المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌بيان أن المرداوي لم يتبع طريقة أحد في كتب التصحيح: - مدارج تفقه الحنبلي

[أحمد بن ناصر القعيمي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌مقدمة الطبعة الأولى:

- ‌تمهيد:

- ‌المبحث الأول: التعريف بالمذهب الحنبلي:

- ‌المذهب لغة:

- ‌في الاصطلاح:

- ‌المبحث الثاني: المراد بالحنابلة المتأخرين:

- ‌تنبيه:

- ‌المبحث الثالث: تنبيهات مهمة:

- ‌التنبيه الأول:

- ‌التنبيه الثاني:

- ‌التنبيه الثالث:

- ‌والمقصود بالملازمة:

- ‌وفوائد ملازمة الأشياخ كثيرة جداً:

- ‌والمقصود بالمصاحبة:

- ‌وفوائد المصاحبة كثيرة:

- ‌والكمال:

- ‌التنبيه الرابع:

- ‌التنبيه الخامس:

- ‌وفي آداب الحنفية:

- ‌الفصل الأول: (المرحلة الأولى) دراسة المتون الخمسة والروض المربع:

- ‌المبحث الأول: كتب المرحلة الأولى:

- ‌الأهداف المراد تحقيقها:

- ‌المبحث الثاني: كيفية العمل في هذه المرحلة:

- ‌المبحث الثالث: طريقة دراسة المتن الفقهي:

- ‌الطريقة التي ينتهجها الطالب لدراسة مسائل المتن الفقهي هي ما يلي:

- ‌تلخيص أهم ما فعله المرداوي مع "المقنع" في كتاب "التنقيح

- ‌الأمور التي يجب أن تراعى لدراسة المتن الفقهي:

- ‌الأمر الأول: تبيين المبهم:

- ‌ومن الإبهامات في اللفظ التي تحتاج إلى بيان:

- ‌أمثلة على ذكر (مطلقاً) من بعض المتون:

- ‌ومن الإبهامات التي تحتاج أيضا إلى بيان:

- ‌الأمر الثاني: تقييد المطلق، وتخصيص العموم:

- ‌والمقيدات هي نفس مخصصات العموم:

- ‌أمثلة على ذلك:

- ‌الأمر الثالث: بيان مخالفة المذهب:

- ‌وينبغي عند ذكر مسألة مخالفة للمذهب لأي متن من المتون مراعاة ما يلي:

- ‌أمثلة على مخالفات للمذهب من المتون الخمسة:

- ‌الأمر الرابع: الاهتمام بترتيب المسائل:

- ‌باب الفدية

- ‌الأمر الخامس: الاهتمام بالحدود والضوابط:

- ‌الأمر السادس: الاهتمام بأدلة المسائل:

- ‌ومن الأمثلة على أدلة لمسائل فقهية ما يلي:

- ‌أهمية حفظ القرآن الكريم والسنة النبوية:

- ‌كتب أحاديث الأحكام الحنبلية:

- ‌1 - عمدة الأحكام:

- ‌2 - العُمْدَةُ الْكُبْرَى في أَحادِيثِ الأَحْكامِ:

- ‌3 - المُحَرَّرُ في الحَدِيْثِ:

- ‌4 - كِفَايَةُ المُسْتَقْنِعِ لِأَدِلةِ المُقْنِعِ

- ‌5 - إِحكامُ الذَّرِيْعَةِ إلى أَحكامِ الشَّرِيْعَةِ:

- ‌6 - المُنْتَقَى فِي الأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ منْ كَلَامِ سَيِّدِ البَرِيَّةِ صلى الله عليه وسلم

- ‌7 - السُّنَنُ والأَحكَامُ عن المُصْطَفَى عليه أَفْضَلُ الصَّلاةِ والسَّلَامِ:

- ‌الأمر السابع: بيان الخلل في العبارة:

- ‌المراد بالخلل في العبارة:

- ‌أمثلة على الخلل في العبارة:

