المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مقدمة الطبعة الأولى: - مدارج تفقه الحنبلي

[أحمد بن ناصر القعيمي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌مقدمة الطبعة الأولى:

- ‌تمهيد:

- ‌المبحث الأول: التعريف بالمذهب الحنبلي:

- ‌المذهب لغة:

- ‌في الاصطلاح:

- ‌المبحث الثاني: المراد بالحنابلة المتأخرين:

- ‌تنبيه:

- ‌المبحث الثالث: تنبيهات مهمة:

- ‌التنبيه الأول:

- ‌التنبيه الثاني:

- ‌التنبيه الثالث:

- ‌والمقصود بالملازمة:

- ‌وفوائد ملازمة الأشياخ كثيرة جداً:

- ‌والمقصود بالمصاحبة:

- ‌وفوائد المصاحبة كثيرة:

- ‌والكمال:

- ‌التنبيه الرابع:

- ‌التنبيه الخامس:

- ‌وفي آداب الحنفية:

- ‌الفصل الأول: (المرحلة الأولى) دراسة المتون الخمسة والروض المربع:

- ‌المبحث الأول: كتب المرحلة الأولى:

- ‌الأهداف المراد تحقيقها:

- ‌المبحث الثاني: كيفية العمل في هذه المرحلة:

- ‌المبحث الثالث: طريقة دراسة المتن الفقهي:

- ‌الطريقة التي ينتهجها الطالب لدراسة مسائل المتن الفقهي هي ما يلي:

- ‌تلخيص أهم ما فعله المرداوي مع "المقنع" في كتاب "التنقيح

- ‌الأمور التي يجب أن تراعى لدراسة المتن الفقهي:

- ‌الأمر الأول: تبيين المبهم:

- ‌ومن الإبهامات في اللفظ التي تحتاج إلى بيان:

- ‌أمثلة على ذكر (مطلقاً) من بعض المتون:

- ‌ومن الإبهامات التي تحتاج أيضا إلى بيان:

- ‌الأمر الثاني: تقييد المطلق، وتخصيص العموم:

- ‌والمقيدات هي نفس مخصصات العموم:

- ‌أمثلة على ذلك:

- ‌الأمر الثالث: بيان مخالفة المذهب:

- ‌وينبغي عند ذكر مسألة مخالفة للمذهب لأي متن من المتون مراعاة ما يلي:

- ‌أمثلة على مخالفات للمذهب من المتون الخمسة:

- ‌الأمر الرابع: الاهتمام بترتيب المسائل:

- ‌باب الفدية

- ‌الأمر الخامس: الاهتمام بالحدود والضوابط:

- ‌الأمر السادس: الاهتمام بأدلة المسائل:

- ‌ومن الأمثلة على أدلة لمسائل فقهية ما يلي:

- ‌أهمية حفظ القرآن الكريم والسنة النبوية:

- ‌كتب أحاديث الأحكام الحنبلية:

- ‌1 - عمدة الأحكام:

- ‌2 - العُمْدَةُ الْكُبْرَى في أَحادِيثِ الأَحْكامِ:

- ‌3 - المُحَرَّرُ في الحَدِيْثِ:

- ‌4 - كِفَايَةُ المُسْتَقْنِعِ لِأَدِلةِ المُقْنِعِ

- ‌5 - إِحكامُ الذَّرِيْعَةِ إلى أَحكامِ الشَّرِيْعَةِ:

- ‌6 - المُنْتَقَى فِي الأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ منْ كَلَامِ سَيِّدِ البَرِيَّةِ صلى الله عليه وسلم

- ‌7 - السُّنَنُ والأَحكَامُ عن المُصْطَفَى عليه أَفْضَلُ الصَّلاةِ والسَّلَامِ:

- ‌الأمر السابع: بيان الخلل في العبارة:

- ‌المراد بالخلل في العبارة:

- ‌أمثلة على الخلل في العبارة:

- ‌المبحث الرابع: الكلام على المتون الخمسة وشروحها وحواشيها:

- ‌المطلب الأول: أخصر المختصرات:

- ‌شروح "أخصر المختصرات

- ‌1 - كشف المخدرات والرياض المزهرات لشرح أخصر المختصرات:

- ‌2 - الفوائد المنتخبات في شرح أخصر المختصرات:

- ‌3 - حاشية على أخصر المختصرات:

- ‌المطلب الثاني: عمدة الطالب:

- ‌شروح " عمدة الطالب

- ‌1 - هداية الراغب لشرح عمدة الطالب:

- ‌ومن تحريرات الشيخ عثمان في هداية الراغب ما يلي:

- ‌2 - شرح عمدة الطالب:

- ‌المطلب الثالث: دليل الطالب لنيل المطالب:

- ‌بعض شروحه وحواشيه

- ‌1):1 -نيل المآرب بشرح دليل الطالب:

- ‌ومما ذكره اللبدي من الفوائد:

- ‌ثم ختم اللبدي رحمه الله

- ‌2 - منار السبيل شرح الدليل:

- ‌3 - نيل المطالب لشرح دليل الطالب:

- ‌4 - فتح وهاب المآرب على دليل الطالب لنيل المطالب:

- ‌5 - مسلك الراغب لشرح دليل الطالب:

- ‌6 - شرح دليل الطالب لنيل المطالب:

- ‌7 - الجمع بين دليل الطالب وغيره:

- ‌المطلب الرابع: كافي المبتدي

- ‌شرح "كافي المبتدي

- ‌الروض الندي شرح كافي المبتدي:

- ‌المطلب الخامس: زاد المستقنع في اختصار المقنع:

- ‌بعض شروح "زاد المستقنع" وحواشيه:

- ‌1 - الروض المربع شرح زاد المستقنع:

- ‌2 - الشرح الممتع على زاد المستقنع

- ‌3 - "شرح زاد المستقنع

- ‌4 - شرح كتاب زاد المستقنع للشيخ حمد الحمد:

- ‌المطلب السادس: الروض المربع شرح زاد المستقنع:

- ‌بعض ما كتب على "الروض المربع" من حواشي:

- ‌1 - حاشية للشيخ عبدالوهاب بن الشيخ محمد بن فيروز الوهيبي التميمي الحنبلي الأحسائي

- ‌2 - حاشية الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن العنقري على الروض المربع قاضي سدير

- ‌3 - تقريرات لسماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ

- ‌4 - حاشية الشيخ عبد الرحمن بن قاسم

- ‌المبحث الخامس: تتمة كتب المذهب المختصرة وغيرها:

- ‌المطلب الأول: بقية المتون المختصرة:

- ‌1 - بداية العابد وكفاية الزاهد في الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل:

- ‌2 - مختصر في فقه الإمام أحمد بن حنبل لأبي بكر خوقير

- ‌المطلب الثاني: قراءة شروح المتون الأربعة الأولى:

- ‌المطلب الثالث: قراءة كتب الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي (ت 1376 هـ) الفقهية كلها، ومن أهمها:

- ‌1 - "إرشاد أولي البصائر والألباب لنيل الفقه بأقرب الطرق وأيسر الأسباب

- ‌2 - المناظرات الفقهية:

- ‌المبحث السادس: بعض آداب طلب العلم:

- ‌المطلب الأول: التعليم بالعمل:

- ‌المطلب الثاني: في آداب العالم والمتعلم:

- ‌المطلب الثالث: أقوال لابن الجوزي - رحمه الله تعالى - في أهمية التفقه:

- ‌المطلب الرابع: بعض آفات الاشتغال بالعلم:

- ‌الفصل الثاني: (المرحلة الثانية) دراسة كتاب " منتهى الإرادات "وقراءة كتابي "الإقناع" و"غاية المنتهى

- ‌المبحث الأول: كتب هذه المرحلة، والهدف المراد تحقيقه:

- ‌المطلب الأول: كتب هذه المرحلة:

- ‌1 - "منتهى الإرادات في الجمع بين المقنع والتنقيح وزيادات

- ‌2 - الإقناع لطالب الانتفاع للشيخ شرف الدين أبي النجا

- ‌3 - غاية المنتهى في جمع الإقناع والمنتهى للشيخ مرعي بن يوسف الكرمي

- ‌المطلب الثاني: الهدف المراد تحقيقه:

- ‌المطلب الثالث: الكتب التي لابد من توفرها لدراسة كتاب (منتهى الإرادات):

