الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدر النثير تلخيص النهاية لابن الأثير
…
الدرر النثير تلخيص النهاية لابن الأثير:
للحافظ جلال الدين السيوطي المتوفى سنة 911هـ:
هذا الكتاب -كما قلنا وكما دلت عليه تسميته وعنوانه- تلخيص لكتاب النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير.
ومؤلفه هو الإمام جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي الذي سبقت ترجمته عند دراستنا لكتب الجوامع.
وأهم ما نستطيع أن نتجه به إلى القارئ الكريم في تصوير هذا الكتاب ووصف النواحي البارزة فيه ما يأتي:
أولًا: قدم له بخطبة موجزة جدًّا لم يشرح فيها منهجه في تأليفه، ولا فائدة في بابه، على خلاف ما عودنا في سائر كتبه، ولعل وصف التلخيص للكتاب قد طغى على تلك الخطبة فحال بين المؤلف وبيان ما كنا في حاجة إلى بيانه، لإخراج القارئ من ورطة الإبهام فيما يحتاج إلى بيان من تصرفه في هذا التلخيص، ولا سيما أنه -كما يبدو- لم ينجز ما وعد به في تلك الخطبة على وجهه، فقد ذكر فيها أنه لم يغادر شيئًا مما أورده ابن الأثير في نهايته، وقد وجدناه غادر فيه أشياء عديدة، ربما يكون في تركه إياها إخلال بالمقصود من التلخيص، بتفويت ما يحتاج إليه المراجع في شرح بعض الكلمات في الحديث، وقد أوردها صاحب الأصل.
على أنه وصف هذا الملخص -بعد هذا- بأنه لم يلتزم فيه اليسير، ويا ليت شعري ما هو هذا اليسير الذي لم يلتزمه؟ إن لم يكن هناك تصرف من النساخ أو المطابع في نقل هذه العبارة التي قد يكون للسجع نفسه دخل في إيرادها على هذا الوجه المغلق.
ولعل خير ما وفى به من وعد في هذه الخطبة أنه ضم إليه قدرًا كثيرًا -أي غير قليل في ذاته وإن كان قليلًا في نسبته- من الغريب.
ولم تتناول خطبته رحمه الله أكثر من هذا القدر بعد البسملة مع حمد الله والصلاة على رسوله في أولها، والاعتصام بالله سبحانه في آخرها.
ثانيًا: الزيادات التي أشار إليها في المقدمة بقوله: وضممت إليه مما فاته الشيء الكثير ظاهرة بارزة في تلخيصه، يقع عليها المتصفح في كثير من مواد الكتاب، ومن ذلك:
1-
ما أورده في كلمة "الأبد" تعليقًا على قول ابن الأثير: لأبد الأبد أي لآخر الدهر، قوله: قلت: ومثله أبد الآيدين، قاله في الصحاح1.
1 الدر النثير ج1 ص9.
2-
وقوله -عند كلمة "درهرهة" بعد التفسير الذي أورده ابن الأثير- قلت: قال ابن الأنباري: هي التي تسمى المنجل1.
3-
وما أورده في كلمة "الدعادع" بعد ذكر المعنى الوارد في النهاية، قلت: ويدعدع ماله بيده يفرقه2.
4-
وما أورده في مادة "سقط" بعد ما شرح كلمة أسقطوا لهابه يعني الجارية: أي سبوها وقالوا لها من سقط الكلام وهو رديئه، قلت: وقال ابن الجوزي: أي صرحوا بذلك3.
5-
ومن ذلك قوله في نفس المادة بعد قوله تبعًا لابن الأثير: وشرب أبو هريرة من السقيط وفسره بالفخار
…
إلخ، قلت: سقط في يده أي ندم، قاله في الصحاح4.
6-
ومنه ما أورده في مادة "الشمم" بقوله قلت: والمشامة الدنو من العدو حتى يترأى الفريقان5 قاله في الصحاح.
ثالثًا: لاحظنا أنه يبرز بعض المعلومات على أنه زيادة على ما أورده المؤلف، وهو في حقيقته ليس بزيادة، وإنما هو اختلاف مع ما أورده المؤلف بالتقديم والتأخير فقط، مما يعتبره الناظر في الكتاب سهوًا بينًا من المؤلف إن أحسن الظن به، أو غفلة ظاهرة إن أساء الظن فيه.
