المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الزواجر في النهي عن اقتراف الكبائر: - مدرسة الحديث في مصر

[محمد رشاد خليفة]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة:

- ‌الباب الأول: أعلام المحدثين في مصر منذ الفتح الإسلامي حتى سقوط بغداد

- ‌مدخل

- ‌الفصل الأول: الصحابة والتابعون وأتباعهم

- ‌مدخل

- ‌الصحابة:

- ‌التابعون وأتباعهم ومن جاء بعدهم:

- ‌الفصل الثاني: أعلام المحدثين في مصر منذ سقوط بغداد إلى نهاية القرن الثامن الهجري

- ‌الفصل الثالث: أعلام المحدثين في مصر في القرنين التاسع والعاشر الهجري

- ‌الفصل الرابع: الإنتاج العلمي في الحديث

- ‌الباب الثاني: مناهج المحدثين في مصر

- ‌الفصل الأول: قبل سقوط بغداد

- ‌الدول الأول: عصر الرواية المثبتة ومنهجهم فيه

- ‌الدور الثالث: عصر تدوين الحديث مفروزا ومنهجهم فيه

- ‌الدور الخامس: عصر التقليد والاختصار والتقريب ومنهجهم فيه

- ‌الفصل الثاني: بعد سقوط بغداد

- ‌الفصل الثالث: مقارنة وموازنة

- ‌الباب الثالث: المدونات الحديثية

- ‌مدخل

- ‌الفصل الأول: كتب الأحكام

- ‌مدخل

- ‌موطأ الإمام مالك:

- ‌سنن أبي داود:

- ‌شرح معاني الآثار للإمام الطحاوي:

- ‌عمدة الأحكام:

- ‌منتقى الأخبار من أحاديث سيد الأخيار:

- ‌تقريب الأسانيد وترتيب المسانيد:

- ‌بلوغ المرام من أدلة الأحكام:

- ‌كشف الغمة عن جميع الأمة:

- ‌خاتمة الفصل الأول:

- ‌الفصل الثاني: كتب الترغيب والترهيب

- ‌مدخل

- ‌كتاب الترغيب والترهيب:

- ‌الزواجر في النهي عن اقتراف الكبائر:

- ‌الإتحافات السنية في الأحاديث القدسية:

- ‌الفصل الثالث: كتب الجوامع

- ‌مدخل

- ‌الجامع الكبير أو جمع الجوامع:

- ‌الجامع الصغير:

- ‌كنوز الحقائق في حديث خير الخلائق:

- ‌الفصل الرابع: كتب الزوائد

- ‌مدخل

- ‌مجمع الزوائد ومنبع الفوائد:

- ‌المطالب المعالية بزوائد المسانيد الثمانية

- ‌الفصل الخامس: كتب توضيح المبهمات

- ‌مدخل

- ‌غريب الحديث:

- ‌الدر النثير تلخيص النهاية لابن الأثير

- ‌الشروح الحديثية:

- ‌عمدة القاري شرح صحيح البخاري

- ‌ارشادات الساري لشرح صحيح البخاري

- ‌كتب مشكل الآثار أو تأول مختلف الحديث

- ‌الفصل السادس: كتب أصول الحديث

- ‌مدخل

- ‌التقييد والإيضاح في شرح مقدمة ابن الصلاح:

- ‌ألفية الحديث:

- ‌فتح المغيث بشرح ألفية الحديث:

- ‌نخبة الفكر وشرحها:

- ‌تدريب الراوي في شرح تقريب النواني

- ‌الفصل السابع: كتب التخريج

- ‌مدخل

- ‌المغني عن حمل الأسفار في الأسفار في تخريج ما في الأحياء من الأخبار:

- ‌تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير:

- ‌مناهل الصفا في تخريج أحاديث الشفا

- ‌الفصل الثامن: كتب الرجال

- ‌مدخل

- ‌الإصابة في تمييز الصحابة:

- ‌الضوء اللامع لأهل القرن التاسع:

- ‌طبقات الحفاظ:

- ‌إسعاف المبطأ برجال الموطأ:

- ‌خاتمة:

- ‌التخريج:

- ‌بيان المراجع:

- ‌الفهارس

- ‌فهرس الأعلام

- ‌فهرس الأنساب:

- ‌فهرس الموضوعات:

الفصل: ‌الزواجر في النهي عن اقتراف الكبائر:

‌الزواجر في النهي عن اقتراف الكبائر:

للعلامة ابن العباس أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيثمي المتوفى سنة973هـ:

وإنما أوردته بين كتب الحديث الخاصة بالترغيب والترهيب لأنه هو الكتاب الذي رأيناه يتمثل فيه هذا النوع من الأحاديث، ولأنه اشتمل من أحاديث الترهيب من الكبائر على ما يتعسر تحديده وتعداده لكثرته البالغة، ولما فيه من خصوبة في هذا الباب ينبغي توجيه الأنظار إليها، على أنه في الكثير من أبوابه التي يذكر أنه رتبها على أبواب الفقه الشافعي تيسيرًا على القراء كما يقول يتقدم بين يديها بإيراد كثير من الآيات القرآنية تبركًا بها، وتعزيزًا لما يورده من الأحاديث دليلًا على ما يذكره من الكبائر، ومع أنه فيما يورده من آيات يلتزم أن يفسر بعضها بالآثار من كلام الصحابة والتابعين إن احتاجت الآيات إلى التفسير ووجد إلى ذلك سبيلًا.

ولا ينبغي أن يمنعنا من إيراده هنا ما أضافه المؤلف -إلى ما أورده فيه من حديث- من تعليقات يطلق عليها اسم التنبيهات شرحًا لما ارتضاه استنتاجًا من هذه الأحاديث، وبيانًا لما وقع من خلاف في بعض دلالاتها، فإن الناحية البارزة في الكتاب ما يغمره من الأحاديث الكثيرة التي اختارها استدلالا لآرائه في تحديد نوع الكبائر، والتي تترك القارئ وهو يعتبر الكتاب من كتب الحديث ذات الشأن والبال.

والكتاب يقع في جزأين كبيرين في مجلد، وأول الجزأين في تسع وستين ومائتي صفحة، وثانيهما في أربع وستين ومائتي صفحة من القطع الكبير، تناول المؤلف فيه الكلام على اثنين وستين وأربعمائة كبيرة قسمها قسمين:

1-

الكبائر الباطنة وما يتبعها مما ليس له مناسبة بخصوص أبواب الفقه، وذلك مثل كبائر الشرك الأكبر، والشرك الأصغر، والغضب بالباطل، والحقد والحسد، والكبر، والعجب، والخيلاء، والغش، والأمن من مكر الله، واليأس من رحمة الله، وكتم العلم، وتعلم العلم للدنيا، وما إلى ذلك مما هو أقرب غلى علوم الصوفية ومعارفهم، وما تناول الإمام الغزالي وأمثاله دراسته ترغيبًا وترهيبًا وتوجيهًا إلى التهذيب ومكارم الأخلاق، وقد أورد من هذه الكبائر ستًّا وستين كبيرة.

2-

الكبائر الظاهرة التي رتبها على ترتيب فقه الشافعية -كما دل على ذلك في مقدمة كتابه- وذلك مثل الأكل أو الشرب في آنية الذهب أو الفضة، وكبيرة نسيان القرآن، وكبيرة الجدال والمراء -وذلك بمناسبة ذكر القرآن- وكبيرة التغوط في الطرق، وعدم التنزه من البول في البدن أو الثوب وترك شيء من واجبات الوضوء، وترك شيء من واجبات الغسل، وكشف العورة لغير ضرورة ووطء الحائض، وتعمد ترك الصلاة، ونحو ذلك من الكبائر المتعلقة بالعبادات.

ص: 229

ومثل كبيرة التبتل أي ترك التزوج، وكبيرة نظر الأجنبية بشهوة مع خوف الفتنة، وما إلى ذلك، وكبيرة الغيبة والسكوت عليها رضًا وتقريرًا. وكذلك كبيرة المطلق بالتحليل، وطواعية المرأة المطلقة عليه، ورضا الزوج المحلل له، وكبيرة إفشاء الرجل سر زوجته، وإفشائها سره، وإتيان الزوجة أو السرية في دبرها، وأن يتزوج امرأته وفي عزمه ألا يوفيها صداقها، وكبيرة التطفل وهو الدخول على طعام الغير، ومثل كبيرة سؤال المرأة زوجها الطلاق من غير بأس، وكبيرة الدياثة والقيادة بين الرجال والنساء، وكبيرة وطء الرجعية قبل ارتجاعها، وكبيرة الظهار، وكبيرة اللعان وكبيرة سب المسلم والاستطالة في عرضه، وما إلى ذلك من الكبائر المتعلقة بالمعاملات.

