الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كنوز الحقائق في حديث خير الخلائق:
للعلامة زين الدين عبد الرءوف المناوي المتوفى سنة 1031هـ:
نعود فنعتذر عن ذكر هذا الكتاب لمؤلف عاش فترة قصيرة بعد القرن العاشر المحدد نهاية للزمن في عنوان هذا الكتاب، نعتذر بأن قرب عهده بنهاية تلك العصور، بل إن زهرة حياته التي تكونت فيها ملكته العلمية أمضاها في القرن العاشر.
وإذا كنا قد اعتذرنا في الإتحافات السنية بأنه لم يرد إلينا في الأحاديث القدسية مؤلف سواه لمصري في تلك الفترة التي تناولتها دراستنا، وكان هناك أمرًا ضروريًّا، فإنا نقول هنا غير ذلك: وهو أن الكتاب صورة تستكمل بها دراسات الجوامع في تلك العصور، ونضيف إلى ذلك أنه تأثر كثيرًا بكتاب الجامع الصغير الذي مارسه شرحًا وتخريجًا وتقويمًا في كتابه فيض القدير، فأراد أن يؤلف كتابًا يقرب نهجه من نهجه في الترتيب على الحروف، وإن كان قد تصرف بإضافة بعض أحاديث إلى أحاديث الجامع الصغير استقاها من مراجع لم يذكرها الإمام السيوطي، وحذف كثيرًا مما اختاره السيوطي لأنه لا يتفق مع منهجه الذي اختاره لنفسه، وكأنه يريد بذلك أن يبرز لنفسه شخصية مستقلة.
وقد وصف كتابه في الخطبة التي قدمه بها بما يشوبه بعض المبالغة حيث قال:1 إنه كتاب عجاب، من تأمله دخلت عليه المسرة من كل باب، وأنه جمع فيه زهاء عشرة آلاف حديث، في عشرة كراريس، كل كراس ألف حديث، وفي كل ورقة مائة حديث، تقرأ بالعرض على العادة، وفي نصف العرض بالطول، ومن أعلى إلى أسفل، ومن أسفل إلى أعلى، ثم بين ذلك بقوله: كل نصف سطر مستقل بنفسه.
ومن البين أنه إذا كان في نصف سطر مستقلًّا بنفسه أمكنت القراءة بالعرض على العادة وفي نصف العرض بالطول، ومن أعلى إلى أسفل، ومن أسفل إلى أعلى كما ذكره المؤلف.
وإليك مثالًا من الكتاب1:
أعبد الناس أكثرهم تلاوة للقرآن "فر" أعتق أم إبراهيم ولدها "ق"
أصبحوا بالصبح فإنه أعظم للأجر "حم" أصدق الحديث ما عطس عنده "ط"
أصدق الطيرة الفأل "ع" أصلح بصرك "ط"
أصلح الناس ولو تعني الكذب "ط" أصل النفاق الذي بني عليه الكذب "فر"
1 هامش الجامع الصغير ج1 ص3.
ففي هذه المجموعة يمكن للقارئ أن يقرأ السطر عرضًا على الطبيعة، وعرضًا على العكس، بأن يقرأ النصف الثاني للسطر قبل الأول، وفي كل من نصفي السطر حديث كامل، كما يمكنه أن يقرأ النصف الأول من السطر الأول، ثم يقرأ النصف الأول من السطر الثاني حتى نهاية الصفحة، وهكذا في الإنصاف الثانية من السطور من الجانب الثاني، ومن أراد أن يقرأه من الأسفل إلى الأعلى مراعيًا كل السطور أو أنصافها من أي جانب أمكن له ذلك.
وهذه الطريقة كان مبدأ ظهورها في أواخر العصر العباسي منذ ضعفت الملكات في العربية، فاتجهت الأذهان إلى استكمال النقص في الملكات بإظهار البراعة، والاختراع في الصناعة، وأشاع بينهم الكتابة بما يقرأ طردًا وعكسًا على ألوان مختلفة ووجوه متعدده، كما كانوا يكتبون الرسائل بحروف كلها معجمة، أو بحروف كلها مهملة إلى صور أخرى عديدة لا مجال لاستيعابها الآن ونحن في مجال الدراسة الحديثية، ومن أراد أن يتصور هذا فليرجع إلى مقامات الحريري.
وقد كان جديرًا بالمؤلف -وهو من رجال الحديث والمنتسبين إلى هذه الصناعة التي هي أشرف الصناعات- أن يعني بالحقائق تطبيقًا لهذا الاسم الذي اختاره عنوانًا لهذا الكتاب، ولتلك الصفات التي ذكرها في تقديمه له، من أنه فصوص ياقوتية أو عقود زبرجدية أو قلائد زمردية، فإن الحديث النبوي في ذاته، ولا سيما إذا صحت روايته عن السيد المعصوم صلى الله عليه وسلم محقق لتلك المعاني دون هذه القيود والتكلفات.