ومن ذلك ما ورد في مادة "الدرء"6 التي يقول صاحب الأصل فيها تعليقًا على حديث الشعبي في المختلعة: "إذا كان الدرء من قبلها فلا بأس أن يأخذ منها" أي الخلاف والنشوز، فذكر السيوطي بعد قوله: قلت -وهي الكلمة التي اعتاد أن يستعملها عند إيراد زيادة منه على ما أورده المؤلف- قال ابن الجوزي في المختلعة: إذا كان الدرء من قبلها -يعني النشور والخلاف- وختمها بكلمة انتهى التي اعتاد أن يذكرها في نهاية زيادته.
وواضح أنه ليس هناك زيادة في المعنى على ما أورده بن الأثير بأكثر من التقديم والتأخير بين كلمتي الخلاف والنشوز، ولا زيادة في هذا إلا أن تكون هي نسبة ما أورده ابن الأثير نقلًا عن الهروي، فأورده السيوطي نقلًا عن ابن الجوزي، وهذا مما يزيد في الحجم ولا يفيد في العلم.
رابعًا: أورد من الزيادات ما لا يخلو من فائدة في هذا المقام، لإضافتها جديدًا إلى ما أورده ابن الأثير في شرح غريب الحديث، وذلك كقوله بعد تفسير الدرهرهة بما نقله عن ابن الأنباري من أنها التي تسمى بالمنجل، فإن هذه الزيادة تضيف إيضاحًا إلى ما أورده ابن الأثير في تفسير الكلمة،
1 الدر النثير ج2 ص21.
2 الدر النثير ج2 ص23.
3 الدر النثير ج2 ص168.
4 الدر النثير ج2 ص169.
5 الدر النثير ج2 ص237.
6 الدر النثير بهامش النهاية ج2 ص18.
وكقوله في مادة سقط -بعد تفسير ابن الأثير لكلمة أسقطوا لها به يعني الجارية- قلت: قال ابن الجوزي: أي صرحوا لها بذلك، فإنه ذكر لوجه آخر في تفسير كلمة شرحها ابن الأثير، فهذه الزيادات وما أشبهها تضيف جديدًا في نفس الكلمات التي أوردها ابن الأثير.
كما أنه أورد زيادات لا تفيد في غريب الحديث، ولا سيما أنه في مقام الاختصار، فلو أنه استغنى عن هذه الزيادات بإيراد بعض ما تركه مما شرحه ابن الأثير في غريب الحديث لكان أحق من إيراد هذه الزيادات.
ومن ذلك شرحه لجملة سقط في يده التي يذكرها ابن الأثير في غريب الحديث، وكذلك شرحه لكلمة المشامة بأنها الدنو من العدو، والمشامة لم ترد في الحديث وليست من غريبه، فلم يكن هناك داع للتعرض لها في هذا المختصر.
خامسًا: ليس من رأيه -في هذا الملخص- إيراد الآثار التي وقعت فيها الكلمات الغريبة كما فعل ابن الأثير من إيراده الأثر أولًا، ثم شرحه للكلمة الغريبة التي وردت فيه، لكنه أحيانًا يرى أن يورد الأثر لتوقف الشرح عن إيراده، مع أنه لا يذكر القائل اختصارًا، ومن ذلك:
1-
قوله: وإذا تدارأتم في الطريق1. أي تدافعتم واختلفتم، وقد أورد ابن الأثير هذه الكلمة في أثر قال عنه: إنه حديث.
2-
وكذلك قوله: وكان يساقط في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم2 أي يرويه عنه في خلال كلامه كأنه يمزج حديثه بحديثه، وهذا أثر ذكره ابن الأثير في حديث سعد نقلًا عن الهروي.
3-
وقوله: وتطأطأت لكم تطأطؤ الدلاة3. أي خفضت لكم نفسي، والتطأطؤ كلمة وردت في حديث عثمان كما ذكره ابن الأثير، فإن شرح التطأطؤ دون ذكر الأثر قد لا يدل على المقصود.
