الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مُعَلَّمٌ، وَيَقُولُونَ لِلْقُرْآنِ مَرَّةً سِحْرٌ، وَمَرَّةً رَجَزٌ، وَمَرَّةً مُفْتَرًى، فَكَانَ أمرهم مختلطا ملتبسا عليهم، ثُمَّ دَلَّهُمْ عَلَى قُدْرَتِهِ.
[6]
فَقَالَ: {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا} [ق: 6] بغير عمد، {وَزَيَّنَّاهَا} [ق: 6] بِالْكَوَاكِبِ، {وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ} [ق: 6] شُقُوقٍ وَفُتُوقٍ وَصُدُوعٍ وَاحِدُهَا فَرْجٌ.
[7]
{وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا} [ق: 7] بَسَطْنَاهَا عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ {وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ} [ق: 7] جِبَالًا ثَوَابِتَ، {وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} [ق: 7] حَسَنٍ كَرِيمٍ يُبْهَجُ بِهِ، أَيْ يسر.
[8]
{تَبْصِرَةً} [ق: 8] أَيْ جَعَلْنَا ذَلِكَ تَبْصِرَةً، {وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ} [ق: 8] أي ليبصروا بِهِ وَيَتَذَكَّرَ بِهِ.
[9]
{وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا} [ق: 9] كَثِيرَ الْخَيْرِ وَفِيهِ حَيَاةُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْمَطَرُ، {فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ} [ق: 9] يَعْنِي الْبُرَّ وَالشَّعِيرَ وَسَائِرَ الْحُبُوبِ الَّتِي تَحْصُدُ فَأَضَافَ الْحَبَّ إِلَى الْحَصِيدِ، وَهُمَا وَاحِدٌ لِاخْتِلَافِ اللَّفْظَيْنِ، كَمَا يُقَالُ: مَسْجِدُ الْجَامِعِ وَرَبِيعُ الأول. وقيل: حب الْحَصِيدِ أَيْ وَحَبُّ النَّبْتِ الْحَصِيدِ.
[10]
{وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ} [ق: 10] قَالَ مُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ وقَتَادَةُ: طِوَالًا. يُقَالُ: بَسَقَتِ النَّخْلَةُ بُسُوقًا إِذَا طَالَتْ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: مستويات. {لَهَا طَلْعٌ} [ق: 10] ثَمَرٌ وَحَمْلٌ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يَطَّلِعُ، وَالطَّلْعُ أَوَّلُ مَا يَظْهَرُ قبل أن ينشق، {نَضِيدٌ} [ق: 10] مُتَرَاكِبٌ مُتَرَاكِمٌ مَنْضُودٌ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ فِي أَكْمَامِهِ، فَإِذَا خَرَجَ مِنْ أَكْمَامِهِ فَلَيْسَ بِنَضِيدٍ.
[11]
{رِزْقًا لِلْعِبَادِ} [ق: 11] أَيْ جَعَلْنَاهَا رِزْقًا لِلْعِبَادِ، {وَأَحْيَيْنَا بِهِ} [ق: 11] بالمطر، {بَلْدَةً مَيْتًا} [ق: 11] أَنْبَتْنَا فِيهَا الْكَلَأَ {كَذَلِكَ الْخُرُوجُ} [ق: 11] مِنَ الْقُبُورِ.
[12 - 14] قَوْلُهُ عز وجل {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ - وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ - وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ} [ق: 12 - 14] وَهُوَ تُبَّعٌ الْحِمْيَرِيُّ، وَاسْمُهُ أَسْعَدُ أَبُو كَرِبٍ، قَالَ قَتَادَةُ: ذَمَّ الله قومه وَلَمْ يَذُمَّهُ، ذَكَرْنَا قِصَّتَهُ فِي سُورَةِ الدُّخَانِ (1) {كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ} [ق: 14] أَيْ كُلٌّ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ كذب الرسل، {فَحَقَّ وَعِيدِ} [ق: 14] وجب لهما عَذَابِي، ثُمَّ أَنْزَلَ جَوَابًا لِقَوْلِهِمْ ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ.
[15]
{أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ} [ق: 15] يَعْنِي أَعَجَزْنَا حِينَ خَلَقْنَاهُمْ أَوَّلًا فَنَعْيَا بِالْإِعَادَةِ وَهَذَا تَقْرِيرٌ لَهُمْ لِأَنَّهُمُ اعْتَرَفُوا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ وَأَنْكَرُوا الْبَعْثَ، وَيُقَالُ لِكُلِّ مَنْ عَجَزَ عَنْ شَيْءٍ عَيِيَ بِهِ. {بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ} [ق: 15] أَيْ فِي شَكٍّ، {مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ} [ق: 15] وهو البعث.
