الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: التعريف بكتب هذه المرحلة:
المطلب الأول: "منتهى الإرادات في جمع المقنع مع التنقيح وزيادات
":
الفرع الأول: التعريف بالمؤلف والكتاب:
مؤلفه: الشيخ الإمام العلامة، الحبر البحر الفهامة أبو البقاء محمد بن شهاب الدين أحمد بن عبد العزيز بن علي الفتوحي المصري الحنبلي الشهير بـ (ابن النجار) الفقيه الثبت الأصولي اللغوي المتوفى سنة (972 هـ).
وكتاب "المنتهى" متن مشهور في المذهب
(1)
، بل انتهى المذهب إليه، وإلى "الإقناع"، وإلى " الغاية "، وقد ألف الشيخُ ابنُ النَّجار كتاب"المنتهى" جمع فيه بين كتابين هما من أهم كتب المذهب وهما: كتاب " المقنع" للموفق ابن قدامة (ت 620 هـ) وكتاب " التنقيح المشبع في تحرير أحكام المقنع " للشيخ علي بن سليمان المرداوي (ت 885 هـ) منقح المذهب ومحققه، وزاد الشيخ ابن النجار عليهما مسائل مهمة، وقد حرره تحريراً بالغاً، لم يؤلف مثله بعده، قال في خطبته:
…
(فالتنقيح المشبع في تحرير أحكام المقنع
…
قد كان المذهب محتاجاً إلى مثله، إلا أنه غير مستغن عن أصله، فاستخرت الله تعالى أن
(1)
وأفضل ما رأيته للتعريف بالمنتهى ما كتبه فضيلة الشيخ محمد بن عبد الواحد الأزهري الحنبلي بعنوان: (تعريف أولي النهى بمتن المنتهى) وهو منشور في بعض المواقع العلمية الشرعية الكبرى كملتقى أهل الحديث، والألوكة.
أجمع مسائلهما في واحد، مع ضمِّ ما تيسر عقله من الفوائد الشوارد، ولا أحذف منهما إلا المستغنى عنه والمرجوح وما بني عليه، ولا أذكر قولاً غير ما قدم أو صحح في " التنقيح " إلا إذا كان عليه العمل أو شُهِرَ أو قوي الخلاف، فربما أشير إليه، وحيث قلت:(قيل وقيل) ويندر ذلك، فلعدم الوقوف على تصحيح
…
الخ).
وقد ذكر سبب تأليفه لهذا الجمع وهو: أن الشيخ المرداوي في " التنقيح "
…
(صحَّحَ فيه ما أطلق في المقنع من الروايتين أو الروايات أو من الوجهين أو الأوجه وقَيَّدَ ما أخل به من الشروط، وفَسَّرَ ما أبهم فيه من حكم أو لفظ، واستثنى من عمومه ما هو مستثنى على المذهب حتى خصائصه صلى الله عليه وسلم، وقَيَّدَ ما يحتاج إليه مما فيه إطلاقه ويحمل على بعض فروعه ما هو مرتبط بها وزاد مسائل محررة مصححة فصار تصحيحاً لغالب كتب المذهب إلا أن التنقيح غير مستغن عن أصله الذي هو المقنع لأنَّ ما قطع به في المقنع أو صححه أو قدمه أو ذكر أنه المذهب وكان موافقاً للصحيح، ومفهُومُه مخالفاً لمنطوقه لم يتعرض له
(1)
التنقيح غالباً فمن عنده المقنع يحتاج للتنقيح وبالعكس والجمع بينهما قد يشق)
(2)
.
ثم بَيَّنَ -رحمه الله تعالى- أنه متابع للتنقيح بقوله (ولا أذكر قولاً غير ما قدم أو صحح " التنقيح ") فهو قد تابع التنقيح في اختياراته وتصحيحه للخلاف الذي في المقنع، بالإضافة إلى مسائل المقنع التي لم تذكر في التنقيح وهي المذهب، وزاد عليهما أيضاً مسائل جازماً بها على أنها هي المذهب.
وقد ألفه في الشام ثم عاد إلى مصر بعد أن حرر مسائله على الراجح من المذهب
(3)
.
(1)
أي: ما ذكره في المقنع من المسائل الموافقة للصحيح من المذهب لم يذكره المرداوي في التنقيح، فمن كان عنده المقنع لابد من وجود التنقيح معه، ومن كان عنده التنقيح لابد من وجود المقنع معه، وجاء " المنتهى " فجمع بينهما.
(2)
انظر: المعونة 1/ 148 وشرح " المنتهى " للبهوتي 1/ 12.
(3)
انظر: المدخل لابن بدران 237.
وجعله الشيخ ابن بدران من المتون الثلاثة التي حازت اشتهاراً أيما اشتهار، والتي هي:" مختصر الخرقي "، و " المقنع "، و " المنتهى"
(1)
.
