الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَعْضُهُمْ: يَجِبُ فِي صَدَقَةِ الْفَرْضِ، وَيَسْتَحِبُّ فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ، وَقِيلَ: يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ وَيُسْتَحَبُّ لِلْفَقِيرِ أن يدعو للمعطي.
[104]
{أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ} [التوبة: 104] أَيْ: يَقْبَلُهَا، {وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [التوبة: 104] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِم صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا مِنْ عَبْدٍ يَتَصَدَّقُ بِصَدَقَةٍ مع كَسْبٍ طَيِّبٍ، وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ إِلَّا طِيبًا وَلَا يَصْعَدُ إِلَى السَّمَاءِ إِلَّا طِيبٌ إِلَّا كَأَنَّمَا يَضَعُهَا فِي يَدِ الرَّحْمَنِ عز وجل فَيُرَبِّيهَا لَهُ كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ، حَتَّى إِنَّ اللُّقْمَةَ لِتَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَإِنَّهَا لِمِثْلُ الْجَبَلِ الْعَظِيمِ، ثُمَّ قَرَأَ: {أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ} [التوبة: 104] » ، (1) .
[105]
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [التوبة: 105] قَالَ مُجَاهِدٌ: هَذَا وَعِيدٌ لَهُمْ، وقيل: رؤية لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِإِعْلَامِ اللَّهِ تَعَالَى إِيَّاهُ، وَرُؤْيَةُ الْمُؤْمِنِينَ بِإِيقَاعِ الْمَحَبَّةِ فِي قُلُوبِهِمْ لأهل الصلاح، والبغض لِأَهْلِ الْفَسَادِ.
[106]
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 106] قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ غَيْرَ أَبِي بَكْرٍ: (مُرْجَوْنَ) بِغَيْرِ هَمْزٍ، وَالْآخَرُونَ بِالْهَمْزِ، وَالْإِرْجَاءُ: التَّأْخِيرُ، مُرْجَوْنَ: مُؤَخَّرُونَ لِأَمْرِ اللَّهِ: لِحُكْمِ اللَّهِ عز وجل فِيهِمْ، وَهُمُ الثَّلَاثَةُ الَّذِينَ تَأْتِي قِصَّتُهُمْ مِنْ بَعْدُ: كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ وَهِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ وَمَرَارَةُ بْنُ الرَّبِيعِ، لَمْ يُبَالِغُوا فِي التَّوْبَةِ وَالِاعْتِذَارِ كَمَا فعل أبو لبابة وأصحابه، فَوَقَفَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَمْسِينَ لَيْلَةً، وَنَهَى النَّاسَ عَنْ مُكَالَمَتِهِمْ وَمُخَالَطَتِهِمْ، حَتَّى شَقَّهُمُ الْقَلَقُ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ، وَكَانُوا مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ فَجَعَلَ أُنَاسٌ يَقُولُونَ: هَلَكُوا، وَآخَرُونَ يَقُولُونَ: عَسَى اللَّهُ أَنْ يَغْفِرَ لَهُمْ، فَصَارُوا مُرْجَئِيْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ لَا يَدْرُونَ أَيُعَذِّبُهُمْ أَمْ يَرْحَمُهُمْ، حَتَّى نَزَلَتْ تَوْبَتُهُمْ بَعْدَ خمسين ليلة،
[قوله تعالى وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا]
بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ. . . .
[107]
قوله تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا} [التوبة: 107] نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي جَمَاعَةٍ مِنَ الْمُنَافِقِينَ بَنَوْا مَسْجِدًا يُضَارُّونَ به مسجد قباء ضِرَارًا يَعْنِي مُضَارَّةً لِلْمُؤْمِنِينَ، {وَكُفْرًا} [التوبة: 107] بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، {وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ} [التوبة: 107] ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا جَمِيعًا يُصَلُّونَ فِي مَسْجِدِ قُبَاءٍ فَبَنَوْا مَسْجِدَ الضِّرَارِ لِيُصَلِّيَ فِيهِ بَعْضُهُمْ فَيُؤَدِّيَ ذَلِكَ إلى الاختلاف وافتراق الكلمة، {وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ} [التوبة: 107] أَيِ: انْتِظَارًا وَإِعْدَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُقَالُ: أَرْصَدْتُ لَهُ إِذَا أَعْدَدْتُ لَهُ، وَهُوَ أَبُو عامر الفاسق أرسل إِلَى الْمُنَافِقِينَ أَنِ اسْتَعَدُّوا بِمَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ سِلَاحٍ، وَابْنُوا لِي مَسْجِدًا فَإِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى قَيْصَرَ مَلِكِ الرُّومِ فَآتٍ بِجُنْدٍ مِنَ الرُّومِ، فَأُخْرِجُ مُحَمَّدًا وأصحابه من المدينة، فَبَنَوْا مَسْجِدَ الضِّرَارِ إِلَى جَنْبِ مَسْجِدِ قُبَاءٍ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى:{وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ} [التوبة: 107] وَهُوَ أَبُو عَامِرٍ الْفَاسِقُ لِيُصَلِّيَ فِيهِ إِذَا رَجَعَ مِنَ الشَّامِ، قوله:{مِنْ قَبْلُ} [التوبة: 107] يَرْجِعُ إِلَى أَبِي عَامِرٍ يَعْنِي حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ أَيْ: مِنْ قَبْلِ بِنَاءِ مَسْجِدِ الضرار، {وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا} [التوبة: 107] مَا أَرَدْنَا بِبِنَائِهِ، {إِلَّا الْحُسْنَى} [التوبة: 107] إِلَّا الْفِعْلَةَ الْحُسْنَى وَهُوَ الرِّفْقُ بِالْمُسْلِمِينَ وَالتَّوْسِعَةُ عَلَى أَهْلِ الضَّعْفِ والعجز عن السير إِلَى مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، {وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [التوبة: 107] في قولهم وحلفهم.