- ‌المبحث الرابع: الكلام على المتون الخمسة وشروحها وحواشيها:

- ‌المطلب الأول: أخصر المختصرات:

- ‌شروح "أخصر المختصرات

- ‌1 - كشف المخدرات والرياض المزهرات لشرح أخصر المختصرات:

- ‌2 - الفوائد المنتخبات في شرح أخصر المختصرات:

- ‌3 - حاشية على أخصر المختصرات:

- ‌المطلب الثاني: عمدة الطالب:

- ‌شروح " عمدة الطالب

- ‌1 - هداية الراغب لشرح عمدة الطالب:

- ‌ومن تحريرات الشيخ عثمان في هداية الراغب ما يلي:

- ‌2 - شرح عمدة الطالب:

- ‌المطلب الثالث: دليل الطالب لنيل المطالب:

- ‌بعض شروحه وحواشيه

- ‌1):1 -نيل المآرب بشرح دليل الطالب:

- ‌ومما ذكره اللبدي من الفوائد:

- ‌ثم ختم اللبدي رحمه الله

- ‌2 - منار السبيل شرح الدليل:

- ‌3 - نيل المطالب لشرح دليل الطالب:

- ‌4 - فتح وهاب المآرب على دليل الطالب لنيل المطالب:

- ‌5 - مسلك الراغب لشرح دليل الطالب:

- ‌6 - شرح دليل الطالب لنيل المطالب:

- ‌7 - الجمع بين دليل الطالب وغيره:

- ‌المطلب الرابع: كافي المبتدي

- ‌شرح "كافي المبتدي

- ‌الروض الندي شرح كافي المبتدي:

- ‌المطلب الخامس: زاد المستقنع في اختصار المقنع:

- ‌بعض شروح "زاد المستقنع" وحواشيه:

- ‌1 - الروض المربع شرح زاد المستقنع:

- ‌2 - الشرح الممتع على زاد المستقنع

- ‌3 - "شرح زاد المستقنع

- ‌4 - شرح كتاب زاد المستقنع للشيخ حمد الحمد:

- ‌المطلب السادس: الروض المربع شرح زاد المستقنع:

- ‌بعض ما كتب على "الروض المربع" من حواشي:

- ‌1 - حاشية للشيخ عبدالوهاب بن الشيخ محمد بن فيروز الوهيبي التميمي الحنبلي الأحسائي

- ‌2 - حاشية الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن العنقري على الروض المربع قاضي سدير

- ‌3 - تقريرات لسماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ

- ‌4 - حاشية الشيخ عبد الرحمن بن قاسم

- ‌المبحث الخامس: تتمة كتب المذهب المختصرة وغيرها:

- ‌المطلب الأول: بقية المتون المختصرة:

- ‌1 - بداية العابد وكفاية الزاهد في الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل:

- ‌2 - مختصر في فقه الإمام أحمد بن حنبل لأبي بكر خوقير

- ‌المطلب الثاني: قراءة شروح المتون الأربعة الأولى:

- ‌المطلب الثالث: قراءة كتب الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي (ت 1376 هـ) الفقهية كلها، ومن أهمها:

- ‌1 - "إرشاد أولي البصائر والألباب لنيل الفقه بأقرب الطرق وأيسر الأسباب

- ‌2 - المناظرات الفقهية:

- ‌المبحث السادس: بعض آداب طلب العلم:

- ‌المطلب الأول: التعليم بالعمل:

- ‌المطلب الثاني: في آداب العالم والمتعلم:

- ‌المطلب الثالث: أقوال لابن الجوزي - رحمه الله تعالى - في أهمية التفقه:

- ‌المطلب الرابع: بعض آفات الاشتغال بالعلم:

- ‌الفصل الثاني: (المرحلة الثانية) دراسة كتاب " منتهى الإرادات "وقراءة كتابي "الإقناع" و"غاية المنتهى

- ‌المبحث الأول: كتب هذه المرحلة، والهدف المراد تحقيقه:

- ‌المطلب الأول: كتب هذه المرحلة:

- ‌1 - "منتهى الإرادات في الجمع بين المقنع والتنقيح وزيادات

- ‌2 - الإقناع لطالب الانتفاع للشيخ شرف الدين أبي النجا

- ‌3 - غاية المنتهى في جمع الإقناع والمنتهى للشيخ مرعي بن يوسف الكرمي

- ‌المطلب الثاني: الهدف المراد تحقيقه:

- ‌المطلب الثالث: الكتب التي لابد من توفرها لدراسة كتاب (منتهى الإرادات):

- ‌المطلب الرابع: طريقة دراسة " المنتهى

- ‌المطلب الخامس: ما ينبغي فعله أثناء دراسة " المنتهى

- ‌أولاً: أن يدرس الطالب المسائل ويحللها بمثل ما تقدم في المرحلة الأولى

- ‌ومن الأمثلة على الإبهامات في الحكم من " الإقناع " و " المنتهى

- ‌ثانيا: استخراج الفروق الفقهية بين المسائل

- ‌ومن الأمثلة على الفروق الفقهية بين المسائل:

- ‌ثالثا: استخراج النظائر الفقهية

- ‌ومن أمثلة النظائر الفقهية:

- ‌رابعا: استخراج القواعد الفقهية التي تضم مسائل متنوعة علتها واحدة:

- ‌ومن أمثلة القواعد الفقهية:

- ‌خامسا: استخراج القواعد الأصولية

- ‌ومن أمثلة القواعد الأصولية:

- ‌المطلب السادس: فوائد دراسة "المنتهى" بهذه الطريقة:

- ‌المبحث الثاني: التعريف بكتب هذه المرحلة:

- ‌المطلب الأول: "منتهى الإرادات في جمع المقنع مع التنقيح وزيادات

- ‌الفرع الأول: التعريف بالمؤلف والكتاب:

- ‌الفرع الثاني: شروح " المنتهى

- ‌1 - "معونة أولي النهى شرح المنتهى

- ‌2 - شرح منتهى الإرادات (دقائق أولي النهى لشرح المنتهى):

- ‌الفرع الثالث: حواشي " المنتهي

- ‌1 - " إرشاد أولي النهى لدقائق المنتهى

- ‌2 - " حاشية الخلوتي على المنتهى

- ‌3 - حاشية الشيخ عثمان النجدي على " المنتهى

- ‌المطلب الثاني التعريف بكتاب: الإقناع لطالب الانتفاع:

- ‌الفرع الأول: التعريف بالمؤلف والكتاب:

- ‌الفرع الثاني: شرحه:

- ‌كشاف القناع عن الإقناع

- ‌الفرع الثالث: حاشيتان على " الإقناع

- ‌1 - " حواشي الإقناع

- ‌قاعدة في كيفية العمل فيما لو اختلف حكم مسألة في موضعين:

- ‌ما يؤيد قاعدة الجزم بالمذهب بما في الموضع الأصلي للمسألة:

- ‌2 - حاشية الخلوتي على " الإقناع

- ‌المطلب الثالث: التعريف بكتاب "غاية المنتهى في الجمع بين الإقناع والمنتهى

- ‌الفرع الأول: التعريف بالمؤلف والكتاب:

- ‌الفرع الثاني: شروحه:

- ‌1 - "مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى

- ‌2 - "بغية أولي النهى شرح غاية المنتهى

- ‌3 - "منحةُ مُوْلِي الفتح في تجريد زوائد الغاية والشرح

- ‌الفصل الثالث: تحرير المذهب عند المتأخرين:

- ‌المبحث الأول: الكتب التي عليها مدار التصحيح في المذهب:

- ‌معنى الرواية والوجه و"عنه"والتخريج والاحتمال وظاهر المذهب:

- ‌المطلب الأول: "الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف

- ‌عمل الشيخ المرداوي في "الإنصاف" مع "المقنع

- ‌بيان أن المرداوي لم يتبع طريقة أحد في كتب التصحيح:

- ‌المطلب الثاني: "تصحيح الفروع

- ‌كتاب الفروع أوسع كتب المذهب المعتمدة ومادته:

- ‌عمل المرداوي في الفروع:

- ‌المطلب الثالث: " التنقيح المشبع في تحرير أحكام المقنع

- ‌المبحث الثاني: تحرير المذهب عند المرداوي

- ‌المطلب الأول: طريقة المرداوي في تحرير المذهب

- ‌المطلب الثاني: هل هناك من خالف المرداوي في هذا المنهج في تحرير المذهب

- ‌المطلب الثالث: هل كل ما صححه المرداوي في كتبه الثلاثة متفق

- ‌المطلب الرابع: هل صحح الشيخ المرداوي في الإنصاف والتصحيح والتنقيح كل ما فيه خلاف

- ‌المبحث الثالث: منهج ابن النجار في كتابه " المنتهى "في اختيار المذهب:

- ‌من المسائل النادرة التي خالف فيها الشيخُ ابنُ النجار التنقيح:

- ‌مما خالف فيه الشيخ ابنُ النجار التنقيحَ ما ذكره في صدر مقدمته:

- ‌هل صحح صاحب المنتهى في كتابه خلافا حكاه

- ‌المبحث الرابع: منهج الحجاوي في كتابه "الإقناع" في اختيار المذهب:

- ‌وممكن أن نستخلص من مقدمة الإقناع عدةَ فوائد:

- ‌ إذا ذكر العالمُ قولاً منسوباً لأحد العلماء ولم يتعقبه فهو إقرار له

- ‌المبحث الخامس: في الترجيح بين "المنتهى" و"الإقناع

- ‌المطلب الأول: في الترجيح بين "الإقناع" و"المنتهى" إذا اختلفا:

- ‌الحاصل: أن المذهب يكون على الترتيب التالي:

- ‌المطلب الثاني: ذكر من اهتم ببيان المخالفات بين "المنتهى" و"الإقناع

- ‌المبحث السادس: مكانة شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن تيمية في مذهب الحنابلة:

- ‌مسائل من كتاب (منتهى الإرادات) أصلها أقوال لشيخ الإسلام:

- ‌الخاتمة

الفصل: ‌بيان أن المرداوي لم يتبع طريقة أحد في كتب التصحيح:

علماء الحنابلة المتوسطين، حتى صار مقدماً على غيره في الحفظ، والشروح، والحواشي، والأدلة، وغير ذلك، والشيخ الإمام الموفق ابن قدامة رحمه الله عالم المذهب الذي ألف فيه أنفس الكتب وأهمها، وقدرُ هذا العالم كبير جداً، ولعلوِّ قدره قال فيه شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - (ما دخل الشام بعد الأوزاعي (ت 157 هـ) أفقه من الشيخ الْمُوَفَق)

(1)

، وهذا والله كلام كبير من إمام كبير في إمام كبير، لا أدري لماذا أقف مندهشا من كلام شيخ الإسلام هذا في الموفق؛ لأن بين الأوزاعي والموفق قرون، وفي هذه القرون أئمة، وعلماء كبار، ومع ذلك يقول شيخ الإسلام فيه ذلك، فرحمة الله تعالى على الشيخين، وجعلهما في الفردوس الأعلى من الجنة.

‌عمل الشيخ المرداوي في "الإنصاف" مع "المقنع

":

1 -

تصحيح الخلاف المطلق.

2 -

بيان المذهب.

3 -

بيان الإبهام في الحكم.

4 -

تقييد المطلق وتخصيص العام.

5 -

بيان المسائل المفردات في المذهب.

6 -

بيان المسائل الغريبة، وهي عنده: التي يعايا بها.

‌بيان أن المرداوي لم يتبع طريقة أحد في كتب التصحيح:

قال ابن بدران في بيان طريقة المرداوي في الإنصاف: (وطريقته فيه أنه يذكر في المسألة أقوال الأصحاب ثم يجعل المختار ما قاله الأكثر منهم سالكا في ذلك مسلك ابن قاضي عجلون في تصحيحه لمنهاج النووي وغيره من كتب التصحيح)

(2)

.

