الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عمدة الأحكام:
للإمام المقدسي المتوفى سنة 600هـ:
صاحب هذا الكتاب هو الإمام الحافظ تقي الدين عبد الغني بن عبد الواحد بن علي بن سرور المقدسي الجماعيلي1 الحنبلي.
أورده ابن العماد في الشذرات2 وقال: إنه ولد سنة إحدى وأربعين وخمسمائة، وهاجر صغيرًا إلى دمشق بعد الخمسين، فسمع أبا المكارم بن هلال، وسمع ببغداد أبا الفتح بن البطي وغيره، وسمع بالإسكندرية، من السلفي وطبقته، وأقام عليه ثلاثة أعوام، ورحل إلى أصبهان فأكثر بها سنة نيف وسبعين، وإليه انتهى حفظ الحديث متنًا وإسنادًا ومعرفة بفنونه، مع الورع والعبادة والتمسك بالأثر، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ومن تآليفه المصباح في عيون الأحاديث الصحاح في ثمانية وأربعين جزءًا، والكمال في أسماء الرجال، ذكر فيه ما اشتملت عليه الكتب الستة من الرجال في مجلدين، وأشراط الساعة، والدرة المضية في السيرة النبوية، وعمدة الأحكام3. والنصيحة في الأدعية الصحيحة.
وذكر الذهبي في تذكرته ما يفيد أن الإمام المقدسي كتب عن السلفي بالإسكندرية نحو ألف جزء ثم قال عنه: إنه تلقي عن ابن هبة الله الكامل بمصر، وكتب ما لا يوصف كثرة، وأسهب في ترجمته وبيان مؤلفاته، وذكر منها عمدة الأحكام، وأنه جزءان، وكتاب الأحكام ستة أجزاء، ودرر الأثر ستة أجزاء، وغير ذلك، ووصفه الضياء بأنه لم يعرفه أحد من أهل السنة إلا أحبه حبًّا شديدًا، ومدحه مدحًا كثيرًا، وأن أهل أصبهان كانوا يحبونه بحيث لو أقام بها وأراد أن يملكها لملكها من حبهم له ورغبتهم فيه، وأنه بعد وصوله إلى مصر أخيرا كان إذا خرج يوم الجمعة ما كان يستطيع المشي من شدة زحام الخلق يجتمعون حوله ويتبركون به.
وذكر ابن رجب أنه امتحن ودعي إلى القول بخلق القرآن فأبى، فمنع من التحديث وأفتى أهل التأويل بإراقة دمه، فسافر إلى مصر وأقام بها إلى أن مات، وقال الشيخ موفق الدين: كان جوادًا يؤثر بما تصل إليه يده سرًّا وعلانية، توفي بمصر في ربيع الأول سنة ستمائة للهجرة، ودفن بالقرافة.
1 نسبة إلى جماعيل قرية قرب نابلس ولد فيها ونسب إليها كما في الأعلام للزركلي ج4 ص160 وما بعدها.
2 ج4 ص345.
3 ذكره من بين مصنفات المقدسي أيضًا صاحب كتاب هدية العارفين بأسماء المؤلفين وآثار المصنفين ج56 ص589.
وكتابه عمدة الأحكام قدم له المؤلف بوصف قال فيه: إن بعض الإخوان سألني اختصار جملة في أحاديث الأحكام مما اتفق عليه الإمامان البخاري ومسلم، فأجبته إلى سؤاله رجاء المنفعة.
وهو بهذا قد انفرد من بين المؤلفين السابقين بخصيصة لم يشترك معه غيره فيها في أحاديث الأحكام، ولعله رحمه الله لو تجاوز هذا القدر من الأحاديث المتفق عليها بين الشيخين إلى ما ثبت عنده صحته من بقية أحاديث الأحكام لكان أعود بالفائدة، وأعون على الانتفاع بجملة صالحة منها، ولعل اختياره لهذا العنوان -عمدة الأحكام- في تسمية كتابه كان أثرًا ونتيجة لهذا الاختصار، وأدق تطابقًا معه، وكأن من كتبوا بعده في أحاديث الأحكام محاولين الاستيعاب أو ما يقرب منه -كصاحبي المنتقى وبلوغ المرام- أرادوا أن يستدركوا عليه باستكمال الفائدة، وإغناء المطلعين عن الرجوع إلى الأصول الأولى في أمهات كتب أحاديث الأحكام، على أنه يبدو لنا أن الرجل بمهارته الحديثية، وحذقه في التعرف على الأحاديث وآثارها التشريعية، مع حرصه على أن يكون الاستدلال في أحاديث الأحكام من أقوى ما ورد وأثبته رواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلم أنه لم يفته كثير من أدلة الأحكام الفقهية، فإن الإمامين الجليلين -البخاري ومسلمًا- كانا أشد الرواة حرصًا على استيعاب الأحاديث في جميع الأبواب في دائرة ما اتخذا من شروط ومنهج يكفل الاعتماد على ما قدما للأمة من الأحاديث التي يحتاج إليها في أمور الدين، ولعل المتتبع لهذا الكتاب تستبين له تلك الحقيقة واضحة جلية.