ومجموع ما أورده من الكبائر الظاهرة ست وتسعون وثلاثمائة كبيرة.

ولعلنا بهذا العرض لمفردات من هذه الكبائر في هذا التصوير للنوعين من الكبائر الباطنة والظاهرة ننبه القراء إلى أن أمورًا كثيرة مما هو من صميم المعاصي قد خفيت على كثير من العامة، بل الخاصة أنفسهم، ونلفت نظر كل دارس للعلم إلى وجوب الاطلاع على مثل هذا الكتاب القيم النفيس على كل مسلم ومسلمة؛ محافظة على أنفسهم من مخاطر هذه المعاصي، والتخلص منها جهد الاستطاعة لسلامة الدين.

وقد بدأ المؤلف كتابه -قبل ذكر الكبائر- بخطبة أشار فيها إلى بيان الداعي إلى تأليفه وأنه قد ظفر بكتاب منسوب لإمام عصره الحافظ الذهبي لتعرف هذا النوع من العلوم الإسلامية فلم يشف هذا الكتاب أوامه؛ لأنه استروح فيه استرواحًا، تجل مرتبته عن مثله -يريد أنه تسامح في عرض بعض الكبائر بما قد يجرئ بعض العصاة، ولأنه أورد فيه أحاديث وحكايات لم يعز كلا منها إلى محله، مع عدم إمعان نظره في تتبع كلام الأئمة، وعدم تعويله على كلام من سبقه إلى تلك المسالك، فيقول: إن ذلك دعاه -مع ما تفاحش من ظهور الكبائر، وعدم أنفة الأكثر عنها في الباطن والظاهر- إلى الشروع في تأليف يتضمن ما قصده، ويتكفل ببيان جميع ما قدمه، ويكون في هذا الباب زاجرًا أي زجر، وواعظًا أي وعظ، ولهذا أسماه الزواجر عن اقتراف الكبائر.

ثم ذكر في خطبة الكتاب أنه رتبة على مقدمة في تعريف الكبيرة، وما وقع للناس في تعريفها وفي عددها وما يتعلق بذلك، وبابين: الأول في الباطنة، والثاني في الظاهرة -كما قلنا- ثم أورد تلك المقدمة المعرفة للكبيرة، وأردفها ببيان تلك الكبائر التي أسلفنا عددها والتمثيل لها، ثم ذكر خاتمة في آخر الكتاب أورد فيها أربعة أمور:

1-

ما جاء في فضائل التوبة ومتعلقاتها.

2-

في ذكر الحشر والحساب والشفاعة وما إلى ذلك، وأورد فيه فصولًا: أحدها في الحشر وغيره، والثاني في الحساب وغيره، والثالث في الحوض والميزان والصراط، والرابع في الإذن في الشفاعة.

ص: 230

3-

في ذكر النار وما يتعلق بها.

4-

في الجنة ونعيمها.

وفي الحق لقد جاء هذا الكتاب نفيسًا وافيًا، وقيمًا كافيًا، ما رأينا ولا سمعنا له بضريب في تحقيقه واستيعابه، وما فيه من صور الأمانة والدقة والإخلاص للعلم، لولا هنات يسيرة وقعت فيه، ترجع إلى تساهله -وهو أولى الناس بالتحقيق- في بيان مراتب كثير من الأحاديث التي أوردها مما يحتاج إلى ذلك، وإن كان قد نبه إلى مصادرها، والمراجع التي أخذها منها.