(1)

قال الشيخ زين الدين ابن رجب: (وبلغني من غير وجه عن الإمام أبي العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى أنه قال: ما دخل الشام - بعد الأوزاعي - أفقه من الشيخ الموفق) انظر: ذيل طبقات الحنابلة 3/ 286.

(2)

انظر: المدخل إلى مذهب الإمام أحمد ص 439

ص: 178

وأقول: كذا قال!

لأن المرداوي رحمه الله بَيَّنَ أنه لم ير أحدا سلك طريقته، وأنه غير مسبوق إلا في تصحيح الخلاف المطلق فقط، وما عداه فهو الذي أبدعه وابتدأه، قال في مقدمة التنقيح

(1)

(وهذه طريقة لم أر أحدا ممن يتكلم على التصحيح سلكها، إنما يصححون الخلاف المطلق من الروايات والأوجه والاحتمالات فقط؛ ففاتهم شيء كثير جدا مع مسيس الحاجة إليه أكثر مما فعلوه).

وقال في الهامش على قوله: (التصحيح): (أعني من أصحابنا، بل ولا من غيرهم لم أرهم ذكروا ذلك).

ومن أهم ما عمله الشيخ المرداوي في المقنع- وكذا الفروع - هو: تصحيح الخلاف المطلق.

والمراد بالخلاف المطلق: الخلاف الذي يذكره المصنف - أي: ابن قدامة - ولم يجزم فيه بالمذهب، أو باختيار واحد من الروايات أو الأوجه أو الاحتمالات التي يذكرها

(2)

.

(1)

ص 31

(2)

ثم إني رأيت الشيخ ناصر الميمان- في مقدمة كتاب التوضيح للشويكي 1/ 130 - عرف الخلاف المطلق بقوله: ومعناه: ذكر الروايتين، أو الروايات من غير تقديم ولا تصحيح ولا ترجيح اهـ.

ولي عليه ملاحظتان:

الأولى: أن فيه قصورا، إذ أنه لم يذكر الأوجه والاحتمالات التي يكون فيها أيضا خلاف مطلق.

الثانية: قوله: من غير تقديم، هذا يصدق على مَنْ جعل ما قدمه هو الراجح كصاحب الفروع، ولا يصدق ذلك على صاحب المقنع، لأنه ليس كل ما قدمه من الروايات أو الأوجه أو الاحتمالات هو الراجح عنده.

قال الشيخ المرداوي رحمه الله: (وتارة يطلق الخلاف بقوله: "مثلا جاز أو لم يجز أو صح أو لم يصح في إحدى الروايتين أو الروايات أو الوجهين أو الوجوه أو بقوله: "ذلك على إحدى الروايتين أو الوجهين والخلاف في هذا أيضا مطلق لكن فيه إشارة ما إلى ترجيح الأول.

وقد قيل: إن المصنف قال إذا قلت: ذلك فهو الصحيح وهو ظاهر مصطلح الحارثي في شرحه وفيه نظر فإن في كتابه مسائل كثيرة يطلق فيها الخلاف بهذه العبارة وليست المذهب ولا عزاها أحد إلى اختياره كما يمر بك ذلك إن شاء الله تعالى ففي صحته عنه بعد) الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 1/ 6.

ص: 179

مثالان:

المثال الأول: عبارته في الماء المسخن بالنجس هل يكره أو لا؟ قال ابن قدامة - رحمه الله تعالى -: (وإن سخن بنجاسة فهل يكره، على روايتين)

(1)

.

فالخلاف الذي ذكره ابن قدامة هنا مطلق لأنه لم يبين الرواية الراجحة، والمذهب: يكره.

المثال الثاني: قال الشيخ ابن قدامة: (فإن توضأ منهما - أي: من آنية الذهب والفضة - فهل تصح طهارته؟ على وجهين)

(2)

.

