الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{وَوَضَعَ الْمِيزَانَ} [الرحمن: 7] قَالَ مُجَاهِدٌ: أَرَادَ بِالْمِيزَانِ الْعَدْلَ، الْمَعْنَى أَنَّهُ أَمَرَ بِالْعَدْلِ، يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى:
[8]
{أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ} [الرحمن: 8] أَيْ لَا تُجَاوِزُوا الْعَدْلَ.
وَقَالَ الْحَسَنُ وقَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ: أَرَادَ بِهِ الَّذِي يُوزَنُ بِهِ لِيُوصَلَ بِهِ الْإِنْصَافِ وَالِانْتِصَافِ، وَأَصْلُ الْوَزْنِ التَّقْدِيرُ.
أَلَّا تَطْغَوْا: يَعْنِي لِئَلَّا تَمِيلُوا وَتَظْلِمُوا وَتُجَاوِزُوا الْحَقَّ فِي الْمِيزَانِ.
[9]
{وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ} [الرحمن: 9] بِالْعَدْلِ، وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ وَعَطَاءٌ: مَعْنَاهُ أَقِيمُوا لِسَانَ الْمِيزَانِ بِالْعَدْلِ.
قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: الْإِقَامَةُ بِالْيَدِ والقسط بالقلب، {وَلَا تُخْسِرُوا} [الرحمن: 9] ولا تنقصوا {الْمِيزَانَ} [الرحمن: 9] وَلَا تُطَفِّفُوا فِي الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ.
[10]
{وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ} [الرحمن: 10] لِلْخَلْقِ الَّذِينَ بَثَّهُمْ فِيهَا.
[11]
{فِيهَا فَاكِهَةٌ} [الرحمن: 11] يَعْنِي أَنْوَاعَ الْفَوَاكِهِ، قَالَ ابْنُ كيسان: مَا يَتَفَكَّهُونَ بِهِ مِنَ النِّعَمِ الَّتِي لَا تُحْصَى، {وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ} [الرحمن: 11] الأوعية التي يكون فيها التمر، لأن تمر النَّخْلِ يَكُونُ فِي غِلَافٍ مَا لَمْ يَنْشَقَّ، وَاحِدُهَا كِمٌّ، وَكُلُّ مَا سَتَرَ شَيْئًا فَهُوَ كِمٌّ، وَكِمَّةٌ، وَمِنْهُ كُمُّ الْقَمِيصِ، وَيُقَالُ لِلْقَلَنْسُوَةِ كُمَّةٌ، قَالَ الضَّحَّاكُ: ذَاتُ الْأَكْمَامِ أَيْ ذَاتُ الْغُلُفِ.
وَقَالَ الحسن: أكمامها ليفها.
وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: هُوَ الطَّلْعُ قبل أن ينفتق.
[12]
{وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ} [الرحمن: 12] أَرَادَ بِالْحَبِّ جَمِيعَ الْحُبُوبِ الَّتِي يقتات بها.
قَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ وَرَقُ الزَّرْعِ.
والعصف وَرَقُ كُلِّ شَيْءٍ يَخْرُجُ مِنْهُ الحب، وقال ابن عباس: هو التبن.
وعنه: هُوَ وَرَقُ الزَّرْعِ الْأَخْضَرِ إِذَا قطع رؤوسه وَيَبِسَ، نَظِيرُهُ:{كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} [الْفِيلِ: 5]
{وَالرَّيْحَانُ} [الرحمن: 12] هُوَ الرِّزْقُ فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِينَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كُلُّ رَيْحَانٍ في القرآن فهو رزق.
قال الْحَسَنُ وَابْنُ زَيْدٍ: هُوَ رَيْحَانُكُمُ الَّذِي يُشَمُّ، قَالَ الضَّحَّاكُ: الْعَصْفُ هو التبن والريحان ثمرته.
