الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ألفية الحديث:
للعراقي المتوفى سنة 806هـ وشرحها المسمى فتح المغيث شرح ألفية الحديث؛ للسخاوي المتوفى سنة 902هـ:
أما الألفية فإن ناظمها هو الحافظ زين الدين العراقي، المتوفى عام ست وثمانمائة، وقد أوردنا ترجمته عند دراسة كتابه طرح التثريب وأصله في كتب الأحكام.
وقد وصف هذه المنظومة بأنها مقاصد مهمة، توضح من علم مصطلح الحديث رسمه، أي أثره الذي تبنى عليه أصوله، وأنه نظمها تبصرة للمبتدئ وتذكرة للمنتهي، وأنه لخص فيها مقاصد كتاب ابن الصلاح -يريد مقدمته المشهورة- وزاد عليه فوائد أخرى، وشرح فيها بعض اصطلاحاته التي يوردها في أثناء النظم، من أنه إذا جاء بالفعل والضمير لواحد مثل كلمة "قال" أو أطلق لفظ "الشيخ" فإنه يريد بذلك ابن الصلاح، وإن ذكر الفعل مع ضمير التثنية نحو "التزما" أو "ذهبا" فإنه يريد البخاري ومسلمًا.
ثم إنه تناول في هذه المنظومة أقسام الحديث بتعريف كل منها، ثم تناول الخلاف في أصح الأسانيد، وأتبعه بيان الخلاف في أصح كتب الحديث، وأن الصحيحين لم يستوعبا جميع الأحاديث الصحيحة، وعدد ما في البخاري من الأحاديث، ثم تكلم عن الصحيح الزائد على الصحيحين ونطاقه من كتب السنة، ثم انتقل إلى الكلام عن المستخرجات بتصويرها والإشارة إلى بعض ما ألف فيها، وأتبع ذلك ببيان مراتب الأحاديث الصحيحة وترتيبها بحسب الكتب، ثم الكلام في أن الحديث الصحيح المسند يفيد القطع أو الظن على الخلاف في ذلك، وأما غير المسند وهو ما يسمى معلقًا فإنه تارة يفيد القطع وتارة لا يفيده، ثم انتقل إلى بيان الطريقة في نقل الحديث من الكتب المعتمدة، وتناول بعد ذلك قسم الحسن من الحديث، وأورد الخلاف فيه وتقسيمه وما يتصل بذلك من مظانه وأقسامه، ثم تناول الحديث الضعيف تعريفًا له وإحصاء لأنواعه، وأورد بعد ذلك تقسيمًا للحديث من زاوية الاتصال وعدمه، فذكر كلا من المرفوع والمسند والمتصل والموقوف والمقطوع والمرسل والمنقطع والمعضل والشاذ والمنكر والمعلل والمضطرب والمدرج والموضوع والمقلوب، يتخلل هذه التصويرات بعض فروع تتصل بها، مثل قول الصحابي أمرنا بكذا أو كنا نرى كذا وما أشبه ذلك، أو تنبيهات على أمور ترتبط أيضًا ببعض هذه الأقسام وفي أثناء ذلك تناول الحديث عن الاعتبارات والمتابعات والشواهد والفروق بينها، وأثرها في تقوية الحديث.
ثم تناول كلا من مراتب التعديل ومراتب التجريج، والألفاظ التي تستعمل في كل مرتبة منها.
وانتقل بعد ذلك إلى موضوع تحمل الحديث، والوقت الذي يصح فيه التحمل، وأقسام التحمل العديدة، وما يصح منها وما لا يصح.
وتناول بعد ذلك كتابة الحديث وضبطه، والمقابلة في المكتوب، وما يتصل بذلك كالكشط والمحو والضرب، وبين طريقة العمل في الجمع بين اختلاف الروايات.
وأورد -بعد ذلك- شيئًا يسمى كتابه التسميع، وتناول بعده طريقة الرواية من الأصل، ثم أورد حكم الاقتصار في الرواية على بعض الحديث، وما في ذلك من التفصيل، واختلاف عبارات الأئمة في ذلك، وبين طريقة التسميع من الشيخ، والحث على الأخذ من أفواه الشيوخ، ثم عقد فصلًا لإصلاح اللحن والخطأ، وكيف يروى ما فيه لحن أو خطأ، وفصلًا لاختلاف ألفاظ الشيوخ، وفصلًا للزيادة على الرواية في نسبة الشيخ، وفصلا آخر للرواية من أثناء النسخ التي إسنادها واحد، وآخر لحكم تقديم المتن على السند، وفصلًا لما قال الشيخ مثله أو نحوه، وفصلًا لإبدال الرسول بالنبي وعكس ذلك، وفصلًا أورد فيه مسألتين: السماع على نوع من الوهن، أو بإسناد قرنت فيه الرواية عن رجلين.
