الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِنَ الْوَحْيِ {وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ} [الأحقاف: 23]
[24]
{فَلَمَّا رَأَوْهُ} [الأحقاف: 24] يَعْنِي مَا يُوعَدُونَ بِهِ مِنَ العذاب، {عَارِضًا} [الأحقاف: 24] سَحَابًا يَعْرِضُ أَيْ يَبْدُو فِي نَاحِيَةٍ مِنَ السَّمَاءِ ثُمَّ يُطَبِّقُ السماء، {مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ} [الأحقاف: 24] فَخَرَجَتْ عَلَيْهِمْ سَحَابَةٌ سَوْدَاءُ مِنْ وَادٍ لَهُمْ يُقَالُ لَهُ: الْمُغِيثُ، وَكَانُوا قَدْ حُبِسَ عَنْهُمُ الْمَطَرُ، فَلَمَّا رَأَوْهَا اسْتَبْشَرُوا، {قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} [الأحقاف: 24] يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: {بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الأحقاف: 24] فَجَعَلَتِ الرِّيحُ تَحْمِلُ الْفُسْطَاطَ وَتَحْمِلُ الظَّعِينَةَ حَتَّى تُرَى كَأَنَّهَا جَرَادَةٌ.
[25]
{تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ} [الأحقاف: 25] مَرَّتْ بِهِ مِنْ رِجَالِ عَادٍ وأموالها، {بِأَمْرِ رَبِّهَا} [الأحقاف: 25] فَأَوَّلُ مَا عَرَفُوا أَنَّهَا عَذَابٌ رَأَوْا مَا كَانَ خَارِجًا مِنْ دِيَارِهِمْ مِنَ الرِّجَالِ وَالْمَوَاشِي تَطِيرُ بِهِمُ الرِّيحُ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، فَدَخَلُوا بُيُوتَهُمْ وَأَغْلَقُوا أَبْوَابَهُمْ فَجَاءَتِ الرِّيحُ فَقَلَعَتْ أَبْوَابَهُمْ وَصَرَعَتْهُمْ، وَأَمَرَ اللَّهُ الرِّيحَ فَأَمَالَتْ عَلَيْهِمُ الرِّمَالَ، وكانوا تَحْتَ الرَّمْلِ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ، لَهُمْ أَنِينٌ، ثُمَّ أَمَرَ اللَّهُ الرِّيحَ فَكَشَفَتْ عَنْهُمُ الرِّمَالَ فَاحْتَمَلَتْهُمْ فَرَمَتْ بِهِمْ فِي الْبَحْرِ {فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ} [الأحقاف: 25] قَرَأَ عَاصِمٌ وَحَمْزَةُ وَيَعْقُوبُ (يُرَى) بِضَمِّ الْيَاءِ (مَسَاكِنُهُمْ) بِرَفْعِ النُّونِ يَعْنِي لَا يُرَى شَيْءٌ إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالتَّاءِ وَفَتْحِهَا، (مَسَاكِنَهُمْ) نَصْبٌ يَعْنِي لَا تَرَى أَنْتَ يَا مُحَمَّدُ إِلَّا مَسَاكِنَهُمْ لِأَنَّ السُّكَّانَ وَالْأَنْعَامَ بَادَتْ بِالرِّيحِ، فليم يَبْقَ إِلَّا هُودٌ وَمَنْ آمَنَ مَعَهُ. {كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ} [الأحقاف: 25]
[26]
{وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ} [الأحقاف: 26] يَعْنِي فِيمَا لَمْ نُمَكِّنْكُمْ فِيهِ مِنْ قُوَّةِ الْأَبْدَانِ وَطُولِ الْعُمْرِ وَكَثْرَةِ الْمَالِ. قَالَ الْمُبَرِّدُ: (مَا) فِي قَوْلِهِ (فِيمَا) بِمَنْزِلَةِ الَّذِي، (إِنَّ) بِمَنْزِلَةِ مَا، وَتَقْدِيرُهُ: وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الَّذِي مَا مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ. {وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} [الأحقاف: 26]
[27]
{وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ} [الأحقاف: 27] يَا أَهْلَ مَكَّةَ، {مِنَ الْقُرَى} [الأحقاف: 27] كَحِجْرٍ ثَمُودٍ وَأَرْضِ سَدُومَ وَنَحْوِهِمَا، {وَصَرَّفْنَا الْآيَاتِ} [الأحقاف: 27] الحجج والبينات، {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الأحقاف: 27] عَنْ كُفْرِهِمْ فَلَمْ يَرْجِعُوا، فَأَهْلَكْنَاهُمْ، يخوّف مشركي مكة.
