الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كلمات الله، ولو جئنا بمثله مددا بِمِثْلِ مَاءِ الْبَحْرِ فِي كَثْرَتِهِ مدادا وزيادة، نَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:{وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ} [لقمان: 27]
[110]
{قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [الكهف: 110] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَلَّمَ اللَّهُ رَسُولَهُ التَّوَاضُعَ لِئَلَّا يَزْهُوَ عَلَى خلقه، فأمره الله أن يقر فيقول: أنا آدَمِيٌّ مِثْلُكُمْ إِلَّا أَنِّي خُصِّصْتُ بِالْوَحْيِ وَأَكْرَمَنِي اللَّهُ بِهِ، يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا شَرِيكَ لَهُ، {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ} [الكهف: 110] أَيْ يَخَافُ الْمَصِيرَ إِلَيْهِ. وَقِيلَ: يَأْمُلُ رُؤْيَةَ رَبِّهِ، فَالرَّجَاءُ يَكُونُ بمعنى الخوف والأمل جميعا فجمع به الْمَعْنَيَيْنِ، {فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الْكَهْفِ: 110] أي لا يرائي بعمله، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ، وَمَنْ يُرَائِي يُرَائِي اللَّهُ بِهِ» (1) وَرُوِّينَا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ الشِّرْكَ الْأَصْغَرَ "، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ؟ قَالَ: " الرياء» (2) .
[سورة مريم]
[قوله تعالى كهيعص ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا
. .] . . .
(19)
سورة مريم [1] قوله عز وجل {كهيعص} [مريم: 1] قَرَأَ أَبُو عَمْرٍو بِكَسْرِ الْهَاءِ وَفَتْحِ الْيَاءِ وَضِدُّهُ ابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ وَبِكَسْرِهِمَا الْكِسَائِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ والباقون بفتحهما. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: هُوَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى. وَقَالَ قَتَادَةُ: هُوَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ الْقُرْآنِ. وَقِيلَ: اسْمٌ لِلسُّورَةِ. وَقِيلَ: هُوَ قَسَمٌ أقسم الله به. وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ {كهيعص} [مريم: 1] قَالَ: الْكَافُ مِنْ كِرِيمٍ وَكَبِيرٍ، وَالْهَاءُ مِنْ هَادٍ، وَالْيَاءُ مِنْ رَحِيمٍ، وَالْعَيْنُ مِنْ عَلِيمٍ، وَعَظِيمٍ، وَالصَّادُ مِنْ صَادِقٍ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: مَعْنَاهُ كَافٍ لِخَلْقِهِ، هَادٍ لِعِبَادِهِ، يَدُهُ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ، عَالِمٌ بِبَرِّيَّتِهِ، صادق في وعده.
[2]
{ذِكْرُ} [مريم: 2] رُفِعَ بِالْمُضْمَرِ أَيْ هَذَا الَّذِي نتلوه عليك ذكر {رَحْمَتِ رَبِّكَ} [مريم: 2] وَفِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ مَعْنَاهُ: ذِكْرُ ربك، {عَبْدَهُ زَكَرِيَّا} [مريم: 2] برحمته.
[3]
{إِذْ نَادَى} [مريم: 3] دعا {رَبَّهُ} [مريم: 3] في محرابه، {نِدَاءً خَفِيًّا} [مريم: 3] دَعَا سِرًّا مِنْ قَوْمِهِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ.
[4]
{قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ} [مريم: 4] ضعف ورق، {الْعَظْمُ مِنِّي} [مريم: 4] مِنَ الْكِبَرِ. قَالَ قَتَادَةُ: اشْتَكَى سقوط الأضراس، {وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ} [مريم: 4] أَيْ ابْيَضَّ شَعْرُ الرَّأْسِ، {شَيْبًا} [مريم: 4] شَمْطًا، {وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا} [مريم: 4] يَقُولُ عَوَّدْتَنِي الْإِجَابَةَ فِيمَا مَضَى وَلَمْ تُخَيِّبْنِي. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لَمَّا دَعَوْتَنِي إِلَى الْإِيمَانِ آمَنْتُ وَلَمْ أَشْقَ بِتَرْكِ الْإِيمَانِ.
[5]
{وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ} [مريم: 5] والموالى: بَنُو الْعَمِّ. قَالَ مُجَاهِدٌ: الْعَصَبَةُ. وَقَالَ أَبُو صَالِحٍ: الْكَلَالَةُ. وَقَالَ الكلبي: الورثة. {مِنْ وَرَائِي} [مريم: 5] مِنْ بَعْدِ مَوْتِي، قَرَأَ ابْنُ كثير {مِنْ وَرَائِي} [مريم: 5] بِفَتْحِ الْيَاءِ، وَالْآخَرُونَ بِإِسْكَانِهَا. {وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا} [مريم: 5] لَا تَلِدُ، {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ} [مريم: 5] أعطني من عندك {وَلِيًّا} [مريم: 5]
[6]
{يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} [مريم: 6] قَرَأَ أَبُو عَمْرٍو وَالْكِسَائِيُّ بِجَزْمِ الثَّاءِ فِيهِمَا عَلَى جَوَابِ الدُّعَاءِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالرَّفْعِ عَلَى الْحَالِ والصفة، يعني وَلِيًّا وَارِثًا، وَاخْتَلَفُوا فِي هَذَا الإرث، قال الحسن: معناه يرث مَالِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ النُّبُوَّةَ والْحُبُورَةَ. وَقِيلَ: أَرَادَ مِيرَاثَ النُّبُوَّةِ وَالْعِلْمِ. وَقِيلَ: أَرَادَ إِرْثَ الْحُبُورَةِ، لِأَنَّ زَكَرِيَّا كَانَ رَأْسَ
(1) أخرجه البخاري في الرقاق 11 / 235 ومسلم في البر والصلة برقم (2642) 4 / 2034 والمصنف في شرح السنة 14 / 323.
