الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفائدة الثانية: أهل الترجيح في المذهب أكثر من واحد، ومنهم العلامة المرداوي رحمه الله.
الفائدة الثالثة: أن الخلاف الذي يذكره - بعد تقريره للمذهب - قوي جدا، وأن رتبته أقل من رتبة المذهب المجزوم به إلا أنها أيضا قوية.
قال الشيخ منصور في الكشاف: (وربما ذكرت بعض الخلاف) في بعض المسائل (لقوته) تكثيرا للفائدة ولتعلم رتبته)
(1)
.
قلت: وأضيف مع ذلك أيضا: الخلاف الذي ذكره ابن النجار في المنتهى فهو خلاف قوي؛ وإن كان قليلا جدا، وكذا الخلاف الذي ذكره المنقح في تنقيحه فهو قوي، وأعني به: الخلاف الذي ليس هو على سبيل زيادة شرط أو قيد أو غير ذلك فقد يكون ضعيفا، قال المنقح: (وربما
…
تعرضت إلى ذكر غير المشهور إن كان قويا، واختاره بعض المحققين بعد تقديم المذهب، أو كان ضعيفا وفيه قيد أو شرط لم يذكره هو .. الخ)
(2)
.
الفائدة الرابعة: أنه قد يذكر خلافا منسوبا لأحد الأصحاب خروجا من تبعته.
قال الشيخ منصور: (قال في القاموس: كفرحة وكتابة: الشيء الذي فيه بُغْيَةٌ، شِبْهُ ظُلَامةٍ ونحوها انتهى، وقال بعضهم: التبعة ما اتبع به، وقد يكون عزو القول لقائله ارتضاء له وموافقة كما هو شأن أئمة المذهب وصرح به ابن قندس في حاشية الفروع).
وهنا فائدة وقاعدة مهمة: وهي: أنه
إذا ذكر العالمُ قولاً منسوباً لأحد العلماء ولم يتعقبه فهو إقرار له
، أي: أن سكوته إقرار للقول ورضى به وموافقة له كما قرره البهوتي
(3)
، وذكر أن ابن قندس صرح به.
(1)
انظر: الكشاف (1/ 24).
(2)
انظر: التنقيح (31).
(3)
وإن كان الشيخ بكر بو زيد جعله من الخلاف المطلق قال رحمه الله (المدخل المفصل 1/ 309): (وقد عد من إطلاق الخلاف: حكايته معزوا إلى فلان، أو كتابه، وأن هذا لا دخل له في الترجيح، وهذه طريقة لابن مفلح في: " الفروع " كما نبه عليها المرداوي في: " تصحيحه ": (1/ 55 - 56)، وقد يحمل ما ذكره الشيخ بكر على الكتب التي تحكي عدة أقوال وليس التي تقتصر على قول واحد، وتزيد أحيانا قولا آخر كما في التنقيح والإقناع والمنتهى والله أعلم.
قال ابن قندس أبو بكر بن إبراهيم البعلي (ت 86 هـ) في حاشيته على الفروع: (العالم اذا حكى قول غيره ولم يخالفه فالظاهر انه بقول به)
(1)
.
وسأذكر شواهدَ على عمل العلماء بهذه القاعدة:
الأول: ما قرره الشيخ عثمان النجدي من أن تعليق النكاح على مشيئة الله تعالى، أو بمشيئة الزوج فإنه يصح، وأن صاحب الإقناع نقله عن ابن رجب وأقره؛ بمعنى أنه لم يتعقبه بكلام يخالفه.
قال رحمه الله في حاشيته على المنتهى
(2)
: (وكذا إن شاء الله تعالى، وأن علقه بمشيئة الزوج فقال: قد شئت، وقبلت " إقناع" عن ابن رجب وأقره).
وإذا رجعنا إلى الإقناع وجدناه ساقها هكذا: (وكذا تعليقه بمشيئة الله أو قال: زوجتك ابنتي إن شئت فقال قد شئت وقبلت فيصح قاله زين الدين بن عبد الرحمن بن رجب -).
الثاني: ما نقله اللبدي في حاشيته على نيل المآرب
(3)
عن التبصرة قال: (وقال في التبصرة: ويستفيد منه أيضا الاحتساب على الباعة والمشترين وإلزامهم بالشرع).
وقال اللبدي بعد نقله: (ذكره في الإقناع وأقره).
وإذا نظرنا في الإقناع فإنه ذكر كلام التبصرة ولم يتعقبه بشيء حيث قال: (وقال في التبصرة: ويستفيد منه أيضا الاحتساب على الباعة والمشترين وإلزامهم بالشرع).
