الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني التعريف بكتاب: الإقناع لطالب الانتفاع:
الفرع الأول: التعريف بالمؤلف والكتاب:
مؤلفه: الشيخ شرف الدين أبو النجا موسى بن أحمد بن موسى بن سالم بن عيسى الحجاوي المقدسي ثم الدمشقي الصالحي (ت 968 هـ)، وهو كتاب كبير، حاو لمسائل كثيرة، في تناسق متناغم، وبعبارة واضحة سهلة، تميز بكثرة المسائل، وتحرير النقول، وسهولة العبارة ووضوحها، وعنايته بالدليل والتعليل
(1)
، وميز كتابه كذلك، بل حلَاّه وجَمَّله بكثرة نقله لكلام شيخ الإسلام بحر العلوم النقلية والعقلية أبي العباس تقي الدين أحمد بن عبدالحليم بن مجد الدين أبي البركات عبدالسلام بن تيمية - رحمة الله تعالى عليهم - وقد نقل عنه نقولات كثيرة منسوبة إليه، وتابعه في ذلك صاحب " غاية المنتهى " في مواطن كثيرة، وسيأتي بإذن الله نقل صاحب " المنتهى " كذلك عن شيخ الإسلام.
وقد استوعب في كتابه مسائل " التنقيح " في الجملة، وزاد عليه مسائل كثيرة تفوق زيادات " المنتهى " على " التنقيح " إلا أن في " المنتهى " زيادات
(2)
ليست في " الإقناع "، وبلا شك في " الإقناع " زيادات ليست في " المنتهى ".
وذكر الشيخ ابن بدران أن الشيخ الحجاوي جعل " المستوعب " للشيخ السامري (ت 616 هـ) مادة كتابه " الإقناع "، وقال (يتبين ذلك بالتأمل للكتابين)
(3)
، وجعل أيضا - في موطن آخر - معظم كتاب " الإقناع " منه.
(1)
انظر: المدخل المفصل 2/ 765.
(2)
نبه على بعضها الشيخ عثمان النجدي في حاشيته على " المنتهى "3/ 161، 162.
(3)
انظر: المدخل 230.
وليس الأمر كما قال - رحمه الله تعالى - فمن تأمل الكتابين وجد بينهما فروقاً جوهرية ظاهرة:
منها: أن " المستوعب " كتاب في الخلاف العالي في المذهب، وأما " الإقناع " فهو على رواية واحدة عدا مواضع قليلة ذكر فيها خلافاً لقوته وأهميته.
ومنها: أن كتاب " المستوعب " ليس فيه تصحيح المذهب، بل نقل لجميع ما وقف عليه المؤلف، بخلاف " الإقناع " فهو كتاب تصحيح للمذهب.
ومنها: أن موارد كتاب " المستوعب " غير موارد كتاب " الإقناع " والتي هي: كتب التصحيح في المذهب، ومن أهمها كتب الشيخ المرداوي الثلاثة " الإنصاف " و " تصحيح الفروع " و "التنقيح " كما ذكر الحجاوي ذلك في مقدمته
(1)
، وموارد " المستوعب "" مختصر الخرقي "، و " التنبيه " للخلال و "الإرشاد " لابن أبي موسى، و " الجامع الصغير "، و"الخصال " للقاضي أبي يعلى وغيرها من كتب الروايات التي ذكرها في مقدمته
(2)
.
نعم قد نقل الشيخ الحجاوي بعض المسائل
(3)
أوالقيود
(4)
من " المستوعب" لكنها ليست هي مادة كتابه، فالمستوعب من موارد " الإقناع " كما
(1)
انظر: كشاف القناع 1/ 23.