وإنما قلنا: يترك بيان كثير من الأحاديث لأنه أحيانًا ينبه إلى ذلك ولا يغفله، فقد جاء في التعليق على الحديث الذي أوله: "كان صلى الله عليه وسلم بقباء وكان صائمًا1

" الحديث قوله: قال شيخ الإسلام الزين العراقي: قال الذهبي في الميزان: إنه خبر منكر، وكما جاء أيضًا في تعليقه على خبر أوله: "كان صلى الله عليه وسلم في نفر من أصحابه في بيت يأكلون2

" إلى أن يقول: "فما مات هذا الرجل حتى كانت به زمانة" كذا في الإحياء، قال شيخ الإسلام الزين العراقي: لم أجد له أصلًا والموجود حديث أكله صلى الله عليه وسلم مع مجذوم. رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وقال: غريب، وكتعليقه في نفس الصفحة على حديث: "أربع لا يعطيهن الله إلا لمن يحب

" بقوله رواه الطبراني والحاكم بلفظ: "أربع لا يصبن إلا بعجب" وقال الحاكم: صحيح الإسناد، واعترض بأنه فيه من قال ابن حبان في حقه: إنه يروي الموضوعات ثم روى له هذا الحديث.

وهذا مسلك واضح في بيان مرتبة الحديث عند أهل الشأن.

ونستطيع أن نسجل أن المؤلف -في كتابه هذا- لا يلتزم حالًا واحدة في تقويم الأحاديث بل نراه كثيرًا يفرط بترك التقويم، وتارة يبالغ في أمره، وأحيانًا يتوسط، ولعل مما يبرر له ترك التقويم -أحيانًا- أنه يعتمد على كثرة ما يورده في الاستدلال، وأنه يعزو بعض ما يورده إلى ما ثبتت صحته من كتب السنة، كالصحيحين أو أحدهما، وصحيح ابن حبان وصحيح ابن خزيمة، ولا سيما أنه بنى الكتاب على الاختصار الدقيق، حتى إنه كثيرًا ما يحذف الراوي، وكثيرًا ما يحذف اسم النبي صلى الله عليه وسلم اعتمادًا على أنه يروي أحاديث، وأنه يريد أن يفسح المجال لذلك الطوفان الذي قدمه للقراء من الأحاديث جهد طاقته، فجزاه الله خيرًا وتغمده برحمته ورضوانه.

1 الزواجر ج1 ص77.

2 الزواجر ج1 ص78.

ص: 231

ولعله يكون من الخير أن نقف القارئ الكريم على أمثلة مما فعله المؤلف، ومن إسهاب في التخريج أو اقتصار فيه، ومن ذكر للتقويم أو إغفال له، ومن بيان لمن روى الحديث أو ترك لهذا البيان، فإن في ذلك تصويرًا للكتاب، وإيضاحًا لمنهجه ومسلك المؤلف فيه:

1-

فمما اقتصر فيه ولم يورد إلا راويًا واحدًا وأتبعه بسيل من الأحاديث لا يدري القارئ أهو من رواية الراوي الذي ذكره، أو هو من رواية غيره، ولم يخرج منها إلا حديثًا واحدًا -على ما يبدو- وأغفل تقويمها جميعًا، ذلك الذي أورده في "خاتمة" في ذكر شيء من فضائل كظم الغيظ والعفو والصفح والحلم والرحمة والحب في الله تعالى قال: قال1 ابن مسعود: كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكي نبيًّا من الأنبياء وقد ضربه قومه فأدموه وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول: "اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعملون"، "ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب". ومسلم:"إن فيك لخصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة". قاله لأشج عبد القيس كما يأتي: "إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على سواه"، "إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه"، "من يحرم الرفق يحرم الخير كله"، "إن الله عز وجل كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته"، "ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا بيده قط ولا امراة ولا خادمًا إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نيل شيء قط فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شيء من محارم الله عز وجل فينتقم لله عز وجل".

2-

ومما اعتدل في تخريجه وتقويمه، ولم يذكر في بعضها رواته ما أورده في قوله: وقال صلى الله عليه وسلم2: "يخرج من النار عقرب له أذنان تسمعان

" الحديث، قال في آخره رواه الترمذي وقال: حسن صحيح غريب.

