المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير: - مدرسة الحديث في مصر

[محمد رشاد خليفة]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة:

- ‌الباب الأول: أعلام المحدثين في مصر منذ الفتح الإسلامي حتى سقوط بغداد

- ‌مدخل

- ‌الفصل الأول: الصحابة والتابعون وأتباعهم

- ‌مدخل

- ‌الصحابة:

- ‌التابعون وأتباعهم ومن جاء بعدهم:

- ‌الفصل الثاني: أعلام المحدثين في مصر منذ سقوط بغداد إلى نهاية القرن الثامن الهجري

- ‌الفصل الثالث: أعلام المحدثين في مصر في القرنين التاسع والعاشر الهجري

- ‌الفصل الرابع: الإنتاج العلمي في الحديث

- ‌الباب الثاني: مناهج المحدثين في مصر

- ‌الفصل الأول: قبل سقوط بغداد

- ‌الدول الأول: عصر الرواية المثبتة ومنهجهم فيه

- ‌الدور الثالث: عصر تدوين الحديث مفروزا ومنهجهم فيه

- ‌الدور الخامس: عصر التقليد والاختصار والتقريب ومنهجهم فيه

- ‌الفصل الثاني: بعد سقوط بغداد

- ‌الفصل الثالث: مقارنة وموازنة

- ‌الباب الثالث: المدونات الحديثية

- ‌مدخل

- ‌الفصل الأول: كتب الأحكام

- ‌مدخل

- ‌موطأ الإمام مالك:

- ‌سنن أبي داود:

- ‌شرح معاني الآثار للإمام الطحاوي:

- ‌عمدة الأحكام:

- ‌منتقى الأخبار من أحاديث سيد الأخيار:

- ‌تقريب الأسانيد وترتيب المسانيد:

- ‌بلوغ المرام من أدلة الأحكام:

- ‌كشف الغمة عن جميع الأمة:

- ‌خاتمة الفصل الأول:

- ‌الفصل الثاني: كتب الترغيب والترهيب

- ‌مدخل

- ‌كتاب الترغيب والترهيب:

- ‌الزواجر في النهي عن اقتراف الكبائر:

- ‌الإتحافات السنية في الأحاديث القدسية:

- ‌الفصل الثالث: كتب الجوامع

- ‌مدخل

- ‌الجامع الكبير أو جمع الجوامع:

- ‌الجامع الصغير:

- ‌كنوز الحقائق في حديث خير الخلائق:

- ‌الفصل الرابع: كتب الزوائد

- ‌مدخل

- ‌مجمع الزوائد ومنبع الفوائد:

- ‌المطالب المعالية بزوائد المسانيد الثمانية

- ‌الفصل الخامس: كتب توضيح المبهمات

- ‌مدخل

- ‌غريب الحديث:

- ‌الدر النثير تلخيص النهاية لابن الأثير

- ‌الشروح الحديثية:

- ‌عمدة القاري شرح صحيح البخاري

- ‌ارشادات الساري لشرح صحيح البخاري

- ‌كتب مشكل الآثار أو تأول مختلف الحديث

- ‌الفصل السادس: كتب أصول الحديث

- ‌مدخل

- ‌التقييد والإيضاح في شرح مقدمة ابن الصلاح:

- ‌ألفية الحديث:

- ‌فتح المغيث بشرح ألفية الحديث:

- ‌نخبة الفكر وشرحها:

- ‌تدريب الراوي في شرح تقريب النواني

- ‌الفصل السابع: كتب التخريج

- ‌مدخل

- ‌المغني عن حمل الأسفار في الأسفار في تخريج ما في الأحياء من الأخبار:

- ‌تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير:

- ‌مناهل الصفا في تخريج أحاديث الشفا

- ‌الفصل الثامن: كتب الرجال

- ‌مدخل

- ‌الإصابة في تمييز الصحابة:

- ‌الضوء اللامع لأهل القرن التاسع:

- ‌طبقات الحفاظ:

- ‌إسعاف المبطأ برجال الموطأ:

- ‌خاتمة:

- ‌التخريج:

- ‌بيان المراجع:

- ‌الفهارس

- ‌فهرس الأعلام

- ‌فهرس الأنساب:

- ‌فهرس الموضوعات:

الفصل: ‌تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير:

‌تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير:

للحافظ ابن حجر المتوفى سنة 852هـ:

هذا الاسم هو الموجود عنوانًا للكتاب المطبوع، ويبدو أنه محرف من "التلخيص الحبير" الذي أورده صاحب الرسالة المستطرفة اسمًا لهذا الكتاب1، والذي هو الأقرب في استعمال اللغة لأن الحبير في اللغة -كما استخلصنا من دراسة المادة-2 هو ذو الجمال والهيئة، وكون الحبير وصفًا للكتاب هو الأليق؛ لأن كون الكتاب جميلًا على هيئة حسنة سائغ مقبول، وأما استعماله بالإضافة فإنه يجعل الحبير وصفًا للمؤلف، وهو غير لائق في هذا المقام.

ومؤلف هذا الكتاب هو الحافظ شهاب الدين أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، المتوفى عام اثنين وخمسين وثمانمائة، وقد سبقت ترجمته عند دراسة كتابه بلوغ المرام من بين كتب الأحكام.

وقد ذكر سبب تأليفه لهذا الكتاب فقال:3 إنه وقف على تخريج أحاديث شرح الوجيز للإمام أبي القاسم الرافعي -شكر الله سعيه- لجماعة من المتأخرين منهم القاضي عز الدين بن جماعة والإمام أبو أمامة بن النقاش، والعلامة سراج الدين عمر بن علي الأنصاري، والمفتي بدر الدين محمد بن عبد الله الزركشي، وعند كل منهم ما ليس عند الآخر من الفوائد والزوائد، وأوسعها عبارة وأخلصها إشارة كتاب شيخه سراج الدين، إلا أنه أطاله بالتكرار فجاء في سبع مجلدات، ثم رأيته لخصه في مجلدة لطيفة أخل فيها بكثير من مقاصد المطول وتنبيهاته، ثم قال: إنني رأيت تلخيصه في قدر ثلث حجمه مع الالتزام بتحصيل مقاصده، فمن الله بذلك، ثم تتبعت عليه الفوائد الزوائد من تخاريج المذكورين معه، ومن تخريج أحاديث الهداية في فقه الحنفية للإمام جمال الدين الزيلعي؛ لأنه ينبه فيه على ما يحتج به مخالفوه، وأرجو الله إن تم هذا التتبع أن يكون حاويا لحل ما يستدل به الفقهاء في مصنفاتهم في الفروع.

