الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الترغيب والترهيب:
للحافظ عبد العظيم المنذري المتوفى سنة 656هـ:
ندرس لهذا الكتاب لأنه يدخل ضمن موضوع دراستنا، فإن مؤلفه حافظ مصر عاصر الفترة التي اتخذناها زمانا لهذه الدراسة، ولأن هذا الكتاب كان مادة أساسية للكتب التي ألفت بعده في الترغيب والترهيب، من أمثال الأذكار للنووي، والمتجر الرابح في ثواب العمل الصالح للدمياطي، والزواجر في النهي عن اقتراف الكبائر لنور الدين الهيثمي، والإتحافات السنية في الأحاديث القدسية للمناوي. وكذلك الإتحافات السنية للشيخ محمد المدني من علماء الحديث في القرن الثاني عشر الهجري.
وهذا الكتاب من أمثل ما ألف في الترغيب والترهيب إن لم يكن أمثلها جميعًا، ولهذا كان له ولأمثاله اعتبار بين المسلمين، وانتشار بين أوساط العلماء والمتعلمين، وكان مادة خصيبة للدعاة والموجهين.
وقد قسمه المؤلف تقسيمًا لا نرى أحدًا سبقه إليه في بابه، فقد جعله كتبًا عديدة، وأورد تحت كل كتاب أبوابًا كثيرة، اشتمل كل باب منها على عدة أحاديث.
فأفرد كتبًا لكل من العلم والطهارة والصلاة المفروضة ونوافل الصلوات والجمعة والصدقات إلى آخره، وأورد تحت كل كتاب من هذه أبوابًا، وتحت كل باب منها عدة أحاديث، وهكذا سلك في بقية الكتاب.
وبين المؤلف -في خطبة الكتاب- ما حفزه على تأليفه، وهو أنه مبني على طلب بعض ذوي الهمم العالية ممن اتصف بالزهد والإقبال على الله، وأنه أملى -بناء على ذلك- كتابه في الترغيب والترهيب مجردًا عن التطويل بذكر إسناد أو كثرة تعليل، فجاء -كما وصفه- صغير الحجم غزير العلم، حاويًا لما تفرق في غيره من الكتب، مقتصرًا فيه على ما ورد صريحًا في الترغيب والترهيب من السنة القولية في أكثر أحاديثه، وأن طريقته أن يروي الحديث، ثم يعزوه إلى من رواه من الأئمة أصحاب الكتب المشهورة، وقد يعزوه إلى بعضها دون بعض طلبًا للاختصار -ولا سيما إذا كان في الصحيحين أو أحدهما- ثم يشير إلى صحة إسناده وحسنه أو ضعفه، إن لم يكن من عزاه إليهم ممن التزم إخراج الصحيح.
وذكر المؤلف أنه إذا كانت هناك علل دقيقة لبعض الأحاديث فإنه لا يذكرها؛ لأنها مما يختص به الجهابذة من النقاد، فاقتضى الاختصار ألا يتعرض لها، وأعانه على ذلك أن من تقدمه من العلماء أساغوا التساهل في أحاديث الترغيب والترهيب.
وقد أوضح منهجه بما يدل على دقة فاحصة في التخريج وتتبع رواة الحديث، والتنبيه على مرتبة كل حديث، مع تعليل أسباب الضعف إن وجد، وذكر خلاف الأئمة في بيان المرتبة إن وجد أيضًا.
وأن المختلف فيهم من الرواة قد أورد -في آخر الكتاب- أسماءهم مرتبة على حروف المعجم، وذكر ما قيل في كل منهم من جرح وتعديل على سبيل الاختصار، وقد يكتفي بذكر أنه مختلف فيه فقط دون استقصاء سبب الاختلاف.
وأورد أنه إذا كان في الإسناد متهم بالكذب أو الوضع أو ما إلى ذلك فإنه يصدر الحديث بلفظ "رُوي" ولا يذكر الراوي ولا ما قيل فيه ألبتة.
ثم قال: إنه استوعب جميع ما كان من هذا النوع من:
1-
موطأ مالك.
