الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السادس: مكانة شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن تيمية في مذهب الحنابلة:
لقد تبوأ شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى - في مذهب الحنابلة منزلة عالية، وقد كان مفخرة المذهب، ولؤلؤته النفيسة، وجوهرته الثمينة، وذهبه الصافي، ونهره المتدفق الجاري، رزقه الله تعالى علما واسعا، وفهما راشدا، فصار كالبحر، لكن بلا ساحل
(1)
، وكالنهر لكن بلا آخر، ولم يزل الحنابلة رحمهم الله ينهلون من علمه، ويستنيرون برأيه، كتبهم من أقواله مليئة، ومن اختياراته مشحونة ثقيلة، ولو رفعت أقواله من كتب الحنابلة لآض كثير من صفحاتها بيضاء نقية ليس فيها شيء، ولا يزال الحنابلة إلى يومنا هذا - ولله الحمد والمنة - يعظمون الشيخ ويجلونه، ويتناقلون أقواله في كتبهم ومصنفاتهم.
وكان شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى - معظما للإمام أحمد رضي الله عنه -ولأقواله ولأصوله
(2)
، متتبعا لرواياته ناقلا لها، موفقا بينها، مفتيا بها تارة، ومستشهدا بها تارة، ومستدلا لها تارة، ولا أدل على ذلك من شرحه على
(1)
قال ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية 14/ 42: (وفي يوم الاثنين ثامن رجب حضر القضاة والعلماء وفيهم الشيخ تقي الدين بن تيمية عند نائب السلطنة بالقصر وقرئت عقيدة الشيخ تقي الدين الواسطية، وحصل بحث في أماكن منها، وأخرت مواضع إلى المجلس الثاني، فاجتمعوا يوم الجمعة بعد الصلاة ثاني عشر الشهر المذكور وحضر الشيخ صفي الدين الهندي، وتكلم مع الشيخ تقي الدين كلاما كثيرا، ولكن ساقيته لاطمت بحرا).
(2)
انظر: على سبيل المثال لا الحصر اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم (2/ 49)، الفتاوى الكبرى لابن تيمية (3/ 275، 5/ 101)، وشرح عمدة الفقه لابن تيمية - من كتاب الطهارة والحج (2/ 132).
عمدة الفقه، وليس ذلك في بداياته فحسب بل حتى آخر عمره وهو يعظم الإمام ويرفع من شأنه.
ومما يدل على اعتبار منزلة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عند الحنابلة ما يلي:
أنه لما نقل الإمام علي بن سليمان المرداوي منقح المذهب ومحرره - رحمه الله تعالى - في كتابه (التحبير شرح التحرير) كلام الإمام النووي الشافعي - رحمه الله تعالى - في شرح المهذب، وهو:(فُقِدَ الآن المجتهدُ المطلقُ، ومن دهر طويل)
…
وقال الرافعي (لأن الناس اليوم كالمجمعين أن لا مجتهد اليوم) قال المرداوي: قال ابن مفلح: لما نقل كلامهما: وفيه نظر. انتهى، وهو كما قال، فإنه وجد من المجتهدين بعد ذلك جماعة، منهم الشيخ تقي الدين ابن تيمية رحمه الله
(1)
.
وقد نقل ذلك الشيخ ابن النجار - رحمه الله تعالى - عن الشيخ المرداوي في كتابه (شرح الكوكب المنير)
(2)
.
وقد أكثر الشيخ ابن مفلح عن شيخه شيخ الإسلام في كتاب الفروع بقوله: (شيخنا)، ومثله الشيخ المرداوي أكثر النقل عنه في كتابه الإنصاف، وتصحيح الفروع، وكذلك الشيخ الحجاوي قد أكثر النقل عنه في كتابه "الإقناع" بقوله:(قال: الشيخ)، وهذا ظاهر لكل من قرأ كتابه، ونقل عنه أيضا الشيخ مرعي الكرمي في كتابه "غاية المنتهى"، وكذلك الشيخ ابن النجار قد نقل عنه في المنتهى من غير أن ينسبه له في مسائل صارت هي المذهب، وهي أقوال لشيخ الإسلام، وإذا كان هؤلاء الذين هم أهل التصحيح في المذهب وهم: ابن مفلح، والمرداوي، والحجاوي، وابن النجار، ومرعي الكرمي - رحمهم الله تعالى أجمعين- قد نقلوا عن شيخ الإسلام، فأين مَنْ دونهم منهم؟ ، وكيف يزعم بعض من في قلبه شيء على شيخ الإسلام أنه لا مكانة للشيخ في المذهب، كيف يقال ذلك؟ ! حتى مَنْ خالفه في الاعتقاد من الحنابلة، لم يزالوا له معظمين، وبعلمه معترفين مقرين.
(1)
8/ 4069.
(2)
4/ 570.