الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فتح المغيث بشرح ألفية الحديث:
أما فتح المغيث، فهو ذلك الكتاب الذي ألفه الإمام الشيخ شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي، المتوفى سنة اثنتين وتسعمائة شرحًا لألفية العراقي في الحديث.
ويبدو من كلام صاحب كشف الظنون أن الإمام السخاوي ليس أول شارح لألفية العراقي، فقد شرحها قبله مؤلفها الإمام العراقي بشرحه الذي سماه فتح المغيث1 بشرح ألفية الحديث وفرغ منه في حياته، كما شرحها الشيخ أبو الفداء إسماعيل بن إبراهيم بن جماعة الكتاني، المتوفى سنة إحدى وستين وثمانمائة، وشرحها الشيخ قاسم بن قطلوبغا الحنفي، المتوفى سنة تسع وسبعين وثمانمائة، وشرحها الشيخ برهان الدين بن عمر البقاعي، المتوفى سنة خمس وثمانمائة، وسماه النكت الوفية بما في شرح الألفية، واستأنس فيه بآراء شيخه ابن حجر العسقلاني رحمه الله، وشرحها كذلك الشيخ زين الدين عبد الرحمن بن أبي بكر العيني، المتوفى سنة ثلاث وتسعين وثمانمائة، كما شرحها الشيخ قطب الدين محمد بن الخيضري الدمشقي، المتوفى سنة أربع وتسعين وثمانمائة، وسمى شرحه صعود المراقي، وشرحها بعد السخاوي الإمام جلال الدين السيوطي المتوفى سنة إحدى عشرة وتسعمائة، والقاضي زكريا بن محمد الأنصاري المتوفى سنة ثمان وعشرين وتسعمائة، في شرحه الذي سماه فتح الباقي، والشيخ إبراهيم بن محمد الحلبي المتوفى سنة خمس وخمسين وتسعمائة2.
قال المؤلف في مقدمة كتابه بيانًا لمنهجه فيه:
وبعد: فهذا تنقيح لطيف، وتلقيح للفهم منيف، شرحت فيه ألفية الحديث، وأوضحت فيه ما اشتملت عليه من القديم والحديث، ففتح من كنوزها المحصنة الأقفال كل مرتج، وطرح عن رموزها الإشكال ما بين الحجج، سابكًا لها فيه بحيث لا تتخلص منه إلا بالتمييز؛ لأنه أبلغ في إظهار المعنى، تاركًا لمن لم ير حسن ذلك في خصوص النظم والترجيز، لكونه إن لم يكن متعنتًا لم يذق الذي هو أهنى، مراعيًا فيه الاعتناء بالناظم رجاء بركته، ساعيًا في إفادة ما لا غنى عنه لأئمة الشأن وطلبته، غير طويل ممل، ولا قصير مخل، استغناء عن تطويله بتصنيفي المبسوط له المقرر المضبوط، الذي جعلته كالنكت عليها وعلى شرحها للمؤلف، وعلمًا بنقص همم أماثل الوقت فضلًا عن المتعرف، إجابة لمن سألني فيه من الأئمة ذوي الوجاهة والتوجيه، ممن خاض معي في الشرح وأصله، وارتاض فكره بما يرتقي به عن أقرانه وأهله3.
1 نقل ذلك صاحب كشف الظنون وقد خطأه في ذلك صاحب كتاب النور السافر في أخبار القرن العاشر حيث ذكر أنه اسم كتاب السخاوي شرحًا للألفية، ونقله مخرج هذا الكتاب ج3 ص365 في الفائدة الثانية من فوائد خاتمة الطبع، ويترجح عندي خطأ صاحب الكشف، لاستبعاد أن يستعير السخاوي اسمًا لشرح وضعه صاحب الأصل، واستبعاد أن يكون قد خفي عليه هذا الشرح، ثم يتوافقا في التسمية على هذا النحو.
2 نقلًا عن كشف الظنون وتقديم التحقيق لفتح المغيث "فتح المغيث ص4" وبيان هذه المؤلفات وبعض أسمائها وأراد في كشف الظنون ج1 ص156.
