المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الدول الأول: عصر الرواية المثبتة ومنهجهم فيه - مدرسة الحديث في مصر

[محمد رشاد خليفة]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة:

- ‌الباب الأول: أعلام المحدثين في مصر منذ الفتح الإسلامي حتى سقوط بغداد

- ‌مدخل

- ‌الفصل الأول: الصحابة والتابعون وأتباعهم

- ‌مدخل

- ‌الصحابة:

- ‌التابعون وأتباعهم ومن جاء بعدهم:

- ‌الفصل الثاني: أعلام المحدثين في مصر منذ سقوط بغداد إلى نهاية القرن الثامن الهجري

- ‌الفصل الثالث: أعلام المحدثين في مصر في القرنين التاسع والعاشر الهجري

- ‌الفصل الرابع: الإنتاج العلمي في الحديث

- ‌الباب الثاني: مناهج المحدثين في مصر

- ‌الفصل الأول: قبل سقوط بغداد

- ‌الدول الأول: عصر الرواية المثبتة ومنهجهم فيه

- ‌الدور الثالث: عصر تدوين الحديث مفروزا ومنهجهم فيه

- ‌الدور الخامس: عصر التقليد والاختصار والتقريب ومنهجهم فيه

- ‌الفصل الثاني: بعد سقوط بغداد

- ‌الفصل الثالث: مقارنة وموازنة

- ‌الباب الثالث: المدونات الحديثية

- ‌مدخل

- ‌الفصل الأول: كتب الأحكام

- ‌مدخل

- ‌موطأ الإمام مالك:

- ‌سنن أبي داود:

- ‌شرح معاني الآثار للإمام الطحاوي:

- ‌عمدة الأحكام:

- ‌منتقى الأخبار من أحاديث سيد الأخيار:

- ‌تقريب الأسانيد وترتيب المسانيد:

- ‌بلوغ المرام من أدلة الأحكام:

- ‌كشف الغمة عن جميع الأمة:

- ‌خاتمة الفصل الأول:

- ‌الفصل الثاني: كتب الترغيب والترهيب

- ‌مدخل

- ‌كتاب الترغيب والترهيب:

- ‌الزواجر في النهي عن اقتراف الكبائر:

- ‌الإتحافات السنية في الأحاديث القدسية:

- ‌الفصل الثالث: كتب الجوامع

- ‌مدخل

- ‌الجامع الكبير أو جمع الجوامع:

- ‌الجامع الصغير:

- ‌كنوز الحقائق في حديث خير الخلائق:

- ‌الفصل الرابع: كتب الزوائد

- ‌مدخل

- ‌مجمع الزوائد ومنبع الفوائد:

- ‌المطالب المعالية بزوائد المسانيد الثمانية

- ‌الفصل الخامس: كتب توضيح المبهمات

- ‌مدخل

- ‌غريب الحديث:

- ‌الدر النثير تلخيص النهاية لابن الأثير

- ‌الشروح الحديثية:

- ‌عمدة القاري شرح صحيح البخاري

- ‌ارشادات الساري لشرح صحيح البخاري

- ‌كتب مشكل الآثار أو تأول مختلف الحديث

- ‌الفصل السادس: كتب أصول الحديث

- ‌مدخل

- ‌التقييد والإيضاح في شرح مقدمة ابن الصلاح:

- ‌ألفية الحديث:

- ‌فتح المغيث بشرح ألفية الحديث:

- ‌نخبة الفكر وشرحها:

- ‌تدريب الراوي في شرح تقريب النواني

- ‌الفصل السابع: كتب التخريج

- ‌مدخل

- ‌المغني عن حمل الأسفار في الأسفار في تخريج ما في الأحياء من الأخبار:

- ‌تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير:

- ‌مناهل الصفا في تخريج أحاديث الشفا

- ‌الفصل الثامن: كتب الرجال

- ‌مدخل

- ‌الإصابة في تمييز الصحابة:

- ‌الضوء اللامع لأهل القرن التاسع:

- ‌طبقات الحفاظ:

- ‌إسعاف المبطأ برجال الموطأ:

- ‌خاتمة:

- ‌التخريج:

- ‌بيان المراجع:

- ‌الفهارس

- ‌فهرس الأعلام

- ‌فهرس الأنساب:

- ‌فهرس الموضوعات:

الفصل: ‌الدول الأول: عصر الرواية المثبتة ومنهجهم فيه

‌الباب الثاني: مناهج المحدثين في مصر

‌الفصل الأول: قبل سقوط بغداد

‌الدول الأول: عصر الرواية المثبتة ومنهجهم فيه

الباب الثاني: مناهج المحدثين في مصر

الفصل الأول: قبل سقوط بغداد

نقصد بالمنهج في هذا المقام طريقة عرض السنة على طلابها في نواحيها المختلفة بأنواع علومها المتعددة، مسندة أو غير مسندة، مستوعبة لأبوابها أو مقتصرة على بعض هذه الأبواب، مقرونة ببيان قيمة الأحاديث كلا أو بعضًا أو غير مقرونة.

وقد مرت السنة بأدوار متعددة في طريقها إلينا، وكان عصر الصحابة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعده وعصر كبار التابعين أول هذه الأدوار، ثم تلاهم من نقل السنة عن طريق الرواية أو التدوين جمعًا أو ترتيبًا وتهذيبًا، أو اختصارًا وتقريبًا على النحو التالي:

الدور الأول: عصر الرواية المتثبتة ومنهجهم فيه 1

لم تكن السنة في القرن الأول مدونة في كتب، ولا مسطورة في أوراق، وإنما كانت مسجلة على صفحات القلوب، وكانت صدور الصحابة وكبار التابعين هي مهد التشريع ومصدر الفتيا، ومبعث الحكم والأخلاق، فقد عرف الصحابة والتابعون نهي الرسول صلى الله عليه وسلم عن كتابة شيء غير القرآن فيما رواه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا تكتبوا عني، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه، وحدثوا عني ولا حرج، ومن كذب على متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار" أخرجه مسلم.

كان القرآن ينزل، وكان كتاب الوحي يكتبونه، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يتلو على أصحابه كتاب الله، ويحدثهم بالبيان عنه والتفسير لما جاء فيه، ولو أنه صرح لهم بالكتابة لكتبوا عنه ما يقول، وفيما يقوله قرآن وغير قرآن، فيختلط بالقرآن غيره، ويصعب التمييز بينهما في عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلا على حفاظ كتاب الله، ولا يؤمن بعد ذلك العهد أن بختلط القرآن بالسنة ويلتبس بها، وتكون فتنة كبرى لا يعلم مداها إلا الله.

فهم الصحابة هذا المعنى الذي أشرت إليه، والذي رجحه كثير من العلماء، فكان امتناعهم عن تدوين السنة واعتمادهم على حفظها في الصدور، وحين كتب الصحابي عبد الله بن عمرو بن العاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لم يكتب إلا بإذن منه، وكان من بين ما كتبه صحيفته "الصادقة" التي رواها حفيده عمرو بن شعيب عن أبيه عنه وهي عنده من أصح الأحاديث وعدها بعض أئمة الحديث في درجة أيوب عن نافع عن ابن عمر، واحتج بها الأئمة الأربعة

1 تلخيص بتصرف عن مفتاح السنة ص15 وما بعدها.

ص: 95

أقول: إن عبد الله بن عمرو حين كتب عن النبي صلى الله عليه وسلم هذه الصحيفة وغيرها مما رواه قد أمن على نفسه وعلى ما يكتب من تحقق علة النهي فيما فهمه الصحابة من الحديث الشريف.

لقد أذن النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة قبيل مرضه الذي مات فيه أن يكتبوا، وذلك بعد أن كاد يتم نزول القرآن، وأمن عليه من اللبس بالحديث، وكان إذنه صلى الله عليه وسلم خاصًّا ببعض الصحابة، ولكنهم رضوان الله عليهم وجهوا اهتمامهم إلى ما كتب من القرآن بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم فبادروا إلى جمعه في موضع واحد، وسموا ذلك المصحف واقتصروا عليه، ولم يفعلوا بالحديث مثل ما فعلوا بالقرآن، بل صرفوا همهم إلى نشره بالرواية؛ إما بنفس الألفاظ التي سمعوها من النبي صلى الله عليه وسلم إن كانت لا تزال باقية في أذهانهم، أو بما يؤدي معناها إن غابت عنهم مع التنبيه إليه أحيانًا، فإن المقصود بالحديث هو المعنى غالبًا، أما القرآن فمقصود معناه ومبناه، لتعلق الإعجاز بألفاظه، ولذلك استحق أن يسجل بالكتابة خشية أن تنسى الألفاظ مع بعد العهد وطول الزمان، وتقييد السنة مباح ما أمن الاختلاط.