وقد بالغ الشيخ ابن النجار في اختصاره حتى عَقَّدَ عبارته
(2)
، وما ذاك إلا لَيَقِلَّ حجمُهُ، مع كثرة معانيه: قال رحمه الله في بيان سبب تسميته بـ (منتهى الإرادات): (لأنه لا يراد كتاب أكثر مسائل منه في أقل من لفظه)
(3)
، وقال أيضاً في سبب شرحه له:(لكنني لما بالغت في اختصار ألفاظه، صارت ألفاظه، على وجوه عرائس معانيه كالنقاب، فاحتاجت إلى شرح يبرزها لمن يريد إبرازها من الطلاب والخطاب، فتصديت لكتاب يشرحه شرحاً يبين حقائقه، ويوضح معانيه ودقائقه .. الخ)
(4)
.
وفرغ من تبييضه في السابع عشر من شهر شعبان المكرم سنة (942 هـ).
وقد انتشر كتاب منتهى الإرادات في عصر مؤلفه حتى إن والده يُقْرِئُهُ للطلاب، ويثني عليه، وكاد الكتاب لشهرته يُنْسِي ما قبله من متون المذهب المطولة، وانتشارُه الواسعُ بهذه الصورة يعطي الكتاب قيمة علمية عالية، خاصة أنه لم توجد عليه انتقادات كثيرة، ومن غرائب انتشاره وصولُه للشيخ الحجاوي، فقد تعقب الشيخُ الحجاوي الشيخَ ابنَ النجار في بعض المسائل في كتابه حواشي التنقيح وسيأتي ذكر أمثلة لذلك.
وهل نقل الشيخ ابن النجار عن الشيخ الحجاوي؟
ذكر الشيخ عبدالملك بن دهيش - رحمه الله تعالى -في مقدمة تحقيقه لمعونة أولي النهى، موارد الشيخ ابن النجار في شرحه لكتاب " المنتهى "، ومن بين هذه الموارد " الإقناع " للشيخ الحجاوي
(5)
، وفي الحقيقة أني على كثرة قراءتي في المعونة، لم أر الشيخ ابن النجار ذكَرَ الشيخ الحجاوي، بل ولا
(1)
المرجع السابق 233.
(2)
انظر: المدخل لابن بدران 237.
(3)
انظر: المعونة 1/ 150.
(4)
المرجع السابق 1/ 145.
(5)
المرجع السابق 1/ 59.
" الإقناع " ولا غيره من كتب الشيخ الحجاوي، نعم قد يذكر مسائل موجودة في " الإقناع "، لكن لا يلزم من ذلك أنه نقلها من " الإقناع "، بل قد يكون نقلها من نفس مصدر " الإقناع " كالإنصاف والشرح الكبير، وغيرهما.
ثم إني اطلعت على كلام للشيخ الخلوتي يذكر فيه أن ابن النجار رد على الحجاوي في قوله في المنتهى: (ولا - أي: ولا تبطل -ببلع ما بين أسنانه بلا مضغ ولو لم يجر به ريق)، قال الخلوتي: قوله: (ولو لم يجر به ريق) قال في شرحه
(1)
: (وقال الحجاوي: وما لا يجري به ريق، وهو ماله جرم تبطل به) انتهى.
فقول المصنف: (ولو لم يجر به ريق) الغرض منه: الرد على الحجاوي، والتنبيه على عدم البطلان سواء جرى به الريق لدقته، أو لم يجر به ريق؛ لكونه ذا جرم، ومن هنا تعلم: أن ما اشتهر عن الحجاوي أنه اطلع على المنتهى، وجعله مسودة للإقناع وزاد عليه؛ فيه ما فيه، نعم كل منهما قد اطلع على كتاب الآخر، بدليل هذه، وبدليل ما في حاشية الحجاوي على التنقيح عند الكلام على قيام الليل في باب صلاة التطوع .. الخ)
(2)
.
ووقفت أيضا على نقل آخر للشيخ ابن النجار عن الشيخ الحجاوي وذلك في مسألة: حكم جهر المرأة في الصلاة الجهرية ولا يخلو الحال فيها:
الحالة الأولى: إن سمعها أجنبي فتسر وجوبا كما قاله الشيخ ابن النجار في المعونة
(3)
، ونقله عنه الشيخ منصور في الكشاف
(4)
.
الحالة الثانية: إن لم يسمعها أجنبي بأن كانت تصلي وحدها، أو مع النساء، أو مع محرمها.
فذكر في " الإقناع"
(5)
إباحته قال: (ولا بأس بجهر امرأة إذا لم يسمعها
(1)
أي: الشيخ ابن النجار في المعونة 2/ 220
(2)
انظر: حاشية الخلوتي على المنتهى 1/ 332.
(3)
انظر: معونة أولي النهى 2/ 168
(4)
2/ 320
(5)
1/ 179