3 فتح المغيث ج1 ص7 و8.
بهذه المقدمة الأنيقية افتتح المؤلف كتابه مبينًا طريقته في تأليفه، وأنه شرح ما اشتملت عليه الألفية من قديم علم المصطلح وحديثه، ومزج بينهما بحيث لا تتخلص منه إلا بالتمييز؛ لأن في ذلك إبرازًا للمعاني وتوضيحًا لها، وتخلصًا من قيود النظم وتكلفاته، وأنه اهتم بناظمها في هذا الشرح أملًا في إدراك بركته، وقدم الضروري من هذا العلم في غير طول يمله الدارس، ولا قصر يخل بأداء الغرض المقصود من هذا الكتاب.
وفي دراستنا لهذا الكتاب وجدنا من الظواهر العامة ما نبرزه فيما يأتي:
1-
يورد المؤلف في أثناء شرحه للألفية أقوال العلماء الذين يخالفهم في الرأي ويرد عليهم: ومن ذلك ما أروده في باب الصحيح الزائد على الصحيحين، عندما ذكر العراقي أن مستدرك الحاكم من بين الكتب التي يرد فيه الصحيح1 قال السخاوي: وقول أبي سعد الماليني إنه طالعه بتمامه فلم ير فيه حديثًا على شرطهما غير مرض، نعم هو معروف عند أهل العلم بالتساهل في التصحيح والمشاهدة تدل عليه.
وفي شرحه للأبيات التي تبين أن قول الصحابي: من السنة كذا أو أمرنا بكذا من المسند، وأن حكمه الرفع نقل نص الشافعي2 على ذلك في الأم، وجزم البيهقي بنفي الخلاف عن أهل النقل فيه، وكذلك نقل أن ممن حكى الاتفاق على ذلك ابن عبد البر لكن في السنة، ثم بين وجه الحق في المسألة، وأن الخلاف ثابت فيها، وأن ابن دقيق العيد قيد محل الخلاف بما إذا كان المأمور به يحتمل التردد بين شيئين، أما إذا كان مما لا مجال للاجتهاد فيه كحديث:"أمر بلال أن يشفع الأذان" فهو محمول على الرفع قطعًا، وبعد أن أورد السخاوي كل هذا قال: وممن ذهب إلى خلاف ما حكيناه فيهما من الشافعية أبو بكر الصيرفي صاحب الدلائل، ومن الحنفية أبو الحسن الكرخي، وفي السنة فقط الشافعي في أحد قوليه من الجديد، ومن الحنفية أبو بكر الرازي، وابن حزم من الظاهرية وبالغ في إنكار الرفع
…
وأورد دليله على ذلك، وتعليل الكرخي لأمرنا، وأنه متردد بين كونه مضافًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، أو إلى أمر القرآن، أو الأمة، أو بعض الأئمة، أو القياس أو الاستنباط، ثم فند أدلة الآراء المخالفة ورد عليها، وأيد رأيه بما رواه البخاري في صحيحه عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر أن الحجاج عام نزل بابن الزبير سأل عبد الله يعني ابن عمر رضي الله عنهما: كيف تصنع في الموقف يوم عرفة؟ فقال سالم: إن كنت تريد السنة فهجر بالصلاة يوم عرفة، فقال ابن عمر: صدق إنهم كانوا يجمعون بين الظهر والعصر في السنة.
قال الزهري: فقلت لسالم: أفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: وهي يتبعون في ذلك إلا سنته3.
1 فتح المغيث ج1 ص36.
2 فتح المغيث ج1 ص 108.
3 فتح المغيث ج1 ص111.
2-
كثيرًا ما ينقل عن العلماء ما يدعم رأيه، ففي باب الصحيح الزائد على الصحيحين؟؟؟ سبق أن ذكرناه، وفي أن ابن حبان يقارب الحاكم في التساهل في شروط الصحيح؟؟؟ اصطلاحه1، وأنه لا مشاحة في الاصطلاح، وبين أنه أكثر تمكنًا من الحاكم في رواية الصحيح وأيد رأيه هذا بقوله: قلت ويتأيد بقول الحازمي: ابن حبان أمكن في الحديث من الحاكم، وكما قال العماد ابن كثير: قد التزم ابن خزيمة وابن حبان الصحة، وهما خير من المستدرك بكثير وأنظف أسانيد ومتونًا، وعلى كل حال فلا بد من النظر للتمييز، وكم في كتاب ابن خزيمة من حديث محكوم منه بصحته وهو لا يرتقي عن رتبة الحسن، بل وفيما صححه الترمذي من جملة، مع أنه ممن يفرق بين الصحيح والحسن.