ثم تناول الحديث عن آداب الشيخ المحدث، وما ينبغي أن يكون عليه من الصفات، والكلام على آداب طالب الحديث.
ثم أورد تقسيم كل من السند العالي والنازل، وانتقل إلى تقسيم الحديث باعتبار عدد الرواة، ثم غريب ألفاظ الحديث، ثم المسلسل والناسخ والمنسوخ والتصحيف ومختلف الحديث، وخفي الإرسال والمزيد في متصل الإسناد، ومعرفة الصحابة ومعرفة التابعين، والأكابر الذين يروون عن الأصاغر، ورواية الأقران والإخوة والأخوات، ورواية الآباء عن الأبناء وعكسه، والسابق واللاحق، ومن لم يرو عنه من الصحابة أو التابعين فمن بعدهم إلا راو واحد، ومن ذكر من الرواة بنعوت متعددة وأفرد العلم، والأسماء والكنى والألقاب، والمؤتلف والمختلف، والمتفق والمفترق والمتشابه، والمقلوب، ومن نسب إلى غير أبيه، والمنسوبون إلى خلاف الظاهر، والمبهمات وتواريخ الرواة والوفيات، ومعرفة الثقات والضعفاء، ومعرفة من اختلط من الثقات، وطبقات الرواة، والموالي من العلماء والرواة، وأوطان الرواة وبلدانهم، كل هذا على الترتيب الذي أوردناه.
غير أننا في هذا المقام ينبغي أن نصور للقارئ طريقة صاحب الألفية مع صاحب التقريب، وتصرف كل منهما مع الأصل الذي هو مقدمة ابن الصلاح فنقول:
وقد وصف كل منهم كتابه في مقدمته بما يصور منهجه في القدر البارز في مؤلفه.
1 ص13 التقييد والإيضاح على مقدمة ابن الصلاح.
فأما ابن الصلاح1: فقد ذكر أن علم الحديث لم يزل في اندراس، وصار أهله شرذمة قليلة لا تحقيق عندها، فمن الله عليه بأن يجمع في كتابه معرفة أنواع علم الحديث الذي أحكم معاقده، وقعد قواعده، وفصل أقسامه، وأوضح أصوله، وجمع شتات علومه، وقنص شوارد نكته. ثم فهرس أنواع الحديث الخمسة والستين التي تعرض لها وقال: إنها قابلة للتنويع إلا ما لا يحصى.
هو بهذا لم يزد على أنه تدارك علوم الحديث بجمع شتاتها، وأورد المنهج الإجمالي ببيان أقسامها.
وأما النووي في التقريب: فإنه وصف كتابه بأنه اختصار لكتاب الإرشاد الذي صنفه اختصارًا لعلوم الحديث لابن الصلاح، كما وصفه بأنه بالغ في الاختصار من غير إخلال بالمقصود مع الحرص على إيضاح العبارة.
وأما العراقي: فإنه وصف كتابه بأنه تلخيص لعلوم الحديث لابن الصلاح مع زيادة بعض الفوائد.
ويمكننا أن نصور منهج كل منهم في إيجاز ببيان النواحي البارزة في تصرف كل منهم في النوع الأول وهو الصحيح، فنجد أن ابن الصلاح قد عرف الصحيح بالتعريف الذي أورده بعده كل من النووي والعراقي، وذكر قيوده الخمسة -اتصال السند والعدالة والضبط وعدم الشذوذ وعدم العلة- ثم قال على سبيل الإجمال: إنها احتراز عن المرسل والمنقطع والمعضل والشاذ، وما فيه علة قادحة، وما في روايته نوع جرح.
أما صاحبا التقريب والألفية، فلم يعرض واحد منهما لشيء من المحترزات.
وعند الكلام على أفضلية صحيح البخاري على صحيح مسلم كان النووي أشد اختصارًا من العراقي، فاقتصر على مجرد ذكر القولين في أفضلية البخاري أو مسلم دون ذكر من قال بهما، وإن كان النووي قد زاد على كل منهما في هذا المقام أن مسلمًا اختص بجمع طرق الحديث، وأما العراقي فقد ذكر أن القول بأفضلية مسلم هو قول بعض المغاربة مع أبي علي النيسابوري تبعًا لابن الصلاح، الذي نقل عبارة النيسابوري في تصحيح مسلم وناقشها.