وكذلك قوله:3 وفي أخرى صحيحة أيضًا: "احذروا بيتًا يقال له الحمام" فقالوا: يا رسول الله يذهب الدرن -أي الوسغ- وينفع المريض، قال:"فمن دخله فليستتر". زاد الطبراني في أولهما: "شر البيوت الحمام ترفع فيه الأصوات، وتكشف فيه العورات". وفي صحيحة أيضًا: إن نساء من حمص أو الشام دخلن على عائشة رضي الله عنها فقالت: أنتن اللاتي تدخلن نساءكم الحمام؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من امرأة تضع ثيابها في غير بيت زوجها إلا هتكت الستر بينها وبين ربها"، وفي رواية لأحمد والبزار والطبراني: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام إلا بمئزر

" الحديث، وفي أخرى في سندها ابن لهيعة: إن عائشة رضي الله عنها سألته صلى الله عليه وسلم عن الحمام فقال: "إنه سيكون بعدي حمامات، ولا خير في الحمامات للنساء"، فقالت: يا رسول الله إنها تدخله بإزار فقال: "لا وإن دخلته بإزار ودرع وخمار، وما من امرأة تنزع خمارها في غير بيت زوجها إلا كشفت الستر فيما بينها وبين ربها".

1 الزواجر ج1 ص65.

2 الزواجر ج1 ص70.

3 الزواجر ج1 ص129

ص: 232

وإن من بين ما أوردناه هنا من الأمثلة ما لم يذكر له تخريجًا، ومن بينه ما لم يبين درجته اعتمادًا على وروده في الصحاح، ومن بينه ما ذكر في سنده راويا بعينه معروفًا بضعفه ليستغنى به عن ذكر درجة الحديث.

3-

ومما خرجه ولم يقومه ما ذكره في القدر من أحاديث عزاها إلى أصولها، واكتفى بذلك عن تقويمها حيث قال1: وورد في القدر أحاديث كثيرة غير ما مر، أحببت ذكر أكثرها لعظم فائدتها وعموم عائدتها.

منها: أخرج ابن عدي: "من كذب بالقدر فقد كفر بما جئت به". وأبو يعلى: "من لم يؤمن القدر خيره وشره فأنا منه بريء". وأحمد والترمذي وابن ماجه والحاكم: "لا يؤمن عبد حتى يؤمن بأربع

" الحديث، والطبراني في الأوسط: "من لم يرض بقضاء الله، ويؤمن بقدر الله فليلتمسن إلهًا غير الله" والحاكم:"لا يغني حذر عن قدر". والبيهقي: قال الله تعالى: "من لم يرض بقضائي وقدري فيلتمس ربًّا غيري" والحاكم وابن عدي والطبراني: "خلق الله يحيى بن زكريا في بطن أمه مؤمنًا". إلى آخر ما أورده من أحاديث في القدر.

وكذلك ما أورده في خاتمة في بعض أحاديث منها على أمور مهمة تتعلق بالقرآن2، فقد ذكر الأصول التي وردت هذه الأحاديث فيها، ولم يقوّم من هذه الأحاديث رغم كثرتها إلا حديثًا واحدًا قال فيه: والبيهقي وضعفه عن أبي بن كعب.

4-

وأحيانًا نرى المؤلف يعنى بتقويم الأحاديث، فيبين درجتها، وينص على رتبتها، ومع بيان تخريجها في بعض الأحيان، وذلك كما ورد في بعض الأحاديث حيث قال3: وابن شاهين وقال: غريب، وابن عساكر: "كان في بني إسرائيل جدي ترضعه أمه

" وساق الحديث، ثم قال: والترمذي وابن سعد والحاكم وصححه لكن تعقب: "يا عائشة إذا أردت اللحوق بي فلكيفك من الدنيا كزاد الراكب

" الحديث، ثم قال: والترمذي وحسنه النسائي والدارقطني عن أبي هريرة وأحمد والطبراني عن ابن عباس وابن عساكر عن ثوبان: "إن الدين النصيحة

" الحديث.

وكما أورد في الكبيرة الأربعين حين قال4: وأخرج الترمذي وحسنه عن أنس رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "قال الله تعالى يابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي

" الحديث، وقال بعد ذلك: وعن أنس بسند حسن أنه صلى الله عليه وسلم دخل على شاب وهو في الموت فقال: "كيف تجدك

" الحديث، وفي الكبيرة الثالثة والأربعين5 قوم بعض الأحاديث التي أوردها، فقال في أحدها: والترمذي وقال: حديث غريب وابن أبي الدنيا والحاكم شاهدًا والبيهقي، وقال في آخر: وابن ماجه

1 الزواجر ج1 ص 103.