(2)
انظر: المستوعب 1/ 43
(3)
من ذلك مسألة في كتاب الحج في المواقيت: من دخل مكة وأحرم بسبب دخولها لا لنسك فيلزمه أن يحرم ويطوف ويسعى ويحل من إحرامه ولم يذكر أن ذلك عمرة، قال رحمه الله:(وحيث لزم الإحرام من الميقات لدخول مكة لا لنسك طاف وسعى وحلق وحلَّ) انظر: الإقناع 1/ 554، وكشاف القناع 6/ 75 وبعد تتبعي لمن ذكر هذه المسألة لم أجدها إلا في المستوعب 1/ 448 حيث قال:(ومن أحرم لدخول مكة لا لنسك، فإنه يطوف ويسعى ويحلق وقد حل، نص عليه في رواية ابن إبراهيم).
(4)
ومن ذلك قيد في باب صلاة أهل الأعذار في فصل القصر: (إذا فارق خيام قومه أو بيوت قريته العامرة
…
بما يقع عليه اسم المفارقة بنوع من البعد عرفا) انظر الإقناع 1/ 275، والقيد:(بما يقع عليه اسم المفارقة بنوع من البعد عرفا) لم أره في المنتهى ولا الغاية، ولا عند أحد إلا في المستوعب 1/ 248 حيث قال:(فمن نوى بسفره هذه المسافة، استباح رخص السفر الطويل إذا استدبر بيوت قريته أو خيام قومه، مما يقع عليه اسم المفارقة بنوع من البعد، ولا يحد ذلك بقدر ما يسمع الصوت .... الخ)
قال الشيخ البهوتي في مقدمته: (وتتبعت أصوله التي أخذ منها كالمقنع والمحرر والفروع والمستوعب .. الخ)
(1)
.
ثم وقفت على كلام الشيخ عبد الله التركي متعقبا فيه ابن بدران قال: (لا يسلم قوله رحمه الله من النقد؛ فالناظر في الكتابين يجد بينهما فروقا متعددة؛ من ذلك: كثرة فروع الإقناع، ووجود بعض الفروع في المستوعب ليست في الإقناع، والاختلاف في الترتيب والسبك، وغير ذلك من وجوه التفرقة بين الكتابين والله أعلم)
(2)
.
قال الشيخ عبد الله الشمراني - بعد كلام الشيخ التركي -: (قلت: كلامه متجه، ولكن نلحظ أن ابن بدران لم يقل: إن الإقناع نسخة من المستوعب، بل صريح كلامه أن الحجاوي استفاد من المستوعب، ومن غيره، مع ملاحظة أن استفادته من المستوعب كبيرة والله أعلم)
(3)
.
وكتاب " الإقناع " من كتب الفقه الكبيرة جداً، فيه من المسائل والفروع التي لا تخطر على بال، وهذا من أهم الأسباب في قلة خدمته من علماء المذهب مقارنة له بقرينه " المنتهى "، فليس له - فيما أعلم- إلا شرح واحد وحاشيتان، ومن أسباب قلة خدمته أيضاً: وضوح عباراته، فليس فيها من الغموض والصعوبة ما في " المنتهى "، ولا يعني ذلك عدم اهتمام علماء المذهب به؛ بل هو عمدة الحنابلة المتأخرين مع " المنتهى ".
وقد انتشر كتاب "الإقناع " في حياة مؤلفه كانتشار " المنتهى " فقد ذكر الشيخ عبدالله البسام رحمه الله في كتابه " علماء نجد "
(4)
في ترجمة الشيخ محمد بن إبراهيم بن أبي حميدان، وأنه لازم الشيخ الحجاوي أكثر من سبع سنين ملازمة تامة، وكتب له الشيخ الحجاوي إجازة قال فيها: (وبعد: فقد قرأ وسمع علي الإمام العلامة محمد أبو عبدالله شمس الدين ابن الشيخ
(1)
انظر: كشاف القناع 1/ 2.
(2)
انظر: المذهب الحنبلي 2/ 483 هامش 1.
(3)
انظر: الإمام الفقيه موسى الحجاوي وكتابه زاد المستقنع للشيخ عبد الله الشمراني 1/ 271.
(4)
3/ 769.