الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هَذِهِ الْوَاوُ زَائِدَةٌ تَقْدِيرُهُ: أَوْحَيْنَا إِلَيْهِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ - وَنَادَيْنَاهُ} [الصَّافَّاتِ: 103 - 104] أَيْ: نَادَيْنَاهُ، {لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} [يوسف: 15] أي: أَوْحَيْنَا إِلَى يُوسُفَ عليه السلام: لَتُصَدَّقَنَّ رُؤْيَاكَ وَلَتُخْبِرَنَّ إِخْوَتَكَ بِصَنِيعِهِمْ هَذَا، وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ، بِوَحْيِ الله وإعلامه إياه ذلك، قال مُجَاهِدٌ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ يَوْمَ تُخْبِرُهُمْ أَنَّكَ يُوسُفُ، وَذَلِكَ حِينَ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وهم منكرون، والأكثرون عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْحَى إِلَيْهِ بِهَذَا، وَبَعَثَ إِلَيْهِ جِبْرِيلَ عليه السلام يُؤْنِسُهُ، وَيُبَشِّرُهُ بِالْخُرُوجِ، وَيُخْبِرُهُ أَنَّهُ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا فَعَلُوهُ وَيُجَازِيهِمْ عَلَيْهِ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: ثم إنهم ذبحوا أسخلة، وَجَعَلُوا دَمَهَا عَلَى قَمِيصِ يُوسُفَ علية السلام.
[قوله تعالى وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ
. . . .]
[16]
{وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ} [يوسف: 16] قال أهل المعاني: جاؤوا فِي ظُلْمَةِ الْعِشَاءِ لِيَكُونُوا أَجْرَأَ عَلَى الِاعْتِذَارِ بِالْكَذِبِ، وَرُوِيَ أَنَّ يَعْقُوبَ عليه السلام سَمِعَ صِيَاحَهُمْ وَعَوِيلَهُمْ فَخَرَجَ وَقَالَ: مَا لَكُمْ يَا بَنِيَّ هَلْ أَصَابَكُمْ فِي غَنَمِكُمْ شَيْءٌ؟ قَالُوا: لَا قَالَ: فَمَا أَصَابَكُمْ وَأَيْنَ يُوسُفُ؟؟
[17]
{قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ} [يوسف: 17] أي: نترامى وننتضل، قال السُّدِّيُّ: نَشْتَدُّ عَلَى أَقْدَامِنَا. {وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا} [يوسف: 17] أَيْ: عِنْدَ ثِيَابِنَا وَأَقْمِشَتِنَا. {فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا} [يوسف: 17] بمصدق لنا {وَلَوْ كُنَّا} [يوسف: 17] وإن كنا {صَادِقِينَ} [هود: 13] فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ قَالُوا لِيَعْقُوبَ أَنْتَ لَا تُصَدِّقُ الصَّادِقَ؟ قِيلَ مَعْنَاهُ إِنَّكَ تَتَّهِمُنَا فِي هَذَا الأمر؛ لأنك خفتنا عليه فِي الِابْتِدَاءِ، وَاتَّهَمْتَنَا فِي حَقِّهِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لَا تُصَدِّقُنَا؛ لِأَنَّهُ لا دليل عَلَى صِدْقِنَا وَإِنْ كُنَّا صَادِقِينَ عِنْدَ اللَّهِ.
[18]
{وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ} [يوسف: 18] أي: بدم كَذِبٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ دَمَ يُوسُفَ، وَقِيلَ: بِدَمٍ مَكْذُوبٍ فِيهِ، فَوَضَعَ الْمَصْدَرَ مَوْضِعَ الِاسْمِ، وَفِي الْقِصَّةِ: أَنَّهُمْ لَطَّخُوا الْقَمِيصَ بِالدَّمِ وَلَمْ يَشُقُّوهُ، فَقَالَ يَعْقُوبُ عليه السلام: كَيْفَ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَلَمْ يَشُقَّ قَمِيصَهُ فَاتَّهَمَهُمْ، {قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ} [يوسف: 18] زَيَّنَتْ، {لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} [يوسف: 18] مَعْنَاهُ: فَأَمْرِي صَبْرٌ جَمِيلٌ، أَوْ فِعْلِي صَبْرٌ جَمِيلٌ، وَقِيلَ: فَصَبْرٌ جَمِيلٌ أَخْتَارُهُ، وَالصَّبْرُ الْجَمِيلُ الَّذِي لا شكوى فيه ولا جرع. {وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [يوسف: 18] أَيْ: أَسْتَعِينُ بِاللَّهِ عَلَى الصَّبْرِ، على ما تكذبون.