وفي قول الصحابي: كنا نرى النبي صلى الله عليه وسلم يفعل كذا أو نحوه أنه من قبل المرفوع2 ذكر السخاوي أن الرفع ثابت له بصريح الإضافة، وبما نقل عن العلماء وجمهور المحدثين وغيرهم، وقطع به الخطيب، ومن قبله الحاكم، ومن الأصوليين الإمام فخر الدين وأتباع قال ابن الصلاح: وهو الذي عليه الاعتماد؛ لأن ظاهر ذلك مشعر بأن النبي صلى الله عليه وسلم اطلع عليه وقررهم، وتقريره كقوله وفعله، قال الخطيب: ولو علم الصحابي إنكارًا منه صلى الله عليه وسلم في ذلك لبينه، قال شيخنا: ويدل له احتجاج أبي سعيد الخدري على جواز العزل بفعلها له في زمن نزول الوحي فقال: كنا نعزل والقرآن ينزل، لو كان شيء ينهى عنه لنهى عنه القرآن وهو استدلال واضح؛ لأن الزمان زمن تشريع.
وظل السخاوي -في هذا الموضع- يورد من أقوال العلماء ما يؤيد به ما رآه تبعًا لصاحب الألفية فأورد بذلك قول الحاكم، والإمام فخر الدين الرازي، وابن الصلاح، والنووي في شرح المهذب وغيرهم من علماء السنة.
3-
يضيف إلى الألفية معلومات جديدة يستكمل بها البحث، وذلك يكون منه في أثناء شرحه لأبياتها، أو على هيئة تتمات يوردها في نهاية الشرح يزيد بها -على ما في الألفية- الجدية في العلم:
فمن الأول:
ما ذكره أن من مظان الصحيح المختارة3 مما ليس في الصحيحين أو أحدهما للضياء المقدسي الحافظ قال: وتقع أيضًا في صحيح أبي عوانة الذي عمله مستخرجا على مسلم أحاديث كثيرة زائدة على أصله، وفيها الصحيح والحسن، بل والضعيف أيضًا، فينبغي التحرز في الحكم -عليها أيضًا.
1 فتح المغيث ج1 ص37.
2 فتح المغيث ج1 ص113.
3 فتح المغيث ج1 ص38.
ومن الثاني:
ما أورده ختامًا لبيان الفرع الأول من "فروع" سبعة أوردها العراقي في الألفية، فقد قال السخاوي بعد ذلك، تتمة: قول الصحابي: إني لأشبهكم صلاة بالنبي صلى الله عليه وسلم، وما أشبه كلأقربن لكم صلاة النبي صلى الله عليه وسلم كله مرفوع، وهو يلتحق التابعي بذلك بالصحابي في "من السنة، أو أمرنا بكذا" سيأتي في خامس الفروع، وقول النبي صلى الله عليه وسلم:"أمرت بكذا" هو كقوله: أمرني الله، لأنه لا آمر له إلا الله، كما سيأتي نظيره في يرفعه ويرويه، وأمثلته كثيرة.
ومنه أيضًا ما ذكره -بعد الفرع الرافع من "فروع" ذكرها صاحب الألفية حيث قال: تتمة1 وقع في بعض الأحاديث قول الصحابي عن النبي صلى الله عليه وسلم برفعه وهو في حكم قوله عن الله عز وجل، وأمثلته كثيرة: منها حديث حسن: "أن المؤمن عندي بمنزلة كل خير يحمدني وأنا أنزع نفسه من بين جنبيه" وهذا من الأحاديث الإلهية، وقد جمع منها الحافظ ابن المفضل طائفة وأفردها غيره.