هذا هو ما قدم به الحافظ ابن حجر كتابه "التلخيص الحبير" وهو يدل على أنه ليس كتاب تخريج فقط، وإنما هو كتاب تخريج وترجيح وفوائد يوردها بعنوان فوائد تارة، وبعنوان تنبيهات أخرى.

ومن تصفح الكتاب ونظر فيه وجد أنه ينطبق عليه ما أفادته هذه المقدمة، من أن هذا الكتاب ليس كتاب تخريج بالمعنى الذي نفهمه، مما تعارفه علماء الحديث في معنى التخريج، وكما سنبينه في أوصاف الكتاب ومظاهره من أنه لا يقتصر على مجرد التخريج ببيان مراجع الحديث ودرجته من القبول وعدمه، وكان مقتضى ذلك التجاوز عن مهمة المخرج إلى طريقة الفقيه أن يسمى هذا الكتاب

1 الرسالة ص142.

2 تهذيب اللغة للأزهري ج5 ص32.

3 تلخيص الحبير ص9 ج1.

ص: 441

بما يطابق موضوعه، فأما أن يسمى الكتاب تخريجًا ثم يجد القارئ فيه أضعافًا مضاعفة ما زاد على مهمة التخريج فذلك أمر لا يخلو من نقد، وإذا صح هذا النقد فإننا لا نتجه به إلى المؤلف وحده، وإنما نوجهه أيضًا إلى من سايرهم المؤلف من العلماء الذين ذكرهم في صدر كلامه، وبين أنه وقف على تخريجاتهم وبخاصة شيخه سراج الدين عمر بن علي الأنصاري المعروف بابن الملقن، الذي كان كتابه أصلًا لهذا الكتاب.

وإذا أردنا أن نتناول أهم مظاهر الكتاب الواضحة وصفاته البارزة فإننا نسجل في ذلك ما يأتي مع التيسير بإيراد أرقام الأحاديث التي تبينا من خلالها هذه الصفات:

أولًا: كثيرًا ما يتطرق شيخ الإسلام ابن حجر في هذا التلخيص إلى إعطاء الأحاديث صبغة الأدلة الفقهية، متناولًا إياها من هذه الزواية فوق تناوله إياها من الزاوية الأساسية التي هي تخريج الحديث ومن ذلك:

1-

الأحاديث الأربعة1 الأولى في الكتاب أسرف المؤلف في دراستها بعد التخريج بإيراد الأقوال الفقهية، واختلاف الاستنباط باختلاف هذه الأدلة، واختلاف الروايات التي يمكن أن يقع من خلالها بعض ذلك الاختلاف، فهو يذكر رأي ابن عبد البر في حديث البحر:"وهو الطهور ماؤه الحل مينته" بأنه غير صحيح، وأنه لو صح أن البخاري صححه لأخرجه في صحيحه، ويرد عليه بذكر عدة روايات تقتضي صحته، ويطيل في ذلك إلى أن ينتهي إلى قول الشافعي: إن هذا الحديث نصف علم الطهارة، وهذا المسلك هو الذي سلكه أيضًا في حديث بئر بضاعة، وهي بئر كانت تلقى فيها الحيض ولحوم الكلاب والنتن، ثم ينقل الحديث:"إن الماء طهور لا ينجسه شيء" ويتناول المناقشة في عموم هذا لحديث أو خصوصه بالنسبة لإطلاق لفظ الشيء، أو تقييده بما إذا لم يغير طعمه أو لونه أو ريحه وهذا التقييد هو ما صرح به في الحديث الثالث:"خلق الله الماء طهورا لا ينجسه إلا ما غير طعمه أو ريحه" ثم يتكلم في صحة ورود هذا الاستثناء أو عدم وروده، وما يرتبط بذلك من الحكم الفقهي وصحة الاستدلال به لبعض المذاهب، وهل هناك متابعات أو شواهد تؤيده فيصح الاستدلال به -مثلًا- ثم يورد تلك المتابعات والشواهد التي ينتصر بها لمذاهبه في فقه الحديث، ثم يذكر الخلاف في القلتين في الحديث الرابع:"إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثًا" ويبين هل هو مضطرب فلا يستدل به كما يقول بعض الفقهاء؟ أو هو غير مضطرب؟، وعلى فرض اضطرابه فهل ترجحت بعض الطرق فيعمل بها كما هو شأن النظر في الحديث المضطرب؟ ويطيل في هذه الدراسات وما يتصل بها.

وعلى وجه الإجمال فقد تناول هذه الأحاديث الأربعة بالدراسة التي وصفناها في أكثر من عشر صفحات، ولو أنه اقتصر على مهمة التخريج لأوردها جميعًا بتخريجاتها الوافية في أقل من صفحة.

1 التلخيص الحبير ج1 ص9 إلى 20.

ص: 442

2-

وفي الحديث الستين بعد المائتين: "إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة" يخرج هذا الحديث ويذكر اختلاف رواياته، والخلاف في صحته، ثم يذكر ما يعارضه، ومن استدل بما يعارضه ويحاول أن ينتهي بنتيجة تؤيد مذهبه الفقهي.

3-

وفي الحديث الخمسمائة بعد الألف: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح المتعة" خرجه بالنسبة إلى الشيخين، وانتهى من تقويمه بهذه النسبة، ولكنه تطرق بعد ذلك إلى بيان أن نكاح المتعة كان جائزًا في صدر الإسلام ثم نسخ، وأورد عبارات من قال ذلك من الصحابة مثل علي وعمر بن الخطاب وابن عمر، ونقل عبارة عن الشافعي تفيد أنه الشيء الوحيد الذي أحل ثم حرم ثم أحل ثم حرم، وقول بعضهم: إنه نسخ ثلاث مرات، وقيل أكثر، واعتذر عمن قال بجوازه لأنه لم يبلغه النهي، وأورد في هذا المقام عبارات كثيرة جدًّا ليست من تخريج الحديث الذي أورده الرافعي.