[28]
{فَلَوْلَا} [الأحقاف: 28] فَهَلَّا {نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آلِهَةً} [الأحقاف: 28] يعني الأوثان التي اتَّخَذُوهَا آلِهَةً يَتَقَرَّبُونَ بِهَا إِلَى اللَّهِ عز وجل الْقُرْبَانُ كُلُّ مَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى اللَّهِ عز وجل وَجَمْعُهُ قَرَابِينُ، كَالرُّهْبَانِ والرهابين، {بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ} [الأحقاف: 28] قَالَ مُقَاتِلٌ بَلْ ضَلَّتِ الْآلِهَةُ عَنْهُمْ فَلَمْ تَنْفَعْهُمْ عِنْدَ نُزُولِ العذاب، {وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ} [الأحقاف: 28] أَيْ كَذِبُهُمُ الَّذِي كَانُوا يَقُولُونَ: إِنَّهَا تُقَرِّبُهُمْ إِلَى اللَّهِ عز وجل وَتَشْفَعُ لَهُمْ، {وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} [الأحقاف: 28] يكذبون أنها آلهة.
[قوله تعالى وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ]
الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا. . .
[29]
{وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ} [الأحقاف: 29] اخْتَلَفُوا فِي عَدَدِ ذَلِكَ النَّفَرِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانُوا سَبْعَةً مِنْ جِنِّ نَصِيبِينَ، فَجَعَلَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ. وَقَالَ آخَرُونَ: كَانُوا تِسْعَةً. وَرَوَى عَاصِمٌ عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ: كَانَ زَوْبَعَةُ مِنَ التِّسْعَةِ الَّذِينَ اسْتَمَعُوا الْقُرْآنَ. {فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا} [الأحقاف: 29] قالوا: صه. قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أَنْصِتُوا وَاسْكُتُوا لِنَسْتَمِعَ إِلَى قِرَاءَتِهِ، فَلَا يَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الِاسْتِمَاعِ شَيْءٌ، فَأَنْصَتُوا وَاسْتَمَعُوا الْقُرْآنَ حَتَّى كَادَ يَقَعُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْ شِدَّةِ حرصهم، {فَلَمَّا قُضِيَ} [الأحقاف: 29] فَرَغَ مِنْ تِلَاوَتِهِ، {وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ} [الأحقاف: 29] انصرفوا إليهم، {مُنْذِرِينَ} [الأحقاف: 29] مُخَوِّفِينَ دَاعِينَ بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
[30]
{قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ} [الأحقاف: 30] قَالَ عَطَاءٌ: كَانَ دِينُهُمُ الْيَهُودِيَّةُ، لِذَلِكَ قَالُوا: إِنَّا سَمِعَنَا كِتَابًا أَنْزِلُ مِنْ بَعْدِ مُوسَى.
[31]
{يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ} [الأحقاف: 31] يَعْنِي مُحَمَّدًا
-صلى الله عليه وسلم {وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ} [الأحقاف: 31](مِنْ) صِلَةٌ أَيْ ذُنُوبِكُمْ، {وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأحقاف: 31] وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ مَبْعُوثًا إِلَى الْجِنِّ وَالْإِنْسِ جَمِيعًا. قَالَ مُقَاتِلٌ: لَمْ يُبْعَثْ قَبْلَهُ نَبِيٌّ إِلَى الْإِنْسِ وَالْجِنِّ جَمِيعًا. وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي حُكْمِ مُؤْمِنِي الْجِنِّ، فقال: لَيْسَ لَهُمْ ثَوَابٌ إِلَّا نَجَاتُهُمْ من النار، وَحَكَى سُفْيَانُ عَنْ لَيْثٍ قَالَ: الْجِنُّ ثَوَابُهُمْ أَنْ يُجَارُوا مِنَ النَّارِ، ثُمَّ يُقَالُ لَهُمْ كُونُوا ترابا، وهذا مثل البهائم. وَقَالَ الْآخَرُونَ. يَكُونُ لَهُمُ الثَّوَابُ فِي الْإِحْسَانِ كَمَا يَكُونُ عَلَيْهِمُ العقاب في الإساءة كالإنس. وَقَالَ جَرِيرٌ عَنِ الضَّحَّاكِ: الْجِنُّ يدخلون الجنة ويأكلون ويشربون، وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: إِنَّ مُؤْمِنِي الْجِنِّ حَوْلَ الْجَنَّةِ فِي رَبَضٍ وَرِحَابٍ وَلَيْسُوا فِيهَا.