4-
يفيض في الشرح بما يجلي المعنى ويوضح المراد:
ومن ذلك ما أورده من شرح في مراتب الصحيح عند الكلام على تصحيح الحديث: هل هو ممكن في عصورنا أو غير ممكن؟ 2، فقد نقل -تبعًا للأصل- رأي ابن الصلاح، وأنه غير ممكن في عصرنا بالنسبة لما نص عليه الأئمة في تصانيفهم المعتمدة التي يؤمن فيها من التغيير والتحريف ونقل السخاوي عنه أن ذلك رأيه أيضًا في التحسين، وأن ابن الصلاح يحتج في ذلك بأنه ما من إسناد إلا وفي رواية من اعتمد كتابه عريًا عن الضبط والإتقان.
ثم قال السخاوي: وظاهر كلامه -كما قال شيخنا- القول بذلك في التضعيف أيضًا، ولكن لم يوافق ابن الصلاح على ذلك كله حكمًا ودليلًا.
أما الحكم في تصحيح جماعة من المعاصرين له كأبي الحسن بن القطان مصنف الوهم والإيهام، والضياء المقدسي صاحب المختارة، ومن توفي بعد كالزكي المنذري والدمياطي، وطبقة إلى شيخنا ومن شاء الله بعده، قال الشيخ النووي رحمه الله: الأظهر عندي جوازه، وهو ممكن لمن تمكن وقويت معرفته لتيسر طرقه.
وأما الدليل فالخلل الواقع في الأسانيد المتأخرة إنما هو في بعض الرواة، لعدم الضبط والمعرفة بهاذ العلم، وهو في الضبط منجبر، بالاعتماد على المقيد عنهم، كما أنهم اكتفوا بقول بعض الحافظ فيما عنعنه المدلس: هذا الحديث سمعه هذا المدلس من شيخه.
1 فتح المغيث ج1 ص120.
2 فتح المغيث ج1 ص44.
ثم ذكر المؤلف أن وراء هذا أن الكتاب المشهور الغني بشهرته عن اعتبار الإسناد منا إلى مصنفه -ككتاب النسائي مثلًا- لا يحتاج في صحة نسبته إلى النسائي إلى اعتبار حال الإسناد منا إليه إذا روى مصنفه فيه حديثًا ولم يعله، وجمع إسناده شروط الصحة، ولم يطلع المحدث فيه على علة، فما المانع من الحكم بصحته ولو لم ينص على ذلك أحد المتقدمين، لا سيما وأكثر ما يوجد من ذلك ما رواته رواة الصحيح، وفيهم الضابطون المتقنون الحفاظ، هذا لا ينازع فيه من له ذوق في هذا الفن، أفاده شيخنا ومن قبله ابن الناظر في ديباجه شرحه لأبي داود. ثم قال: ولعل ابن الصلاح اختار حسم المادة لئلا يتطرق إليه بعض المتشبهين، ممن يزاحم في الوثوب على الكتب التي لا يهتدي للكشف منها، والوظائف التي لا تبرأ ذمته بمباشرتها.
وللحديث رجال يعرفون به
…
وللدواوين كتاب وحساب
ولذلك قال بعض أئمة الحديث في هذا المحل للذي يطلق عليه اسم المحدث في عرف المحدثين أن يكون كتب وقرأ وسمع ووعى، ورحل إلى المدائن والقرى، وحصل أصولًا، وعلق فروعًا من كتب المسانيد والعلل، والتواريخ التي تقرب من ألف تصنيف، فإذا كان كذلك فلا ينكر عليه ذلك، وأما إذا كان على رأسه طيلسان وفي رجليه نعلان، وصحب أميرًا من أمراء الزمان، أو من تحلى بلؤلؤ ومرجان، أو بثياب ذات ألوان، فحصل تدريس حديث بالإفك والبهتان، وجعل نفسه لعبة للصبيان، لا يفهم ما يقرأ عليه من جزء ولا ديوان، فهذا لا يطلق عليه اسم محدث بل ولا إنسان، وأنه مع الجهالة آكل حرام، فإن استحله خرج من دين الإسلام.