إن القرآن وإن كان بدعًا في أسلوبه، فريدًا في نظمه، يمتاز على غيره بالإعجاز، إلا أن المسلمين في بداية عهدهم لم يكونوا قد مرنوا عليه، وقد كان النازل منه يسيرًا، ولم تكن ملكة التفرقة بينه وبين غيره قد تربت لديهم، فكان من الممكن أن يشتبه عندهم بغيره، ويختلط وحي يتلى بوحي لا يتلى، فكان لا بد من تمييز الوحي المتلو بالكتابة، حتى إذ مرن المسلمون على أسلوب القرآن، وطال عهدهم بسماعه وتلاوته في الصلاة وفي غير الصلاة أذن لبعضهم في كتابة الحديث لأمن اللبس.

ولعل من دواعي النهي عن كتابة الحديث ثم الإذن فيها ما كان من قلة العارفين بالكتابة حينئذاك، فاقتضت الحكمة قصرهم على كتابة القرآن، فلما توافر عددهم أذن صلوات الله وسلامه عليه في كتابة الحديث.

لكل هذه الدواعي أو لبعضها لم يتجه الصحابة إلى كتابة الحديث -كما سبق أن ذكرت- بل جعلوا أفئدتهم أوعية له، وألسنتهم أدوات لنقله وروايته، وكان علم الصحابة وكبار التابعين في الصدر الأول بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وائتمارهم بأمره وانتهاؤهم بنهيه أكبر من أن يسمح لمجموعهم بالنسيان بعد الحفظ، أو أن يندس بين المسلمين من يتقول على الرسول الكريم، وقد علموا ما أوعد الله به كاتم العلم، وما هدد به الرسول صلى الله عليه وسلم من تقول عليه بما لم يقل، فبادروا إلى تبليغ ما عرفوه من حديثه ابتغاء للرحمة وخروجًا من التبعة، وسرعان ما كان ينتشر بين الجماهير ما بلغوه، فإن نسي بعضهم بعضًا منه فرب مبلغ أوعى من سامع،

ص: 96

وما دام العهد قريبًا، وصوت النبي صلى الله عليه وسلم ما يزال صداه يرن في آذانهم، وصورته الكريمة ماثلة أمامهم، فإن من البعيد في ذلك الوقت أن يضيع شيء من السنة أو يخفى على جمهرة المسلمين.

كان الصحابة يتثبتون في رواية الحديث، فقد علموا أن من الحديث ما يحلل وما يحرم، وما يخطئ وما يصوب، وأن سبيل ذلك هو اليقين أو غلبة الظن، وكانت لهم نظرة فاحصة في الراوي والمروي وكان بعضهم لا يقبل من الحديث إلا ما عليه شاهد معضد، أو يمين حاسمة تميط لثام الشك عن وجه اليقين.

كان الخليفة الأول أبو بكر الصديق أو المتثبتين في رواية الحديث، وكان أول من سن للمحدثين التثبت في النقل، روى ابن شهاب عن قبيصة أن الجدة جاءت إلى أبي بكر تلتمس أو تورث فقال: ما أجد لك في كتاب الله شيئًا، ثم سأل الناس، فقام المغيرة فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيها السدس، فقال له: هل معك أحد؟ فشهد محمد بن مسلمة بذلك، فأنفذه لها أبو بكر رضي الله عنه.

وتبعه على التثبت في النقل عمر بن الخطاب، وربما كان يتوقف في خبر الواحد إذا ارتاب، روى الجربزي عن أبي نضرة عن أبي سعيد أن أبا موسى سلم على عمر من وراء الباب ثلاث مرات فلم يؤذن له، فرجع، فأرسل عمر في أثره فقال: لم رجعت؟ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا سلم أحدكم ثلاثًا فلم يجب فليرجع 1 " قال: لتأتيني على ذلك ببينه أو لأفعلن بك، فجاء أبو موسى منتقعًا لونه ونحن جلوس فقلنا: ما شأنك؟ فأخبرنا وقال: فهل سمع أحد منكم؟ فقلنا: نعم كلنا سمعه، فأرسلوا معه رجلًا متهم حتى أتى عمر فأخبره.