[19]
{وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ} [يوسف: 19] وَهُمُ الْقَوْمُ الْمُسَافِرُونَ سُمُّوا سَيَّارَةً؛ لِأَنَّهُمْ يَسِيرُونَ فِي الْأَرْضِ كَانَتْ رُفْقَةً مِنْ مَدْيَنَ تُرِيدُ مِصْرَ، فأخطأوا الطَّرِيقَ فَنَزَلُوا قَرِيبًا مِنَ الْجُبِّ، وَكَانَ الْجُبُّ فِي قَفْرٍ بَعِيدٍ مِنَ الْعُمْرَانِ لِلرُّعَاةِ وَالْمَارَّةِ، وَكَانَ مَاؤُهُ مَالِحًا فَعَذُبَ حِينَ أُلْقِيَ يُوسُفُ عليه السلام فِيهِ، فَلَمَّا نَزَلُوا أَرْسَلُوا رَجُلًا مِنْ أَهْلِ مَدْيَنَ يُقَالُ لَهُ مَالِكُ بْنُ ذُعْرٍ، لِطَلَبِ الْمَاءِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ عز وجل. {فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ} [يوسف: 19] وَالْوَارِدُ: الَّذِي يَتَقَدَّمُ الرُّفْقَةَ إِلَى الْمَاءِ فَيُهَيِّئُ الْأَرْشِيَةَ وَالدِّلَاءَ {فَأَدْلَى دَلْوَهُ} [يوسف: 19] أَيْ: أَرْسَلَهَا فِي الْبِئْرِ، يُقَالُ: أَدْلَيْتُ الدَّلْوَ إِذَا أَرْسَلْتُهَا فِي الْبِئْرِ، وَدَلَوْتُهَا إِذَا أَخْرَجْتَهَا، فَتَعَلَّقَ يُوسُفُ بِالْحَبْلِ فَلَمَّا خَرَجَ إِذَا هُوَ بِغُلَامٍ أَحْسَنَ مَا يَكُونُ {قَالَ يا بُشْرَى} [يوسف: 19] قَرَأَ الْأَكْثَرُونَ هَكَذَا بِالْأَلْفِ وَفَتْحِ الياء، والوجه: أن بشراي مضافة إلى ياء المتكلم وهو منادى مضاف فموضعه نصب، وقرأ الكوفيون:(يا بشرى) بغير ياء الإضافة على فعل، وأمال الراء حمزة والكسائي وفتحها عاصم وقيل: بَشَّرَ الْمُسْتَقِي أَصْحَابَهُ يَقُولُ. أَبْشِرُوا، {هَذَا غُلَامٌ وَأَسَرُّوهُ} [يوسف: 19] أي أخفوه، {بِضَاعَةً} [يوسف: 19] قَالَ مُجَاهِدٌ: أَسَرَّهُ مَالِكُ بْنُ ذُعْرٍ وَأَصْحَابُهُ مِنَ التُّجَّارِ الَّذِينَ معهم، وقالوا هذا بِضَاعَةٌ اسْتَبْضَعَهَا بَعْضُ أَهْلِ الْمَاءِ إِلَى مِصْرَ خِيفَةَ أَنْ يَطْلُبُوا مِنْهُمْ فِيهِ الْمُشَارَكَةَ، وَقِيلَ: أَرَادَ أَنَّ إِخْوَةَ يُوسُفَ أَسَرُّوا شَأْنَ يُوسُفَ، وَقَالُوا هَذَا عَبْدٌ لَنَا أبق منا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} [يوسف: 19]
فَأَتَى يَهُوذَا يُوسُفَ بِالطَّعَامِ فَلَمْ يَجِدْهُ فِي الْبِئْرِ فَأَخْبَرَ بِذَلِكَ إِخْوَتَهُ فَطَلَبُوهُ فَإِذَا هُمْ بِمَالِكٍ وأصحابه نزول فَأَتَوْهُمْ فَإِذَا هُمْ بِيُوسُفَ، فَقَالُوا هَذَا عَبْدٌ آبِقٌ مِنَّا، وَيُقَالُ: إِنَّهُمْ هَدَّدُوا يُوسُفَ حَتَّى لَمْ يَعْرِفْ حَالَهُ، وَقَالَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ، ثُمَّ بَاعُوهُ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ عز وجل:
[20]
{وَشَرَوْهُ} [يوسف: 20] أي: باعوه، {بِثَمَنٍ بَخْسٍ} [يوسف: 20] قَالَ الضَّحَّاكُ وَمُقَاتِلٌ وَالسُّدِّيُّ: حَرَامٌ؛ لِأَنَّ ثَمَنَ الْحُرِّ حَرَامٌ، وَسُمِّيَ الْحَرَامُ بَخْسًا؛ لِأَنَّهُ مَبْخُوسُ الْبَرَكَةِ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ: بَخْسٍ أَيْ زُيُوفٍ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ والشعبي: بثمن قليل. {دَرَاهِمَ} [يوسف: 20] بدل من الثمن، {مَعْدُودَةٍ} [يوسف: 20] ذَكَّرَ الْعَدَدَ عِبَارَةٌ عَنْ قِلَّتِهَا، وَقِيلَ: إِنَّمَا قَالَ مَعْدُودَةً؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ لَا يَزِنُونَ مَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا، إِنَّمَا كَانُوا يَعُدُّونَهَا عَدًّا فَإِذَا بَلَغَتْ أُوقِيَّةً وَزَنُوهَا، {وَكَانُوا} [يوسف: 20] يعني: إخوة يوسف، {فِيهِ} [يوسف: 20] أَيْ: فِي يُوسُفَ {مِنَ الزَّاهِدِينَ} [يوسف: 20] لِأَنَّهُمْ لَمْ يَعْلَمُوا مَنْزِلَتَهُ عِنْدَ اللَّهِ، وَقِيلَ: كَانُوا فِي الثَّمَنِ مِنَ الزَّاهِدِينَ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُنْ قَصْدُهُمْ تَحْصِيلُ الثَّمَنِ إِنَّمَا كَانَ قَصْدُهُمْ تَبْعِيدَ يُوسُفَ عَنْ أَبِيهِ، ثُمَّ انْطَلَقَ مَالِكُ بْنُ ذُعْرٍ وأصحابه بيوسف فَذَهَبُوا بِهِ حَتَّى قَدِمُوا مِصْرَ، وَعَرَضَهُ مَالِكٌ عَلَى الْبَيْعِ فَاشْتَرَاهُ صَاحِبُ أَمْرِ الْمَلِكِ، وَكَانَ عَلَى خزائن مصر يسمى العزيز فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى:
[21]
{وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ} [يوسف: 21] وَاسْمُهَا رَاعِيلُ، وَقِيلَ: زُلَيْخَا {أَكْرِمِي مَثْوَاهُ} [يوسف: 21] أَيْ: مَنْزِلَهُ وَمُقَامَهُ، وَالْمَثْوَى: مَوْضِعُ الْإِقَامَةِ، وَقِيلَ: أَكْرِمِيهِ فِي الْمَطْعَمِ وَالْمَلْبَسِ وَالْمُقَامِ، وَقَالَ قَتَادَةُ وَابْنُ جُرَيْجٍ: مَنْزِلَتَهُ. {عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا} [يوسف: 21] أَيْ: نَبِيعَهُ بِالرِّبْحِ إِنْ أَرَدْنَا الْبَيْعَ أَوْ يَكْفِيَنَا إِذَا بَلَغَ بَعْضَ أُمُورِنَا، {أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا} [يوسف: 21] أي: نتبناه. {وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ} [يوسف: 21] أَيْ: فِي أَرْضِ مِصْرَ، أَيْ. كَمَا أَنْقَذْنَا يُوسُفُ مِنَ الْقَتْلِ وَأَخْرَجْنَاهُ مِنَ الْجُبِّ، كَذَلِكَ مَكَّنَا لَهُ فِي الْأَرْضِ فَجَعَلْنَاهُ عَلَى خَزَائِنِهَا. {وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ} [يوسف: 21] أَيْ: مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ كي نُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ، وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنِ الرُّؤْيَا. {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ} [يوسف: 21] يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ لَا يَغْلِبُهُ شيء ولا يرد عليه حكم رَادٌّ، وَقِيلَ: هِيَ رَاجِعَةٌ إِلَى يُوسُفَ عليه السلام مَعْنَاهُ: إِنَّ الله مسئول على أمر يوسف بالتدبير والإحاطة، لَا يَكِلُهُ إِلَى أَحَدٍ حَتَّى يبلغه مُنْتَهَى عِلْمِهِ فِيهِ. {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [يوسف: 21]
[22]
{وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ} [يوسف: 22] منتهى شبابه وشدته وقوته ومعرفته {آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا} [يوسف: 22] فَالْحُكْمُ: النُّبُوَّةُ، وَالْعِلْمُ: الْفِقْهُ فِي الدِّينِ، وَقِيلَ: حَكَمًا يَعْنِي إِصَابَةً فِي الْقَوْلِ، وَعِلْمًا بِتَأْوِيلِ الرُّؤْيَا، وَقِيلَ: الْفَرْقُ بَيْنَ الْحَكِيمِ وَالْعَالِمِ: أَنَّ الْعَالِمَ هُوَ الَّذِي يَعْلَمُ الْأَشْيَاءَ