الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[5]
{إِنَّ الْأَبْرَارَ} [الإنسان: 5] يَعْنِي الْمُؤْمِنِينَ الصَّادِقِينَ فِي إِيمَانِهِمُ المطيعين لربهم، {يَشْرَبُونَ} [الإنسان: 5] في الآخرة، {مِنْ كَأْسٍ} [الإنسان: 5] فيه شراب {كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا} [الإنسان: 5] قَالَ قَتَادَةُ: يُمْزَجُ لَهُمْ بِالْكَافُورِ وَيُخْتَمُ بِالْمِسْكِ، قَالَ عِكْرِمَةُ: مِزَاجُهَا طَعْمُهَا، وَقَالَ أَهْلُ الْمَعَانِي: أَرَادَ كَالْكَافُورِ فِي بَيَاضِهِ وَطِيبِ رِيحِهِ وَبَرْدِهِ، لِأَنَّ الْكَافُورَ لَا يُشْرَبُ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ {حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا} [الْكَهْفِ: 96] أَيْ كَنَارٍ، وَهَذَا معنى قول مجاهد ومقاتل وَمُجَاهِدٍ: يُمَازِجُهُ رِيحُ الْكَافُورِ. وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: طُيِّبَتْ بِالْكَافُورِ وَالْمِسْكِ والزنجبيل. قال عَطَاءٌ وَالْكَلْبِيُّ: الْكَافُورُ اسْمٌ لِعَيْنِ ماء في الجنة.
[قوله تَعَالَى عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا]
تَفْجِيرًا. . .
[6]
{عَيْنًا} [الإنسان: 6] نصب تبعا للكافور وقيل: نَصْبٌ عَلَى الْمَدْحِ. وَقِيلَ: أَعْنِي عَيْنًا. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: الْأَجْوَدُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى مِنْ عَيْنٍ، {يَشْرَبُ بِهَا} [الإنسان: 6] قِيلَ: يَشْرَبُهَا وَالْبَاءُ صِلَةٌ. وَقِيلَ: بِهَا أَيْ مِنْهَا، {عِبَادُ اللَّهِ} [الإنسان: 6] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَوْلِيَاءُ اللَّهِ، {يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا} [الإنسان: 6] أَيْ يَقُودُونَهَا حَيْثُ شَاءُوا مِنْ مَنَازِلِهِمْ، وَقُصُورِهِمْ، كَمَنْ يَكُونُ لَهُ نهر يفجره ههنا إِلَى حَيْثُ يُرِيدُ.
[7]
{يُوفُونَ بِالنَّذْرِ} [الإنسان: 7] هَذَا مِنْ صِفَاتِهِمْ فِي الدُّنْيَا: أَيْ كَانُوا فِي الدُّنْيَا كَذَلِكَ، قَالَ قَتَادَةُ: أَرَادَ يُوفُونَ بِمَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ الصَّلَاةِ والزكاة والصوم والحج والعمرة، وغيره مِنَ الْوَاجِبَاتِ، وَمَعْنَى النَّذْرِ الْإِيجَابُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ: إِذَا نَذَرُوا فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَفَّوْا بِهِ، {وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا} [الإنسان: 7] فَاشِيًا مُمْتَدًّا، يُقَالُ: اسْتَطَارَ الصُّبْحُ إِذَا امْتَدَّ وَانْتَشَرَ. قَالَ مُقَاتِلٌ: كان شره فاشيا في السموات، فَانْشَقَّتْ وَتَنَاثَرَتِ الْكَوَاكِبُ، وَكُوِّرَتِ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَفَزِعَتِ الْمَلَائِكَةُ، وَفِي الْأَرْضِ: فَنُسِفَتِ الْجِبَالُ وَغَارَتِ الْمِيَاهُ وَتَكَسَّرَ كُلُّ شَيْءٍ عَلَى الْأَرْضِ مِنْ جَبَلٍ وَبِنَاءٍ.
[8]
{وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ} [الإنسان: 8] أَيْ عَلَى حُبِّ الطَّعَامِ وَقِلَّتِهِ وَشَهْوَتِهِمْ لَهُ وَحَاجَتِهِمْ إِلَيْهِ، وَقِيلَ على حب الله، {مِسْكِينًا} [الإنسان: 8] فَقِيرًا لَا مَالَ لَهُ، {وَيَتِيمًا} [الإنسان: 8] صَغِيرًا لَا أَبَ لَهُ {وَأَسِيرًا} [الإنسان: 8] قَالَ مُجَاهِدٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعَطَاءٌ: هُوَ الْمَسْجُونُ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: أَمَرَ اللَّهُ بِالْأُسَرَاءِ أَنْ يُحْسَنَ إِلَيْهِمْ وَإِنَّ أَسْرَاهُمْ يَوْمَئِذٍ لَأَهْلُ الشِّرْكِ. وَقِيلَ: الأسير المملوك. وقيل المرأة، يَقُولَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم «اتَّقَوْا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّهُنَّ عِنْدَكُمْ عَوَانٌ» (1) أَيْ أُسَرَاءُ.