[108]
قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا} [التوبة: 108] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "لَا تُصَلِّ فِيهِ " مَنَعَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم إِنَّ يُصَلِّيَ فِي مَسْجِدِ الضِّرَارِ، {لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى} [التوبة: 108] اللَّامُ لَامُ الِابْتِدَاءِ، وَقِيلَ: لَامُ القسم،
(1) أخرجه الشافعي بإسناد حسن في المسند 1 / 220 والمصنف في شرح السنة 6 / 131 وصححه الحاكم على شرط الشيخين 2 / 335 وأصل معنى الحديث ثابت في الصحيحين.
تَقْدِيرُهُ، وَاللَّهِ لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ أَيْ: بُنِيَ أَصْلُهُ عَلَى التَّقْوَى، {مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ} [التوبة: 108] أَيْ: مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ بُنِيَ وَوُضِعَ أَسَاسُهُ، {أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ} [التوبة: 108] مُصَلِّيًا، وَاخْتَلَفُوا فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ: هُوَ مَسْجِدُ الْمَدِينَةِ مَسْجِدِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم، والدليل عليه قول الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ، وَمِنْبَرِي عَلَى حَوْضِي» (1) وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ مَسْجِدُ قُبَاءٍ وَهُوَ رِوَايَةُ عَطِيَّةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ قَوْلُ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَسَعِيدِ بن جبير وقتادة، {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} [التوبة: 108] مِنَ الْأَحْدَاثِ وَالْجُنَابَاتِ وَالنَّجَاسَاتِ: وَقَالَ عَطَاءٌ: كَانُوا يَسْتَنْجُونَ بِالْمَاءِ وَلَا ينامون بالليل على الجنابة {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} [التوبة: 108] أَيِ الْمُتَطَهِّرِينَ.
[109]
{أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ} [التوبة: 109] يقرأ نَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ (أُسِّسَ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ السِّينِ، (بُنْيَانُهُ) بِرَفْع النون فيها جَمِيعًا عَلَى غَيْرِ تَسْمِيَةِ الْفَاعِلِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ (أُسِّسَ) فَتْحُ الْهَمْزَةِ والسين {بُنْيَانَهُ} [التوبة: 109] بِنَصْبِ النُّونِ عَلَى تَسْمِيَةِ الْفَاعِلِ، {عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ} [التوبة: 109] أَيْ: عَلَى طَلَبِ التَّقْوَى وَرِضَا اللَّهِ تَعَالَى خَيْرٌ {أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا} [التوبة: 109] أي على شفير، {جُرُفٍ} [التوبة: 109] قَرَأَ أَبُو عَمْرٍو وَحَمْزَةُ وَأَبُو بَكْرٍ (جُرْفٍ) سَاكِنَةُ الرَّاءِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِضَمِّ الرَّاءِ وَهُمَا لُغَتَانِ، وَهِيَ الْبِئْرُ الَّتِي لَمَّ تُطْوَ، قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: هُوَ الْهُوَّةُ، وَمَا يَجْرُفُهُ السَّيْلُ مِنَ الْأَوْدِيَةِ فيتجرف بالماء فيبقى واهيًا، {هَارٍ} [التوبة: 109] أَيْ: هَائِرٌ وَهُوَ السَّاقِطُ يُقَالُ: هَارَ يَهُورُ فَهُوَ هَائِرٌ، ثُمَّ يُقْلَبُ فَيُقَالُ: هَارٍ مِثْلُ شَاكٍ وشائك وعاق عائق، وقيل: هو من هار بها إِذَا انْهَدَمَ، وَمَعْنَاهُ السَّاقِطُ الَّذِي يَتَدَاعَى بَعْضُهُ فِي إِثْرِ بَعْضٍ كَمَا يَنْهَارُ الرَّمْلُ وَالشَّيْءُ الرَّخْوُ، {فَانْهَارَ بِهِ} [التوبة: 109] أي: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: يُرِيدُ صَيَّرَهُمُ النِّفَاقُ إِلَى النَّارِ، {وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [التوبة: 109]
[110]
{لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً} [التوبة: 110] أي: {قُلُوبِهِمْ} [التوبة: 110] يحسبون أنهم كانوا في بنائه مُحْسِنِينَ كَمَا حُبِّبَ الْعِجْلُ إِلَى قَوْمِ مُوسَى، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: حَسْرَةٌ وَنَدَامَةٌ؛ لِأَنَّهُمْ نَدِمُوا عَلَى بِنَائِهِ، وَقَالَ السُّدِّيُّ: لَا يَزَالُ هدم بنيانهم رِيبَةً وَحَزَازَةً، وَغَيْظًا فِي قُلُوبِهِمْ، {إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ} [التوبة: 110] أي: تتصدع قلوبهم فيموتوا، وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو جَعْفَرٍ وحفص وحمزة (تَقَطَّعَ) بِفَتْحِ التَّاءِ أَيْ: تَتَقَطَّعُ، فحذفت إحدى التاءين تخفيفا، وقرأ الآخرون (تقطع) بضم التاء من التقطيع، وَقَرَأَ يَعْقُوبُ وَحَدَّهُ (إِلَى أَنْ) بتخفيف اللام على الغاية، وقرأ الباقون {إِلَّا أَنْ} [التوبة: 110]
(1) أخرجه البخاري في فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة 3 / 70 ومسلم في الحج ش قم (1391) 2 / 1011 والمصنف في شرح السنة 2 / 338.