ويعتبر هذا رضى منه وموافقة وإقرار له كما تقدم عن البهوتي، ومع ذلك فقد تعقبه البهوتي بكلام المنتهى فقال: (وفي المنتهى: لا يستفيد ذلك لأن
(1)
8/ 216
(2)
4/ 61
(3)
449
العادة لم تثبت بتولي القضاة لذلك)
(1)
.
وخالف الغاية
(2)
أيضا كلام التبصرة.
الثالث: نقل البهوتي عن الفروع حكمَ ما لو رجع شهود التأجيل بعد الحكم فقال: (ولو شهدا بتأجيل وحكم به ثم رجعا غرما تفاوت ما بين الحال والمؤجل) ثم قال بعده: (نقله في الفروع عن بعضهم وأقره)
(3)
.
وهذه عبارة الفروع: (قال بعضهم:
…
لو شهدا بتأجيل، وحكم الحاكم ثم رجعا غرما تفاوت ما بين الحال والمؤجل)
(4)
.
والإقرار هنا: هو عدم التعقب بشيء، وهذا موافقة وإقرار من صاحب الفروع لهذا الحكم.
الفائدة الخامسة: أن صاحب الإقناع لم يكن مجرد ناقل ومقتصر على أحدها بل يجتهد في التوفيق بينها، بل وبين غيرها، وليس مقدما لكل ما في " التنقيح " على كل حال
(5)
، كما هو حال الشيخ ابن النجار في " المنتهى "، بل يناقش ويرد كلام " المنقح " كثيرا
(6)
، ويظهر ذلك من خلال حواشيه على " التنقيح "، فإنه تتبع المنقح في كثير من المسائل التي خالفه فيها في "الإقناع"، وسأضرب لتوضيح ذلك بعض الأمثلة:
المثال الأول: قول الشيخ المرداوي رحمه الله في "التنقيح": (ويكره غسل شهيد المعركة).
ولم يجزم الشيخ المرداوي بشيء في " الإنصاف"، ولعله اعتمد في تصحيح الكراهة في " التنقيح " على ما قدمه في "الفروع" بقوله: (شهيد المعركة
(1)
انظر: الكشاف 15/ 20
(2)
2/ 571
(3)
انظر: شرح المنتهى 6/ 703
(4)
انظر: الفروع مع تصحيح الفروع 11/ 392
(5)
علما أن الشيخ الحجاوي في الإقناع إن وافق التنقيحَ فإنه غالبا لا يخرج عن لفظه، بخلاف المنتهى فإنه وإن وافق التنقيح في أغلب مسائله لكنه لا يلتزم بلفظه في الغالب.
(6)
قال الشيخ ابن حمدان في كشف النقاب عن مؤلفات الأصحاب: (ناقش المنقح فيها، وحاسبه على النقير والقطمير) ص 78.
ولو غير مكلف لا يغسل، وجزم أبو المعالي بتحريمه)
(1)
.
فقوله: (وجزم أبو المعالي بتحريمه) يدل على أن الحكم الذي قدمه مغاير للتحريم، والحكم الذي يغاير التحريم إنما هو الكراهة.
قال الشيخ الحجاوي في حواشي التنقيح: (قوله: ويكره غسل شهيد معركة) شهيد المعركة لا يغسل، كذا عبارة أكثر الأصحاب، فيحتمل قولهم التحريم، ويحتمل الكراهة، قال في مجمع البحرين: لم أقع بتصريح لأصحابنا هل غسل الشهيد حرام أو مكروه، فيحتمل الحرمة لمخالفة الأمر انتهى، وروى الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في قتلى أحد (لا تغسلوهم)، وهذا نهي يقتضي التحريم، وقال في الفروع وجزم أبو المعالي بالتحريم ......... قال القاضي في الجامع الصغير، والموفق في الكافي، والقاضي أبو الحسين في المجموع وغيرهم: لا يغسل رواية واحدة، ولم نر من صرح بالكراهة إلا المنقح، ومن تابعه كالعسكري في كتابه المنهج الذي جمع فيه بين المقنع والتنقيح ولم يتيسر له إكماله، وابن النجار في كتابه الجمع بينهما، وكان ينبغي أن يصحح القول بالتحريم موافقة لنص الإمام أحمد، وتصريح أبي المعالي والتبصرة، ولهذا خالفناه في ذلك في كتابنا " الإقناع")
(2)
.