[9]
{إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا} [الإنسان: 9] وَالشُّكُورُ مَصْدَرٌ كَالْعُقُودِ وَالدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ. قَالَ مُجَاهِدٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: إِنَّهُمْ لَمْ يَتَكَلَّمُوا بِهِ وَلَكِنْ عَلِمَ اللَّهُ ذَلِكَ مِنْ قُلُوبِهِمْ، فَأَثْنَى عَلَيْهِمْ.
[10]
{إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا} [الإنسان: 10] تَعْبَسُ فِيهِ الْوُجُوهُ مِنْ هَوْلِهِ وشدته، ونسب الْعَبُوسُ إِلَى الْيَوْمِ، كَمَا يُقَالُ: يوم صائم وليل نائم. وَقِيلَ: وُصِفَ الْيَوْمُ بِالْعَبُوسِ لِمَا فيه من الشدة، {قَمْطَرِيرًا} [الإنسان: 10] قَالَ قَتَادَةُ وَمُجَاهِدٌ وَمُقَاتِلٌ: الْقَمْطَرِيرُ الَّذِي يَقْبِضُ الْوُجُوهَ وَالْجِبَاهَ بِالتَّعْبِيسِ. وقال الْكَلْبِيُّ: الْعَبُوسُ الَّذِي لَا انْبِسَاطَ فيه، والقمطرير: الشَّدِيدُ، قَالَ الْأَخْفَشُ: الْقَمْطَرِيرُ: أَشَدُّ مَا يَكُونُ مِنَ الْأَيَّامِ وَأَطْوَلُهُ فِي الْبَلَاءِ، يُقَالُ: يَوْمٌ قَمْطَرِيرٌ وَقُمَاطِرٌ إِذَا كَانَ شَدِيدًا كَرِيهًا.
[11]
{فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ} [الإنسان: 11] الذي، يخافون، {وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً} [الإنسان: 11] حسنا في وجوههم، {وَسُرُورًا} [الإنسان: 11] فِي قُلُوبِهِمْ.
[12]
{وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا} [الإنسان: 12] عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَاجْتِنَابِ مَعْصِيَتِهِ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ: عَلَى الْفَقْرِ. وَقَالَ عَطَاءٌ: عَلَى الْجُوعِ {جَنَّةً وَحَرِيرًا} [الإنسان: 12] قال
(1) قطعة من حديث أخرجه الطحاوي في مشكل الآثار (3 / 212) والترمذي في أبواب الرضاع (4 / 326) قال: " حسن صحيح " وابن ماجه في النكاح برقم (1851) 1 / 594.
الْحَسَنُ: أَدْخَلَهُمُ اللَّهُ الْجَنَّةَ وَأَلْبَسَهُمُ الحرير.
[13]
{مُتَّكِئِينَ} [الإنسان: 13] نصب على الحال، {فِيهَا} [الإنسان: 13] في الجنة {عَلَى الْأَرَائِكِ} [الإنسان: 13] السُّرُرُ فِي الْحِجَالِ، وَلَا تَكُونُ أَرِيكَةً إِلَّا إِذَا اجْتَمَعَا، {لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا} [الإنسان: 13] أَيْ صَيْفًا وَلَا شِتَاءً. قَالَ مُقَاتِلٌ: يَعْنِي شَمْسًا يُؤْذِيهِمْ حَرُّهَا وَلَا زَمْهَرِيرًا يُؤْذِيهِمْ بِرْدُهُ، لِأَنَّهُمَا يُؤْذِيَانِ فِي الدُّنْيَا. وَالزَّمْهَرِيرُ: الْبَرْدُ الشديد.
[14]
{وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا} [الإنسان: 14] أَيْ قَرِيبَةً مِنْهُمْ ظِلَالُ أَشْجَارِهَا، وَنُصِبَ (دَانِيَةً) بِالْعَطْفِ عَلَى قَوْلِهِ:(مُتَّكِئِينَ)، وَقِيلَ: عَلَى مَوْضِعِ قَوْلِهِ: {لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا} [الإنسان: 13] وَيَرَوْنَ (دَانِيَةً)، وَقِيلَ: عَلَى الْمَدْحِ. {وَذُلِّلَتْ} [الإنسان: 14] سخرت وقربت، {قُطُوفُهَا} [الإنسان: 14] ثمارها {تَذْلِيلًا} [الإنسان: 14] يَأْكُلُونَ مِنْ ثِمَارِهَا قِيَامًا وَقُعُودًا وَمُضْطَجِعِينَ، وَيَتَنَاوَلُونَهَا كَيْفَ شَاءُوا عَلَى أي حال كانوا.