4-

وفي الحديث السادس بعد الخمسمائة والألف أورد حديث ابن عباس: "أنه كان يجوز نكاح المتعة ثم رجع عنه" فخرجه وقال: إن الترمذي عقد بابًا مفردًا، ثم ذكر اختلاف الأقوال فيما نقل عن عبد الله بن عباس في هذا المقام، وأورد أن كلام الرافعي يوهم أن ابن عباس انفرد عن غيره من الصحابة بتجويز المتعة، لقول الرافعي: إن صح رجوعه وجب الحد بالإجماع وأطال كثيرًا في هذا المقام، مبينًا أن ابن عباس لم ينفرد بهذا القول، بل هو منقول عن جماعة من الصحابة، وأورد كثيرًا من العبارات الدالة على ذلك.

5-

وفي الحديث الثاني والأربعين بعد الخمسمائة والألف عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ملعون من أتى امرأته في دبرها" خرج الحديث، وذكر اختلاف الروايات فيه، واختلاف العلماء في صحته، وأورد عددًا من متابعاته وشواهده، وكثيرًا مما يؤيده من الآثار ثم أورد نقلًا عن الشافعي أنه لم يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تحريمه ولا تحليله شيء والقياس أنه حلال، ثم نقل عن محمد بن الحكم كلامًا وقع ين الشافعي ومحمد بن الحسن في صحة قوله بحله، وانتصار الشافعي على محمد بن الحسن في ذلك، ومناقشة في أن هذه الرواية هل تصح عن الشافعي مع محمد بن الحسن أو لا تصح؟ وهل هو مذهب قديم رجع عنه أو لا يرجع؟ ثم ذكر مذهب مالك والعراقيين، واختلاف الأدلة في هذا المقام، وأطال النقول وأكثر منها ثم انتهى إلى ما يفيد التحريم في بعض المذاهب، والكراهة في بعضها الآخر وقد بلغ ما كتبه في هذا الموضوع ثماني صفحات.

ثانيًا: يكثر المؤلف من الاستطراد، وله عنده ألوان متعددة، فمنه ما يكون بعنوان فائدة، ومنه ما يكون بعنوان تنبيه، وتارة يورده بعنوان تتمة، وأخرى يورده بعنوان ذكر أحاديث في موضوع بعينه، وأحيانًا يكون الاستطراد بلا عنوان.

ص: 443

فمن الفوائد: ما جاء في الحديث الواحد بعد المائة: "إذا توضأت فخلل أصابع يديك ورجليك" حيث قال بعد تخريجه: فائدة ذكر فيها حديثًا عن عبد الله بن مسعود مرفوعًا، ثم أورد اختلافًا بين الرواة في رفعه أو وقفه وأيها أقرب إلى الصحة، والحديث الذي أورد هذا الاختلاف فيه هو:"لينهكن أحدكم أصابعه قبل أن تنهكه النار"، وليس في هذه الفائدة أكثر من تعزيز حث الشارع على تخليل الأصابع، بالنهي عن تركه والتحذير من هذا الترك.

وكذلك ما جاء في الحديث الثالث بعد المائة: "أن رجلًا توضأ وترك لمعة في عقبه، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بغسلها" فخرجه ثم ذكر فائدة بإيراد حديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإعادة الوضوء في مثل ذلك وخرج هذا الحديث أيضًا بما يفيد أنه أقوى سندًا من الحديث الأول، ولم يخرج من ذلك بنتيجة فقهية صريحة.

ومن ذلك أيضًا ما جاء في الحديث السابع والعشرين بعد الخمسمائة والألف وهو: أن غيلان أسلم وتحته عشر نسوة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "اختر أربعًا وفارق سائرهن"، فإنه بعد تخريجه ذكر فائدة نقل فيها عن النسائي بسنده كله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن غيلان بن سلمة الثقفي أسلم وعنده عشر نسوة

الحديث، وفيه:"فأسلم وأسلمن معه" وفيه "فلما كان زمن عمر طلقهن فقال له عمر: راجعهن"، ثم أخذ يخرج هذا الحديث ويتكلم على رجاله، ويذكر الخلاف في رفع الحديث ووقفه، وفي ذكره لهذه الفائدة إضافة زيادة فيما يتعلق بغيلان ونسوته، وتدخل عمر فيما بينه وبينهن.

ومن ذلك ما جاء في الحديث الثلاثين بعد الخمسمائة والألف وهو حديث: "لعن الله المحلل والمحلل له" فقد خرجه وأطال -كعادته- في تخريجه، ثم ذكر فائدة قال فيها: إنه يستدل بهذا الحديث على بطلان النكاح إذا شرط الزوج أنه إذا نكحها بانت منه، أو شرط أن يطلقها أو نحو ذلك، وقد أيد هذا الاستدلال وأطال في تأييده.

وما جاء في الحديث الرابع والستين بعد الخمسمائة والألف، وهو حديث أبي هريرة في شأن جبريل، وعدم دخوله بيت النبي صلى الله عليه وسلم لوجود الشمائل في ستر في البيت، فإنه -بعد أن خرجه- أورد فائدة ذكر فيها أن ابن حبان ادعى أن عدم دخول الملائكة مختص ببيت يوحى فيه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر وجهته في هذه الدعوى، وذكر حديثًا يؤيد ذلك ولم يناقشه فيه.

وكذلك ما جاء في الحديث السادس والثلاثين بعد السبعمائة والألف، وهو: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لابن مسعود: "ما حكم من بغى من أمتي؟ " قال: الله ورسوله أعلم، فقال صلى الله عليه وسلم:"لا يتبع مدبرهم، ولا يجهز على جريحهم، ولا يقتل أسيرهم" فقد خرج شيخ الإسلام هذا الحديث، والحق به أن أبا بكر قائل ما نعى الزكاة، وأن عليًّا قاتل أصحاب

ص: 444

الجمل، ثم ذكر فائدة قال فيها: كانت واقعة الجمل في سنة ست وثلاثين، وكانت واقعة صفين في ربيع الأول سنة سبع وثلاثين واستمرت ثلاثة أشهر

إلخ.

ومن التنبيهات: ما جاء بعد الحديث الخمسين وهو عن جرير بن حازم: "أن قبيعة سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت من فضة" فإنه خرج هذا الحديث ثم ذكر تنبيهًا فسر فيه القبيعة بأنها ما تكون على رأس السيف وطرف مقبضه من فضة أو حديد، وقيل: ما تحت شاربي السيف وغير ذلك من الأقوال، وهذا التنبيه من تفسير الغريب في الحديث المخرج.