2-
مسند الإمام أحمد.
3-
صحيح البخاري.
4-
صحيح مسلم.
5-
سنن أبي داود.
6-
المراسيل له.
7-
جامع أبي عيسى الترمذي.
8-
سنن النسائي الكبرى.
9-
اليوم والليلة له.
10-
سنن ابن ماجه.
11-
المعجم الكبير للطبراني.
12-
المعجم الأوسط له.
13-
المعجم الصغير له.
14-
مسند أبي يعلى الموصلي.
15-
مسند أبي بكر البزار.
16-
صحيح ابن حبان.
17-
المستدرك على الصحيحين للحاكم أبي عبد الله النيسابوري رضي الله عنهم أجمعين.
قال: ولم أترك شيئًا من هذا النوع في الأصول السبعة، إلا ما غلب على فيه ذهول أو نسيان، أو أكون قد ذكرت فيه ما يغني عنه، وقد يكون للحديث دلالتان فأكثر فأذكره في باب ثم لا أعيده، فيتوهم الناظر أني تركته وكذلك لا أترك شيئا من هذا النوع من المسانيد والمعاجم إلا ما غلب علي فيه ذهول أو نسيان، أو يكون ما ذكرت أصح إسنادًا مما تركت، أو يكون ظاهر النكارة جدًّا وقد أجمع على وضعه أو بطلانه1.
ثم بين أنه أضاف إلى ذلك جملًا من الأحاديث معزوة إلى أصولها،
18-
كصحيح ابن خزيمة.
19-
وكتاب ابن أبي الدنيا.
20-
وشعب الإيمان للبيهقي.
21-
وكتاب الزهد الكبير له.
22-
وكتاب الترغيب والترهيب لأبي القاسم الأصبهاني.
وقال: إنه استوعب جميع ما في كتاب أبي القاسم هذا مما لم يكن في الكتب المذكورة وهو قليل، وأنه أضرب عن ذكر ما قيل فيه من الأحاديث المتحققة الوضع، وإذا كان الحديث في الأصول السبعة لا يعزوه إلى غيرها من المسانيد والمعاجم إلا نادرًا طلبًا للاختصار، وقد يعزوه إلى صحيح ابن حبان ومستدرك الحاكم إن لم يكن متنه في الصحيحين.
1 الترغيب والترهيب ج1 ص36 وما بعدها.
وذكر أنه ينبه على كثير مما حضره حال الإملاء، مما تساهل أبو داود رحمه الله في السكوت عن تضعيفه، أو الترمذي عن تحسينه، أو ابن حبان والحاكم عن تصحيحه لا انتقادًا عليهم رضي الله عنهم، بل مقياسًا لمتبصر في نظائرها من هذا الكتاب.
وقال: إن كل حديث عزاه إلى أبي داود وسكت عنه فهو كما ذكر أبو داود، ولا ينزل عن درجة الحسن، وقد يكون على شرط الصحيحين أو أحدهما.
هذا هو المنهج الذي أورده المؤلف بنفسه عن كتابه، وهو منهج يطمئن كل قارئ للكتاب أو دارس له على دقة علمية، وأمانة في العرض، واحتياط في النقل إلى أقصى حد، وليس هناك بعد بيان المصادر، ثم الهيمنة عليها بنقد ما يستحق النقد منها على بينة وبصيرة.
فالحافظ المنذري من أئمة هذا الشأن، وخير من يرجع إليهم في تعرف درجات الأحاديث ومنزلة كل منها، وقد أفرغ هذا الإمام رحمه الله جعبته صادقًا في العلم، خالصًا مخلصًا في نشره، هذا إلى محاولة الاستيعاب التي مكنت له أن ينقب في هذه الكتب الأصول التي زادت على العشرين، ولكل كتاب منها خطره، ولمؤلفه فحولته، وكل واحد منها يكفي ليكون مرجعًا في أخذ السنة، والارتواء من مناهلها العذبة.
فهو -إذن- كتاب غزير الفوائد، لا نبالغ إذا قلنا: إنه كفاية لكل من رجع إليه في هذا النوع من السنة، وهو الترغيب في صالح الأعمال، والترهيب من سيئها وقبيحها.
