الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النَّارِ بِقَبْضِ أَرْوَاحِهِمْ قَبْلَ أَنْ تَمَسَّهُمُ النَّارُ وَخَرَجَتِ النَّارُ إِلَى مَنْ عَلَى شَفِيرِ الْأُخْدُودِ مِنَ الْكُفَّارِ فَأَحْرَقَتْهُمْ.
[6]
{إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ} [البروج: 6] أي عند النار جلوس يعذبون الْمُؤْمِنِينَ. قَالَ مُجَاهِدٌ: كَانُوا قُعُودًا عَلَى الْكَرَاسِيِّ عِنْدَ الْأُخْدُودِ.
[7]
{وَهُمْ} [البروج: 7] يَعْنِي الْمَلِكَ وَأَصْحَابَهُ الَّذِينَ خَدُّوا الْأُخْدُودَ، {عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ} [البروج: 7] مِنْ عَرْضِهِمْ عَلَى النَّارِ وَإِرَادَتِهِمْ أَنْ يَرْجِعُوا إِلَى دِينِهِمْ، {شُهُودٌ} [البروج: 7] حضور.
[8]
{وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ} [البروج: 8] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما مَا كَرِهُوا مِنْهُمْ، {إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ} [البروج: 8] قَالَ مُقَاتِلٌ: مَا عَابُوا مِنْهُمْ. وَقِيلَ: مَا عَلِمُوا فِيهِمْ عَيْبًا. قَالَ الزَّجَّاجُ: مَا أَنْكَرُوا عَلَيْهِمْ ذَنْبًا إِلَّا إِيمَانَهُمْ بِاللَّهِ {الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [البروج: 8]
[9]
{الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ} [البروج: 9] من أفعالههم، {شَهِيدٌ} [البروج: 9]
[10]
{إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا} [البروج: 10] عذبوا وأحرقوا، {الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [البروج: 10] يقال: فتنت الشيء إذ أَحْرَقَتَهُ، نَظِيرُهُ:{يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ} [الذَّارِيَاتِ: 13]{ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ} [البروج: 10] بكفرهم، {وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ} [البروج: 10] بِمَا أَحْرَقُوا الْمُؤْمِنِينَ. وَقِيلَ: وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ فِي الدُّنْيَا، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ أَحْرَقَهُمْ بِالنَّارِ الَّتِي أحرقوا بها المؤمنين، وارتفعت إِلَيْهِمْ مِنَ الْأُخْدُودِ، قَالَهُ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ وَالْكَلْبِيُّ.
[11]
ثُمَّ ذَكَرَ مَا أَعَدَّ لِلْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ} [البروج: 11] وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَابِ الْقَسَمِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ. جَوَابُهُ {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ} [البروج: 4] يَعْنِي لَقَدْ قُتِلَ. وَقِيلَ: فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ تَقْدِيرُهُ: قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: جَوَابُهُ:
[12]
{إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ} [البروج: 12] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ أَخْذَهُ بِالْعَذَابِ إِذَا أَخَذَ الظَّلَمَةَ لَشَدِيدٌ، كَقَوْلِهِ:{إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هُودٍ: 102]
[13]
{إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ} [البروج: 13] أَيْ يَخْلُقُهُمْ أَوَّلًا فِي الدُّنْيَا ثُمَّ يُعِيدُهُمْ أَحْيَاءً بَعْدَ الْمَوْتِ.
[14]
{وَهُوَ الْغَفُورُ} [البروج: 14] لذنوب المؤمنين، {الْوَدُودُ} [البروج: 14] المحب لهم.
[15]
{ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ} [البروج: 15] قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ (الْمَجِيدِ) بِالْجَرِّ عَلَى صِفَةِ الْعَرْشِ أَيِ السَّرِيرِ الْعَظِيمِ. وَقِيلَ: أَرَادَ حُسْنَهُ فَوَصَفَهُ بِالْمَجْدِ كَمَا وَصَفَهُ بِالْكَرَمِ، فَقَالَ:{رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [الْمُؤْمِنُونَ: 116] وَمَعْنَاهُ الْكَمَالُ، وَالْعَرْشُ: أَحْسَنُ الْأَشْيَاءِ وَأَكْمَلُهَا، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالرَّفْعِ عَلَى صِفَةِ ذُو الْعَرْشِ.
[16]
{فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [البروج: 16] لا يحجزه شيء يريده وللايمتنع مِنْهُ شَيْءٌ طَلَبَهُ.
[17]
قَوْلُهُ عز وجل: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ} [البروج: 17] قَدْ أَتَاكَ خَبَرُ الْجُمُوعِ الْكَافِرَةِ الذين تجندوا على الأنبياء، ثُمَّ بَيَّنَ مَنْ هُمْ؟
[18، 19] فَقَالَ: {فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ - بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا} [البروج: 18 - 19] مِنْ قَوْمِكَ يَا مُحَمَّدُ، {فِي تَكْذِيبٍ} [البروج: 19] لك وللقرآن كدأب مِنْ قَبْلِهِمْ، وَلَمْ يَعْتَبِرُوا بِمَنْ كَانَ قَبْلَهُمْ مِنَ الْكُفَّارِ.
[20]
{وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ} [البروج: 20] عَالِمٌ بِهِمْ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أَعْمَالِهِمْ، يَقْدِرُ أَنْ يُنْزِلَ بِهِمْ مَا أَنْزَلَ بِمَنْ كَانَ قَبْلَهُمْ.
[21]
{بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ} [البروج: 21] كَرِيمٌ شَرِيفٌ كَثِيرُ الْخَيْرِ، لَيْسَ كَمَا زَعَمَ الْمُشْرِكُونَ أَنَّهُ شِعْرٌ وكهانة.