وما جاء بعد الحديث السابع والستين وهو حديث: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بتأخير العشاء والسواك" فقد أورد -بعد تخريجه- تنبيهًا نقل فيه عن النووي في شرح المهذب قوله: وأما الحديث المذكور في النهاية والوسيط: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة ولأخرت العشاء إلى نصف الليل". فهو بهذا اللفظ حديث منكر لا يعرف، وخطأ إمام الحرمين في القول بصحته، وأطال في الرد عليه وعلى ابن الصلاح إذ سبقه بذلك.

ومن ذلك ما جاء بعد الحديث الثالث والتسعين بعد المائة، وهو: "أن امرأة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله عن الغسل والحيض

" فقد خرجه، ثم أورد تنبيهًا فسر فيه الفرصة في قوله صلى الله عليه وسلم: "خذي فرصة من مسك

" فقال: إن الفرصة القطعة من كل شيء -وهي بكسر الفاء وإسكان الراء- ونسب ذلك إلى ثعلب، ثم نقل عن ابن سيده ما يؤيده، وفسر المسك بأنه الطيب المعروف، وأطال في ذلك.

ومنه ما جاء بعد الحديث الثمانين بعد الأربعمائة والألف، وهو أنه صلى الله عليه وسلم قال لجابر:"هلا تزوجت بكرًا تلاعبها وتلاعبك" فقد ذكر -بعد تخريجه للحديث- تنبيهًا أورد فيه أن عياضًا علق على الرواية الأخرى "ما لك وللعذارى ولعابها" بقوله: إن الرواية ولعابها -بكسر اللام لا غير- وهو من اللعب، ثم رد على عياض بما ثبت لبعض رواة البخاري بضم اللام أي ريقها، وأطال في ذلك.

وشبيه به ما أورده بعد الحديث السادس والثلاثين بعد السبعمائة والألف، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في البغاة: "لا يتبع مدبرهم، ولا يجهز على جريحهم

" إلخ فقد أتبعه بعدة استطرادات وأخبار في المفاضلة بين الصحابة جاء من بينها: "أن وفد بزاخة جاءوا إلى أبي بكر يسألونه الصلح" وأورد -تعليقًا على هذا- تنبيهًا يقول فيه: إن بزاخة بضم الباء الموحدة ثم زاي وبعد الألف خاء معجمة هو موضع قيل: بالبحرين وقيل: ماء لبني أسد.

وكذلك ما جاء بعد الحديث الحادي والثمانين بعد الأربعمائة والألف وهو حديث: "إياكم وخضراء الدمن" فقد خرج الحديث، ثم أورد بعده تنبيهًا قال فيه: إن الدمن البعر نجمعه

ص: 445

الريح ثم يركبه السافي، فإذا أصابه المطر ينبت نبتًا ناعمًا، وتطرق إلى شرح الحديث، ثم أورد بعده تنبيهًا آخر قال فيه: إن الرافعي احتج به على استحباب النسيبة، وأولى منه ما أخرجه ابن ماجه وغيره:"تخيروا لنطفكم" الحديث.

وأيضا ما جاء بعد الحديث الثامن والتسعين بعد الخمسمائة والألف، وهو حديث: "أن ابن عمر طلق امرأته وهي حائض

" الحديث، فإنه بعد أن خرجه أورد تنبيهًا قال فيه: إن اسم امرأته آمنة بنت غفار، وذكر عدة مراجع لذلك، كما ذكر استطرادًا بما وقع فيه من التصحيف والخلاف.

وهذا نظير ما وقع في الحديث الحادي والعشرين بعد الأربعمائة والألف، وهو: أنه صلى الله عليه وسلم بعث عاملًا فقال لأبي رافع: "اصحبني كيما تصيب من الصدقة" الحديث فقد أورد -بعد التخريج- تنبيهًا بين فيه اسم الرجل الذي استتبع أبا رافع، وأنه الأرقم بن أبي الأرقم، ونسب ذلك إلى النسائي والطبراني.

والحافظ ابن حجر معروف بالبحث عن أسماء المجاهيل من رواة الأحاديث:

ومن ذلك ما وقع بعد الحديث الثامن والستين بعد الستمائة والألف، وهو حديث عبد الله بن عمرو: "أن امرأة قالت: يا رسول الله إن ابني هذا كان بطني له وعاء

" إلخ، فقد أورد تنبيهًا قال فيه: إنه في الأصل ابن عمر، وهو وهم، وإنما هو ابن عمرو بن العاص.

وكذلك الحديث التاسع والستين بعد الستمائة والألف، وهو حديث: "أنه صلى الله عليه وسلم خير غلامًا بين أبيه المسلم وأمه المشركة، فمال إلى الأم

" الحديث، فإنه -بعد أن خرجه- أورد تنبيهين: الأول: ذكر فيه ما وقع عند الدارقطني من أن البنت المخيرة اسمها عميرة، وأن ابن الجوزي قال: رواية من روى أنه كان غلامًا أصح

وأطال في ذلك وذكر في التنبيه الثاني أن الاصطخري احتج به على أنه يثبت به للأم حق الحضانة، وذكر عدة ردود عليه في ذلك.

ومن ذلك ما جاء بعد الحديث الأربعين بعد السبعمائة والألف، وهو حديث جابر: "أن امرأة يقال لها أم رومان ارتدت

" الحديث، فقد أورد -بعد تخريجه- تنبيهًا قال فيه: وقع في الأصل "أم رومان" وهو تحريف، والصواب أم مروان.

وفي الحديث الثالث والأربعين بعد السبعمائة والألف، وهو ما روي:"أنه صلى الله عليه وسلم استتاب رجلًا أربع مرات" فإنه -بعد التخريج- أورد تنبيهًا قال فيه: جاء في السير أن النبي صلى الله عليه وسلم قتل أم قرفة يوم قريظة، وهي غير تلك، وبين ذلك، ثم ذكر في هذا الحديث تنبيهًا آخر تعلقًا على قول عمر لبعض الناس: هل من مغربة خبر؟ قال في هذا

ص: 446

التنبيه: إن قوله: من مغربة -يقال بكسر الراء وفتحها مع الإضافة فيهما- معناه هل من خبر جديد جاء من بلاد بعيدة، وقال الرافعي: شيوخ الموطأ فتحوا العين وكسروا الراء وشددوها.