[13]
{فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن: 13] أَيُّهَا الثَّقَلَانِ يُرِيدُ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الْمَذْكُورَةِ وَكَرَّرَ هَذِهِ الْآيَةَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ تَقْرِيرًا لِلنِّعْمَةِ وَتَأْكِيدًا فِي التَّذْكِيرِ بِهَا عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ فِي الْإِبْلَاغِ وَالْإِشْبَاعِ، يُعَدِّدُ عَلَى الْخَلْقِ آلَاءَهُ وَيَفْصِلُ بَيْنَ كُلِّ نِعْمَتَيْنِ بِمَا يُنَبِّهُهُمْ عَلَيْهَا، كَقَوْلِ الرِّجْلِ لِمَنْ أَحْسَنَ إِلَيْهِ وَتَابَعَ عَلَيْهِ بِالْأَيَادِي وَهُوَ يُنْكِرُهَا وَيَكْفُرُهَا: أَلَمْ تَكُنْ فَقِيرًا فَأَغْنَيْتُكَ أَفَتُنْكِرُ هَذَا؟ أَلَمْ تَكُنْ عُرْيَانًا فَكَسَوْتُكَ أَفَتُنْكِرُ هَذَا؟ أَلَمْ تَكُ خَامِلًا فَعَزَّزْتُكَ أَفَتُنْكِرُ هَذَا؟ ومثل هذا التكرار سائغ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ حَسَنٌ تَقْرِيرًا.
[14]
{خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ} [الرحمن: 14]
[15]
{وَخَلَقَ الْجَانَّ} [الرحمن: 15] وَهُوَ أَبُو الْجِنِّ وَقَالَ الضَّحَّاكُ: هُوَ إِبْلِيسُ، {مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ} [الرحمن: 15] وَهُوَ الصَّافِي مِنْ لَهَبِ النَّارِ الَّذِي لَا دُخَانَ فِيهِ.
قَالَ مُجَاهِدٌ: وَهُوَ مَا اخْتَلَطَ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ مِنَ اللَّهَبِ الْأَحْمَرِ وَالْأَصْفَرِ وَالْأَخْضَرِ الَّذِي يَعْلُو النَّارَ إِذَا أُوقِدَتْ، مِنْ قَوْلِهِمْ مَرَجَ أَمْرُ القوم إذا اختلط.
[قوله تعالى رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ
. . .]
[16 - 17]{فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ - رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ} [الرحمن: 16 - 17] مَشْرِقِ الصَّيْفِ وَمَشْرِقِ الشِّتَاءِ.
{وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ} [الرحمن: 17] مَغْرِبِ الصَّيْفِ وَمَغْرِبِ الشِّتَاءِ.
[18]
{فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن: 18]
[19]
{مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ} [الرحمن: 19] الْعَذْبَ وَالْمَالِحَ أَرْسَلَهُمَا وَخَلَّاهُمَا {يَلْتَقِيَانِ} [الرحمن: 19]
[20]
{بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ} [الرحمن: 20] حَاجِزٌ مِنْ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى، {لَا يَبْغِيَانِ} [الرحمن: 20] لَا يَخْتَلِطَانِ وَلَا يَتَغَيَّرَانِ وَلَا يَبْغِي أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: لَا يَطْغَيَانِ عَلَى النَّاسِ بالغرق.
[21]
{فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن: 21]
[22]
{يَخْرُجُ مِنْهُمَا} [الرحمن: 22] قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ (يُخْرَجُ) بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الرَّاءِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الرَّاءِ، {اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} [الرَّحْمَنِ: 22] وَإِنَّمَا يَخْرُجُ مِنَ الْمَالِحِ دُونَ الْعَذْبِ، وَهَذَا جَائِزٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ أَنْ يَذْكُرَ شَيْئَانِ ثُمَّ يَخُصُّ أَحَدَهُمَا بِفِعْلٍ كَمَا
قَالَ عز وجل: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ} [الأنعام: 130] وكان الرُّسُلُ مِنَ الْإِنْسِ دُونَ الْجِنِّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَخْرُجُ مِنْ مَاءِ السَّمَاءِ وَمَاءِ الْبَحْرِ.
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: إِذَا أَمْطَرْتِ السَّمَاءُ فَتَحَتِ الْأَصْدَافُ أَفْوَاهَهَا فَحَيْثُمَا وَقَعَتْ قَطْرَةٌ كَانَتْ لُؤْلُؤَةً، وَاللُّؤْلُؤَةُ مَا عَظُمَ من الدر، والمرجان صغارها.
[23، 24]{فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ - وَلَهُ الْجَوَارِ} [الرحمن: 23 - 24] السفن الكبار، {الْمُنْشَآتُ} [الرحمن: 24] وقرأ حمزة وأبو بكر: (المنشآت) بكسر الشين، أي المنشآت السير يَعْنِي اللَّاتِي ابْتَدَأْنَ وَأَنْشَأْنَ السَّيْرَ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِفَتْحِ الشِّينِ أَيْ الْمَرْفُوعَاتُ وَهِيَ الَّتِي رُفِعَ خَشَبُهَا بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ.