والكتاب مطبوع في أربعة أجزاء، ومبوب -كما قال- على أبواب الفقه، إلا أنه في واقع الأمر قد ذكر قبل أبواب الفقه أنواعًا من الترغيب والترهيب، كالترغيب في الإخلاص والصدق والنية الصالحة، والترهيب من الرياء وما يقوله من خاف شيئًا منه، والترغيب في اتباع الكتاب والسنة، والترهيب من ترك السنة وارتكاب البدع والأهواء، والترغيب في البداءة بالخير ليستن به، والترهيب من البداءة بالشر خوفًا من أن يستن به، ثم كتاب العلم وما تحته من عناوين مختلفة: كالترغيب في طلب العلم، وما جاء في فضل العلماء والمتعلمين، والترغيب في الرحلة في طلب العلم، وما يتصل بذلك.
وبعد ذلك وضع كتابًا للطهارة تحته عدة عناوين، وتحت كل عنوان منها مواضيع مختلفة من الترغيب والترهيب، وفي كل موضوع أحاديث كثيرة تتناسب معه، وصنع مثل ذلك في كتاب الصلاة، ومثله في كتاب النوافل، وكذلك في كتاب الجمعة، ثم أورد كتب الصوم، والعيدين، والأضحية، والحج، والجهاد، وقراءة القرآن، والذكر، والدعاء، والبيوع، وغيرها، والنكاح وما يتعلق به، واللباس والزينة، والطعام وغيره، والقضاء وغيره، والحدود وغيرها، والبر والصلة وغيرها، والأدب وغيره، والتوبة، والزهد، والجنائز، والبعث، وأهوال يوم القيامة، وصفة الجنة والنار.
وتحت كل كتاب من هذه الكتب موضوعات جمة، وفي كل منها أحاديث تندرج تحت عنوانه.
ثم ختم الكتاب بباب ذكر الرواة المختلف فيهم، وهم الرواة المشار إليهم في الكتاب ولم يحقق اختلاف علماء الجرح والتعديل في شأنهم، فذكرهم في آخر الكتاب مرتبين على الحروف الهجائية في كل من الأسماء والكنى، وأورد اختلاف العلماء في كل واحد منهم، وهذا أيضًا مظهر من مظاهر الحرص على الدقة في التحري في الحكم على الأحاديث، وبيان مرتبة كل منها، فإذا كان هذا مسلكه في أحاديث الترغيب والترهيب، وهي مما قد يتساهل في شأنها بعض التساهل -فكيف يكون مسلكه في أحاديث العقائد والأحكام لو أنه صنف فيها؟
إن مثل هذا الإمام لجدير أن يفاخر به من علمه ودينه، طيب الله ثراه.
والكتاب بعد هذا -موسوعة خصيبة جامعة، فيها غناء عن غيرها في موضوعاتها، ونخال أن ليس في غيرها غناء عنها، ويقرب ذلك إلى ذهن القارئ أن نبين له أن عدد أحاديث الكتاب قد بلغت في مجموعها سبعة وثمانين وسبعمائة وخمسة آلاف حديث، وأن فيها كثيرًا من المطولات، بحيث يبلغ الحديث الواحد منها صفحة أو يزيد، بل إن في بعضها ما يزيد على الصفحتين، وما أكثر المطولات في الأحاديث الواردة فيه، وهي ظاهرة يتميز بها عما سواه، ومن أمثلة ذلك ما يأتي:
1-
في باب الترغيب في الإخلاص والصدق والنية الصالحة1 أورد حديث ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "انطلق ثلاثة نفر ممن كان قبلكم حتى أواهم المبيت إلى غار
…
" 2 وساق الحديث بطوله في نحو صفحة من الكتاب.