[22]
{فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} [البروج: 22] قَرَأَ نَافِعٌ مَحْفُوظٌ بِالرَّفْعِ عَلَى نعت الْقُرْآنَ مَحْفُوظٌ مِنَ التَّبْدِيلِ وَالتَّغْيِيرِ وَالتَّحْرِيفِ، قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9] وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالْجَرِّ عَلَى نَعْتِ اللوح وهو الذي يعرف باللوح المحفوظ، وهو أم الكتاب، ومنه تنسخ الْكُتُبُ، مَحْفُوظٌ مِنَ الشَّيَاطِينِ، وَمِنَ الزيادة فيه والنقصان.
[سورة الطارق]
[قوله تعالى وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ]
. . .
(86)
سورة الطارق [1]{وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ} [الطارق: 1] وهذا قسم، والطارق النَّجْمُ يَظْهَرُ بِاللَّيْلِ، وَمَا أَتَاكَ لَيْلًا فَهُوَ طَارِقٌ.
[2]
{وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ} [الطَّارِقُ: 2]
[3]
ثُمَّ فَسَّرَهُ فَقَالَ: {النَّجْمُ الثَّاقِبُ} [الطارق: 3] أَيِ الْمُضِيءُ. الْمُنِيرُ، قَالَ مُجَاهِدٌ: المتوهج.
[4]
{إِنْ كُلُّ نَفْسٍ} [الطارق: 4] جَوَابُ الْقَسَمِ، {لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} [الطارق: 4] كُلُّ نَفْسٍ عَلَيْهَا حَافِظٌ مِنْ رَبِّهَا يَحْفَظُ عَمَلَهَا وَيُحْصِي عَلَيْهَا مَا تَكْتَسِبُ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُمُ الْحَفَظَةُ من الملائكة.
[5]
{فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ} [الطارق: 5] أي فليتفكر مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ رَبُّهُ، أَيْ فَلْيَنْظُرْ نَظَرَ الْمُتَفَكِّرِ.
[6]
ثُمَّ بَيَّنَ فَقَالَ: {خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ} [الطارق: 6] مَدْفُوقٍ أَيْ مَصْبُوبٍ فِي الرَّحِمِ، وَهُوَ الْمَنِيُّ، فَاعِلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ كقوله:{عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} [الحاقة: 21] وَالدَّفْقُ الصَّبُّ وَأَرَادَ مَاءَ الرَّجُلِ وَمَاءَ الْمَرْأَةِ لِأَنَّ الْوَلَدَ مَخْلُوقٌ مِنْهُمَا، وَجَعَلَهُ وَاحِدًا لِامْتِزَاجِهِمَا.
[7]
{يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} [الطارق: 7] يَعْنِي صُلْبَ الرَّجُلِ وَتَرَائِبَ الْمَرْأَةِ والترائب جُمَعُ التَّرِيبَةِ وَهِيَ عِظَامُ الصَّدْرِ والنحر.
[8]
{إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ} [الطارق: 8] قَالَ مُجَاهِدٌ: عَلَى رَدِّ النُّطْفَةِ فِي الْإِحْلِيلِ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: عَلَى رَدِّ الْمَاءِ فِي الصُّلْبِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: إِنَّهُ عَلَى رَدِّ الْإِنْسَانِ مَاءً كَمَا كَانَ مِنْ قَبْلُ لِقَادِرٌ، وَقَالَ قَتَادَةُ: إِنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - عَلَى بعث الانسان وإعادته بعد الموت قَادِرٌ. وَهَذَا أَوْلَى الْأَقَاوِيلِ.
[9]
لِقَوْلِهِ: {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} [الطارق: 9] وَذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، تُبْلَى السَّرَائِرُ تظهر الخفايا. قَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ: السَّرَائِرُ فَرَائِضُ الْأَعْمَالِ، كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَالْوُضُوءِ وَالِاغْتِسَالِ مِنَ الْجَنَابَةِ، فَإِنَّهَا سَرَائِرُ بَيْنَ اللَّهِ - تَعَالَى - وَبَيْنَ الْعَبْدِ، فَلَوْ شَاءَ الْعَبْدُ لَقَالَ: صُمْتُ وَلَمْ يَصُمْ، وَصَلَّيْتُ وَلَمْ يصل.
[10]
{فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ} [الطارق: 10] أَيْ مَا لِهَذَا الْإِنْسَانِ الْمُنْكِرِ لِلْبَعْثِ مِنْ قُوَّةٍ يَمْتَنِعُ بِهَا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ وَلَا نَاصِرَ يَنْصُرُهُ مِنَ اللَّهِ.
[11]
ثُمَّ ذَكَرَ قَسَمًا آخَرَ فَقَالَ: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ} [الطارق: 11] أَيْ ذَاتِ الْمَطَرِ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ كُلَّ عَامٍ وَيَتَكَرَّرُ. وَقَالَ ابْنُ عباس: هو السحاب يرجع المطر.
[12]
{وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ} [الطارق: 12] أي تصدع وَتَنَشَقُّ عَنِ النَّبَاتِ وَالْأَشْجَارِ وَالْأَنْهَارِ.
[13]
وجواب القسم قوله: {إِنَّهُ} [الطارق: 13] يعني القرآن، {لَقَوْلٌ فَصْلٌ} [الطارق: 13] حَقٌّ وَجِدٌ يَفْصِلُ بَيْنَ الْحَقِّ والباطل.
[14]
{وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ} [الطارق: 14] بِاللَّعِبِ وَالْبَاطِلِ.
[15]
ثُمَّ أَخْبَرَ عَنْ مُشْرِكِي مَكَّةَ فَقَالَ: {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا} [الطارق: 15] يَخَافُونَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَيُظْهِرُونَ مَا هُمْ عَلَى خلافه.