الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ مِنْ مَكَّةَ، وَعُرْوَةَ بْنَ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيَّ بِالطَّائِفِ، قَالَهُ قَتَادَةُ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ مِنْ مَكَّةَ، وَابْنُ عبد يا ليل الثَّقَفِيُّ مِنَ الطَّائِفِ. وَقِيلَ: الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ مِنْ مَكَّةَ، وَمِنَ الطَّائِفِ حَبِيبُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عُمَيْرٍ الثَّقَفِيُّ. وَيُرْوَى هَذَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا.
[32]
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ} [الزخرف: 32] يَعْنِي النُّبُوَّةَ، قَالَ مُقَاتِلٌ: يَقُولُ بِأَيْدِيهِمْ مَفَاتِيحُ الرِّسَالَةِ فَيَضَعُونَهَا حَيْثُ شَاءُوا؟ ثُمَّ قَالَ: {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الزخرف: 32] فَجَعَلْنَا هَذَا غَنِيًّا وَهَذَا فَقَيرًا وَهَذَا مَلِكًا وَهَذَا مَمْلُوكًا فَكَمَا فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ كَمَا شِئْنَا، كَذَلِكَ اصْطَفَيْنَا بِالرِّسَالَةِ مَنْ شِئْنَا، {وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ} [الزخرف: 32] بِالْغِنَى وَالْمَالِ، {لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا} [الزخرف: 32] لِيَسْتَخْدِمَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فَيُسَخِّرُ الْأَغْنِيَاءُ بِأَمْوَالِهِمُ الْأُجَرَاءَ الْفُقَرَاءَ بِالْعَمَلِ، فَيَكُونُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ سَبَبَ الْمَعَاشِ هَذَا بِمَالِهِ، وَهَذَا بِأَعْمَالِهِ، فَيَلْتَئِمُ قِوَامُ أَمْرِ الْعَالَمِ. وَقَالَ قَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ: يَمْلِكُ بَعْضُهُمْ بِمَالِهِمْ بَعْضًا بِالْعُبُودِيَّةِ والملك. {وَرَحْمَتُ رَبِّكَ} [الزخرف: 32] يعني الجنة، {خَيْرٌ} [الزخرف: 32] للمؤمنين، {مِمَّا يَجْمَعُونَ} [الزخرف: 32] مِمَّا يَجْمَعُ الْكُفَّارُ مِنَ الْأَمْوَالِ.
[33]
{وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً} [الزخرف: 33] أَيْ لَوْلَا أَنْ يَصِيرُوا كُلُّهُمْ كُفَّارًا فَيَجْتَمِعُونَ عَلَى الْكُفْرِ، {لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ} [الزخرف: 33] مَصَاعِدَ وَدَرَجًا مِنْ فِضَّةٍ، {عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ} [الزخرف: 33] يَعْلُونَ وَيَرْتَقُونَ، يُقَالُ: ظَهَرْتُ عَلَى السطح إذا علوته.
[قوله تعالى وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ]
وَزُخْرُفًا. . .
[34]
{وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا} [الزخرف: 34] من فضة، {وَسُرُرًا} [الزخرف: 34] أَيْ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سُرُرًا مِنْ فضة، {عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ} [الزخرف: 34]
[35]
{وَزُخْرُفًا} [الزخرف: 35] أي ولجعلنا مَعَ ذَلِكَ لَهُمْ زُخْرُفًا وَهُوَ الذَّهَبُ، نَظِيرُهُ:{أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ} [الْإِسْرَاءِ: 93]{وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الزخرف: 35] قَرَأَ حَمْزَةُ وَعَاصِمٌ " لَمَّا " بِالتَّشْدِيدِ عَلَى مَعْنَى: وَمَا كُلُّ ذَلِكَ إِلَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، فَكَانَ:"لَمَّا" بِمَعْنَى إِلَّا، وَخَفَّفَهُ الْآخَرُونَ عَلَى مَعْنَى وَكُلُّ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، فَيَكُونُ:(إِنْ) لِلِابْتِدَاءِ، و (ما) صِلَةٌ، يُرِيدُ إِنَّ هَذَا كُلَّهُ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا يَزُولُ وَيَذْهَبُ، {وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ} [الزخرف: 35] خاصة يعني الجنة.