- ‌المطلب الرابع: طريقة دراسة " المنتهى

- ‌المطلب الخامس: ما ينبغي فعله أثناء دراسة " المنتهى

- ‌أولاً: أن يدرس الطالب المسائل ويحللها بمثل ما تقدم في المرحلة الأولى

- ‌ومن الأمثلة على الإبهامات في الحكم من " الإقناع " و " المنتهى

- ‌ثانيا: استخراج الفروق الفقهية بين المسائل

- ‌ومن الأمثلة على الفروق الفقهية بين المسائل:

- ‌ثالثا: استخراج النظائر الفقهية

- ‌ومن أمثلة النظائر الفقهية:

- ‌رابعا: استخراج القواعد الفقهية التي تضم مسائل متنوعة علتها واحدة:

- ‌ومن أمثلة القواعد الفقهية:

- ‌خامسا: استخراج القواعد الأصولية

- ‌ومن أمثلة القواعد الأصولية:

- ‌المطلب السادس: فوائد دراسة "المنتهى" بهذه الطريقة:

- ‌المبحث الثاني: التعريف بكتب هذه المرحلة:

- ‌المطلب الأول: "منتهى الإرادات في جمع المقنع مع التنقيح وزيادات

- ‌الفرع الأول: التعريف بالمؤلف والكتاب:

- ‌الفرع الثاني: شروح " المنتهى

- ‌1 - "معونة أولي النهى شرح المنتهى

- ‌2 - شرح منتهى الإرادات (دقائق أولي النهى لشرح المنتهى):

- ‌الفرع الثالث: حواشي " المنتهي

- ‌1 - " إرشاد أولي النهى لدقائق المنتهى

- ‌2 - " حاشية الخلوتي على المنتهى

- ‌3 - حاشية الشيخ عثمان النجدي على " المنتهى

- ‌المطلب الثاني التعريف بكتاب: الإقناع لطالب الانتفاع:

- ‌الفرع الأول: التعريف بالمؤلف والكتاب:

- ‌الفرع الثاني: شرحه:

- ‌كشاف القناع عن الإقناع

- ‌الفرع الثالث: حاشيتان على " الإقناع

- ‌1 - " حواشي الإقناع

- ‌قاعدة في كيفية العمل فيما لو اختلف حكم مسألة في موضعين:

- ‌ما يؤيد قاعدة الجزم بالمذهب بما في الموضع الأصلي للمسألة:

- ‌2 - حاشية الخلوتي على " الإقناع

- ‌المطلب الثالث: التعريف بكتاب "غاية المنتهى في الجمع بين الإقناع والمنتهى

- ‌الفرع الأول: التعريف بالمؤلف والكتاب:

- ‌الفرع الثاني: شروحه:

- ‌1 - "مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى

- ‌2 - "بغية أولي النهى شرح غاية المنتهى

- ‌3 - "منحةُ مُوْلِي الفتح في تجريد زوائد الغاية والشرح

- ‌الفصل الثالث: تحرير المذهب عند المتأخرين:

- ‌المبحث الأول: الكتب التي عليها مدار التصحيح في المذهب:

- ‌معنى الرواية والوجه و"عنه"والتخريج والاحتمال وظاهر المذهب:

- ‌المطلب الأول: "الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف

- ‌عمل الشيخ المرداوي في "الإنصاف" مع "المقنع

- ‌بيان أن المرداوي لم يتبع طريقة أحد في كتب التصحيح:

- ‌المطلب الثاني: "تصحيح الفروع

- ‌كتاب الفروع أوسع كتب المذهب المعتمدة ومادته:

- ‌عمل المرداوي في الفروع:

- ‌المطلب الثالث: " التنقيح المشبع في تحرير أحكام المقنع

- ‌المبحث الثاني: تحرير المذهب عند المرداوي

- ‌المطلب الأول: طريقة المرداوي في تحرير المذهب

- ‌المطلب الثاني: هل هناك من خالف المرداوي في هذا المنهج في تحرير المذهب

- ‌المطلب الثالث: هل كل ما صححه المرداوي في كتبه الثلاثة متفق

- ‌المطلب الرابع: هل صحح الشيخ المرداوي في الإنصاف والتصحيح والتنقيح كل ما فيه خلاف

- ‌المبحث الثالث: منهج ابن النجار في كتابه " المنتهى "في اختيار المذهب:

- ‌من المسائل النادرة التي خالف فيها الشيخُ ابنُ النجار التنقيح:

- ‌مما خالف فيه الشيخ ابنُ النجار التنقيحَ ما ذكره في صدر مقدمته:

- ‌هل صحح صاحب المنتهى في كتابه خلافا حكاه

- ‌المبحث الرابع: منهج الحجاوي في كتابه "الإقناع" في اختيار المذهب:

- ‌وممكن أن نستخلص من مقدمة الإقناع عدةَ فوائد:

- ‌ إذا ذكر العالمُ قولاً منسوباً لأحد العلماء ولم يتعقبه فهو إقرار له

- ‌المبحث الخامس: في الترجيح بين "المنتهى" و"الإقناع

- ‌المطلب الأول: في الترجيح بين "الإقناع" و"المنتهى" إذا اختلفا:

- ‌الحاصل: أن المذهب يكون على الترتيب التالي:

- ‌المطلب الثاني: ذكر من اهتم ببيان المخالفات بين "المنتهى" و"الإقناع

- ‌المبحث السادس: مكانة شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن تيمية في مذهب الحنابلة:

- ‌مسائل من كتاب (منتهى الإرادات) أصلها أقوال لشيخ الإسلام:

- ‌الخاتمة

الفصل: ‌مقدمة الطبعة الأولى:

‌مقدمة الطبعة الأولى:

الحمد لله الذي علَّم وأحكم، وأنعم وأكرم، والصلاة والسلام على منْ بلَّغَ وفهم، وعلى آله الأصفياء، وأصحابه الأوفياء، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الجزاء.

وبعد: (فإنَّ أجلَّ العلومِ قدراً، وأعلاها فخراً، وأبْلَغَها فضيلةً، وأنجحَها وسيلةً، علمُ الشرعِ الشريفِ، ومعرفةُ أحكامِهِ، والاطلاعُ على سرِّ حلالهِ وحرامهِ، فلذلك تعيَّنَتْ إعانةُ قاصدهِ، وتيسيرُ مواردِهِ لرائدهِ، ومعاونتُهُ على تذكارِ لفظهِ ومعانيْهِ، وفهمِ عباراتِهِ ومبانيْهِ)

(1)

، وجاء في معاوية رضي الله عنه قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)

(2)

، ومن الخير الذي أراده الله - تعالى - لهذه الأمة أن جعل لها مذاهبَ كلَّها مستوحاة من كتاب الله - تعالى - ومن سنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، ومن هذه المذاهب مذهبُ الحنابلة، وهو من المذاهب التي تأخذ بيد صاحبها نحو أدلة الشريعة التي بها قوام الدين وأساسه، وقد تنوعت طرائق علمائنا الأفاضل -رحمة الله على من مات منهم وحفظ الله من بقي- في كيفية دراسة المذهب عند المتأخرين، وقد يحتار طالب العلم الحنبلي المبتدئ في كيفية دراسة المذهب عند المتأخرين، ومن أين يبدأ؟ وما هو الطريق الذي يوصله إلى فقه المذهب وأدلته وقواعده

(1)

اقتباس من مقدمة الشيخ منصور البهوتي رحمه الله على كشاف القناع 1/ 1 ط وزارة العدل.

(2)

أخرجه البخاري في باب: من يرد الله به خيرا يفقه في الدين ح 71، ومسلم في باب النهي عن المسألة ح 1038 كلاهما من حديث معاوية رضي الله عنه.

ص: 15

وأصوله؟ وقد تمضي على الطالب السنون وهو متشتت لا يدري لماذا لم يُحَصِّل من الفقه إلا القليل؟ رغم بقاءه والتحاقه في حلقات ودورات فقهية كثيرة، ولماذا لا يستطيع تصور مسائل المتون الفقهية كما أرادها مؤلفوها؟ لماذا لم يضبط المذهب رغم حفظه لبعض متونه؟ لماذا ولماذا ولماذا؟ أسئلة يجدها طالب العلم الحنبلي المجد ملحة عليه، إلى متى أسير ولم أقطع شيئاً يذكر؟

أخي في الله دعني أشاركك في هذا الْهَمِّ، أخي طالب العلم الحنبلي: إن الحياة طويلة ولكن تنبه أنها تقصر من حيث لا تشعر، تنبه أنك تسير إلى نهايتك، لا تَقُل أنا في ريعان شبابي، سأهمل، أو سأتمهل، فعمري لم يمض منه إلا القليل، وما أدراك أن ما مضى هو القليل، بل قد يكون هو الكثير، والباقي هو القليل، أخي طالب العلم إنك إن شَمَّرْتَ عن ساعد الجد وأنت صغير وحصَّلت وتفقهت ومضيت وسرت على ما أنت عليه وفيه فستكون - بإذن الله- عالم المسلمين، نعم عالم المسلمين الذي قد يحفظ الله به دينها وفقهها، نعم عالم المسلمين الذي يحتاجه الناس.