4-
وقوله: اللهم إني أستقدرك بقدرتك4: أي أطلب منك أن تجعل لي عليه قدرة، وكلمة أستقدرك وردت في حديث الاستخارة كما ذكر ابن الأثير.
سادسًا: يقع في اختصاره ما هو إخلال أو شبيه بالإخلال في تصوير المعنى المقصود، ومن ذلك قوله في شرح كلمة قاذر: إنه اسم ابن إسماعيل5، وهو في هذا الاختصار قد أخل بالمعنى المقصود من شرح الكلمة الغريبة، ويتبين ذلك من قول ابن الأثير: وفي حديث كعب قال الله لرومية: إني أقسم بعزتي لأهين سبيك لبني قاذر أي بني إسماعيل بن إبراهيم، يريد العرب، وقاذر اسم ابن إسماعيل.
1 الدر النثير ج2 ص18.
2 الدر النثير ج2 ص169.
3 الدر النثير ج2 ص30.
4 الدر النثير ج2 ص233.
5 الدر النثير ج2 ص236.
وبه يتبين أن السيوطي لم يذكر إلا شرح الاسم فقط دون توضيح ما دل عليه الأسلوب من أن المراد به العرب، ولو أنه ذكر إبراهيم والد إسماعيل لاتضح المقام بعض الشيء، ولقد كان حريًّا في هذا المقام أن يذكر الأثر ليتضح به معنى الكلام، وهو أولى من ذكره للأثر في مقامات أخرى قد يستغنى فيها عن ذكره.
ومما يدخل في هذا الباب أنه يترك كلمة من غريب الأثر دون تفسير، اعتمادًا على ورودها في مقام آخر مع طول الفصل بينهما دون أن يشير إلى ذلك، وكان لا بد من هذه الإشارة؛ لأن الكلمة أولًا من غريب الحديث، وثانيًا لأن أصله أوردها ضمن الأثر وشرحها، وذلك مثل كلمتي: الفجر والبجر، اللتين وردتا في خبر أبي عبيدة عن أبي بكر وقد دخل عليه في مرضه الذي مات فيه، فقال له كلامًا كان من بينه "إنما هو والله الفجر أو البجر"1. وقد أورد ابن الأثير الكلام الذي وردت فيه هاتان الكلمتان، وهو قوله في حديث أبي بكر رضي الله عنه: "لأن يقدم أحدكم فتضرب عنقه "في غير حد"2 خير له من أن يخوض غمرات الدنيا، يا هادي الطريق جرت، إنما هو "والله" الفجر أو البجر" وقد شرحهما ابن الأثير بقوله: إن انتظرت حتى يضيء لك الفجر أبصرت قصدك، وإن خبطت الظلماء وركبت العشواء هجما بك على المكروه، ومع ذلك فقد أشار ابن الأثير إلى سبق ورود الأثر في مادة أخرى في كلمة بجر بالجيم3.
وقد ضرب السيوطي صفحًا عن هذا كله، ولو أنه أشار إشارة موجزة إلى ما أشار إليه أصله لاستطاع الدارس أن يرجع إلى معنى الكلمتين في المادة السابقة وهي بحر فإنه ليس من شأن المراجع للكتاب بحثا عن معنى أثر غريب أن يرجع إلى مادة ما هو محتمل في الرواية إلى موضع الاحتمال الآخر دون تنبيه إلى ذلك.
ويتصل بذلك أنه يترك شرح بعض ألفاظ أوردها ابن الأثير وشرحها، وهي بما تختلف وجهة النظر في بيان المراد بها بين الحقيقة والمجاز أو الكناية، مثل "كف الرحمن"4 التي وردت في حديث الصدقة، قال ابن الأثير في حديث الصدقة:"كأنما يضعها في كف الرحمن" هو كناية عن محل قبول الصدقة، فكأن المتصدق قد وصع صدقته في محل القبول، ثم نفى ما يقوله المشبهون، وأورد حديث عمر:"إن الله إن شاء أدخل خلقه الجنة بكف واحدة" وذكر عدة أحاديث وقال فيها: وقد تكرر ذكر الكف والحفنة واليد في الحديث، وكلها تمثيل من غير تشبيه.