[قَوْلُهُ تَعَالَى وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ]
بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ. . .
[16]
{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ} [ق: 16] يحدث به قلبه فلا يَخْفَى عَلَيْنَا سَرَائِرُهُ وَضَمَائِرُهُ، {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ} [ق: 16] أَعْلَمُ بِهِ، {مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق: 16]
(1) آية (37) .
لِأَنَّ أَبْعَاضَهُ وَأَجْزَاءَهُ يَحْجُبُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَلَا يَحْجُبُ عِلْمَ اللَّهِ شيء، وحبل الْوَرِيدِ عِرْقُ الْعُنُقِ، وَهُوَ عِرْقٌ بَيْنَ الْحُلْقُومِ وَالْعِلْبَاوَيْنِ، يَتَفَرَّقُ فِي سائر الْبَدَنِ، وَالْحَبْلُ هُوَ الْوَرِيدُ، فَأُضِيفَ إِلَى نَفْسِهِ لِاخْتِلَافِ اللَّفْظَيْنِ.
[17]
{إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ} [ق: 17] إذ يَتَلَقَّى وَيَأْخُذُ الْمَلَكَانِ الْمُوَكَّلَانِ بِالْإِنْسَانِ عَمَلَهُ وَمَنْطِقَهُ يَحْفَظَانِهِ وَيَكْتُبَانِهِ، {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ} [ق: 17] أَيْ أَحَدُهُمَا عَنْ يَمِينِهِ وَالْآخَرُ عَنْ شِمَالِهِ، فَالَّذِي عَنِ الْيَمِينِ يَكْتُبُ الْحَسَنَاتِ، وَالَّذِي عَنِ الشِّمَالِ يكتب السيئات. {قَعِيدٌ} [ق: 17] أَيْ قَاعِدٌ، وَلَمْ يَقُلْ قَعِيدَانِ لِأَنَّهُ أَرَادَ عَنِ الْيَمِينِ قَعِيدٌ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ، فَاكْتَفَى بِأَحَدِهِمَا عَنِ الْآخَرِ، هَذَا قَوْلُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، وَقَالَ أَهْلُ الْكُوفَةِ: أَرَادَ قعودا كالرسول يجعل لِلِاثْنَيْنِ وَالْجَمْعِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الِاثْنَيْنِ:{فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 16] قيل: أَرَادَ بِالْقَعِيدِ الْمُلَازِمَ الَّذِي لَا يَبْرَحُ، لَا الْقَاعِدَ الَّذِي هُوَ ضد القائم. قال مُجَاهِدٌ: الْقَعِيدُ الرَّصِيدُ.
[18]
{مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ} [ق: 18] مَا يَتَكَلَّمُ مِنْ كَلَامٍ فَيَلْفِظُهُ أَيْ يَرْمِيهِ مِنْ فِيهِ، {إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ} [ق: 18] حافظ، {عَتِيدٌ} [ق: 18] حَاضِرٌ أَيْنَمَا كَانَ. قَالَ الْحَسَنُ: إِنَّ الْمَلَائِكَةَ يَجْتَنِبُونَ الْإِنْسَانَ عَلَى حَالَيْنِ عِنْدُ غَائِطِهِ وَعِنْدَ جِمَاعِهِ.
[19]
{وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ} [ق: 19] غَمْرَتُهُ وَشِدَّتُهُ الَّتِي تَغْشَى الْإِنْسَانَ وتغلب على عقله، {بِالْحَقِّ} [ق: 19] أَيْ بِحَقِيقَةِ الْمَوْتِ، وَقِيلَ: بِالْحَقِّ مِنْ أَمْرِ الْآخِرَةِ حَتَّى يَتَبَيَّنَهُ الْإِنْسَانُ وَيَرَاهُ بِالْعِيَانِ. وَقِيلَ: بِمَا يَئُولُ إِلَيْهِ أَمْرُ الْإِنْسَانِ مِنَ السَّعَادَةِ وَالشَّقَاوَةِ. وَيُقَالُ: لِمَنْ جَاءَتْهُ سَكْرَةُ الْمَوْتِ، {ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق: 19] تميل، قال الحسن: تهرب. قال ابْنُ عَبَّاسٍ: تَكْرَهُ، وَأَصْلُ الحَيْد الْمَيْل، يُقَالُ: حدتُ عَنِ الشَّيْءِ أَحِيدُ حَيْدًا ومَحِيدًا إِذَا مِلْتُ عنه.
[20]
{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ} [ق: 20] يَعْنِي نَفْخَةَ الْبَعْثِ، {ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ} [ق: 20] أَيْ ذَلِكَ الْيَوْمُ يَوْمُ الْوَعِيدِ الَّذِي وَعَدَهُ اللَّهُ لِلْكُفَّارِ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ فِيهِ. قَالَ مُقَاتِلٌ: يَعْنِي بِالْوَعِيدِ الْعَذَابَ أَيْ يَوْمَ وُقُوعِ الوعيد.
[21]
{وَجَاءَتْ} [ق: 21] ذَلِكَ الْيَوْمَ، {كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ} [ق: 21] يسوقها إلى المحشر، {وَشَهِيدٌ} [ق: 21] يشهد عليها بما عملت، وهو عمله، قَالَ الضَّحَّاكُ: السَّائِقُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَالشَّاهِدُ مِنْ أَنْفُسِهِمُ الْأَيْدِي وَالْأَرْجُلُ، وَهِيَ رِوَايَةُ الْعَوْفِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَقَالَ الْآخَرُونَ: هُمَا جَمِيعًا من الملائكة.
[22]
فيقول الله لها: {لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا} [ق: 22] الْيَوْمِ فِي الدُّنْيَا، {فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ} [ق: 22] الَّذِي كَانَ فِي الدُّنْيَا عَلَى قَلْبِكَ وَسَمْعِكَ وَبَصَرِكَ، {فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} [ق: 22] نَافِذٌ تُبْصِرُ مَا كُنْتَ تُنْكِرُ فِي الدُّنْيَا. وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: يَعْنِي نَظَرَكَ إِلَى لِسَانِ مِيزَانِكَ حِينَ تُوزَنُ حَسَنَاتُكَ وَسَيِّئَاتُكَ.
[23]
{وَقَالَ قَرِينُهُ} [ق: 23] الْمَلِكُ الْمُوَكَّلُ بِهِ، {هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ} [ق: 23] مُعَدٌّ مَحْضَرٌ، وَقِيلَ:(مَا) بِمَعْنَى (من)، وقال مُجَاهِدٌ: يَقُولُ هَذَا الَّذِي وَكَّلَتْنِي بِهِ مِنَ ابْنِ آدَمَ حَاضِرٌ عندك قَدْ أَحْضَرْتُهُ وَأَحْضَرْتُ دِيوَانَ أَعْمَالِهِ.
[24]
فَيَقُولُ اللَّهُ عز وجل لِقَرِينِهِ: {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ} [ق: 24] هَذَا خِطَابٌ لِلْوَاحِدِ بِلَفْظِ التَّثْنِيَةِ على عادة العرب، يقولون: وَيْلَكَ ارْحَلَاهَا وَازْجُرَاهَا وَخُذَاهَا وَأَطْلِقَاهَا، لِلْوَاحِدِ، قَالَ الْفَرَّاءُ: وَأَصْلُ ذَلِكَ أَنَّ أَدْنَى أَعْوَانِ الرَّجُلِ فِي إِبِلِهِ وَغَنَمِهِ وَسِفْرِهِ اثْنَانِ، فَجَرَى كَلَامُ الْوَاحِدِ عَلَى صَاحِبَيْهِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ فِي الشِّعْرِ لِلْوَاحِدِ خليليَّ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: هَذَا أَمْرٌ لِلسَّائِقِ وَالشَّهِيدِ، وَقِيلَ: للمتلقيينِ. {كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ} [ق: 24] مُعْرِضٍ عَنِ الْحَقِّ. قَالَ عِكْرِمَةُ وَمُجَاهِدٌ: مُجَانِبٌ لِلْحَقِّ مُعَانِدٌ لِلَّهِ.
[25]
{مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ} [ق: 25] أَيْ لِلزَّكَاةِ الْمَفْرُوضَةِ وَكُلِّ حَقٍّ وجب في ماله، {مُعْتَدٍ} [ق: 25] ظَالِمٍ لَا يُقِرُّ بِتَوْحِيدِ اللَّهِ {مُرِيبٍ} [ق: 25] شَاكٍّ فِي التَّوْحِيدِ، وَمَعْنَاهُ: دَاخِلٌ فِي الرَّيْبِ.
{الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ} [ق: 26] وهو النار.
[27]
{قَالَ قَرِينُهُ} [ق: 27] يَعْنِي الشَّيْطَانَ الَّذِي قُيِّضَ لِهَذَا الكافر، {رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ} [ق: 27] مَا أَضْلَلْتُهُ وَمَا أَغْوَيْتُهُ، {وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ} [ق: 27] عن الحق فيتبرأ منه شَيْطَانُهُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمُقَاتِلٌ: قَالَ قَرِينُهُ يَعْنِي الْمَلِكَ، قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: يَقُولُ الْكَافِرُ يَا رَبِّ إِنَّ الْمَلِكَ زَادَ عَلَيَّ فِي الْكِتَابَةِ، فَيَقُولُ الْمَلِكُ: رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ، يَعْنِي مَا زِدْتُ عَلَيْهِ وَمَا كتبتُ إِلَّا مَا قَالَ وَعَمِلَ، وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ طَوِيلٍ لَا يَرْجِعُ عَنْهُ إلى الحق.
[28]
{قَالَ} [ق: 28] يعني يقول اللَّهُ {لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ} [ق: 28] فِي الْقُرْآنِ وَأَنْذَرَتْكُمْ وَحَذَّرَتْكُمْ عَلَى لِسَانِ الرَّسُولِ، وَقَضَيْتُ عَلَيْكُمْ مَا أَنَا قَاضٍ.
[29]
{مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ} [ق: 29] لَا تَبْدِيلَ لِقَوْلِي وَهُوَ قَوْلُهُ: {لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [هود: 119] وَقَالَ قَوْمٌ. مَعْنَى قَوْلِهِ: (مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ) أَيْ: لَا يكذب القول عِنْدِي، وَلَا يُغَيَّرُ الْقَوْلُ عَنْ وَجْهِهِ لِأَنِّي أَعْلَمُ الْغَيْبَ. وَهَذَا قَوْلُ الْكَلْبِيِّ وَاخْتِيَارُ الْفَرَّاءِ، لِأَنَّهُ قَالَ:(مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ) ولم يقل ما يبدل لي. {وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [ق: 29] فَأُعَاقِبُهُمْ بِغَيْرِ جُرْمٍ.
[30]
{يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ} [ق: 30] قرأ نافع وأبو بكر بِالْيَاءِ، أَيْ يَقُولُ اللَّهُ لِقَوْلِهِ:(قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ) ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالنُّونِ، {هَلِ امْتَلَأْتِ} [ق: 30] وَذَلِكَ لِمَا سَبَقَ لَهَا مِنْ وَعْدِهِ إِيَّاهَا أَنَّهُ يَمْلَؤُهَا مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ، وَهَذَا السُّؤَالُ مِنَ اللَّهِ عز وجل لِتَصْدِيقِ خَبَرِهِ وتحقيق وعده، {وَتَقُولُ} [ق: 30] جهنم، {هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} [ق: 30] قيل: معناه قد امتلأت فلم يَبْقَ فِيَّ مَوْضِعٌ لَمْ يَمْتَلِئْ، فَهُوَ اسْتِفْهَامُ إِنْكَارٍ، هَذَا قَوْلُ عَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ وَمُقَاتِلِ بْنِ سُلَيْمَانَ، وَقِيلَ: هَذَا اسْتِفْهَامٌ بِمَعْنَى الِاسْتِزَادَةِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ أَبِي صَالِحٍ وَعَلَى هَذَا يَكُونُ السُّؤَالُ بِقَوْلِهِ:
(هَلِ امْتَلَأْتِ) ، قيل دُخُولِ جَمِيعِ أَهْلِهَا فِيهَا، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَبَقَتْ كَلِمَتُهُ {لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [هُودٍ: 119] فَلَمَّا سِيقَ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَيْهَا لَا يُلْقَى فِيهَا فَوْجٌ إِلَّا ذَهَبَ فِيهَا وَلَا يَمْلَؤُهَا شَيْءٌ.
[31]
{وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ} [ق: 31] قربت وأدنيت، {لِلْمُتَّقِينَ} [ق: 31] الشرك، {غَيْرَ بَعِيدٍ} [ق: 31] يَنْظُرُونَ إِلَيْهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلُوهَا.
[32]
{هَذَا مَا تُوعَدُونَ} [ق: 32] قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ بِالْيَاءِ وَالْآخَرُونَ بِالتَّاءِ، يُقَالُ لَهُمْ: هَذَا الَّذِي تَرَوْنَهُ مَا تُوعَدُونَ عَلَى أَلْسِنَةِ الْأَنْبِيَاءِ عليهم السلام، {لِكُلِّ أَوَّابٍ} [ق: 32] رَجَّاعٍ إِلَى الطَّاعَةِ عَنِ الْمَعَاصِي، قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ هُوَ الَّذِي يُذْنِبُ ثُمَّ يَتُوبُ ثُمَّ يُذْنِبُ ثُمَّ يَتُوبُ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ وَمُجَاهِدٌ: الَّذِي يَذْكُرُ ذُنُوبَهُ فِي الْخَلَاءِ فَيَسْتَغْفِرُ مِنْهَا. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: هُوَ التَّوَّابُ.