الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْعِظَامُ يَعْنِي كَمَا أَنَّ الْحِمَارَ يَحْمِلُهَا وَلَا يَدْرِي مَا فِيهَا وَلَا يَنْتَفِعُ بِهَا، كَذَلِكَ الْيَهُودُ يقرؤون التَّوْرَاةَ وَلَا يَنْتَفِعُونَ بِهَا لِأَنَّهُمْ خَالَفُوا مَا فِيهَا، {بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [الجمعة: 5] الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بِتَكْذِيبِ الْأَنْبِيَاءِ يَعْنِي مَنْ سَبَقَ فِي عِلْمِهِ أنه لَا يَهْدِيهِمْ.
[6]
{قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ} [الجمعة: 6] مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وأصحابه، {فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ} [الجمعة: 6] فَادْعُوا بِالْمَوْتِ عَلَى أَنْفُسِكُمْ، {إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الجمعة: 6] أَنَّكُمْ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ فَإِنَّ الْمَوْتَ هُوَ الَّذِي يُوصِلُكُمْ إِلَيْهِ.
[قَوْلُهُ تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ]
مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ. . .
[9]
قَوْلُهُ عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} [الْجُمُعَةِ: 9] أَيْ في يوم الجمعة وَأَرَادَ بِهَذَا النِّدَاءِ الْأَذَانَ عِنْدَ قُعُودِ الْإِمَامِ عَلَى الْمِنْبَرِ لِلْخُطْبَةِ {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الْجُمُعَةِ: 9] أَيْ: فَامْضُوا إِلَيْهِ وَاعْمَلُوا لَهُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنَ السَّعْيِ الْإِسْرَاعَ إنما المراد منه الْعَمَلُ وَالْفِعْلُ، كَمَا قَالَ:{وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ} [الْبَقَرَةِ: 205] وَقَالَ: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} [اللَّيْلِ: 4] وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَقْرَأُ: (فَامْضُوا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ) وَكَذَلِكَ هِيَ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: أَمَا وَاللَّهِ مَا هُوَ بِالسَّعْي عَلَى الْأَقْدَامِ وَلَقَدْ نُهُوا أَنْ يَأْتُوا الصَّلَاةَ إِلَّا وَعَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ، ولكن بالقلوب والنية والخشوع.
وعن قَتَادَةُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ، قَالَ: فَالسَّعْيُ أَنْ تَسْعَى بِقَلْبِكَ وَعَمَلِكَ وَهُوَ المشي إليها {إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الْجُمُعَةِ: 9] أَيْ الصَّلَاةِ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ:{فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الْجُمُعَةِ: 9] قَالَ هُوَ مَوْعِظَةُ الْإِمَامِ، {وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9] يَعْنِي الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ لِأَنَّ اسْمَ الْبَيْعِ يَتَنَاوَلُهُمَا جَمِيعًا.
وَإِنَّمَا يَحْرُمُ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ عِنْدَ الْأَذَانِ الثَّانِي، وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: عِنْدَ خُرُوجِ الْإِمَامِ.
وَقَالَ الضَّحَّاكُ: إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ حرم البيع والشراء، {ذَلِكُمْ} [الجمعة: 9] الَّذِي ذَكَرْتُ مِنْ حُضُورِ الْجُمُعَةِ وترك البيع {خَيْرٌ لَكُمْ} [الجمعة: 9] مِنَ الْمُبَايَعَةِ، {إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الجمعة: 9] مَصَالِحَ أَنْفُسِكُمْ، وَاعْلَمْ أَنَّ صَلَاةَ الْجُمُعَةِ مِنْ فُرُوضِ الْأَعْيَانِ فَتَجِبُ عَلَى كُلِّ مَنْ جَمَعَ الْعَقْلَ وَالْبُلُوغَ وَالْحُرِّيَّةَ وَالذُّكُورَةَ وَالْإِقَامَةَ إِذَا لم يكن له عذر فمن تركها استحق الوعيد، أما الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ فَلَا جُمُعَةَ عَلَيْهِمَا، لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِ أَنْ يَلْزَمَهُمَا فَرْضُ الْأَبْدَانِ لِنُقْصَانِ أَبْدَانِهِمَا، وَلَا جُمُعَةَ عَلَى النِّسَاءِ بِالِاتِّفَاقِ.
[10]
قَوْلُهُ عز وجل: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ} [الْجُمُعَةِ: 10] أَيْ إِذَا فُرِغَ مِنَ الصَّلَاةِ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ لِلتِّجَارَةِ وَالتَّصَرُّفِ فِي حَوَائِجِكُمْ {وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [الجمعة: 10] يَعْنِي الرِّزْقَ وَهَذَا أَمْرُ إِبَاحَةٍ كَقَوْلِهِ: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [الْمَائِدَةِ: 2] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنْ شِئْتَ فَاخْرُجْ وَإِنْ شِئْتَ فَاقْعُدْ وَإِنْ شِئْتَ فَصَلِّ إِلَى الْعَصْرِ، وَقِيلَ: فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ لَيْسَ لِطَلَبِ الدُّنْيَا وَلَكِنْ لِعِيَادَةِ مَرِيضٍ وَحُضُورِ جِنَازَةٍ وَزِيَارَةِ أَخٍ فِي اللَّهِ.
وَقَالَ الْحَسَنُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمَكْحُولٌ: {وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [الجمعة: 10] هُوَ طَلَبُ الْعِلْمِ {وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الجمعة: 10]
[11]
قَوْلُهُ عز وجل: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} [الجمعة: 11] الآية، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:«أَقْبَلَتْ عِيرٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَنَحْنُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَثَارَ النَّاسُ إِلَّا اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا} [الجمعة: 11] » (1) وَأَرَادَ بِاللَّهْوِ الطَّبْلَ.
وَقِيلَ: كَانَتِ الْعِيرُ إِذَا قَدِمَتِ الْمَدِينَةَ اسْتَقْبَلُوهَا بِالطَّبْلِ وَالتَّصْفِيقِ.
وَقَوْلُهُ: {انْفَضُّوا إِلَيْهَا} [الْجُمُعَةِ: 11] رَدَّ الْكِنَايَةَ إِلَى التِّجَارَةِ لِأَنَّهَا أَهَمُّ.
وَقَالَ عَلْقَمَةُ: «سُئِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: أَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يخطب قائما
(1) أخرجه البخاري في التفسير (8 / 643) ، ومسلم في الجمعة (2 / 590 رقم 863) .