قال: والظاهر أنها نفثة مصدور، ورمية معذور، وبها يتسلى القائم في هذا الزمان بتحقيق هذا الشان مع قلة الأعوان، وكثرة الحسد والخذلان، والله المستعان، وعليه التكلان.
هذه الصورة لبعض ما أورده المؤلف في هذا الموضع أردت أن أنقله بنصه ليكون أمام القارئ محددًا معالم الصورة لبعض ما تعرض المؤلف له في شرح ألفية العراقي، مخالفًا ما وعد به في المقدمة من الاختصار في هذا الشرح، وقد كان رحمه الله في غنى عن التقيد بتكلفات السجع وقيوده، فكثيرًا ما تكون المعاني ضحية تلك التكلفات، وإن في بيانه الذي أورده بعد هذا، وأضاف به إلى ما سبق تأكيدات لما اختاره، وبما نقله عن العلماء في نحو خمس صفحات من هذا الكتاب أقول: إن في هذا لكفاية تغني الدارس في هذا المقام عن طلب المزيد مما هو إلى علوم الأدب والبيان أقرب منه إلى علوم الحديث.
5-
يورد المؤلف في أثناء الشرح تراجم قصيرة لبعض من ورد ذكرهم في الألفية ومن ينقل عنهم من العلماء، تعريفًا بهم، وتوثيقًا لما نقله عنهم.
ومن ذلك ما ذكره ترجمة للإمام فخر الدين1 فقد ذكر أنه الرازي نسبة: بإلحاق الزاي للري المدينة المشهورة من بلاد الديلم بين قومس والخيال، صاحب التفسير والمحصول ومناقب الشافعي
1 فتح المغيث ج1 ص114.
وشرح الوجيز للغزالي وغيرها، وأحد الأئمة، وهو أبو عبد الله وأبو الفضائل محمد بن الخطيب بالري، تلميذ محيي السنة الإمام ضياء الدين عمر بن الحسين بن الحسن، وهكذا إلى أن ذكر سنة وفاته.
هذا بعض ما لاحظناه من ظواهر عند الدراسة لهذا الكتاب في موضوعه من شرح ألفية الزين العراقي في علوم الحديث.
وهناك -أيضًا- ما ينبغي التنبيه إليه، فإن ناشر الكتاب1 لم يعطه من العناية في التصحيح والإخراج ما هو جدير به، فإن فيه أخطاء في الطبع كثيرة، لا يستقيم مع وجودها فهم الكتاب، وإن فيه لسقطات في أبيات الأصل ذاته، لم تذكر في موضعها عند إيراد الأصل، وذكرت في ثنايا الشرح لأبيات الألفية.
ومن ذلك ما سقط من "فروع"2 من أبيات الأصل أوردها الشرح في أثنائه3 نوردها مفروزة منه كما يأتي:
لكن حديث كان باب المصطفى
…
يقرع بالأظفار مما وقفا
حكما لدى الحاكم والخطيب
…
والرفع عند الشيخ ذو تصويب
وأما عد ما فسره الصحابي
…
رفعا فمفصول على الأسباب
وقولهم يرفعه يبلغ به
…
رواية ينميه رفع فاثبت
وإن يقل عن تابع فمرسل
…
عنه نقلوا تصحيح وقفه
ويلاحظ أنه لم يورد هذه الأبيات صحيحة كما ينبغي، فإنها وما جاء في أثناء الشرح بعدها من أبيات كثيرة لم تدرج ضمن أبيات الأصل قد مسخت وشوهت في الشرح، ولا يستطيع الدارس أن يتبين منها المعاني إلا بعد عناء كبير يراجع معه كثيرًا من الكتب التي تناولت الموضوع، مما يجعلنا نرجو أن يعاد طبع هذا الكتاب على صورة تليق بجلاله ما ورد فيه من علوم، وأن يعنى بتصحيح عبارته وكلماته وتبيين أصله من شرحه.
وبعد: فإن هذا الكتاب الجليل فتح المغيث شرح ألفية الحديث أعظم كتاب علمناه شرحًا لألفية العراقي، فهو أجلها فائدة وأغزرها مادة، وليس هذا بعجيب، فمؤلفه الإمام السخاوي أحد الأئمة الأفذاذ في علوم الحديث.