2-
وفي باب الترهيب من الرياء، وما يقوله من خاف شيئًا منه أورد حديث عقبة بن مسلم رضي الله عنه3 "حدث أن شفيا الأصبحي حدثه أنه دخل المدينة فإذا هو برجل قد اجتمع عليه الثاني فقال: من هذا؟ قالوا: أبو هريرة. قال: فدنوت منه حتى قعدت بين يديه وهو يحدث الناس" ثم ساق الحديث بطوله في نحو صفحة أو يزيد.
3-
وفي نفس الباب أورد حديث معاذ رضي الله عنه4 أن رجلًا قال: "حدثني حديثًا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فبكى معاذ حتى ظننت أنه لا يسكت ثم سكت، ثم قال
…
" وأورد الحديث في نحو صفحتين من صفحات الكتاب.
4-
وفي باب الترهيب من ترك الصلاة تعمدًا، وإخراجها عن وقتها تهاونًا أورد حديث سمرة بن جندب5 رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يكثر أن يقول لأصحابه: "هل رأى أحد منكم من رؤيا؟ " فيقص عليه ما شاء الله أن يقص، وساق حديثه الذي يزيد على الصفحتين.
1 الترغيب والترهيب ج1 ص51.
2 رواه البخاري ومسلم.
3 الترغيب والترهيب ج1 ص62.
4 الترغيب والترهيب ج1 ص73.
5 الترغيب والترهيب ج1 ص387.
5-
وفي باب الترغيب في صيام رمضان احتسابًا وقيام ليله أورد حديث ابن عباس1 رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الجنة لتنجد وتزين من الحول إلى الحول لدخول شهر رمضان
…
" ثم أورد حديثه الذي يزيد على صفحتين أيضًا.
6-
وفي فصل الحشر وغيره من فصول كتاب البعث وأهوال يوم القيامة أورد حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه2 عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يجمع الله الأولين والآخرين لميقات يوم معلوم" وهو حديث يقع في نحو ثلاث صفحات.
7-
وفي فصل زيارة أهل الجنة ربهم تبارك وتعالى أورد حديث محمد بن علي بن الحسين3 رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن في الجنة شجرة يقال لها: طوبى لو يسخر الراكب الجواد يسير في ظلها لسار فيه مائة عام
…
" وأورد حديثه في نحو ثلاث صفحات.
8-
وأنه في باب الترغيب في الصدق والترهيب من الكذب4 أورد حديث كعب بن مالك حين تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، وأنه لفي نحو سبع صفحات من هذا الكتاب، ولا نطيل بسرد أمثلة لهذا، فإنه في الكتاب كثير.
ومن الظواهر العامة في هذه الكتاب، ومما ينبغي أن ننبه له من مميزاته أن مؤلفه الإمام المنذري كثيرًا ما يشرح الغريب من ألفاظ الحديث الواردة فيه، أو يضبطه، أو يشرح جملة منه فيبين المراد منها، أو يتكلم عن الرواة ضبطًا لأسمائهم، ومن أمثلة ذلك ما يلي.
أ- في حديث أبي هريرة عند مسلم قال: عن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "قال الله عز وجل: إذا تحدث عبدي بأن يعمل حسنة فأنا أكتبها له حسنة ما لم يعملها، فإذا عملها فأنا أكتبها له بعشر أمثالها
…
" الحديث، وفيه نرى المؤلف يشرح كلمة غريبة وردت في آخره فيقول5: قوله من جراي بفتح الجيم وتشديد الراء: أي من أجلي.
ب- وفي حديث شفي الأصبحي أنه دخل المدينة فإذا هو برجل قد اجتمع عليه الناس فقال من هذا؟ قالوا: أبو هريرة
…
الحديث، نجد المؤلف يشرح كلمتين غريبتين وردتا فيه فيقول6: جريء هو بفتح الجيم وكسر الراء وبالمد، أي شجاع، نشغ بفتح النون والشين المعجمة وبعدها عين معجمة: أي شهق حتى كاد يغشى عليه أسفًا أو شوقًا.
ج- وفي حديث معاوية رضي الله عنه قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ألا إن من كان قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملة
…
" الحديث
1 الترغيب والترهيب ج2 ص99.
2 الترغيب والترهيب ج4 ص391.