وعند ذكر عدم استيعاب الصحيحين صرح ابن الصلاح بهذا الحكم، وذكر له دليلين من كلام الشيخين البخاري ومسلم، واشترك كل من النووي والعراقي في نقل القول بأنه لم يفت الصحيحين إلا القليل، وإن كان العراقي قد ذكر اسم القائل بذلك -وهو ابن الأخرم- تبعًا لابن الصلاح، ولم يذكر النووي اسم القائل، وفي هذا المقام أدعى النووي -زيادة على ابن الصلاح- أنه لم يفت الخمسة من الصحيح إلا اليسير، وأورد أسماء الخمسة، وقد نقل ذلك العراقي عنه ورده بما روي عن البخاري، مما يفيد أن البخاري يحفظ مائة ألف حديث صحيح، ثم أول عبارة البخاري بأنه أراد ما يشمل المكرر والموقوف، وذلك لما فيها من المبالغة، ثم اشترك معه -تبعًا لابن الصلاح- في بيان عدد ما في صحيح البخاري مكررًا وغير مكرر، ولكن ابن الصلاح
أورد استداركًا في هذا المقام فقال: إلا أن هذه العبارة قد يندرج تحتها عندهم آثار الصحابة والتابعين وربما عد الحديث الواحد المروي بإسنادين حديثين.
وقد زاد النووي على كل من ابن الصلاح والعراقي بيان أن ما في مسلم بإسقاط المكرر نحو أربعة آلاف حديث، ونرى أن النووي قد أحسن في إثبات هذه الزيادة، ولعل عنايته بشرح صحيح مسلم هي التي دفعته إلى إيرادها.
لم يفصل العراقي فيما زاد على الصحيحين ببيان الكتب التي يلزم لاعتبار الحديث صحيحًا أن تنص على صحته، وقد بين هذه الكتب كل من ابن الصلاح والنووي، على أن العراقي اشترك معهما في بيان أن الكتب الملتزمة بإيراد الصحيح لا يشترط فيها نص على الصحة -اكتفاء بالحكم الكلي على ما في كل منها- وقد اشترك الثلاثة في أن الحاكم يدخل في هذه الكتب إلا أنه متساهل، غير أن كلا من ابن الصلاح والنووي قال: إن ما انفرد به الحاكم ولم يوجد الحكم عليه في الكتب الأخرى وليس به علة توجب ضعفه يعتبر حسنًا، وقد نقل العراقي ذلك عن ابن الصلاح، ثم رد عليه بأن الحق أن يحكم على كل حديث منها بما يليق به بحسب إسناده.
انفرد العراقي عن ابن الصلاح والنووي في اعتراضه على الحميدي بأنه لم يميز بعض الأحاديث التي وصفها بأن البخاري اختصرها، فلم يذكر اللفظ الذي اختصر به مما أوجب اللبس على السامع وتمني لو أن الحميدي كان قد استوعب بيان القدر الذي اختصر عليه البخاري.
وفي بيان مراتب الصحيح لم يبين العراقي المعنى الاصطلاحي لكلمة "متفق عليه" وقد ذكرها كل من ابن الصلاح والنووي.
وفي بيان ما علق من الحديث في الصحيحين بدون جزم اتفقت عبارات الثلاثة على أنه، ليس بواه، إلا أن ابن الصلاح نص على أن إيراده في الصحيح يشعر بصحة أصله، ولم يتعرض المختصران لهذه الجزئية.
ومن المفارقات هنا أن كلا من ابن الصلاح والعراقي عرف المعلق في هذا المقام، ولم يذكر النووي تعريفه اكتفاء بالمعنى، ولأن له موضعًا يذكر فيه باسمه من أقسام الحديث.
وقد انفرد العراقي ببيان حكم من أسند لشيخه حديثًا يقال أو زاد أو نحوهما كما في حديث البخاري: "قال هشام بن عمار: حدثنا
…
إلخ" وهو عند العراقي في حكم الحديث المعنعن لا يكون متصلًا إلا بالشرطين المعروفين: عدم التدليس واللقي أو المعاصرة، ولم يذكر هذه الجزئية ابن الصلاح ولا النووي.