رحم الله الإمامين الحافظين العراقي والسخاوي، وأجزل لهما من الأجر كفاء ما قدما للأمة الإسلامية من بر، وما أسديا إليها من معروف.
1 في طبعته الثانية بمطبعة العاصمة بالقاهرة، عام 1388هـ.
2 فتح المغيث ج1 ص107.
3 فتح المغيث ج1 ص116 وما بعدها.
وهكذا سار بهذا المسلك المنطق الدقيق المنضبط الجامع الحاصر لأهم ما يلزم معرفته في هذا العلم.
وتطرق في دراسته إلى بيان حقيقة الصحابي، والفرق بين المرفوع، والموقوف والمقطوع، ثم إلى مباحث أخرى كاتفاق الرواة في الأسماء والأوصاف أو اختلافهم، وما يتصل بذلك، ثم إلى بيان مراتب كل من الجرح والتعديل.
وختم هذا الكتيب ببيان معرفة الكنى -كنى المسمين- وأسماء المكنين، ومن اسمه كنيته، ومن اختلفت كنيته، ومن كثرت كناه أو نعوته، ومن وافقت كنيته اسم أبيه أو بالعكس. وما إلى ذلك مما وضع فيه كثير من المؤلفات، حتى لا يبالغ من قال: إن من حفظ هذا الكتاب واحتفظ بما فيه من المعلومات يمكن أن يستغني به عما وراءه من كتب هذا الفن.
وأما شرحه -وهو للمؤلف نفسه كما قلنا- فقد ذكر في سبب تأليفه أن من سأله تلخيص المهم من فن المصطلح رغب إليه ثانيًا أن يضع عليه شرحًا يحل رموزه، ويفتح كنوزه1، ويوضح ما خفي على المبتدء من ذلك، فشرحه شرحًا بالغ فيه في الإيضاح والتوجيه. ونبه على خفايا زواياه. لأن صاحب البيت أدرى بما فيه، وقال: إنه ظهر له أن إيراده على صورة البسط أليق، ودمجها ضمن توضيحه أفوق، فسلك هذه الطريقة القليلة المسالك.
وهو يريد بذلك أنه قد بسط المتن بالشرح بسطًا يلقي عليه الضوء لإيضاح معلوماته، وهو في الوقت نفسه أدمجه معه فصارا كتابًا واحدًا بفنه التأليفي المتين.
ولقد صدق في أنه بسط الكتاب فهو -مثلًا- عند تقسيم الخبر إلى متواتر وغيره2 أدمج في شرحه تصوير الخبر، والخلاف في أنه مرادف للحديث أو مخالف، وما يترتب على ذلك، وما قيل من أن بينهما عمومًا وخصوصًا مطلقًا، وعند ذكر أن الطرق في المتواتر بلا عدد معين صور أن ذلك يكون بأن تكون العادة أحالت تواطؤهم على الكذب، وحينئذ لا يكون هناك معنى لتعيين العدد، ثم أورد الخلاف في ذلك بأن بعضهم يعين العدد في الأربعة، وقيل: في الخمسة، وقيل: السبعة، وقيل: العشرة، وغيرها إلى السبعين وقيل غير ذلك، وقال: إن كل قارئ تمسك بدليل جاء فيه ذكر العدد فأفاد العلم، ثم استوفى بقية شروط التواتر في إيجاز لطيف.
وإذا انتقلنا إلى حديثه عن المشهور3 نرى أنه على وجازته يبين مرتبته من أقسام الآحاد، وأنه أولها، وأنه محصور بأكثر من اثنين، وأن جماعة من أئمة الفقهاء سموه المستفيض لانتشاره، من فاض يفيض فيضًا، وأن منهم من غاير بين المستفيض والمشهور بأن المستفيض يكون في ابتدائه وانتهائه سواء، والمشهور أعم من ذلك، ثم قال: ومنهم من غابر كيفية أخرى وليس من مباحث
1 نخبة الفكر ص3.
2 نخبة الفكر ص3.
3 نخبة الفكر ص5.