3 الترغيب والترهيب ج4 ص546.
4 الترغيب والترهيب ج3 ص580.
5 الترغيب والترهيب ج1 ص60
6 الترغيب والترهيب ج1 ص64.
يضبط المؤلف فيه كلمة غريبة فيقول: قوله1: الكلب بفتح الكاف واللام قال الخطابي: هو داء يعرض للإنسان من عضة الكلب، قال: وعلامة ذلك في الكلب أن تحمر عيناه، ولا يزال يدخل ذنبه بين رجليه، فإذا رأى إنسانًا ساوره.
د- وفي حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لكل عمل شرة، ولكل شرة فترة
…
" الحديث يضبط المؤلف الكلمة ويشرحها فيقول2: الشرة بكسرالشين المعجمة وتشديد الراء وبعدها تاء التأنيث: هي النشاط والهمة، وشرة الشباب: أوله وحدته.
هـ- وفي حديث جرير رضي الله عنه قال: "كنا في صدر النهار عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه قوم عراة مجتابي النمار والعبار، متقلدي السيوف، عامتهم من مضر، بل كلهم من مضر، فتعمر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أرى ما بهم من الفاقة
…
" الحديث، يتكلم المؤلف على شرح ما فيه من غريب بعد أن يضبط ألفاظه فيقول3: قوله: مجتابي هو بالجيم الساكنة ثم تاء مثناة وبعد الألف باء موحدة "والنمار" جمع نمرة، وهي كساء من صوف مخطط: أي لابسي النمار قد خرقوها في رءوسهم، والجواب: القطع "وقوله: تمعر" هو بالعين المهملة المشددة أي تغير "وقوله: كأنه مذهبة" ضبطه بعض الحافظ بدال مهملة وهاء مضمومة ونون، وضبطه بعضهم بذال معجمة وبفتح الهاء وبعدها هاء موحدة، وهو الصحيح المشهور، ومعناه على كل التقديرين: ظهر البشر في وجهه صلى الله عليه وسلم حتى استنار وأشرق من السرور، والمذهبة صحيفة منتقشة بالذهب أو ورقة من القرطاس مطلية بالذهب، يصف حسنه وتلألؤه صلى الله عليه وسلم.
و وفي حديث ربيح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه عن جده نجد المؤلف بعد فراغه من رواية الحديث يتعرض لضبط اسم الراوي فيقول4: ربيح بضم الراء وفتح الباء الموحدة بعدها ياء آخر الحروف وحاء مهملة ويأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى: وفي الكتاب من هذه الأمثلة شيء كثير، لو تتبعناه لخرج بنا عما نحن بصدده من دراسة الظواهر العامة للكتاب، ولكنا نكتفي بما ذكرناه من أمثلة إيثارًا للاختصار.
وقد أحصيت ما أورده المؤلف من أحاديث الترغيب والترهيب في هذا الكتاب فوجدت عددها -كما سبق أن ذكرت- بلغ سبعة وثمانين وسبعمائة وخمسة آلاف حديث، وأنها موزعة على أجزاء الكتاب الأربعة: في الجزء الأول منها أربعة وستون ومائتان وألف حديث، وفي الجزء الثاني سبعة وثمانون وخمسمائة وألف حديث، وفي الثالث تسعة وسبعمائة وألف حديث، وفي الرابع سبعة وعشرون ومائتين وألف حديث.
1 الترغيب والترهيب ج1 ص84.
2 الترغيب والترهيب ج1 ص87.
3 الترغيب والترهيب ج1 ص90.
4 الترغيب والترهيب ج1 ص68.
