ مَا رَمَى بِهِ الْوَادِي مِنَ الزَّبَدِ وَالْقِدْرُ إِلَى جَنَبَاتِهِ، يُقَالُ: جَفَا الْوَادِي وَأَجْفَأَ إِذَا أَلْقَى غُثَاءَهُ، وَأَجْفَأَتِ الْقِدْرُ وَجَفَأَتْ إِذَا غَلَتْ وَأَلْقَتْ زَبَدَهَا، فَإِذَا سَكَنَتْ لَمْ يَبْقَ فِيهَا شَيْءٌ مَعْنَاهُ: إِنَّ الْبَاطِلَ وَإِنْ عَلَا فِي وَقْتٍ فَإِنَّهُ يَضْمَحِلُّ. وَقِيلَ: جُفَاءً أَيْ: مُتَفَرِّقًا. يُقَالُ: جَفَأَتِ الرِّيحُ الْغَيْمَ إِذَا فَرَّقَتْهُ وَذَهَبَتْ بِهِ، {وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ} [الرعد: 17] يعني: الماء والذهب وَالْفِضَّةِ وَالصُّفْرِ وَالنُّحَاسِ، {فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} [الرعد: 17] أَيْ: يَبْقَى وَلَا يَذْهَبُ، {كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ} [الرعد: 17] جعل الله هذا مثالا للحق والباطل، يعني أَنَّ الْبَاطِلَ كَالزَّبَدِ يَذْهَبُ وَيَضِيعُ والحق كالماء يَبْقَى فِي الْقُلُوبِ. وَقِيلَ: هَذَا تَسْلِيَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ، يَعْنِي: أَنَّ أَمْرَ الْمُشْرِكِينَ كَالزَّبَدِ يُرَى فِي الصُّورَةِ شَيْئًا وَلَيْسَ لَهُ حَقِيقَةٌ، وَأَمْرَ الْمُؤْمِنِينَ كَالْمَاءِ الْمُسْتَقِرِّ فِي مَكَانِهِ له البقاء والثبات.
[18]
قوله تعالى: {لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا} [الرعد: 18] أجابوا، {لِرَبِّهِمُ} [الرعد: 18] فأطاعوه، {الْحُسْنَى} [الرعد: 18] الْجَنَّةُ، {وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ} [الرعد: 18] أَيْ: لَبَذَلُوا ذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ افْتِدَاءً مِنَ النَّارِ، {أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ} [الرعد: 18] قَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: سُوءُ الْحِسَابِ أَنْ يُحَاسَبَ الرَّجُلُ