ومن التتمات: ما وجدناه بعنوان "تتمة" أورده المؤلف تعقيبًا على الرافعي بإيراد بعض خصائص للنبي صلى الله عليه وسلم لم يذكرها الرافعي1، فأورد الحافظ ابن حجر خصائص عديدة منها: وجوب الدفع بالتي هي أحسن، وأنه كان يغان على قلبه فيستغفر الله في اليوم سبعين مرة، وأنه كان يؤخذ عن الدنيا عند نزول الوحي، وما إلى ذلك.

ومما أورده إلحاقًا لبعض موضوعات تناول أحاديثها بالتخريج ما جاء بعد موضوع السواك، وهو قوله: فصل فيما يستاك به وما لا يستاك به، نقل فيه عددًا من الأحاديث وخاض في تخريجها وأطال في ذلك بما يعد إضافة جديدة إلى أحاديث الأصل الذي يتناوله بالتخريج.

وكذلك ما أورده في كتاب الصيام بعد تخريج حديث: "أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم محرم في حجة الوداع2" فإنه -بعد أن انتهى من ذلك- أورد هذا العنوان "ذكر الإشارة إلى طرق حديث أفطر الحاجم والمججوم باختصار" ذكر تحته من روى في ذلك من الصحابة وهم كثرة: منهم ثوبان وشداد بن أوس ورافع بن خديج، وأبو موسى ومعقل وغيرهم، ثم ذكر من أخرج لكل واحد من هؤلاء، فمثلًا حديث ثوبان وشداد أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه والحاكم

وأطال في ذلك، ثم انتقل قائلًا: وأما حديث رافع بن خديج فراوه الترمذي، وذكر طريقه وحكمه على الحديث، وما يتعلق بذلك، ثم قال: وأما حديث أبي موسى فرواه النسائي والحاكم، وذكر طريق كل منهما، ورأيه في الحديث من جهة رفعه أو وقفه أو تصحيحه أو عدمه

كل ذلك في حديث واحد: "أفطر الحاجم والمحجوم".

وشبيه بهذا ما أورده قبل نهاية كتاب الطلاق من قوله: ذكر الآثار التي في كتاب الطلاق، وإن كان هذا محتملًا لأن يكون من كلام الرافعي عنوانًا لبعض الموضوعات، مثل قوله: كتاب الخلع كتاب الطلاق، فلعله ذكر عنوانًا للآثار الواردة في كتاب الطلاق فاتجه شيخ الإسلام ابن حجر إلى تخريجها كعادته، ويرجع هذا أنه ذكر بعد العنوان مباشرة حديث: "أن رجلًا على عهد عمر قال لامرأته

" إلخ مما يدل على أن العنوان للرافعي وأن التخريج لابن حجر.

ومما يورده استطرادًا دون عنوان ما يذكره أثناء دراسته للتخريج مثل قوله في حديث: "إذا بلغ الماء قلتين" إن فيه مباحث تعليقًا على قول الشافعي بعد أن روى حديث ابن عمر: "إذا بلغ الماء قلتين" فإن الشافعي قال بعد هذا: أخبرنا مسلم بن خالد الزنجي عن ابن جريج بإسناد لا يحضرني ذكره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل نجسًا" فقال ابن حجر -تعليقًا على هذا: وفيه مباحث: الأول: في تبيين الإسناد الذي لم يحضر الشافعي

1 التلخيص ج1 ص121.

2 التلخيص ج2 ص193.

ص: 447

ذكره، والثاني: في كونه متصلًا أم لا، والثالث: في كون التقييد بقلال هجر في المرفوع، والرابع: في ثبوت كون القربة كبيرة لا صغيرة، والخامس: في ثبوت التقدير للقلة بالزيادة على القربتين، وأخذ يفصل كل بحث من هذه المباحث الخمسة بما يخرج به كثيرًا على موضوع الكتاب.

ومن ذلك ما يفيض فيه من إيراد الشواهد والمتابعات للحديث المخرج في كثرة غامرة من أحاديث الكتاب، وهي واضحة للمتصفح، فمن ذلك ما يعقب به شرحًا لكلام الرافعي مثل أن يقول: قوله: وسؤره نجس يعني الكلب لورود الأمر بالإراقة

1 إلخ" ومنه ما قال فيه2: قوله: يستحب للواطئ في الحيض التصدق بدينار إن جامع في إقبال الدم، وبنصفه إن جامع في إدباره لورود الخبر في ذلك، ثم علق بعد ذلك بكلام طويل، وإن كان فيه لا يعدو أن يكون تعزيزًا بالأحاديث والآثار لما قاله المصنف -وهو كثير جدًّا- ولكنه خروج على مهمة المخرج.

على أن ما وصفناه به من وضوح ظاهرة الاستطراد في تخريجه يزيد عليه أنه لا يكتفي بذكر طرف الحديث المخرج على عادة المخرجين من علماء الحديث، ولكنه يستكمل متن الأحاديث التي يريد تخريجها، وهذا هو الغالب على الكتاب، ولكنه لا يلتزم ذلك؛ فأحيانًا يكتفي بذكر طرف الحديث عن إيراده كله، وأحيانًا يذكر الطرفين الأول والأخير إذا كان الطرف الأخير موضع استشهاد.

فمما أورد طرفه الأول فقط الحديث السابع والستون بعد المائتين: "يا علي. لا تؤخر أربعًا: الجنازة إذا حضرت

" 3 الحديث، وكذلك الحديث العشرون بعد المائتين والألف: "من باع عبدًا وله مال

" 4 الحديث، وكذلك الحديث التاسع والثلاثون بعد المائتين والألف: أن رجلا ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم جائحة أصابته فسأله أن يعطيه من الصدقة، فقال: "حتى يشهد ثلاثة من ذوي الحجا من قومه

" 5.

وكذلك الحديث الذي أورده مخرج الكتاب بعد هذا الحديث ولم يذكر له رقما، وهو: "أن عمر خطب الناس وقال: ألا إن الأسيفع أسيفع جهينة قد رضي من دينه وأمانته أن يقال: سبق الحاج

"6، وكذلك الحديث: "رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يبلغ

" 7 والحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المؤمنون عند شروطهم

" 8.