ومن هذه الدراسة يتبين أن الأصل -وهو مقدمة ابن الصلاح- أكثر بسطًا في الجملة -شأن صناعة التأليف- من هذين المختصرين: التقريب والألفية، وقد يزيد أحدهما على الآخر، وقد يزيد كلاهما أو أحدهما على الأصل في بعض المواضع.
ولولا خشية الإطالة لأوردنا كثيرًا من الأمثلة، ولكن موضوع دارستنا لا يتسع لذلك.
وهذه نماذج لما ورد في ألفية العراقي في مواضع متفرقة من علوم الحديث، نوردها فيما يلي:
1-
في الغريب والعزيز والمشهور قال العراقي في الألفية1:
وما به مطلقًا الراوي انفرد
…
فهو الغريب وابن منده فحد
بلا انفراد عن إمام يجمع
…
حديثه فإن عليه يتبع
من واحد واثنين فالعزيز أو
…
فوق فمشهور وكل قد رأوه
منه الصحيح والضعيف ثم قد
…
يغرب أو مطلقًا أو إسناد فقد
كذلك المشهور أيضًا قسموا
…
بشهرة مطلقة كالمسلم
من مسلم الحديث والمقصور
…
على المحدثين من مشهور
قنوته بعد الرجوع شهرًا
…
ومنه ذو تواتر مستقرا
في طبقاته كمتن من كذب
…
ففوق ستين رووه والعجب
بأن من رواته للعشرة
…
وخص بالأمرين فيما ذكره
الشيخ عن بعضهم قلب تلى
…
مسح الخفاف وابن منده إلى
عشرتهم رفع اليدين نسبًا
…
وينفوا عن مائة من كذبا
2-
وفي خفي الإرسال والمزيد في متصل الأسانيد قال2:
وعدم السماع واللقاء
…
يبدو به الإرسال ذو الخفاء
كذا زيادة اسم راو في السند
…
إن كان حذفه بعد فيه ورد
وإن بتحديث أتى فالحكم له
…
مع احتمال كونه قد حمله
عن كل إلا حيث ما زيد وقع
…
وهما في ذين الخطيب قد جمع
3-
وفي رواية الأقران قال3:
والقرنا من استووا في السند
…
والسن غالبًا وقسمين اعدد
ودبجا وهو إذا كل أخذ
…
عن آخر وغيره انفراد فذ
1 فتح المغيث ج3 ص27.
2 فتح المغيث ج3 ص79.
3 فتح المغيث ج3 ص160.
4-
وفيمن لم يرو عنه من الصحابة أو التابعين فمن بعدهم إلا راو واحد قال1:
ومسلم صنف في الوحدان
…
من عنه راو واحد لا ثاني
كعامر بن شهر أو كوهب
…
هو ابن خنبش وعنه الشعبي
وغلط الحاكم حيث زعما
…
بأن هذا النوع ليس فيهما
ففي الصحيحين أخرجا المسيبا
…
وأخرج الجعفر لابن تغلبا
5-
وفي الأسماء والكنى قال2:
وأعن الأسماء والكنى وقد قسـ
…
تم الشيخ ذا التسع أو عشر قسم
من اسمه كنيته انفرادًا
…
نحو أبي بلال أوقد زادا
نحو أبي بكر بن حزم قد كنى
…
أبا محمد بخلف فافطن
والثاني قد يكنى ولا اسما ندري
…
نحو أبي شيبة وهو الخدري
ثم كنى الألقاب والتعدد
…
نحو أبي الشيخ أبي محمد
وابن جريج بأبي الوليد
…
وخالد كنى للتعديد
ثم ذوو الخلف كنى وعلما
…
أسماؤهم وعكسه وفيهما
وعكسه وذو اشتهار بسم
…
وعكسه أبو الضحى لمسلم
6-
وفي تلخيص المتشابه قال3:
ولهم قسم من النوعين
…
مركب متفق اللفظين
في الاسم لكن أباه اختلفا
…
أو عكسه ونحوه وصنفا
فيه الخطيب نحو موسى بن علي
…
وابن علي وحنان الأسدي
هذه أمثلة لما جاء في ألفية العراقي، أوردناها تصويرًا لبعض ما جاء فيها، وفيما بعد نتبين منهج الإمام السخاوي في توضيح ما احتوته أبياتها من نفائس علوم الحديث.
1 فتح المغيث ج3 ص187.
2 فتح المغيث ج3 ص199.
3 فتح المغيث ج3 ص259.