والسيوطي قد أعرض عن هذا كله، ولم يسمح بذكره ولو في رأي آخر، مع أن الكلمة من الغريب، بل هي من أغرب الغريب في الحديث، فإذا كان منهجه ترك ذلك فهلا أشار إلى هذا المنهج -ولو في الخطبة- ليستبين القارئ طريقه في هذا الكتاب؟
1 الدر النثير ج3 ص184.
2 ما بين القوسين ليس موجودًا في النسخة التي بين أيدينا من النهاية وإنما هو مما أثبته المبرد في أوائل كتابه "الكامل".
3 وردت في الدر النثير ص60 ج1.
4 الدر النثير ص28 ج4.
سابعًا: تتجلى ظاهرة الاختصار في الكتاب أن ابن الأثير يذكر أحيانًا خلافًا في تفسير الكلمة، فيقتصر السيوطي على ما يترجح عنده في المعنى، كما في كلمة "كأس" التي تكرر ذكرها في الحديث كما قال ابن الأثير1، وقد شرحها بأنها الإناء فيه شراب، ولا يقال لها كأس إلا إذا كان فيها شارب، وقيل: هي اسم لهما على الانفراد والاجتماع، ولكن السيوطي اقتصر على قوله الكأس الإناء فيه شراب، ولا يقال لها فارغة كأس.
كما أنها تتجلى أيضا في أنه يشرح الكلمة مفردة وإن وردت في الحديث مجموعة، أو وردت في صيغة أخرى غير التي ذكرها، وقد يصل في هذا إلى ما يقرب من الإخلال الذي أشرنا إليه في الفقرة السابقة، وذلك كما فعل في كلمة "الكبل"2 فقد شرحها ابن الأثير في عدة صور مما وردت فيه، وهي كبل الحديث في خبر:"ضحكت من قوم يؤتى بهم إلى الجنة في كبل الحديد" وشرح الكبل بالقيد الضخم، وأتى بالفعل كبله وكبله مخففًا ومثقلًا، وشرحها كذلك في حديث أبي مرثد:"ففككت عنه أكبله"، وقال: إن الأكبل جمع قلة في الكبل وهو القيد، وفي بيت كعب بن زهير: متيم إثرها لم يفد مكبول فقال: إن المكبول المقيد، وشرحها في حديث عثمان:"إذا وقعت السهمان فلا مكابة" بقوله: أي إذا حدت الحدود فلا يحبس أحد عن حقه، من الكبل وهو القيد، وشرحها في حديث ابن عبد العزيز:"أنه كان يلبس الفرو والكبل" بأن الكبل هو الفرو الكبير.
وقد اقتصر السيوطي من هذا كله على قوله: الكبل قيد ضخم ج3 أكبل، والمكبول المقيد والكبل فرو كبير.
وما كان أحوج هذا المختصر إلى شرح كلمة المكابلة التي وقعت في حديث عثمان إذا أعرض المؤلف عن ذكر غيره مما وردت فيه هذه الكلمة، وما كان أغناه عن ذكر كلمة المكبول التي كان يمكن فهمها من السياق مع فهم الكبل.
ومهما يكن من شيء فإن لهذا الكتاب قيمته التي لا تنكر، ويكفيه أنه حفظ لنا تلك الثروة الضخمة من تراث الغريب التي تركزت في كتاب النهاية، فبقيت تراثًا كريمًا وأثرًا خالدًا لهذا الإمام الحافظ مهما كانت وجهات نظره في الاختصار، وحسب السيوطي أنه الإمام الوحيد من بين المصريين الذي تحمل هذا العبء الضخم بعد الإمام ابن الأثير الذي كان من قبل جامعًا لما تفرق من الغريب في كتب السنة، فجاء السيوطي ضاغطًا لهذا الجامع، ومقربًا له إلى طلاب الغريب في الحديث النبوي الكريم.
رحمه الله وأجزل ثوابه.
1 الدر النثير ص2 ج4.
2 الدر النثير ص6 ج4.
3 مراده بالحرف "ج": جمع.