[36]
قَوْلُهُ عز وجل: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ} [الزخرف: 36] أَيْ يُعْرِضُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ فَلَمْ يَخَفْ عِقَابَهُ، وَلَمْ يَرْجُ ثَوَابَهُ، يُقَالُ: عَشَوْتُ إِلَى النَّارِ أَعُشْو عَشْوًا، إِذَا قَصَدْتُهَا مُهْتَدِيًا بِهَا، وَعَشَوْتُ عَنْهَا أَعْرَضْتُ عَنْهَا، كَمَا يَقُولُ: عَدَلْتُ إِلَى فُلَانٍ وَعَدَلْتُ عَنْهُ وَمِلْتُ إِلَيْهِ وَمِلْتُ عَنْهُ. قَالَ الْقُرَظِيُّ: يُوَلِّي ظَهْرَهُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ وَهُوَ الْقُرْآنُ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَالْأَخْفَشُ: يَظْلِمُ بِصَرْفِ بَصَرِهِ عَنْهُ. قَالَ الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ: أَصْلُ الْعَشْوِ النَّظَرُ بِبَصَرٍ ضَعِيفٍ. وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ: (وَمَنْ يَعْشَ) بِفَتْحِ الشِّينِ أَيْ يعم، يقال عشي يعشي عشيا إِذَا عَمِيَ فَهُوَ أَعْشَى، وَامْرَأَةٌ عشواء. {نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا} [الزخرف: 36] قَرَأَ يَعْقُوبُ: (يُقَيِّضْ) بِالْيَاءِ، وَالْبَاقُونَ بِالنُّونِ، نُسَبِّبُ لَهُ شَيْطَانًا وَنَضُمُّهُ إِلَيْهِ وَنُسَلِّطُهُ عَلَيْهِ، {فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} [الزخرف: 36] لَا يُفَارِقُهُ يُزَيِّنُ لَهُ الْعَمَى وَيُخَيِّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ عَلَى الْهُدَى.
[37]
{وَإِنَّهُمْ} [الزخرف: 37] يَعْنِي الشَّيَاطِينَ، {لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ} [الزخرف: 37] أي ليمنعونهم عن الهدى {وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ} [الزخرف: 37] وَيَحْسَبُ كُفَّارُ بَنِي آدَمَ أَنَّهُمْ على هدى.
[38]
{حَتَّى إِذَا جَاءَنَا} [الزخرف: 38] قَرَأَ أَهْلُ الْعِرَاقِ غَيْرَ أَبِي بَكْرٍ: (جَاءَنَا) عَلَى الْوَاحِدِ يَعْنُونَ الْكَافِرَ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ: جَاءَانَا، عَلَى التثنية يعنون الكافر وقرينه قد جُعِلَا فِي سِلْسِلَةٍ وَاحِدَةٍ. {قَالَ} [الزخرف: 38] الْكَافِرُ لِقَرِينِهِ الشَّيْطَانِ، {يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ} [الزخرف: 38] أَيْ بُعْدَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ فَغَلَبَ اسْمُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ كَمَا يُقَالُ لِلشَّمْسِ وَالْقَمَرِ: الْقَمَرَانِ،
وَلِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ: الْعُمَرَانِ. وَقِيلَ: أَرَادَ بِالْمَشْرِقَيْنِ مَشْرِقَ الصَّيْفِ وَمَشْرِقَ الشِّتَاءِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، {فَبِئْسَ الْقَرِينُ} [الزخرف: 38] قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ: إِذَا بُعث الكافر زُوِّج بقرينه الشيطان فَلَا يُفَارِقُهُ حَتَّى يَصِيرَ إِلَى النار.