(2)
أخرج هذه الرواية الإمام أحمد في مسنده ج5 ص428، 429 والمصنف في شرح السنة 14 / 324 قال الهيثمي:(رجاله رجال الصحيح) وقال المسند: " إسناده جيد ".
الأحبار. وقال الزَّجَّاجُ: وَالْأَوْلَى أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مِيرَاثِ غَيْرِ الْمَالِ لِأَنَّهُ يَبْعُدُ أَنْ يُشْفِقَ زَكَرِيَّا وَهُوَ نَبِيٌّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ أَنْ يَرِثَهُ بَنُو عَمِّهِ مَالَهُ، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ خَافَ تَضْيِيعَ بَنِي عَمِّهِ دِينَ اللَّهِ وَتَغْيِيرَ أَحْكَامِهِ عَلَى مَا كَانَ شَاهَدَهُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ تَبْدِيلِ الدِّينِ وَقَتْلِ الْأَنْبِيَاءِ، فَسَأَلَ ربه ولدا صَالِحًا يَأْمَنُهُ عَلَى أُمَّتِهِ، وَيَرِثُ نبوته وعمله لِئَلَّا يَضِيعَ الدِّينُ. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما. {وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا} [مريم: 6] أي برا تقيا مرضيا.
[7]
قَوْلُهُ عز وجل: {يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ} [مريم: 7] وَفِيهِ اخْتِصَارٌ، مَعْنَاهُ فَاسْتَجَابَ اللَّهُ دُعَاءَهُ، فَقَالَ: يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ، {بِغُلَامٍ} [مريم: 7] بِوَلَدٍ ذَكَرٍ، {اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا} [مريم: 7] قَالَ قَتَادَةُ وَالْكَلْبِيُّ: لَمْ يُسَمَّ أَحَدٌ قَبْلَهُ يَحْيَى. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعَطَاءٌ: لَمْ نَجْعَلْ لَهُ شَبَهًا وَمِثْلًا، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم: 65] أَيْ مِثْلًا، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِثْلٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْصِ وَلَمْ يَهُمَّ بِمَعْصِيَةٍ قَطُّ. وقيل: لم يكن له ميل فِي أَمْرِ النِّسَاءِ، لِأَنَّهُ كَانَ سَيِّدًا وَحَصُورًا. وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: أَيْ لَمْ تَلِدِ الْعَوَاقِرُ مِثْلَهُ وَلَدًا. وَقِيلَ: لَمْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ اجْتِمَاعَ الْفَضَائِلِ كُلِّهَا لِيَحْيَى إِنَّمَا أَرَادَ بَعْضَهَا لِأَنَّ الْخَلِيلَ وَالْكَلِيمَ كَانَا قَبْلَهُ وَهُمَا أَفْضَلُ مِنْهُ.
[8]
{قَالَ رَبِّ أَنَّى} [مريم: 8] مِنْ أَيْنَ، {يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا} [مريم: 8] أي يبسا، وقال قتادة: يريد تحول الْعَظْمِ، يُقَالُ: عَتَا الشَّيْخُ يَعْتُو عِتِيًّا وَعِسِيًّا، إِذَا انْتَهَى سِنَّهُ وَكَبِرَ، وَشَيْخٌ عَاتٍ وَعَاسٍ إِذَا صَارَ إِلَى حَالَةِ الْيَبَسِ وَالْجَفَافِ. وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ: عِتِيًّا وَبِكِيًّا وَصِلِيًّا وَجِثِيًّا بِكَسْرِ أَوَائِلِهِنَّ، وَالْبَاقُونَ بِرَفْعِهَا، وَهُمَا لُغَتَانِ.
[9]
{قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ} [مريم: 9] يسير، {وَقَدْ خَلَقْتُكَ} [مريم: 9] قَرَأَ حَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ (خَلَقْنَاكَ) بِالنُّونِ وَالْأَلِفِ عَلَى التَّعْظِيمِ، {مِنْ قَبْلُ} [مريم: 9] أَيْ مِنْ قَبْلِ يَحْيَى، {وَلَمْ تَكُ شَيْئًا} [مريم: 9]
[10]
{قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً} [مريم: 10] دَلَالَةً عَلَى حَمْلِ امْرَأَتِي، {قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا} [مريم: 10] أَيْ صَحِيحًا سَلِيمًا مِنْ غَيْرِ مَا بَأْسٍ وَلَا خَرَسٍ. قَالَ مُجَاهِدٌ: أَيْ لَا يَمْنَعُكَ مِنَ الْكَلَامِ مَرَضٌ. وَقِيلَ: ثَلَاثَ لَيَالٍ سويا أي متتابعا، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. وَفِي الْقِصَّةِ: أَنَّهُ لَمْ يَقْدِرْ فِيهَا أَنْ يَتَكَلَّمَ مَعَ النَّاسِ فَإِذَا أَرَادَ ذِكْرَ الله تعالى انطلق لسانه.
[11]
قوله تعالى: {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ} [مريم: 11] وَكَانَ النَّاسُ مِنْ وَرَاءِ الْمِحْرَابِ يَنْتَظِرُونَهُ أَنْ يَفْتَحَ لَهُمُ الْبَابَ فَيَدْخُلُونَ وَيُصَلُّونَ إِذْ خَرَجَ عَلَيْهِمْ زكريا متغيرا لونه فأنكروه، فقالوا: