الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَبَيْنَهُمَا إِضْمَارٌ، كَمَا تَقُولُ: بَلَوْتُكُمْ لِأَنْظُرَ أَيُّكُمْ أَطْوَعُ، وَمِثْلُهُ سَلْهُمْ أيهم بذلك زعيم أي سلهم وانظر أيهم {وَهُوَ الْعَزِيزُ} [الملك: 2] فِي انْتِقَامِهِ مِمَّنْ عَصَاهُ، {الْغَفُورُ} [الملك: 2] لِمَنْ تَابَ إِلَيْهِ.
[3]
{الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا} [الملك: 3] طَبَقًا عَلَى طَبَقٍ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ. {مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ} [الملك: 3] معناه. ما ترى يا بن آدَمَ فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنَ اعْوِجَاجٍ وَاخْتِلَافٍ وَتَنَاقُضٍ، بَلْ هِيَ مُسْتَقِيمَةٌ مُسْتَوِيَةٌ وَأَصْلُهُ مِنَ الْفَوْتِ وَهُوَ أَنْ يَفُوتَ بَعْضُهَا بَعْضًا لقلة استوائها، {فَارْجِعِ الْبَصَرَ} [الملك: 3] كَرِّرِ النَّظَرَ، مَعْنَاهُ: انْظُرْ ثُمَّ ارْجِعْ، {هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ} [الملك: 3] شُقُوقٍ وَصُدُوعٍ.
[4]
{ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ} [الملك: 4] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَرَّةً بَعْدَ مرة، {يَنْقَلِبْ} [الملك: 4] يَنْصَرِفْ وَيَرْجِعْ {إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا} [الملك: 4] صَاغِرًا ذَلِيلًا مُبْعَدًا لَمْ يَرَ ما يهوى، {وَهُوَ حَسِيرٌ} [الملك: 4] كَلِيلٌ مُنْقَطِعٌ لَمْ يُدْرِكْ مَا طلب.
[5]
{وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ} [الملك: 5] أَرَادَ الْأَدْنَى مِنَ الْأَرْضِ وَهِيَ التي يراها الناس. وقوله: (بمصابيح) الْكَوَاكِبَ، وَاحِدُهَا مِصْبَاحٌ، وَهُوَ السِّرَاجُ سُمِّيَ الْكَوْكَبُ مِصْبَاحًا لِإِضَاءَتِهِ، {وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا} [الملك: 5] مرامي، {لِلشَّيَاطِينِ} [الملك: 5] إِذَا اسْتَرَقُوا السَّمْعَ، {وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ} [الملك: 5] في الآخرة، {عَذَابَ السَّعِيرِ} [الملك: 5] النَّارَ الْمُوقَدَةَ.
[6، 7]{وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ - إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا} [الملك: 6 - 7] وَهُوَ أَوَّلُ نَهِيقِ الْحِمَارِ وَذَلِكَ أقبح الأصوات، {وَهِيَ تَفُورُ} [الملك: 7] تغلي كَغَلْيِ الْمِرْجَلِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: تَفُورُ بِهِمْ كَمَا يَفُورُ الْمَاءُ الْكَثِيرُ بالحب القليل.
[8]
{تَكَادُ تَمَيَّزُ} [الملك: 8] تتقطع، {مِنَ الْغَيْظِ} [الملك: 8] مِنْ تَغِيُّظِهَا عَلَيْهِمْ، قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ، تَكَادُ تَنْشَقُّ غَيْظًا عَلَى الْكُفَّارِ {كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ} [الملك: 8] جماعة منهم، {سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا} [الملك: 8] سُؤَالَ تَوْبِيخٍ ، {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ} [الملك: 8] رَسُولٌ يُنْذِرُكُمْ.
[9]
{قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا} [الملك: 9] لِلرُّسُلِ {مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ} [الملك: 9]
[10]
{وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ} [الملك: 10] مِنَ الرُّسُلِ مَا جَاءُونَا بِهِ، {أَوْ نَعْقِلُ} [الملك: 10] مِنْهُمْ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ الْهُدَى أَوْ نَعْقِلُهُ فَنَعْمَلُ بِهِ، {مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك: 10] قَالَ الزَّجَّاجُ: لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ سَمْعَ مَنْ يَعِي وَيَتَفَكَّرُ أَوْ نَعْقِلُ عَقْلَ مَنْ يُمَيِّزُ وَيَنْظُرُ مَا كُنَّا مِنْ أَهْلِ النَّارِ.
[11]
{فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا} [الملك: 11] بعدا، {لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك: 11]
[قوله تعالى وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ]
بِذَاتِ الصُّدُورِ. . .
[12 - 13]{إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ - وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [الملك: 12 - 13] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَزَلَتْ فِي الْمُشْرِكِينَ، كَانُوا يَنَالُونَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَيُخْبِرُهُ جِبْرِيلُ عليه السلام بِمَا قَالُوا: فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ:
أَسِرُّوا قَوْلَكُمْ كَيْ لَا يَسْمَعَ إِلَهُ مُحَمَّدٍ.
[14]
فَقَالَ اللَّهُ - جَلَّ ذِكْرُهُ -: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ} [الملك: 14] أَلَّا يَعْلَمُ مَا فِي الصُّدُورِ مَنْ خَلَقَهَا، {وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك: 14] لَطِيفٌ عِلْمُهُ فِي الْقُلُوبِ، الْخَبِيرُ بما فيها من السر وَالْوَسْوَسَةِ. وَقِيلَ:(مَنْ) يَرْجِعُ إِلَى الْمَخْلُوقِ، أَيْ أَلَّا يَعْلَمَ اللَّهُ مَخْلُوقَهُ.
[15]
{هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا} [الملك: 15] سَهْلًا لَا يَمْتَنِعُ الْمَشْيُ فِيهَا بالحزونة، {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا} [الملك: 15] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ: فِي جِبَالِهَا. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: فِي آكَامِهَا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: فِي طُرُقِهَا وَفِجَاجِهَا. قَالَ الْحَسَنُ: فِي سُبُلِهَا. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: فِي أَطْرَافِهَا. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: فِي نَوَاحِيهَا. قَالَ الْفَرَّاءُ: فِي جَوَانِبِهَا. وَالْأَصْلُ فِي الْكَلِمَةِ الْجَانِبُ {وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ} [الملك: 15] مِمَّا خَلَقَهُ رِزْقًا لَكُمْ فِي الأرض، {وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} [الملك: 15] أَيْ: وَإِلَيْهِ تُبْعَثُونَ مِنْ قُبُورِكُمْ.
[16]
ثُمَّ خَوَّفَ الْكُفَّارَ فَقَالَ: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك: 16] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَيْ عَذَابٌ مَنْ فِي السَّمَاءِ إِنْ عَصَيْتُمُوهُ، {أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ} [الملك: 16] قَالَ الْحَسَنُ: تَتَحَرَّكُ بِأَهْلِهَا. وَقِيلَ: تَهْوِي بِهِمْ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - يُحَرِّكُ الْأَرْضَ عِنْدَ الْخَسْفِ بِهِمْ حَتَّى تُلْقِيَهُمْ إِلَى أَسْفَلَ، تَعْلُو عَلَيْهِمْ وَتَمُرُّ فَوْقَهُمْ. يُقَالُ: مار يمور إذا جَاءَ وَذَهَبَ.
[17]
{أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا} [الملك: 17] رِيحًا ذَاتَ حِجَارَةٍ كَمَا فَعَلَ بقوم لوط. {فَسَتَعْلَمُونَ} [الملك: 17] فِي الْآخِرَةِ وَعِنْدَ الْمَوْتِ، {كَيْفَ نَذِيرِ} [الملك: 17] أَيْ إِنْذَارِي إِذَا عَايَنْتُمُ الْعَذَابَ.
[18]
{وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [الملك: 18] يَعْنِي كُفَّارَ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ، {فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} [الملك: 18] أَيْ إِنْكَارِي عَلَيْهِمْ بِالْعَذَابِ.
[19]
{أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ} [الملك: 19] تَصُفُّ أَجْنِحَتَهَا فِي الْهَوَاءِ، {وَيَقْبِضْنَ} [الملك: 19] أجنحتهن بعد البسط {مَا يُمْسِكُهُنَّ} [الملك: 19] فِي حَالِ الْقَبْضِ وَالْبَسْطِ أَنْ يَسْقُطْنَ، {إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ} [الملك: 19]
[20]
{أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ} [الملك: 20] اسْتِفْهَامُ إِنْكَارٍ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَيْ مَنَعَةٌ لَكُمْ، {يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ} [الملك: 20] يَمْنَعُكُمْ مِنْ عَذَابِهِ وَيَدْفَعُ عَنْكُمْ مَا أَرَادَ بِكُمْ. {إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ} [الملك: 20] أَيْ فِي غُرُورٍ مِنَ الشَّيْطَانِ يَغُرُّهُمْ بِأَنَّ الْعَذَابَ لَا يَنْزِلُ بِهِمْ.
[21]
{أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ} [الملك: 21] أَيْ مِنَ الَّذِي يَرْزُقُكُمُ الْمَطَرَ إِنْ أَمْسَكَ اللَّهُ عَنْكُمْ، {بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ} [الملك: 21] تمادوا في الضلال، {وَنُفُورٍ} [الملك: 21] تباعد من الحق.
[22]
ثُمَّ ضَرَبَ مَثَلًا فَقَالَ: {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ} [الملك: 22] رَاكِبًا رَأْسَهُ فِي الضَّلَالَةِ وَالْجَهَالَةِ أعمى العين والقلب لَا يُبْصِرُ يَمِينًا وَلَا شِمَالًا وهو الكافر. قال قتادة: راكبا عَلَى الْمَعَاصِي فِي الدُّنْيَا فَحَشَرَهُ اللَّهُ عَلَى وَجْهِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، {أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا} [الملك: 22] مُعْتَدِلًا يُبْصِرُ الطَّرِيقَ وَهُوَ، {عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الملك: 22]