2 الزواجر ج1 ص123.

3 الزواجر ج1 ص83.

4 الزواجر ج1 ص89.

5 الزواجر ج1 ص91.

ص: 233

وحبان في صحيحه، والبيهقي بسند فيه من احتج به الشيخان، وغيرهما ولا التفات لمن شذ فيه، وقال في ثالث: وصح بسند فيه انقطاع، وقال في رابع: وابن ماجه بسند رواته ثقات.

5-

وإن المؤلف في بعض أحيانه، وفي ختام دراسته لبعض الكبائر وما يورده بشأنها من أحاديث يذكر خاتمة يقول عنها: إنها في سرد أحاديث صحيحة وحسنة، وذلك مثل ما فعله في ثواب المتحابين في الله تعالى1، وفي فضل الصلاة والسلام على نبينا صلى الله عليه وسلم2.

هذا ما سنح لنا من عرض لعمل المؤلف في الكتاب، بالنسبة لما يورده فيه من أحاديث.

وأما طريقة عرضه للزواجر والاستدلال لها، فإنه -بعد أن يذكر عنوان الكبيرة- كثيرًا ما يورد آيات من القرآن الكريم للاستدلال على أنها كبيرة، ثم يورد طائفة كثيرة من الأحاديث النبوية تدل على مبلغ إحاطته العظيمة بالسنة، ثم يورد بعدها بعض التنبيهات المتعلقة بتلك الكبيرة، فهو بعد كبيرة الشرك -مثلًا- يذكر جملة من أنواعه لكثرة وقوعه في الناس وعلى ألسنة العامة، ويشبعه أيضًا بأدلة من الكتاب والسنة النبوية في تنبيه، ثم يبين أن الشرك لا يغفره الله، ويدفع التعارض بين بعض الأدلة وبعض في هذا المقام في تنبيه آخر، ويذكر حكم من نطق بكلمة الردة ويزعم أنه أضمر التورية في تنبيه ثالث، ويذكر أنه لا يحصل الإسلام من كافر أصلي أو مرتد إلا بنطقه بالشهادتين في تنبيه رابع، ويذكر مذهب أهل الحق في الإيمان عند الغرغرة أو عند معاينة العذاب بالاستئصال في تنبيه آخر، ويذكر ما دلت عليه الآيات والأحاديث من أن عذاب الكفار في جهنم دائم في تنبيه آخر، فإذا انتقل إلى كبيرة الشرك الأصغر -وهو الرياء- ذكر أدلته من الكتاب والسنة التي تتجاوز أحاديثها مائة حديث، ويضيف إلى هذه الأدلة الإجماع، ثم يعقب على ذلك بتنبيهات: منها تنبيه في حقيقة الرياء وحده، وكونه تارة يكون بالفعل وتارة يكون بالقول، وتنبيه في أن الرياء حيث أطلق على لسان الشرع فالمراد به المذموم، وما يترتب عليه من بطلان العبادة، وقد يطلق الرياء على أمر مباح شرعًا نحو الجاه والتوقير كالتزين باللباس والنظافة وما إلى ذلك ويستدل عليه، وتنبيه في تحرير اختلاف العلماء في إحباط العمل كلًّا أو بعضًا، وتنبيه في تقسيم الرياء إلى درجات متفاوتة في القبح، وتنبيه إلى ما ورد في الخبر:"أن من الرياء ما هو أخفى من دبيب النمل" وما يتصل بذلك وتنبيه في طريق معالجة الرياء ومغالبته حتى يحصل الإخلاص، ثم يختم هذا الموضوع بخاتمة في الإخلاص والترغيب فيه، ويسوق ما ورد في ذلك من الكتاب والسنة.

فإذا انتقل إلى الكبيرة الثالثة، وأورد ما يدل عليها من الكتاب والسنة، من الأدلة التي تبلغ العجب كثرة فإنه ينتقل إلى تنبيهات تتعلق بقوة الغضب ومحلها، والحكمة من استعمالها، ومناقشة ما يقال من أن الرياضة تزيل قوة الغضب وما يتصل بذلك.

