الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الأول: الصحابة والتابعون وأتباعهم
مدخل
…
الصحابة والتابعون وأتباعهم:
تمهيد:
في عرضنا لمن أخذ عنهم أعلام المحدثين في مصر نتعرض لذكر الصحابة والتابعين الذين نزلوا مصر بسبب الفتح وغيره، أو كانوا من أبنائها الأصليين ممن أدركوا شرف الصحبة أو التبع، فنترجم لمشاهير منهم، وقد يكون من بين هؤلاء الصحابة من لم تكن له رواية للحديث، ولكننا نورده باعتبار منزلته في صدر الإسلام، وأنه كان صورة مجسدة للكثير من الفضائل التي تحلى بها عامة المسلمين في العصر الأول، ولا سيما من كان منهم وثيق الصلة بالرسول صلى الله عليه وسلم، فإنه وإن لم يرو عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثًا قوليًّا إلا أن حياته وأفعاله كانت تنطق بما كان عليه السلف الصالح من اقتداء بنبينا صلوات الله وسلامه عليه.
وبين يدي تراجم الصحابة نتقدم بكلمات موجزة يتبين منها: من هو الصحابي؟ وبم تعرف الصحبة؟ ولماذا أجمعت الأمة على نسبة العدالة والتوثيق إلى الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين؟ كما يتبين التابعي وتابعه ممن كانوا أوعية للعلم ونقلة للدين.
من هو الصحابي 1؟:
المحققون من أهل الحديث -كالبخاري وأحمد بن حنبل- على أن الصحابي هو من لقي النبي صلى الله عليه وسلم وهو مميز مؤمنًا به ومات على الإسلام، طالت مجالسته له أو قصرت، روى عنه أو لم يرو، غزا معه أو لم يغز.
قال البخاري في صحيحه: من صحب النبي صلى الله عليه وسلم، أو رآه من المسلمين فهو من أصحابه.
وقال أبو المظفر السمعاني: أصحاب الحديث يطلقون اسم الصحابي على كل من روى عنه صلى الله عليه وسلم حديثًا أو كلمة، ويتوسعون حتى يعدون من رآه رؤية من الصحابة. فلشرف منزلته صلى الله عليه وسلم أعطوا كل من رآه حكم الصحبة، وذكر أن اسم الصحابي من حيث اللغة والظاهر يقع على من طالت صحبته للنبي صلى الله عليه وسلم وكثرت مجالسته له على طريق التبع له والأخذ عنه. قال: وهذا طريق الأصوليين.
وقال ابن الصلاح في مقدمته: روينا عن شعبة عن موسى السيلاني -وأثنى عليه خيرًا- قال: "أتيت أنس بن مالك فقلت: هل بقي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحد غيرك؟ قال: "بقي ناس من الأعراب قد رأوه، فأما من صحبه فلا" إسناده جيد حدث به مسلم بحضرة أبي زرعة -وهذا القول قريب من قول الأصوليين.
1 الحديث والمحدثون ص129.
بم تعرف الصحبة:
تعرف الصحبة بواحد مما يأتي:
1-
بالتواتر كما في الخلفاء الأربعة.
2-
أو بالاستفاضة والشهرة القاصرة عن التواتر، كما في ضمام بن ثعلبة وعكاشة بن محصن.
3-
أو بأن يروى عن آحاد الصحابة أنه صحابي، كما في حممة بن أبي حممة الدوسي الذي مات بأصبهان مبطونًا، فإن أبا موسى الأشعري شهد له أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم.
4-
أو بقوله وإخباره عن نفسه بأنه صحابي بعد ثبوت عدالته ومعاصرته للنبي صلى الله عليه وسلم.
5-
وتعرف أيضًا بإخبار أحد التابعين أن فلانًا من الصحابة، بناء على قبول التزكية من الواحد العدل وهو الراجح.
إجماع الأمة على عدالة الصحابة وتوثيقهم:
وروى الترمذي وابن حبان في صحيحهما عن عبد الله بن مغفل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضًا بعدي، فمن أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله يوشك أن يأخذه".
هذان دليلان نقليان على تعديل الله ورسوله للصحابة رضي الله عنهم، وهل يمكن أن يكون بعد تعديل الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم مقال لأحد من خلق الله يحكم فيه للصحابة بما يحكم به على عامة الناس أو لهم بالجرح أو التعديل؟
إنه لو لم تقم الآيات القرآنية والأحاديث النبوية شاهد صدق على تعديلهم لأوجب الحال ذلك، فقد هاجروا في الله وجاهدوا مع رسوله، ونصروا الإسلام وبذلوا في سبيله المهج، والأرواح وضحوا بالمال والأهل والولد في سبيل نشره والدعوة إليه، وحفظو القرآن والسنة ونقلوها إلى من بعدهم، وكانوا أمناء على تعاليم الدين، في قوة من الإيمان وصدق من اليقين.
1 سورة الفتح: 29.
قال أبو زرعة الرازي: إذا رأيت الرجل ينتقص أحدًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعلم أنه زنديق، وذلك أن الرسول حق، والقرآن حق، وما جاء به حق، وإنما أدى ذلك كله إلينا الصحابة، وهؤلاء الزنادقة يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، فالجرح بهم أولى.
قال ابن الصلاح: ثم إن الأمة مجمعة على تعديل جميع الصحابة، ومن لابس الفتن منهم فكذلك بإجماع العلماء الذين يعتد بهم فيه، إحسانًا للظن بهم، ونظرًا إلى ما تمهد لهم من المآثر، وكأن الله سبحانه وتعالى أتاح الإجماع على ذلك لكونهم نقلة الشريعة.