أخي طالب العلم سأذكر لك منهجاً عملياً لدراسة مذهب الحنابلة المتأخرين فقهه وأدلته وأصوله وقواعده وفروقه وأشباهه، وسأذكر أيضاً شيئاً من النتف والفوائد خلال ذلك، وسأتطرق كذلك إلى تحقيق المذهب عند المتأخرين.

وسميت هذا المنهج بـ: (مدارج تفقه الحنبلي).

وقد كتبت هذا المنهج للمبتدئين أمثالي، وقد يستفيد منه المنتهون، وذلك لما رأيت من ذهاب وقت طويل على طالب العلم الذي لا يسير على منهج واضح ومحدد، منهجٍ له بدايةٌ يبتدئ الطالبُ منها، ونهايةٌ يحرصُ على الوصولِ إليها، والحصول عليها.

وقد أكثرت في هذا المنهج من ذكرِ الأمثلة للتوثيق، ولكي يتدرب الطالب عليها، ويستخرج أمثالها بنفسه، وليس كل ما في هذا المنهج صالحاً لكل طالب مبتدئ، فلا يصلح للمبتدئ في هذا المنهج إلا المرحلة الأولى وما

ص: 16

يتعلق بها، ولذا فأنا أنصح الطالب المبتدئ بأن لا يقرأ المرحلة الثانية الآن، بل يقتصر على قراءة المرحلة الأولى فقط؛ حتى ينتهي منها أو أكثرها؛ ثم يقرأ المرحلة الثانية وما يتعلق بها، وإنما قلت ذلك حتى لا يشوش الطالب على ذهنه، خاصة أنني قد ذكرت في المرحلة الثانية أمورا تحتاج لوقوف طويل حتى يفهمها الطالب ويستوعبها.

أخي طالب العلم: اعلم أن مؤسس ومصحح ومنقح مذهب الحنابلة المتأخرين هو الإمام علي بن سليمان المرداوي (ت 885 هـ) -رحمه الله تعالى- وذلك في علمي أصول الفقه وفروعه، وكلُّ الحنابلة المتأخرين إنما يُعَوِّلُونَ في ترجيح المذهب عليه، ويرجعون في التصحيح إليه، وقد انتهج رحمه الله منهجاً بديعاً، وأسلوباً فريداً في كيفية تناول ودراسة المسائل الفقهية؛ بَيَّنَه في مقدمة كتابه

" التنقيح المشبع في تحرير أحكام المقنع "، وهذا المنهج هو الذي اخترتُه واعتمدتُه هنا لدراسة متون الفقه مع الشرح والبيان والتمثيل، وأضفت إليه ما لا يقل أهمية عما ذكره رحمه الله مع المرور على كل كتب المذهب المعتمدة، ودراستها بنفس ذلك المنهج.

ومن أهم فوائد هذا المنهج: فهمُ المسائل الفقهية على ما أراده فقهاءُ الحنابلة - رحمهم الله تعالى- مع الضبط والإتقان لها الذي لا يقِلُّ أهميةً عن فهمها، حتى تتكوَّن عند الطالبِ ملكةٌ فقهية يبنيها بنفسه بعد الاطلاع المتكرر للمسائل في أكثر من كتاب، وبأكثر من طريقة، وكم وُجِدَ مَنْ عنده فهمٌ، أو قادر على الفهم الصحيح؛ لكن ليس عنده ضبط للمسائل ولا إتقان، غير قادر على التفريق بين المسائل المتشابهة، أو غير قادر على الربط بينها، أو غير قادر على معرفة نظائرها وأشباهها.

وكم استكثر بعضُ الناس تكرارَ النظرِ في المسائل في أكثر من كتاب، وقال: هذا ضياع وقت؛ أن ينظر الطالب المسائل نفسها في أكثر من كتاب.