[39]
{وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ} [الزخرف: 39] في الآخرة، {إِذْ ظَلَمْتُمْ} [الزخرف: 39] أَشْرَكْتُمْ فِي الدُّنْيَا، {أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ} [الزخرف: 39] يَعْنِي لَا يَنْفَعُكُمُ الِاشْتِرَاكُ فِي الْعَذَابِ وَلَا يُخَفِّفُ الِاشْتِرَاكُ عَنْكُمْ الْعَذَابِ، لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْكُفَّارِ وَالشَّيَاطِينِ الْحَظَّ الْأَوْفَرَ مِنَ الْعَذَابِ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: لَنْ يَنْفَعَكُمُ الِاعْتِذَارُ وَالنَّدَمُ الْيَوْمَ فَأَنْتُمْ وَقُرَنَاؤُكُمُ الْيَوْمَ مُشْتَرِكُونَ فِي الْعَذَابِ كَمَا كنتم مشتركين فِي الْكُفْرِ.
[40]
{أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [الزخرف: 40] يَعْنِي الْكَافِرِينَ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ لَا يُؤْمِنُونَ.
[41]
{فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ} [الزخرف: 41] بِأَنْ نُمِيتَكَ قَبْلَ أَنْ نُعَذِّبَهُمْ، {فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ} [الزخرف: 41] بالقتل بعدك.
[42]
{أَوْ نُرِيَنَّكَ} [الزخرف: 42] في حياتك، {الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ} [الزخرف: 42] مِنَ الْعَذَابِ، {فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ} [الزخرف: 42] قَادِرُونَ مَتَى شِئْنَا عَذَّبْنَاهُمْ، وَأَرَادَ بِهِ مُشْرِكِي مَكَّةَ انْتَقَمَ مِنْهُمْ يوم بدر، وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ، وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: عَنَى بِهِ أَهْلَ الْإِسْلَامِ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَقَدْ كَانَ بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نِقْمَةٌ شَدِيدَةٌ فِي أُمَّتِهِ، فَأَكْرَمَ اللَّهُ نَبِيَّهُ وَذَهَبَ بِهِ وَلَمْ يُرِهْ فِي أُمَّتِهِ إِلَّا الَّذِي يَقَرُّ عَيْنَهُ، وَأَبْقَى النِّقْمَةَ بعده.
[43]
{فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الزخرف: 43]
[44]
{وَإِنَّهُ} [الزخرف: 44] يعني القرآن، {لَذِكْرٌ لَكَ} [الزخرف: 44] أي لشرف لك، {وَلِقَوْمِكَ} [الزخرف: 44] مِنْ قُرَيْشٍ، نَظِيرُهُ:{لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ} [الْأَنْبِيَاءِ: 10] أي شرفكم، {وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ} [الزخرف: 44] عن حقه وأداء شكره. قال مُجَاهِدٌ: الْقَوْمُ هُمُ الْعَرَبُ، فَالْقُرْآنُ لَهُمْ شَرَفٌ إِذْ نَزَلَ بِلُغَتِهِمْ، ثُمَّ يَخْتَصُّ بِذَلِكَ الشَّرَفِ الْأَخَصَّ فَالْأَخَصَّ مِنَ الْعَرَبِ، حَتَّى يَكُونَ الْأَكْثَرُ لِقُرَيْشٍ وَلِبَنِي هَاشِمٍ. وَقِيلَ: ذَلِكَ شَرَفٌ لَكَ بِمَا أَعْطَاكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلِقَوْمِكَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا هُدَاهُمُ اللَّهُ بِهِ، وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ عَنِ الْقُرْآنِ وَعَمَّا يَلْزَمُكُمْ مِنَ القيام بحقه.
[45]
{وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} [الزخرف: 45] اخْتَلَفُوا فِي هَؤُلَاءِ الْمَسْئُولِينَ، قَالَ عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:«لَمَّا أُسْرِيَ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ اللَّهُ لَهُ آدَمَ وَوَلَدَهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ، فَأَذَّنَ جِبْرِيلُ ثُمَّ أَقَامَ، وَقَالَ يَا مُحَمَّدُ تَقَدَّمْ فَصَلِّ بِهِمْ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الصَّلَاةِ قَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: سَلْ يَا مُحَمَّدُ مَنْ أَرْسَلْنَا قبلك من رسلنا، الْآيَةُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " لَا أَسْأَلُ فَقَدِ اكْتَفَيْتُ» ، وَهَذَا قَوْلُ الزُّهْرِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَابْنِ زَيْدٍ، قَالُوا: جَمَعَ اللَّهُ لَهُ الْمُرْسَلِينَ