أما بعد: فإن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم هم وزراؤه وجنوده، وخلصاؤه وأهل محبته، يكفيهم شرفًا أن يشيد الله عز وجل بهم في كتابه الكريم ليبقى هذا الإطراء الإلهي أثرًا خالدًا يدوم على الزمن ما يبقى الزمن، فقد استجابوا لداعي الحق ابتغاء مرضاته، وحبًّا لرسوله الكريم، ذلك الحب الذي ملك عليهم نفوسهم فانقادوا له إيمانًا بما جاء به، وكانوا معه نصراء دعوته يشدون أزره، وأمناء سره ينفذون أمره.
أحب الصحابة الرسول صلى الله عليه وسلم حبًّا ملأ قلوبهم، وسيطر على وجدانهم ومشاعرهم حتى جعل أحدهم يقول وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة مجاهدًا في إحدى الغزوات: والله ما أحب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكانه تصيبه شوكة.
لقد غمر هذا الحب نفوسهم فامتلأت بالرضا والطمأنينة، وترجموه بجوارحهم انقيادًا لله وطاعة لرسوله، واتباعًا له صلى الله عليه وسلم فيما يأمر به، واجتنابًا لما ينهى عنه، ووعيًا كريمًا لكل ما يفعل وما يقول: فحفظوا قوله، وحكوا فعله، وكانوا صورا حية للمسلم الكامل الذي يرضى الله ورسوله عنه، وصدق عليهم قول الله تعالى:{وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} 1.
لقد اعتبر الرسول صلى الله عليه وسلم الصحابة أصفياءه وخاصته، وجنوده وأهل محبته، فقربهم وأثنى عليهم، ومدحهم ودافع عنهم بهذا القول الكريم:"لا تسبوا أصحابي، لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبًا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه"2.
لقد اختارهم الله عز وجل لتأييد نبيه ومساندة رسوله، واصطفاهم لحمل الرسالة عنه، وتبليغها إلى الأجيال من بعده، فكانوا حملة الدين، ونقلة العلم، وحفظة القرآن، ورواة السنة، انتشروا في أقطار الأرض دعاة بالقول والعمل، هداة بالكتاب والسنة، وتلقى
1 سورة التوبة: 100.
2 أخرجه مسلم ج16 ص92.
عنهم التابعون ما حملوا، وبلغوه بأمانة إلى من بعدهم نقيًّا خالصًا كما أراد الله ورسوله، ونقله أتباع التابعين إلى من جاء بعدهم من الأجيال في كل قطر ومصر محوطًا بالرعاية، مدعمًا بالإسناد، محفوظًا بوعد الله عز وجل:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} 1.
إن في ذكر أعلام الصحابة الذين دخلوا مصر يحملون بأيمانهم أعلام الهدى ومشاعل النور، يروون عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله وفعله، وينقلون حركاته وسكناته، في سلمه وحربه، وفي فتوحه وغزواته، ثم في ذكر من نقل ذلك عنهم من أعلام التابعين وتابعيهم، ثم من جاء بعد ذلك من رواة الحديث ونقلته خلفًا عن سلف، كل منهم يسلم إلى من بعده ما تلقاه من هذه المعارف حريصًا على سلامتها، باذلًا أقصى الجهد في صيانتها من الشوائب، وحياطتها من الدخيل، لكي تتلقاها الأجيال منه نقية كما تحملها إن في كل ذلك تدعيمًا لهذه الدراسة المصرية التي لم تنشط من فراغ، ولم توجد في الفترة التي تتناولها فيها من عدم، وإنما ارتكزت على أساس تميزت به شرعة الإسلام في مسارها عبر القرون، وتوثقت به علومها ومعارفها من بين سائر الأديان.
أما التابعي: فهو من لقي الصحابي مؤمنًا، وكلما استفاد منه وروى عنه كان أوثق في التبع.
وتابع التابعي: هو من لقي التابعين مؤمنًا؛ وكلما زادت استفادته من التابعين ارتفع في درجة التبع، وهكذا.
وفي مجال دراستنا هذه نستعرض أبرز من شرفت بهم مصر من أعلام الصحابة والتابعين وأتباعهم، ممن جاءوا مع الفتح الإسلامي أو بعده، أو كانوا من أهل مصر، ممن نقلوا إليه من علوم هذا الدين الحنيف ما كان أساسًا لمدرسة الحديث في مصر، ثم نستعرض أسماء المشاهير ممن أخذ عنهم السنة حتى أسلموها إلى أعلامنا الأجلاء في الفترة التي اخترناها لهذه الدراسة، وسوف تكون عنايتنا -بإذن الله- في تراجم هؤلاء الأعلام بارزة في تحقيق أسمائهم وألقابهم وكناهم، ورحلاتهم في طلب العلم، ثم في بيان شيوخهم وتلاميذهم، وما قيل في تقويمهم -فيما عدا الصحابة فإنهم يجلون عن ذلك- وتاريخ ولادتهم أو وفاتهم في حدود ما تسعفنا به المراجع، وما نجد فيها من نقول معتمدة لعلماء الجرح والتعديل.
وبعد: فهذا بيان بأسماء أشهر من كان بمصر من نقلة علوم الدين، ممن كان لهم أبلغ الأثر في رواية السنة، نذكرهم مرتين زمنيًّا بحسب الوفاة لكل منهم، وسوف نبذل -بإذن الله- جهدنا في ترجمة هؤلاء الأعلام بما يعرف بهم، بعد الرجوع إلى المصادر الأولى في تراجم الرجال،
1 سورة الحجر: 9.