[15 - 16]{وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا - قَوَارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ} [الإنسان: 15 - 16] قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: أَرَادَ بَيَاضَ الْفِضَّةِ فِي صَفَاءِ الْقَوَارِيرِ، فَهِيَ مِنْ فِضَّةٍ فِي صَفَاءِ الزُّجَاجِ، يَرَى مَا فِي دَاخِلِهَا مِنْ خَارِجِهَا، {قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا} [الإنسان: 16] الْكَأْسَ عَلَى قَدْرِ رِيِّهِمْ لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ، أَيْ قَدَّرَهَا لَهُمُ السُّقَاةُ وَالْخَدَمُ الَّذِينَ يَطُوفُونَ عَلَيْهِمْ يُقَدِّرُونَهَا ثُمَّ يُسْقَوْنَ.
[17]
{وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا} [الإنسان: 17] يُشَوِّقُ وَيُطْرِبُ، وَالزَّنْجَبِيلُ: مِمَّا كَانَتِ الْعَرَبُ تَسْتَطِيبُهُ جِدًّا، فَوَعَدَهُمُ اللَّهُ - تَعَالَى - أَنَّهُمْ يُسْقَوْنَ فِي الْجَنَّةِ الْكَأْسَ الْمَمْزُوجَةَ بِزَنْجَبِيلِ الْجَنَّةِ. قَالَ مُقَاتِلٌ: لَا يُشْبِهُ زَنْجَبِيلَ الدُّنْيَا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كُلُّ مَا ذكره اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ مِمَّا فِي الْجَنَّةِ وَسَمَّاهُ لَيْسَ لَهُ فِي الدُّنْيَا مِثْلٌ. وَقِيلَ: هُوَ عَيْنٌ فِي الْجَنَّةِ يُوجَدُ مِنْهَا طَعْمُ الزَّنْجَبِيلِ. قَالَ قَتَادَةُ: يَشْرَبُهَا الْمُقَرَّبُونَ صِرْفًا، وَيُمْزَجُ لِسَائِرِ أَهْلِ الْجَنَّةِ.
[18]
{عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا} [الإنسان: 18] قَالَ قَتَادَةُ: سَلِسَةٌ مُنْقَادَةٌ لَهُمْ يصرفونها حيث شاءوا، قال مجاهد: حديدة الجرية. قال أَبُو الْعَالِيَةِ وَمُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: سُمِّيَتْ سَلْسَبِيلًا لِأَنَّهَا تَسِيلُ عَلَيْهِمْ فِي الطُّرُقِ وَفِي مَنَازِلِهِمْ، تَنْبُعُ مِنْ أَصْلِ الْعَرْشِ مِنْ جَنَّةِ عَدْنٍ إِلَى أَهْلِ الْجِنَانِ، وَشَرَابُ الْجَنَّةِ عَلَى بَرْدِ الْكَافُورِ وَطَعْمِ الزَّنْجَبِيلِ وَرِيحِ الْمِسْكِ. قَالَ الزَّجَّاجُ: سُمِّيَتْ سَلْسَبِيلًا لِأَنَّهَا فِي غَايَةِ السَّلَاسَةِ تَتَسَلْسَلُ فِي الْحَلْقِ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ:(تُسَمَّى) أَيْ تُوصَفُ لِأَنَّ أَكْثَرَ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ سَلْسَبِيلًا صِفَةٌ لَا اسْمٌ.
[19]
{وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا} [الإنسان: 19] قَالَ عَطَاءٌ: يُرِيدُ فِي بَيَاضِ اللُّؤْلُؤِ وَحُسْنِهِ، وَاللُّؤْلُؤُ إِذَا نُثِرَ مِنَ الْخَيْطِ عَلَى الْبِسَاطِ، كَانَ أَحْسَنَ مِنْهُ مَنْظُومًا. وَقَالَ أَهْلُ الْمَعَانِي: إِنَّمَا شُبِّهُوا بِالْمَنْثُورِ لِانْتِثَارِهِمْ فِي الْخِدْمَةِ، فَلَوْ كَانُوا صَفًّا لَشُبِّهُوا بِالْمَنْظُومِ.
[20]
{وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ} [الإنسان: 20] أَيْ إِذَا رَأَيْتَ بِبَصَرِكَ