[32]
{وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ} [الأحقاف: 32] لَا يُعْجِزُ اللَّهَ فَيَفُوتُهُ، {وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَولِيَاءُ} [الأحقاف: 32] أَنْصَارٌ يَمْنَعُونَهُ مِنَ اللَّهِ {أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [الأحقاف: 32]
[33]
{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ} [الأحقاف: 33] لَمْ يَعْجِزْ عَنْ إِبْدَاعِهِنَّ، {بِقَادِرٍ} [الأحقاف: 33] هَكَذَا قِرَاءَةُ الْعَامَّةِ، وَاخْتَلَفُوا فِي وَجْهِ دُخُولِ الْبَاءِ فِيهِ، فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَالْأَخْفَشُ: الْبَاءُ زَائِدَةٌ للتأكيد، كقوله:{تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ} [المؤمنون: 20] وَقَالَ الْكِسَائِيُّ وَالْفَرَّاءُ: الْعَرَبُ تُدْخِلُ الْبَاءَ فِي الِاسْتِفْهَامِ مَعَ الْجَحْدِ فتقول: ما أظنك بقائم {عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الأحقاف: 33]
[34]
{وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ} [الأحقاف: 34] فَيُقَالُ لَهُمْ، {أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ} [الأحقاف: 34] أَيْ فَيُقَالُ لَهُمْ، {فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ} [الأحقاف: 34]
[35]
{فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف: 35] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ. ذَوُو الْحَزْمِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: ذَوُو الْجِدِّ وَالصَّبْرِ. وَاخْتَلَفُوا فِيهِمْ، فَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: كُلُّ الرُّسُلِ كَانُوا أُولِي عَزْمٍ لَمْ يَبْعَثِ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَّا كَانَ ذَا عَزْمٍ وَحَزْمٍ، وَرَأْيٍ وَكَمَالِ عَقْلٍ، وَإِنَّمَا أُدْخِلَتْ مِنْ لِلتَّجْنِيسِ لَا لِلتَّبْعِيضِ كَمَا يُقَالُ: اشْتَرَيْتُ أَكْسِيَةً مِنَ الْخَزِّ وَأَرْدِيَةً مِنَ الْبَزِّ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْأَنْبِيَاءُ كُلُّهُمْ أُولُو عَزْمٍ إِلَّا يُونُسَ بْنَ مَتَّى لِعَجَلَةٍ كَانَتْ مِنْهُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ قِيلَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:{وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ} [القلم: 48] وَقَالَ قَوْمٌ: هُمْ نُجَبَاءُ الرُّسُلِ المذكورين فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ، وَهُمْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى بَعْدَ ذِكْرِهِمْ:{أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} [الْأَنْعَامِ: 90] وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: هُمُ الَّذِينَ أُمِرُوا بِالْجِهَادِ وَأَظْهَرُوا الْمُكَاشَفَةَ مَعَ أَعْدَاءِ الدِّينِ. وَقِيلَ: هُمْ سِتَّةٌ: نُوحٌ وَهُودٌ وَصَالِحٌ وَلُوطٌ وَشُعَيْبٌ وَمُوسَى عليهم السلام وَهُمُ الْمَذْكُورُونَ عَلَى النَّسَقِ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ وَالشُّعَرَاءِ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: هُمْ سِتَّةٌ: نُوحٌ صَبَرَ عَلَى أَذَى قَوْمِهِ، وَإِبْرَاهِيمُ صَبَرَ عَلَى النَّارِ، وَإِسْحَاقُ صَبَرَ عَلَى الذَّبْحِ، وَيَعْقُوبُ صَبَرَ عَلَى فَقْدِ