والمذهب: تصح مع الإثم.

وقد ذكر الشيخ المرداوي في مقدمة الإنصاف صيغا - وهي أساليب - يستخدمها الشيخ ابن قدامة تدل على الخلاف المطلق، أو يستشف المرداوي منها أن الخلاف فيها مطلق، وتأخذ حكم الخلاف المطلق.

وبين أيضا: أن إطلاق الشيخ ابن قدامة للخلاف لا لقوته، بل المُراد: حكايةُ الخلاف في الجملة، قال رحمه الله:(والذي يظهر أن إطلاق المصنف وغالب الأصحاب ليس هو لقوة الخلاف من الجانبين، وإنما مرادهم حكاية الخلاف من حيث الجملة، بخلاف من صرح باصطلاح ذلك كصاحب الفروع ومجمع البحرين، وغيرهما)

(3)

.

وأما عكس الخلاف المطلق فهو: أن يذكر الشيخ العلامة ابن قدامة خلافا، ويبين فيه المذهب، أو يختار إحدى الروايتين أو الوجهين ونحو ذلك.

ومثال الخلاف الذي ليس بمطلق: قول الشيخ ابن قدامة: (ولكل واحد من الزوجين غسل صاحبه في أصح الروايتين)

(4)

، أي إذا مات أحد الزوجين فللحي غسل الآخر في أصح الروايتين.

(1)

انظر: المقنع ص 23.

(2)

المرجع السابق.

(3)

انظر: المقنع والشرح الكبير والإنصاف 1/ 6.

(4)

انظر: المقنع ص 75.

ص: 180

فهنا ذكر الشيخ ابن قدامة خلافا، لكنه صحح إحدى الروايتين وهي: المذهب.

ولم يقتصر فعل الشيخ المرداوي رحمه الله على تصحيح الخلاف المطلق فحسب، أو ما يأخذ حكم الخلاف المطلق، بل حتى ما رجح فيه الشيخ ابن قدامة، أو ذكر أنه المذهب، وهو مخالف للمذهب المعتمد؛ علق عليه وبين فيه الصحيح من المذهب.

قال رحمه الله: (بل ربما جزم في كتابه بشيء والمذهب خلافه)

(1)

.

كما أنه ذكر فيه ما أخل به الشيخ ابن قدامة من الشروط والقيود، وبين ما أبهم، وغير ذلك من الفوائد والتنابيه الشيء الكثير جدا.

المراد بالمبهم: المبهم قد يكون في الحكم، وقد يكون في اللفظ.

والمبهم في الحكم هو: أن يذكر الشيخ ابن قدامة مسألة بدون أن يذكر لها حكما من حيث الحرمة أو الكراهة، أو الوجوب أو الاستحباب.

أمثلة:

المثال الأول: قول الشيخ ابن قدامة رحمه الله: (والشهيد لا يغسل)

(2)

.

فهنا لم يبين رحمه الله حكم غسل الشهيد، ولفظه يحتمل التحريم - وهو ما مشى عليه في:"الإقناع" - ويحتمل الكراهة - وهو ما مشى عليه في: " المنتهى".

قال الشيخ المرداوي: (كلام المصنف وغيره من الأصحاب يحتمل: أن غسله محرم، ويحتمل: الكراهة)

(3)

.

المثال الثاني: قوله رحمه الله: (وإن مات وعليه صوم، أو حج، أو اعتكاف منذور فعله عنه وليه)

(4)

.

(1)

انظر: المقنع والشرح الكبير ومعهما الإنصاف 1/ 12.

(2)

انظر: المقنع ص 77.

(3)

انظر: المقنع والشرح الكبير ومعهما الإنصاف 6/ 90

(4)

المقنع ص 105.

ص: 181

وهنا لم يبين حكم فعل الولي عنه هل هو مستحب؟ أم واجب؟ والمذهب: فيه تفصيل، إن ترك الميت تركة وجب على الولي الفعل بنفسه أو بغيره، وإن لم يترك تركة استحب للولي فعله.