ومما أورد طرفيه: الأول والأخير ما ذكره من حديث ابن عباس في أوقات الصلاة وهو: "أمني جبريل عند البيت مرتين فصلى بي الظهر حين زالت الشمس

" الحديث وفي آخره "ثم التفت وقال: يا محمد. هذا وقت الأنبياء من قبلك، والوقت فيما بين هذين الوقتين" 9.

1 التلخيص ج1 ص23.

2 التلخيص ج1 ص164.

3 التلخيص ج1 ص186.

4 التلخيص ج3 ص30.

5 التلخيص ج3 ص40.

6 التلخيص ج3 ص40.

7 التلخيص ج3 ص42.

8 التلخيص ج3 ص44.

9 التلخيص ج1 ص173.

ص: 448

فإنه لم يكتف بذكر الطرف الأول للحديث ليدل به عليه، وإنما ذكر طرفه الأخير أيضًا لأنه محل الشاهد من الإيراد.

على أن كل هذا مهما كثر في الكتاب فإنه قليل جدًّا بالنسبة لما ورد من أحاديث كاملة غير منقوصة، حتى ليبدو أن ذلك شيء التزمه المؤلف فلا يتركه إلا لداع يستوجب ذلك.

ثالثًا: واستثناء مما ذكرناه من صفة الاستطراد الغالبة على المؤلف عند التخريج، فإن من واجب التحقيق العلمي أن نسجل هنا أنه لا يلتزم ذلك التزامًا كليًّا في جميع تخريجاته، وإنما يتجه أحيانًا إلى الاكتفاء بما يبين به مرجع الحديث ودرجته بل إنه أحيانًا يترك بيان الدرجة.

فما أورد مرجعه مع بيان درجته الحديث الثالث بعد الخمسمائة، وهو:"رحم الله امرأ صلى قبل العصر أربعًا" 1 قال في تخريجه: "أبو داود والترمذي وحسنه، وابن حبان وصححه، وكذا شيخه ابن خزيمة من حديث ابن عمر، وفيه محمد بن مهران وفيه مقال: لكن وثقه ابن حبان وابن عدي.

وكذلك الحديث السادس بعد الخمسمائة، وهو:"صلوا قبل المغرب ركعتين، قال في الثالثة 2: لمن شاء" خرجه بقوله: البخاري وأبو داود وأحمد وابن حبان واتفقا عليه بلفظ: "بين كل أذانين صلاة" وفي رواية ضعيفة للبيهقي بين كل أذانين صلاة ما خلا المغرب.

وكذلك الحديث الثامن بعد الخمسمائة، وهو:"الوتر حق وليس بواجب" 3 قال: رواه ابن المنذر فيما حكاه مجد الدين بن تيمية، وفي الدارقطني عن أيوب:"الوتر حق واجب فمن شاء فليوتر بثلاث" ورجاله ثقات، وهو عند أبي داود أيضًا، قال البيهقي: والأصح وقفه على أبي أيوب، وأعله ابن الجوزي بمحمد بن حسان فضعفه، وأخطأ ابن الجوزي فإنه ثقة، وفي صحيح الحاكم عن عبادة بن الصامت:"الوتر حسن جميل عمل به النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعده وليس بواجب" ورواته ثقات، قال البيهقي.

ومثل هذا الإيراد للروايات المتعددة للحديث لا يعتبر استطرادًا بالمعنى الذي سبق لنا الكلام عنه، وإنما هو تخريج فيه دقة وأمانة ببيان درجة الحديث وما يتصل بمعناه، وليس خروجًا عنه إلى شيء آخر من دلالات الحديث الفقهية والمناقشات حولها، وإيراد أدلة المعارض وردها، إلى غير ذلك مما يعد استطرادًا بمعنى الخروج عن دائرة التخريج ومهمة المخرج.

1 التلخيص ج2 ص42.

2 المراد أنه ذكرها مرتين ثم قال في الثالثة: لمن شاء، والحديث وارد في التلخيص ج2 ص13..

3 التلخيص ج2 ص13.

ص: 449

ومما جاء من هذا النوع أيضًا الحديث الحادي عشر بعد الخمسمائة وهو حديث أبي هريرة مرفوعًا: "أوتروا بخمس أو بسبع أو بتسع أو بإحدى عشرة" 1 خرجه بقوله: الدارقطني وابن حبان والحاكم بزيادة: "لا توتروا بثلاث، ولا تشبهوا بصلاة المغرب" ورجاله كلهم ثقات، ولا يضره وقف من أوقفه.

ومن النوع الثاني مما أورده مخرجًا ببيان المرجع دون ذكر الدرجة الحديث السابع والتسعين بعد الأربعمائة، وهو حديث:"أنه كان لا يسجد في ص"2 خرجه فقال: الشافعي والبيهقي من حديثه.

وكذلك الحديث التاسع والتسعين بعد الأربعمائة، وهو حديث ابن عباس أنه قال:"إنما السجدة لمن جلس لها" خرجه فقال: البيهقي من حديثه، وابن شيبة من طريق ابن جريج عن عطاء عنه:"إنما السجدة على من جلس لها".

على أن الغالب فيما كان من هذا النوع أن المؤلف يكتفي ببيان المرجع الذي عرفت صحته كالبخاري ومسلم أو الصحيحين:

ومن ذلك قوله في الحديث الخمسين بعد الألف وهو: "أنه صلى الله عليه وسلم وقف بعد الزوال"3 قال في تخريجه: مسلم من حديث جابر الطويل، وقوله في الحديث السابع والأربعين بعد الألف:"عرفة كلها موقف" 4 مسلم من حديث جابر الطويل، والحديث الثالث والأربعين بعد الألف: وهو: "أنه صلى الله عليه وسلم كان يسير حين دفع من حجة الوداع العنق، فإذا وجد فجوة نص"5 قال فيه: متفق عليه من حديث أسامة بن زيد، وكذلك الحديث الرابع والأربعون بعد الألف، وهو:"أنه صلى الله عليه وسلم أتى المزدلفة فجمع بها بين المغرب والعشاء"6 خرجه فقال: متفق عليه من حديث ابن مسعود وابن عمر وأبي أيوب وابن عباس وأسامة بن زيد، فقال: متفق عليه من حديث ابن مسعود وابن عمر وأبي أيوب وابن عباس وأسامة بن زيد، ولمسلم عن جابر، وكذلك الحديث الثاني والأربعون بعد التسعمائة وهو:"تحروا ليلة القدر من العشر الأواخر من رمضان" 7 خرجه فقال: متفق عليه من حديث عائشة، وفي الباب عن أبي هريرة أخرجه مسلم، وعن ابن عمر متفق عليه، وعن أبي سعيد كما سيأتي.