ثم يلحق به كبيرة الحقد والحسد، ويبين مراتب كل وطريق علاجه، ويتبع ذلك بخاتمة في فضائل كظم الغيظ والعفو والصفح والحلم والرحمة، ويورد عددًا جمًّا من الأحاديث النبوية الكريمة في ذلك

1 الزواجر ج1 ص110.

2 الزواجر ج1 ص116.

ص: 234

هذا هو مسلكه المطرد من الكبائر الباطنة.

وإنه لا يخرج عن مسلكه هذه في الكبائر الظاهرة التي رتبها على أبواب الفقه، فهو -مثلًا- يبدأ بذكر كبيرة الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة، ويذكر ما يدل على ذلك من السنة النبوية، ثم يتبعه بتنبيهات، أحدها بيان الاختلاف في أنه كبيرة أو صغيرة، والثاني بيان ما ألحق بالأكل والشرب من وجوه الاستعمال، والثالث بيان أنه لا فرق في تحريم ذلك بين الرجال والنساء، بالأكل والشرب من وجوه الاستعمال، والثالث بيان أنه لا فرق في تحريم ذلك بين الرجال والنساء، ثم ينتقل إلى كبائر الأحداث، فيذكر نسيان القرآن أو آية منه فيستدل على ذلك، ثم يذكر تنبيهات: منها ما يبين به الخلاف في كونه كبيرة، ومنها ما يفسر به بعض ألفاظ الحديث، فيبين المراد بالأجذم في عقاب من ينسى القرآن ومنها ما قيد به بعض الفقهاء محل اعتبار ذلك كبيرة، ومنها بيان ما يقال في حكم حفظ جميع القرآن، ثم ينتقل إلى جريمة الجدال والمراء في القرآن فيستدل لها بعدة أحاديث، ثم يذكر تنبيهًا يبين فيه أنه لم يسبق إلى عد هذا النوع كبيرة، ولكن الأدلة تدل عليه ويفصل ذلك، ثم يذكر خاتمة في بضع أحاديث تنبه إلى أمور مهمة تتعلق بالقرآن، وهذا مسلكه في أمور العبادات.

وهو أيضًا في المعاملات لا يختلف عن ذلك، فهو -مثلًا- يذكر من الكبائر إضاعة عياله كأولاده الصغار، ويستدل لها ببعض الأحاديث، ولكنه يستطرد بعد ذلك بإيراد تنبيه في أن ذكرها في الكبائر ظاهر لما يدل عليه، ولأنه من أقبح الظلم، ثم يذكر فائدة في ذكر ما ورد من الحث على الإحسان إلى الزوجة والعيال -ولا سيما البنات- ويذكر عددًا عديدًا من الأحاديث دليلًا على ذلك، ثم يذكر حقوق الوالدين أو أحدهما وإن علا فيستدل له من الكتاب والسنة بما فوق المائة الدليل، ويتبع ذلك بتنبيه في كون العقوق من الكبائر مما اتفقوا عليه، ونقول عن العلماء في ذلك، ثم يتبع هذا كله بأحاديث في بر الوالدين وصلتهما، وتأكيد طاعتهما والإحسان إليهما، وبر أصدقائهما من بعدهما.

ولعلنا بهذه الدراسة الموجزة، وبعد ما أوردناه من أمثلة تبين مسلك المؤلف بذكر الآيات والأحاديث والآثار، بل والإجماع -أحيانًا- فيما يذكره من الكبائر، والاستطراد -أحيانًا أخرى- بذكر ما يقابل تلك الكبائر من الفضائل ترغيبًا فيها وحثًّا عليها، مستشهدًا لذلك ومستدلًّا عليه، وما أورده من خاتمة قيمة هي جديرة أن تصلح شأن من انتفع بها، واهتدى بهدايتها لعلنا بذلك نكون قد قضينا بعض الحق بالتوجيه إلى ذلك الكتاب العظيم، والتنبيه إلى فضله وغزارة ما فيه من أحاديث، حتى لنستطيع أن نحكم بأنه كنز من كنوز العلم، وفيض من التراث الإسلامي لا نظير له في منهجه وبابه، ونسأل الله التوفيق.

ص: 235