وأنا أقول: هب أنك فهمت المسألة من أول قراءة لها في أول كتاب، فهل يُتَصَوَّرُ أن يكون هذا الفهمُ هو نفسُهُ فقط الذي سيكون مع نظرها في كتاب آخر، بل سيزداد هذا الفهمُ وضوحاً، وسيجد الناظرُ تصوراً جديداً، وقيوداً واستثناءات، قد لا تكون موجودة في أول كتاب، بل ولا في ثاني

ص: 17

كتاب، لأن العلماء يختلفون في كيفية عرضهم للمسائل، وتناولهم لها، هذا فضلاً عن المسائل الجديدة التي تمر عليك في كل كتاب آخر ستقرأه.

وعلم الفقه من العلوم التي لا يُدرك بالنظر اليسير في كتبه، بل لابد من إطالة النظر فيه، وتكراره حتى يحصلَ الفهمُ والإدراكُ، وانظر إلى الشيخ البهوتي رحمه الله شارح كتب المذهب بلا منازع، قد وضع حاشية على المنتهى ثم على الإقناع ثم شرح زاد المستقنع ثم شرح الإقناع ثم شرح المنتهى، فلو كان الشيخ يرى أنه لا فائدة من تأليفها مع تكرار نفس المسائل لاكتفى بأحدها، لكنه يعلم رحمه الله أن الفقه لا يدرك بالنظر اليسير والوقوف على بعض كتبه دون بعض؛ بل لابد من إكثار النظر في كتب الفقه، وأن يُكرر ذلك؛ حتى يدرك الطالب مراميَه، ويفهمَ معانيَه.

أخي طالب العلم: لا تستعجل الثمرة، فالثمرة تحتاج لوقت طويل حتى يكتمل خلْقها ونماؤها، ويستوي نضجها، ويطيب طعمها، وعندها يحين قطفها وأكلها، وهكذا علم الفقه فلا تستعجل قطف ثمرته، نعم قد تتأخر لكنها حاصلة بإذن الله لمن جد واجتهد في تحصيلها.

وفي ختام هذه المقدمة أشكر الله تعالى أولاً وآخراً، وأحمده حمد الشاكرين، وأستغفره استغفار المذنبين المخطئين، وأسأل الله تعالى المغفرة والرحمة الواسعة لعلمائنا الحنابلة الذين ساهموا في هذا المذهب وأثروه، وأحسنوا بيانه وبُنيانه، كما أسأله تعالى أن يجزي هذه الدولة السعودية وحكامها كل خير على ما بذلوه وأسدوه في نشر مذهب الحنابلة، والتكفل بطباعة كتبه وتوزيعها على طلبة العلم مجاناً، كما أسأل الله تعالى الرفعة والقبول لكل من ساهم في إظهار وتحقيق وطبع كتب المذهب، وأخص بذلك الشيخين الفاضلين: معالي الشيخ عبدالله بن عبدالمحسن التركي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، ومعالي الشيخ عبدالملك ابن عبدالله بن دهيش شافاه الله وعافاه

(1)

، فإن لهذين الشيخين الفاضلين فضلاً كبيراً على الحنابلة

(1)

وقد توفي الشيخ رحمه الله تعالى يوم الخميس الثاني والعشرين من شهر شوال من عام أربع وثلاين وأربعمائة وألف للهجرة، وكنت كتبت هذا الكتاب قبل وفاة الشيخ بسنة تقريبا.

ص: 18

في هذا العصر لما قاموا به من تتبع كتب المذهب المعتمدة وتحقيقها وطباعتها ونشرها، فأسأل الله الكريم أن يتقبل منا ومنهم ومن كل علماء المسلمين صالح العمل، وأن يعفو عنا وعنهم الخطأ والزلل، وأن يجعل ما قدموه في ميزان حسناتهم يوم يلقونه، .

أخي يا من نظر في هذه الكتابة، هذا جهد من مُقِلٍّ حقيقة، لا مجازاً، وأعترف بالتقصير والعجز، فما قلته وكان صواباً فمن الله تعالى وحده وله الفضل والمنة، وما أخطأت فيه فمني ومن الشيطان واستغفر الله تعالى منه، والعلماء بريئون من هذا الخطأ، أسأله تعالى أن يغفرَ لي، ويعفوَ عني، وعَمَّن قرأَهُ، أو نظرَ فيه، وأن يرحمَنا وأن يجعلَ أعمالَنا كلَّهَا صالحةً، ولوجهه الكريمِ خالصةً، وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

أحمد بن ناصر القعيمي

20/ 3 / 1435

ص: 19