وَقِيلَ: هِيَ مَا رُفِعَ قَلْعُهُ مِنَ السُّفُنِ، وَأَمَّا مَا لَمْ يُرْفَعْ قَلْعُهُ فليس من المنشآت.
وَقِيلَ: الْمَخْلُوقَاتُ الْمُسَخَّرَاتُ، {فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ} [الرحمن: 24] كَالْجِبَالِ جَمْعُ عَلَمٍ وَهُوَ الْجَبَلُ الطَّوِيلُ شَبَّهَ السُّفُنَ فِي الْبَحْرِ بِالْجِبَالِ فِي الْبَرِّ.
[25]
{فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن: 25]
[26]
{كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا} [الرحمن: 26] أَيْ عَلَى الْأَرْضِ مِنْ حَيَوَانٍ فإنه، {فَانٍ} [الرحمن: 26] هالك.
[27]
{وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن: 27] أَيْ مُكْرِمُ أَنْبِيَائِهِ وَأَوْلِيَائِهِ بِلُطْفِهِ مَعَ جَلَالِهِ وَعَظَمَتِهِ. 28،
[29]
{فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ - يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الرحمن: 28 - 29] مِنْ مَلَكٍ وَإِنْسٍ وَجِنٍّ.
وَقَالَ قتادة: معناه لَا يَسْتَغْنِي عَنْهُ أَهْلُ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَأَهْلُ السَّمَاوَاتِ يَسْأَلُونَهُ الْمَغْفِرَةَ وَأَهْلُ الْأَرْضِ يسألونه الرزق وَالتَّوْبَةَ وَالْمَغْفِرَةَ.
وَقَالَ مُقَاتِلٌ: يُسْأَلُهُ أَهْلُ الْأَرْضِ الرِّزْقَ وَالْمَغْفِرَةَ، وَتَسْأَلُهُ الْمَلَائِكَةُ أَيْضًا لَهُمُ الرِّزْقَ وَالْمَغْفِرَةَ.
{كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن: 29] قَالَ مُقَاتِلٌ: نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ حِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْضِي يَوْمَ السَّبْتَ شَيْئًا.
قَالَ المفسرون: من شأنه أن يحصي وَيُمِيتَ وَيَرْزُقَ، وَيُعِزَّ قَوْمًا وَيُذِلَّ قَوْمًا وَيَشْفِيَ مَرِيضًا وَيَفُكَّ عَانِيًا وَيُفَرِّجَ مَكْرُوبًا وَيُجِيبَ دَاعِيًا وَيُعْطِيَ سَائِلًا وَيَغْفِرَ ذَنْبًا إِلَى مَا لَا يُحْصَى مِنْ أَفْعَالِهِ وَأَحْدَاثِهِ في خلقه ما يشاء. 30،
[31]
{فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ - سَنَفْرُغُ لَكُمْ} [الرحمن: 30 - 31] وَعِيدٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِلْخَلْقِ بِالْمُحَاسَبَةِ، كَقَوْلِ الْقَائِلِ لَأَتَفَرَّغَنَّ لَكَ، وَمَا بِهِ شُغْلٌ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالضَّحَّاكُ، وَإِنَّمَا حَسُنَ هَذَا الْفَرَاغُ لِسَبْقِ ذِكْرِ الشَّأْنِ.
وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَاهُ سَنَقْصِدُكُمْ بَعْدَ التَّرْكَ وَالْإِمْهَالِ وَنَأْخُذُ فِي أَمْرِكُمْ، كقول القائل الذي لا شغل له: قد تفرغت لك.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ اللَّهَ وَعَدَ أَهْلَ التَّقْوَى وَأَوْعَدَ أَهْلَ الْفُجُورِ، ثُمَّ قَالَ: سَنَفْرُغُ لَكُمْ مِمَّا وَعَدْنَاكُمْ، وَأَخْبَرَنَاكُمْ فَنُحَاسِبُكُمْ وَنُجَازِيكُمْ وَنُنْجِزُ لكم ما وَعَدْنَاكُمْ، وَأَخْبَرَنَاكُمْ فَنُحَاسِبُكُمْ وَنُجَازِيكُمْ وَنُنْجِزُ لكم ما وعدناكم، فنتم ذلك ونفرغ مِنْهُ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْحَسَنُ ومقاتل.
{أَيُّهَ الثَّقَلانِ} [الرحمن: 31] أَيِ الْجِنُّ وَالْإِنْسُ، سُمِّيَا ثَقَلَيْنِ