ولعلنا بعد هذا التصوير نضيف إلى أعذارنا السابقة عذرًا جديدًا في دراسة هذا الكتاب، وعرض صفاته على القارئ الكريم؛ لأننا بذلك نعرض صورة لما وصلت إليه دراسة السنة النبوية من الوقوع في شباك هذه التكلفات.
ولقد ترك هذا المسلك أثرًا سيئًا في عدم ترتيب أحاديث الكتاب على الحروف والكلمات كما فعل الإمام السيوطي -رحمة الله عليه- وفي عدم التزام التخير المعنوي لأقوى الأحاديث، فإن التقيد بعدد الكلمات يلجئه إلى جمع ما يسمى حديثًا إلى جنب آخر من شكله، وإن لم تصح النسبة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فتصبح التخيرات الأصلية ضحية لما ألزم به نفسه من القراءة طردًا وعكسًا ويمينًا ويسارًا وصعودًا ونزولًا.
ولهذا وصف صاحب الرسالة المستطرفة وهو يترجم لمؤلفه بأن كتابه هذا مشحون بالأحاديث الضعيفة والموضوعة، وذكر أن في رموزه بعض تحريف يغلب على الظن بأنه من النساخ1.
1 الرسالة المستطرفة ص138.
وهذا الحكم أيضًا صحيح، فقد لمسناه في رمزه بحرف النون للقضاعي، فإنه لا يناسب المرموز له، ولا معنى لذكر حرف النون مرة ثانية بعد أن رمز به للنسائي قبل ذلك.
ونعود إلى وصف الكتاب بأنه لون من ألوان جمع السنة، وأن من مظاهر هذا اللون فيما لمسناه من الكتاب ما يأتي:
1-
من الواضح أن المؤلف اختار أحاديثه قصارًا لا يتجاوز كل منها مع تخريجه نصف السطر، خلافًا لما رأيناه من طريقة الجوامع في هذا العصر من جمع الأحاديث الطوال إلى جانب المتوسطة والقصار، على التصوير الذي بيناه في كل من الجامعين الكبير والصغير.
2-
أكثر المؤلف من المراجع الحديثية وإن لم تكن ملتزمة الصحة أو الحسن، بل إن بعضها مورد للأحاديث الضعيفة والمنكرة كالديلمي وابن النجار وابن عساكر، وقد فعل ذلك تنفيذًا لما التزمه من التقيد بهذه الأحاديث القصيرة، ليمكن قراءتها بالطول وبالعرض وبنصفه، ومن أعلى إلى أسفل وعكسه كما أراد.
3-
يتفق مع كل من الجامعين الكبير والصغير في كثير مما اختاره من رموز للمراجع الحديثية، كما وضع رموزًا جديدة لمن ذكرهم السيوطي بالاسم في كل من الجامعين ويتبين ذلك فيما يأتي:
"خ" للبخاري في صحيحه، "م" لمسلم، "ق" لهما، "د" لأبي داود، "ت" للترمذي "ن" للنسائي، "هـ" لابن ماجه، "4" لهؤلاء الأربعة، "3" لهم إلا ابن ماجه، "حم" للإمام أحمد في مسنده، "ما" للإمام مالك في الموطأ، "عم" لابن الإمام احمد، "ك" للحاكم، "خد" للبخاري في الأدب، "تخ" له في التاريخ، "ضا" للضياء المقدسي في المختارة "ط" للطبراني، "بز" للبزار، "عب" لعبد الرزاق، "ش" لابن أبي شيبة، "ع" لأبي يعلى الموصلي، "قط" للدارقطني، "فر" للديلمي، "حل" لأبي نعيم، "هق" للبيهقي، "عد" لابن عدي، "عق" للعقيلي، "خط" للخطيب البغدادي، "كر" لابن عساكر، "قا" لابن قانع، "أبو" لأبي الشيخ ابن حبان، "ن" للقضاعي، "سع" لابن سعد في الطبقات، "خر" للخرائطي، "طيا" لأبي داود الطيالسي، "حك" للحكيم الترمذي في النوادر، "نجا" لابن النجار، "حا" للحارث في مسنده، "عبد" لعبد بن حميد، "يا" لابن أبي الدنيا القراشي، "سن" لابن السني، "شير" للشيرازي، "يه" لابن مردويه، "نيع" لابن منيع، "غز" للغزالي، "ضر" لابن ضريس.
ومن عرض هذه الرموز ترى أنه اتفق مع الجامعين في كثير منها، وأنه استقل بوضع رموز جديدة لمن كان يذكرهم السيوطي بالأسماء في جامعيه: كابن سعد والحكيم الترمذي وعبد بن حميد وتلك ضرورة ألجأته إليها رغبته في الاختصار الشديد في التخريج كما اختصر في المتون تحقيقًا لما التزم به من عدم إيراد حديث أكثر من نصف سطر متنًا وتخريجًا، كما أنه لبس بعض الرموز ببعض، فذكر النون مرة، رمزًا للنسائي وأخرى للقضاعي، وإن كان صاحب الرسالة المستطرقة يبين أن ذلك من تحريف النساخ.