رابعًا: يعني المؤلف بتخريج الآثار التي أوردها الرافعي عنايته بتخريج الأحاديث، ومن تتبع الكتاب وجد ذلك بارزًا فيه، على عكس ما فعل الحافظ العراقي من تركه لتخريج الآثار في كتابه

1 التلخيص ج2 ص11.

2 التلخيص ج2 ص 112.

3 التلخيص ج2 ص12.

4 التلخيص ج2 ص56.

5 التلخيص ج2 ص355.

6 العتق والنص نوعان من السير السريع، والحديث في التخصيص ج2 ص254.

7 التلخيص ج2 ص254.

8 التلخيص ج2 ص217.

ص: 450

المغني عن حمل الأسفار في الأسفار، الذي أسلفنا الكلام عليه، وذلك التصرف من ابن حجر تقديم لما هو المهم في هذا الكتاب.

فمن تخريجه للآثار ما جاء في كتاب الوضوء في الحديث الخامس عشر بعد المائة1 من قول علي رضوان الله عليه: "ما أبالي بيميني بدأت أم بشمالي إذا أكملت الوضوء" فقد قال ابن حجر: إنه من رواية الدارقطني عن علي بهذا، ورواه عنه بلفظ آخر، وعن ابن مسعود كالأول.

وكذلك الخبر السابع والتسعون بعد الخمسمائة، وهو حديث عائشة:"أنها أمت نساء فقامت وسطهن"2 فقد خرجه بأنه رواية عبد الرزاق، ومن طريق الدارقطني والبيهقي وغيرهم، وكذلك الحديث التاسع والتسعون بعد الخمسمائة، وهو حديث عائشة:"كان يؤمها عبد لها لم يعتق يكنى أبا عمرو"3 قال عنه: إنه رواية الشافعي عن عبد المجيد عن ابن جريج، وأيضًا الحديث الستمائة، وهو حديث: "أن ابن عمر كان يصلي خلف الحجاج بن يوسف

"4 فقد خرجه بأنه رواية البخاري.

والحديث الواحد بعد الستمائة أيضًا وهو: "أن أبا هريرة صلى على ظهر المسجد"5 خرجه بأنه رواية الشافعي عن إبراهيم بن محمد

إلخ.

هذه بعض الآثار التي تناولها الحافظ ابن حجر بالتخريج في كتابه التلخيص الحبير، ومن تتبع الكتاب وجد فيه كثيرًا من الآثار التي خرجها، وهي ما ذكره منها مما يتصل بالأحاديث الواردة في الشرح الكبير.

خامسًا: في الكتاب من الاستطراد ما هو مفيد، وذلك كشرح المؤلف لبعض الألفاظ اللغوية التي ترد في بعض الأحاديث، ومنه قوله في الحديث الرابع والستين6 شرحًا لكلمة الخلوف الواردة في قوله صلى الله عليه وسلم:"لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك" الخلوف بضم المعجمة هو التغير في الفم، قال عياض: قيدناه عن المتقنين بالضم وأكثر المحدثين يفتحون خاءه وهو خطأ، وعده الخطابي في غلطات المحدثين، وكذلك قوله في الحديث الثالث والتسعين بعد المائة، وهو حديث: أن امرأة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله عن الغسل من الحيض فقال: "خذي فرصة من مسك" الفرصة القطعة من كل شيء إلى آخر ما نقلنا عنه في استطراده بالتنبيهات.

1 التلخيص ج2 ص42.

2 التلخيص ج2 ص42.

3 التلخيص ج2 ص43.

4 التلخيص ج1 ص33.

5 التلخيص ج2 ص61.

6 التلخيص ج3 ص179.

ص: 451

ومن ذلك ما جاء في الحديث الحادي والأربعين بعد الخمسمائة والألف وهو ما روي أنه: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إتيان المرأة في الدبر فقال: "في أي الخربتين

" 1 الحديث، فقد أورد تنبيهًا قال فيه: إن الخربتين تثنيه خربة بضم المعجمة وسكون الراء بعدها موحدة وأن الخرزتين تثنية خرزة بوزن الأولى لكن بزاي بدل الموحدة، وإن الخصفتين تثنية خصفة بفتحات والخاء معجمة والصاد بعدها فاء، وقال الخطابي: كل ثقب مستدير خربة، والجمع خرب -بضم ثم فتح- وقال الأزهري: أراد بالخربتين المسلكين

وأطال في ذلك كعادته في عرض المعلومات.

ومنه أيضًا قوله في حديث أورده أثناء تخريجه للحديث الرابع والثمانين بعد الستمائة والألف وهو حديث أبي رافع قال: ولدت فاطمة حسنًا فقالت: يا رسول الله ألا أعق عن ابني بدم؟ قال: "ولا ولكن احلقي شعره وتصدقي بوزنه من الورق على الأوفاض". يعني أهل الصفة، ثم قال: فائدة الأوفاض بالفاء ومعجمة المتفرقون، وأصله من وفضت الإبل إذا تفرقت، وكأن الحافظ يريد بذلك أن تفسيرها بأهل الصفة ليس هو المعنى الأصلي، ولكنه يندرج تحت المعنى الأصلي.

سادسًا: الحافظ ابن حجر لا يتحفظ عن التصريح بتخطئة العلماء، وهو أمر بارز في هذا الكتاب.

فمن ذلك ما ذكره في تنبيه علق به على الحديث السابع والستين2 فقد نقل عن النووي في شرح المهذب أنه قال في حديث: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة ولأخرت العشاء إلى نصف الليل" أنه قال: هو بهذا اللفظ حديث منكر لا يعرف، وخطأ إمام الحرمين في الحكم بصحته وقال: إن إمام الحرمين تبع في ذلك ابن الصلاح، ثم قال الحافظ: وهذا يتعجب فيه من ابن الصلاح أكثر من النووي، فإنهما وإن اشتركا في قلة النقل من مستدرك الحاكم، فإن ابن الصلاح كثير النقل من سنن البيهقي، والحديث فيه أخرجه عن الحاكم، وفيه:"إلى نصف الليل" بالجزم.

وهذا صريح في أن النووي مخطئ في القول بأن هذا الحديث منكر، وفي تخطئة من حكم بصحته.