المثال الثاني: قول الشيخ المرداوي رحمه الله في التنقيح: (وإن وكله في شراء معين فاشتراه ووجده معيبا فليس له الرد قبل إعلام موكله).
قال الشيخ الحجاوي في حواشيه على التنقيح: (هذا أحد الوجهين، والمذهب: له الرد، وأطلق الوجهين في الهداية، والمذهب، والمستوعب، والمقنع، والمغني، والشرح، والفروع، والفائق، والمحرر، والتلخيص، والبلغة، قال في الإنصاف: أحدهما: له الرد، وهو الصحيح، وكذا صحح في تصحيح الفروع، وصححه في تصحيح المقنع، وتصحيح المحرر، وجزم به في الوجيز وقدمه في الرعايتين، والحاويين، وشرح ابن رزين.
(1)
3/ 296.
(2)
129.
والوجه الثاني: ليس له الرد، قال في الرعايتين، هذا أولى، قال في تجريد العناية: هذا أظهر، وقدمه في الخلاصة، ومشى عليه في" التنقيح " خلاف ما صححه في " الإنصاف "، وتصحيح الفروع، وتابع "التنقيح" بعض من جمع بين "المقنع" و"التنقيح" كابن النجار، وشيخنا الشويكي، وعذرهما تقليد "التنقيح" من غير مراجعة تصحيح غيره، ولم يتابعه العسكري في كتابه فصحح أن له الرد، وهو كما قال، وهذا الذي مشينا عليه في " الإقناع ")
(1)
.
فهنا تابع الشيخ الحجاوي ما صحح الشيخ المرداوي أنه المذهب في "الإنصاف"، و"تصحيح الفروع"، ولم يتابعه في "التنقيح"، وعتب واعتذر أيضا على من تابع الشيخ المرداوي في "التنقيح"، قال:(وعذرهما تقليد التنقيح من غير مراجعة تصحيح غيره).
ونجده
(2)
في مسألة أخرى قد تابع الشيخَ المرداوي على ما جزم به في "التنقيح، في حين أن الشيخ المرداوي صحح في "الإنصاف" و"تصحيح الفروع" خلافَ ما صححه في "التنقيح" وذلك في المثال التالي:
المثال الثالث: قول الشيخ المرداوي رحمه الله في "التنقيح": (ويقتل عبد بمثله، لا مكاتب بعبده الأجنبي، ويقتل بعبده ذي الرحم المحرم
(3)
).
قال الشيخ الحجاوي معلقًا: (قوله (ويقتل) أي المكاتب بعبده ذي الرحم المحرم؛ لأن حاله
(4)
كحاله، إن عجز المكاتب ورق رق
(5)
، وإن عتق عتق، وحكمه حكمه، بخلاف العبد الأجنبي، لأن المكاتب إن أدى وعتق لم يعتق، وإن بقي الرق رق، فهو رقيق في الحالين، فلم يقتل به سيده،
(1)
263.
(2)
أي: الحجاوي.
(3)
العبد ذو الرحم المحرم هو: من إذا اشتراه محرمه عتق على مشتريه، والعبد الذي يعتق على مشتريه هو: كل أنثى يشتريها المشتري ولا يجوز له نكاحها كأمه، وأخته، أو كل ذكر لو قدر أنه أنثى لم يجز للمشتري أن ينكحه كأبيه، وأخيه.
(4)
أي: العبد ذي الرحم المحرم من المكاتب.
(5)
أي: إن عجز المكاتب عن سداد النجوم التي عليه لسيده فإنه يعود رقيقًا ويرق عبده ذي الرحم المحرم.
وصحح في "الإنصاف"، و"تصحيح الفروع": إنه لا يقتل بعبده ذي الرحم المحرم .... ، وما صححه في "التنقيح" أصوب والله أعلم)
(1)
.
فالشيخ الحجاوي رحمه الله خالف " التنقيح " في المثال الثاني الذي خالف ما في "الإنصاف" و" تصحيح الفروع"، وتابع " التنقيح " في المثال الثالث الذي خالف أيضا ما في"الإنصاف" و"تصحيح الفروع"، وكان ينبغي عليه أن يخالف "التنقيح " في الموضعين لكي يوافق "الإنصاف" و"تصحيح الفروع"، أو يوافقه في الموضعين وإن خالف ما في "الإنصاف" و "تصحيح الفروع".
والذي يظهر من طريقته رحمه الله أنه مستقل وممحص لكل ما يطلع عليه، وليس مجرد ناقل، بخلاف صاحب "المنتهى" فإنه لا يكاد يخالف ما في"التنقيح" إلا في القليل النادر.
(1)
421.