الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثالث: " التنقيح المشبع في تحرير أحكام المقنع
":
ثم ألف الشيخ المرداوي رحمه الله كتابه التنقيح المشبع في تحرير أحكام المقنع، وهو آخر ما ألفه من كتب التصحيح، بل وكرر النظر فيه لزيادة التحرير وإمعان النظر، يدل على ذلك ما يلي:
1 -
ما ذكره الشيخ المرداوي نفسه في آخر كتابه التنقيح
(1)
بقوله: (وكان الفراغ من ذلك في تاسع صفر الخير سنة ثمان وسبعين وثمانمائة أحسن الله تقضيها على خير وعافية على يد جامعه الفقير المعترف بالخطأ والزلل والتقصير علي بن سليمان بن أحمد بن محمد المرداوي السعدي .. الخ).
2 -
ما كتبه كذلك في هامش التنقيح وهو قوله: (بلغ مقابلة فصح إن شاء الله تعالى، ثم بلغ ثانياً فصح إن شاء الله تعالى، ولله الحمد والمنة كتبه مؤلفه علي بن سليمان عفا الله عنه، ثم بلغ مقابلة ثالثة ورابعة وكانت آخر ذلك في ثالث ذي القعدة الحرام سنة أحد وثمانين وثمانمائة، كتبه: علي بن سليمان عفا الله عنه وغفر له وسامحه ولطف به)
(2)
.
وبذلك يتبين أن آخر ما ألفه من كتب التصحيح هو التنقيح المشبع، وينبغي التنبه إلى ما ذكره الشيخ عثمان النجدي في سبب عدول صاحب " المنتهى " عن اختيار المنقح في التنقيح، إلى ما اختاره في الإنصاف، وتصحيح الفروع، سبب ذلك يقول:(لتأخر التصحيح عنه فتنبه لذلك)
(3)
.
أي أن تصحيح الفروع متأخر عن التنقيح، فالتنقيح قبل الفروع.
(1)
ص 516.
(2)
المرجع السابق.
(3)
انظر: حاشية الشيخ عثمان النجدي 5/ 25.
وينبغي التنبه لذلك، فالتنقيح هو آخر كتب المرداوي، وتصحيح الفروع قبله، وليس متأخراً عنه.
وكذلك ينبغي التنبه إلى ما ذكره الشيخ بكر أبو زيد بقوله: (فرغ المرداوي من تأليفه - أي التنقيح- في سادس عشر شوال سنة اثنين وسبعين وثمانمائة، ثم غيره مراراً، ولم يزل يحرره، ويزيد فيه، وينقص، إلى أن توفي " هكذا نقل ابن مانع عن نسخة له خطية كما في مقدمته لطبع" الفروع: 1/ 13)
(1)
.
فالشيخ المرداوي لم يفرغ من كتابه سنة (872 هـ) بل سنة (878 هـ) كما تقدم.
وكتاب التنقيح اختصره المرداوي من كتابه الإنصاف مما فيه خلاف فقط، فقد اقتصر في ذكره للمسائل على ما خالف المذهب في المقنع وما فيه إبهام في لفظ أو حكم، وبيان القيود والشروط، وإصلاح ما فيه خلل في العبارة، ذكر ذلك في صدر مقدمته:(فقد سنح بالبال أن أقتضب ما في كتابي الإنصاف من تصحيح ما أطلق الشيخ الموفق في المقنع من الخلاف، وما لم يفصح فيه بتقديم حكم، وأن أتكلم على ما قطع به .... وهو غير الراجح في المذهب).
وأما ما عدا ذلك فلم يتطرق إليه ولم يذكره في التنقيح وهو كل ما ذكره الشيخ ابن قدامة في المقنع وهو موافق للمذهب.
مثاله: قوله في المقنع
(2)
في أركان الصلاة (والتسليمةُ الأولى).
وفي التنقيح
(3)
قال (والتسليمةُ الثانيةُ أيضاً).
وقال في " المنتهى "(والتسليمتان).
والذي انتهى إليه الشيخ المرداوي هو:
(1)
انظر: المدخل المفصل لمذهب الإمام أحمد 2/ 731.
(2)
53.
(3)
ص 95.
1 -
أن ما صححه في التنقيح من الخلاف الذي في المقنع هو المذهب.
2 -
وما سكت عنه في المقنع ولم يأت له بذكر في التنقيح يكون هو المذهب أيضا.
ويدل لذلك: قول الشيخ منصور في الكشاف
(1)
في مسألة: مالو أفلس الابن فهل للأب الرجوع في العين التي وهبها له؟
لايخلو الحال:
الحالة الأولى: أن يفلس الابن ولا يحجر عليه؛ فهنا اتفقوا الإقناع
(2)
، والمنتهى
(3)
، والمقنع على: أن للأب الرجوع فيما وهبه له.
الحالة الثانية: أن يفلس الابن، ويحجر عليه لفلسه؛ فهنا اختلفوا:
القول الأول: ظاهر المنتهى
(4)
أن للأب الرجوع حيث قال: (ولا رجوع واهب بعد قبض، ويحرم، إلا ....... الأب ولو تعلق بما وهب حق كفلس).
فقوله: (كفلس) يفهم منه الإطلاق سواء حجر عليه أم لا.
ونص على الفلس الشيخ الموفق في المقنع
(5)
، ولم يذكر في التنقيح
(6)
(الفلس)، وإذا سكت المنقح عن مسألة في المقنع ولم يخالفه فيها في التنقيح؛ دل ذلك على أن ما في المقنع هو المذهب، قال الشيخ منصور:(ومقتضى ما قدمه في المقنع أنه غير مانع، وتبعه في المنتهى لأنه لم يخالفه في التنقيح)
(7)
.
القول الثاني: للإقناع أنه إذا أفلس الابن وحُجِرَ عليه فليس للأب الرجوع في عين ما وهبه له لتعلق حق الغرماء بالعين.
(1)
10/ 153
(2)
المرجع السابق.
(3)
524
(4)
المرجع السابق.
(5)
244
(6)
314
(7)
انظر: كشاف القناع 10/ 153
قال الشيخ منصور: (قال الحارثي: إنه الصواب بلا خلاف كما في الرهن ونحوه، وبه صرح في المغني، وصاحب المحرر وغيرهما انتهى)
وكأن الشيخ منصور يميل للإقناع
(1)
.
ثم نبه الشيخ المرداوي على تنبيه مهم فقال: (فإذا وجدت في هذا الكتاب لفظاً، أو حكماً مخالفاً لأصله
(2)
، أو غيره فاعتمده فإنه وضع عن تحرير، واعتمد أيضاً ما فيه من تصريح وقيود في مسائله فإنه محترز عن مفهومه).
وقال أيضاً: (وهو في الحقيقة تصحيح وتنقيح وتهذيب لكل ما في معناه، بل وتصحيح لغالب ما في المطولات ولاسيما في التتمات وهذه الطريقة لم أر أحداً ممن يتكلم على التصحيح سلكها
…
الخ)
(3)
.
(1)
المرجع السابق.
(2)
أي: الإنصاف، وسيأتي ذكر ذلك عن ابن النجار.
(3)
انظر: التنقيح ص 31.