فإذا تصورنا هذه الكثرة الكاثرة من أحاديث الكتاب، وعلمنا أن من بينها ما يصل طول الحديث فيه إلى سبع صفحات أو تزيد، وإذا علمنا أن مؤلفه قد بوبه على نحو لا نرى أحدًا من المؤلفين يطاوله في بابه أو يدانيه، وأنه شرح غريبه وضبط كلماته ورواته، وترجم -في آخر كتابه- للمختلف فيهم من هؤلاء الرواة، وذكر آراء علماء الجرح والتعديل فيهم مرتبًا إياهم على حروف المعجم أقول إذا تصورنا هذا العمل الجليل والمجهود الضخم من الإمام المنذري رحمه الله لبان لنا أن الكتاب ثروة في الترغيب والترهيب لا تعدلها ثروة، ومرجع رئيسي يعول عليها العلماء والدارسون، ويقتبس من كنوزه الخطباء والمرشدون، وينتفع بما ورد فيه الخاصة والعامة كل بما يفتح الله عليه في فهم ما ورد فيه من حديث.
رحم الله الإمام المنذري وأجزل له الثواب والجزاء.
تعقيب: رياض الصالحين
وفي هذا المجال لا يفوتنا أن ننوه بكتاب عظيم، له في باب الترغيب والترهيب قيمته وخطره قد ذاع صيته، وعم نفعه، وكثر تداوله، وتعددت طبعاته لولوع المسلمين به، وإقبالهم الكبير عليه ذلك هو كتاب "رياض الصالحين" لمؤلفه الإمام الفقيه المحدث محرر مذهب الشافعية أبي زكريا، يحيى بن شرف الدين النووي المتوفى سنة ست وسبعين وستمائة للهجرة ببلدته نوى من أعمال دمشق1.
وهذا الكتاب يجمع ثروة حديثية متخيرة في الترغيب والترهيب، وسائر أنواع آداب السالكين من أحاديث الزهد، ورياضات النفوس، وتهذيب الأخلاق، وطهارات القلوب وعلاجها، وصيانة الجوارح وإزالة أعوجاجها كما يقول المؤلف عنه في خطبة الكتاب التي ذكر فيها: أنه التزم فيه ألا يذكر إلا حديثًا صحيحًا من الواضحات، وإن كنا نستدرك عليه في ذلك بأنه وصف بعض الأحاديث بالحسن، وأنه ترك التنبيه على بعضها وذلك قليل، ومن أمثلة ذلك ما يأتي:
1-
في حديث: "إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله تعالى إذا أحب قومًا ابتلاهم 2
…
" الحديث، قال النووي، رواه الترمذي، وقال: حديث حسن.
2-
وفي حديث: "من كظم غيظًا وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله سبحانه وتعالى 3 على رءوس الخلائق
…
" الحديث علق المؤلف عليه بقوله: رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن.
3-
وعلق على حديث: "لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله
…
" الحديث. بقوله4 رواه الترمذي وقال: حديث حسن.
1 شذرات الذهب ج5 ص354.
2 رياض الصالحين ص39.
3 رياض الصالحين ص42.
4 رياض الصالحين ص57.
وكثير من أحاديث الكتاب من هذا النوع الذي يحمل وصف الحسن، ونرجو ألا يكون ذلك مخلا بالغرض المقصود للمؤلف من تخير الأحاديث المعتبرة، والحسن يجتمع مع الصحيح في هذا القدر، ويستدل به في الأحكام فضلًا عن الترغيب والترهيب الذي أورد المؤلف أحاديثهما في هذا الكتاب.
ورياض الصالحين للإمام النووي يتفق مع الترغيب والترهيب للمنذري في قيمته العظيمة، وتحري الدقة في تحرير الأحاديث، وفي شرح غريبها، وإن كان يمتاز على الترغيب والترهيب في تصدير أكثر موضوعاته بتوضيح يصور المراد منها، وإيراد آيات من القرآن الكريم تتصل بهذه الأبواب، وإنه لم يذكر فيه حديثًا ضعيفًا، وأنه أوجزه بتخير أحاديثه إلى درجة سهلت تناوله وتداوله، ويسرت الانتفاع بما حواه من السنة وأنه أطلق نفسه من الالتزام بأبواب الفقه، ومسايرتها، كما يمتاز كتاب الترغيب والترهيب للمنذري بكثرة ما فيه من مادة غزيرة في أحاديث الترغيب والترهيب تجعله عدة ينتفع بها من أراد دراسة هذا النوع من السنة.
نفع الله بهما المسلمين.