قال الشيخ المرداوي في الإنصاف

(1)

: (قوله: " فعله عنه وليه " يستحب للولي فعله، وأعلم أنه إذا كان له تركه وجب فعله، فيستحب للولي الصوم، وله أن يدفع إلى من يصوم عنه من تركته عن كل يوم مسكينا .... فإن لم يكن له تركه لم يلزمه شيء).

المثال الثالث: قول الشيخ ابن قدامة - رحمه الله تعالى - في المقنع في كتاب الحجر في فصل الحكم الثالث من أحكام المحجور عليه: (بيع الحاكم ماله وقسم ثمنه)

(2)

.

قال الشيخ المرداوي - رحمه الله تعالى - في الإنصاف

(3)

: (يعني: يجب ذلك على الحاكم ويكون على الفور).

وكذلك صرح بالوجوب في التنقيح.

(4)

المثال الرابع: قول الشيخ ابن قدامة - رحمه الله تعالى - في باب عشرة النساء: (ولا يجامع إحداهما بحيث تراه الأخرى)

(5)

.

قال الشيخ المرداوي - رحمه الله تعالى -: (يحتمل أن يكون مراده أن ذلك مكروه وهو: الصحيح من المذهب جزم به في الرعايتين وقدمه في الفروع

(6)

، ويحتمل أن يكون مراده أن ذلك محرم ولو رضيتا به، وهو اختيار المصنف والشارح وقطعا به في المغني والشرح، قلت: وهو الصواب.)

(7)

(1)

7/ 507.

(2)

انظر: المقنع 187

(3)

انظر: المقنع والشرح الكبير ومعهما الإنصاف 13/ 309

(4)

ص 256.

(5)

انظر: المقنع ص 327.

(6)

وهو المذهب كما في " المنتهى " 5/ 314.

(7)

انظر: المقنع والشرح الكبير ومعهما الإنصاف 21/ 421.

ص: 182

وقد يكون الإبهام في اللفظ، فيبينه بلفظ يزيل الإبهام عنه.

وختم الشيخ المرداوي كتابه الإنصاف بقاعدة نافعة جامعة لصفة الروايات المنقولة عن الإمام أحمد رضي الله عنه والأوجه والاحتمالات الواردة عن أصحابه - رحمهم الله تعالى - وأقسام المجتهدين، ومن يكون منهم أهلا لتخريج الأوجه والطرق، وصفة تصحيحهم، وبيان عيوب التصانيف واصطلاحهم فيها، وأسماء من روى عن الإمام أحمد رضي الله عنه ونقل الفقه عنه، قال: فإن طالب العلم لا يسعه الجهل بذلك.

(1)

قال المرداوي في آخر كتابه الإنصاف: (فإن جامعه معترف بالعجز والتقصير، وبضاعته في العلم مزجاة، ولاسيما وقد سلك في هذا الكتاب طريقا لم ير أحدا ممن تقدمه من الأصحاب سلكها، فإن المؤلف إذا صنف كتابا قد سُبق إلى مثله، يسهل تعاطي ما يشابهه، ويزيده فوائد وقيودا، وينقحه ويهذبه، بخلاف من صنف في شيء لم يسبق إلى التصنيف فيه، فإنه يحصل له مشقة بسبب ذلك، والمطلوب ممن طالع هذا الكتاب أو نظر فيه أو استفاد منه، دعوة لمؤلفه بالعفو والغفران، فإنه قد كفاه المؤنة والتعب في جمع نقولات ومسائل لعلها لم تجتمع في كتاب سواه

الخ)

(2)

اللهم يا رحمن يا رحيم نسألك وأنت صاحب العفو والغفران أن تعفو وتغفر لإمامنا المرداوي فإنه قد كفانا المؤنة والتعب، واجعل قبره روضة من رياض الجنان برحمتك يا أرحم الراحمين.

(1)

انظر: المرجع السابق 30/ 367.

(2)

المرجع السابق 30/ 420.

ص: 183