وهذا علي رضي الله عنه يقول: كنت إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثًا نفعني الله بما شاء منه، وإذا حدثني عنه محدث استحلفته فإن حلف لي صدقته، وأن أبا بكر حدثني وصدق أبو بكر.

ومن هنا كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقلون من الرواية عنه خشية أن يدخلوا في الحديث ما ليس منه -سهوًا أو خطأ- فيتعرضوا لشيء من وعيد الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن أولئك الزبير وأبو عبيدة والعباس بن عبد المطلب، وكانوا ينكرون على من يكثر من الرواية، فالإكثار مظنة الخطأ، والخطأ في الدين عظيم الخطر، وقد التزم الصحابة وكبار التابعين بهذا المنهج في كل مكان نزلوه، وفي كل قطر حلوا فيه، وكانت خطتهم في مصر هي نفس ما ألزموا أنفسهم به في المدينة ومكة وسائر بلاد الإسلام: رواية قليلة متثبتة لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.

1 أخرجه البخاري في كتاب السلام.

ص: 97

ولما أنكروا على أبي هريرة رضي الله عنه إكثاره من الرواية اضطر لتبرئة ساحته أن يبين السبب الذي حمله على الإكثار فقال: إن الناس يقولون: أكثر أبو هريرة، ولولا آيتان من كتاب الله ما حدثت حديثًا، ثم يتلو:{إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَاّعِنُونَ، إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} 1.

وإن إخواننا من الأنصار كان يشغلهم الصفق في الأسواق، وإن إخواننا من الأنصار كان يشغلهم العمل في أموالهم، وإن أبا هريرة كان يلزم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشبع بطنه ويحضر ما لا يحضرون ويحفظ ما لا يحفظون.

1 سورة البقرة الآيتان 159، 160، والحديث في صحيح البخاري.

ص: 98

الدورالثاني: عصر تدوين الحديث مختلطًا بغيره ومنهجهم فيه

ثم انتشر الإسلام وتفرقت الصحابة في الأمصار، ومات كثير منهم، وقل الضبط وكثر الابتداع، فاشتدت الحاجة إلى تدوين الحديث وتقييده بالكتابة، وكتب عمر بن عبد العزيز أمير المؤمنين على رأس المائة إلى أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عامله وقاضيه على المدينة: انظر ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاكتبه، فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء، وأوصاه أن يكتب ما عند عمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية والقاسم بن محمد بن أبي بكر، كما كتب إلى عماله في أمهات المدن الإسلامية يأمرهم بجمع الحديث، ومن أبرز من كتب إليهم، محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري المدني أحد الأئمة الأعلام، وعالم أهل الحجاز والشام.

ثم شاع التدوين في الطبقة التي تلي الزهري، فكان أول من جمعه ابن جريج بمكة، وابن إسحاق ومالك بالمدينة، والربيع بن صبيح وسعيد بن أبي عروبة وحماد بن سلمة بالبصرة، وسفيان الثوري بالكوفة، والأوزاعي بالشام، وهشيم بواسط، ومعمر باليمن، وجرير بن عبد الحميد بالري، وابن المبارك بخراسان، وكل هؤلاء من أهل القرن الثاني.

ومن أشهر الكتب المؤلفة في القرن الثاني موطأ مالك، ومسند الإمام الشافعي، ومختلف الحديث له، ومسند عبد الرزاق بن همام الصنعاني، ومصنف شعبة بن الحجاج، ومصنف سفيان بن عيينة، ومصنف الليث بن سعد، ومجموعات من عاصرهم من الحفاظ كالأوزاعي والحميدي وغيرهم ممن سأذكر مؤلفاتهم في الباب الثالث موزعة على فصوله بإذن الله.

وقد اتسم طابع التدوين في القرن الثاني بجمع الحديث مختلطًا بغيره من أقوال الصحابة وفتاوى التابعين.

ص: 98