ومن ذلك ما جاء في الحديث الحادي والعشرين بعد التسعمائة وهو ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للأعرابي الذي جاءه، وقد واقع:"صم شهرين"، فقال: وهل أتيت إلا من قبل الصوم؟ 3.

1 التلخيص ج3 ص179 ويلاحظ أن المفردات الغريبة التي أوردها وشرحها جاءت في عدة روايات أوردها الحافظ في هذا الحديث.

2 التلخيص ج1 ص64.

3 التلخيص ج2 ص207.

ص: 452

ثم قال: إن ابن الصلاح أنكر وروده بهذا اللفظ وقال: إن الذي وقع في الروايات أنه لا يستطيع ذلك، ثم قال: إن هذه غفلة عما أخرجه البزار، وساق حديث البزار الذي فيه أن الأعرابي قال: هل لقيت ما لقيت إلا من الصيام، وفي رواية لأبي داود:"وهل أصبت الذي أصبت إلا من الصيام" إلخ.

بل إن الحافظ ابن حجر لا يتحفظ أن يخطئ جماعة بأسرهم من المحدثين والفقهاء في حديث واحد.

ومن ذلك ما جاء فيما روي من أنه صلى الله عليه وسلم قال: "خلق الله الماء طهورًا لا ينجسه شيء إلا ما غير طعمه أو ريحه" 1، فقد أورد من هذا الاستثناء بحثًا طويلًا قال بعده نقلًا عن الرافعي: وحمل الشافعي الخبر على الكثير؛ لأنه ورد في بئر بضاعة وكان ماؤها كثيرًا، وهذا مصير منه إلى هذا الحديث ورد في بئر بضاعة وليس كذلك، ثم صدر الحديث -كما قدمنا- دون قوله: خلق الله

هو في حديث بئر بضاعة، وأما الاستثناء الذي هو موضع الحجة منه فلم يثبت، قال ابن حجر: والرافعي كأنه تتبع الغزالي في هذه المقالة، فإنه قال في المستصفى: لأنه صلى الله عليه وسلم لما سئل عن بئر بضاعة قال: "خلق الله الماء طهورًا لا ينجسه شيء إلا ما غير طعمه أو لونه أو ريحه" وكلامه متعقب لما ذكرناه، وقد تبعه ابن الحاجب في المختصر في الكلام على العام وهو خطأ، ثم قال ابن حجر: تنبيه -وقع لابن الرفعة أشد من هذا الوهم، فإنه عزا هذا الاستثناء إلى رواية أبي داود فقال: ورواية أبي داود: "خلق الله الماء طهورًا لا ينجسه شيء إلا ما غير طعمه أو ريحه" ووهم في ذلك، فليس هذا في سنن أبي داود أصلًا، ثم قال: فائدة -أهمل الرافعي الاستدلال على أن الماء لا تسلب طهوريته بالتغير اليسير بنحو الزعفران والدقيق. ونحو ذلك.

ولعل القارئ يلمس من إيرادنا لهذه المثل ولوعه بالاستطراد فيما يتصل بمهمته من قريب أو بعيد.

ولعل مما يؤكد حكمنا عليه بهذا الولوع إلى درجة توقع في العجب والغرابة أنه ذكر فائدة عن القشيري2 قال: إنه أوردها بلا إسناد عن أبي الدرداء أنه قال: عليكم بالسواك فلا تغفلوه، فإن فيه أربعًا وعشرين خصلة، ذكر الحافظ منها إحدى عشرة خصلة أوردها واحدة واحدة ثم أشار إلى بقيتها بقوله: وذكر القشيري بقيتها، ثم قال بعد كل هذا: ولا أصل له لا من طريق صحيح ولا ضعيف.

وهذا أهم ما سنح لنا من ملاحظات عامة مشفوعة بالمثل التي تؤيدها في دراستنا لهذا الكتاب، على أننا -بعد هذا- لا نستطيع أن نغمط شيخ الإسلام في هذا المجهود القيم، الذي حشد فيه كثيرًا

1 التلخيص ج1 ص14 وما بعدها.

2 التلخيص ج1 ص71.

ص: 453

من الفوائد العظيمة، والتي تفتق الأذهان، وتعين على دراسة الفقه والحديث معًا، إلى حد أننا نرى أن الدارس لمثل هذا الكتاب يستطيع أن يحصل به ملكة في هاتين الناحيتين، مع ما يحصده من الفوائد العلمية القيمة التي حفل بها الكتاب، وهي كثيرة جدًّا ونافعة.

ولعل ذلك هو الذي استهوى مخرج الكتاب فقرظه في تقديمه له بقوله: مما لا ريب فيه أن ذلك الكتاب جمع من السنة المطهرة ما لم يجمع في أي كتاب آخر من الكتب التي ألفت في الأحكام وأنه كاد أن يصل إلى غاية من الإحاطة بأحاديثها. ثم قال: ومن ثم جعلته وافيًا للعلماء الأجلاء على اختلاف مذاهبهم عند الحاجة إلى طلب الدليل.

وبعد أن أطال في ذلك قال: لقد نقل الحافظ ابن حجر في تأليفه هذا جملة وافرة من الأحاديث الموجودة في الكتب القيمة التي لم تر النور حتى الآن، والتي أضاعتها يد الحدثان، ولا أثر لها في كتب الحديث وطبقات الرجال، كصحاح ابن خزيمة، وأبي عوانة، وابن حبان، وابن السكن ومصنف ابن أبي شيبة، ومصنف عبد الرزاق، ومجموعة كبيرة من المسانيد والسنن والمعاجم، ككتاب الأستذكار والتمهيد لابن عبد البر وكتاب المعرفة والخلافيات للبيهقي، وغيرها من الكتب النافعة في الحديث والفقه المقارن وأسماء الرجال، والجرح والتعديل، وبهذا أصبح ذلك الكتاب القيم دائرة معارف كبرى لأدلة فقهاء الأمصار.

هذا وإننا نؤيد المخرج في هذه الشهادة، فقد لمسنا الكثير مما ذكره عنه في هذه الموسوعة القيمة "التلخيص الحبير".

ولولا خشية الإطالة لأيدنا ذلك بإيراد أماكن المراجع التي أشار إليها، وتحرير مواضعها من صفحات الكتاب، ولكن حسبك من القلادة ما أحاط بالعنق، والله المستعان.

ص: 454