وقد يكون من مقاصده في الاختصار ما يقوم به بعض العلماء من وضع المختصرات تذليلًا لسبل العلم، بأن يبدءوا بالكتب المختصرة الجامعة لأهم المسائل التي تلزم طالب العلم، حتى إذا أتقنها استطاع أن يجوزها إلى ما هو أوسع منها، وهذه من طرق التربية الناجحة التي درسنا عليها أكثر العلوم في الأزهر الشريف، يضاف إلى ذلك -تدعيمًا لحسن هذا التصرف، وسلامة هذا الرأي- أنه بذلك يثبت أن المؤلف رحمه الله كان ممن تجردوا من العصبية المذهبية، واتجهوا بصادق النية إلى خدمة الدين في ضوء السنة النبوية الصحيحة، التي ثبتت عن المشرع صلوات الله وسلامه عليه، فهو لا يتعصب لمذهب معين يدفعه إلى أن يتصيد من الأحاديث ما هو أقوى حجة وأشد تأييدا لمذهبه الذي ارتضاه، وإنما كان رحمه الله يعول في اختياره لأحاديث الأحكام على درجة ما يرويه وقوته، فركز ذلك فيما اتفق عليه الشيخان إبراء لعهدته في تحقيق مهمته وأداء رسالته.
والكتاب جار على الطريقة التي تداولها من نقلوا السنة بعد عهد الرواية، فاكتفوا بتجريد الأحاديث من أسانيدها، واستعاضوا عن ذكر الأسانيد بتخريج الأحاديث وعزوها تقريبًا للعلم، وتحقيقًا للدقة والأمانة في نقله، فإن مهمة هذه الكتب وأمثالها -بعد استقرار السنة والاطمئنان إلى أصولها- هي عرض الأحاديث لمن يريد الانتفاع استدلالا بها، واهتداء بهديها، وأما معرفة الأسانيد والرجال لمن أرادها فحسب المؤلفين ما استعاضوا به عنه من التخريج والإحالة على مواطنها
الأصلية، وبهذا يختلف هذا الكتاب عن كتب السنة المؤلفة في الأحكام في عصر الرواية، كموطأ الإمام مالك، وسنن أبي داود، ومعاني الآثار للطحاوي.
ويبدو أن هذا الكتاب على نفاسته، وعظم قدر مؤلفه كان من الكتب المغمورة قليلة التداول، بدليل أنه لم يطبع مستقلًّا عن الشرح الذي كتبه عليه ابن دقيق العيد، وذلك لما أشرنا إليه من عدم استيعابه لأحاديث الأحكام التي تروي ظمأ طالب الأدلة للانتفاع بها في معرفة الأحكام.
وقد أعان على الاستغناء عن تداول هذا الكتاب ظهور الكتب التي حاولت الاستيعاب أو قاربته في أحاديث الأحكام، كمنتقى الأخبار من أحاديث سيد الأخيار للعلامة مجد الدين عبد السلام بن عبد الله بن تيمية الحراني المتوفى سنة إحدى وعشرين وستمائة، وكبلوغ المرام من أحاديث الأحكام للحافظ ابن حجر العسقلاني المصري المتوفى سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة.
والكتاب فيما لمسناه منه في نحو خمسمائة حديث، منها نحو تسعة وأربعمائة حديث أصول، وباقيها متابعات وشواهد، موزعة على الأبواب الفقهية، وأولها كتاب الطهارة وفيه اثنان وأربعون حديثًا، بدأها بحديث:"إنما الأعمال بالنيات" امتثالًا لقول من قال من المتقدمين: إنه ينبغي أن يبتدأ به في كل تصنيف، ولأنه كذلك متعلق بالطهارة، فطهارة الباطن قبل طهارة الظاهر، ثم كتاب الصلاة وأورد فيه سبعة ومائة حديث موزعة على أبوابه، بدأها بحديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي العمل أحب إلى الله؟ قال: "الصلاة على وقتها" ثم كتاب الجنائز وذكر فيه أربعة عشر حديثًا، بدأها بحديث أبي هريرة:"نعى النبي صلى الله عليه وسلم النجاشي في اليوم الذي مات فيه وخرج بهم إلى المصلى فصف بهم، وكبر أربعًا" ثم كتاب الزكاة وذكر فيه ثمانية أحاديث، بدأها بحديث ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن: "إنك ستأتي قومًا أهل كتاب
…
" الحديث، ثم كتاب الصيام وذكر فيه ثلاثة وثلاثين حديثًا، بدأها بحديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين إلا رجلًا كان يصوم صومًا فليصمه"، ثم كتاب الحج وذكر فيه واحدًا وأربعين حديثًا، بدأها بحديث ابن عباس رضي الله عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت لأهل المدينة ذا الحليفة
…
" الحديث، ثم كتاب البيوع وأورد فيه ستة وأربعين حديثًا، بدأها بحديث عبد الله بن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا وكانا جميعًا، أو يخيرأحدهما الآخر فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع" ثم كتاب النكاح وذكر فيه ثلاثين حديثًا، بدأها بحديث عبد الله بن مسعود قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج
…
" الحديث، ثم كتاب الرضاع، وذكر فيه أربعة أحاديث بدأها بحديث ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في بنت حمزة: "لا تحل لي يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، وهي ابنة أخي من الرضاعة" كتاب القصاص، وذكر فيه تسعة
أحاديث، بدأها بحديث عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل دم امرئ مسلم
…
" الحديث، ثم كتاب الحدود، وذكر فيه أحد عشر حديثًا بدأها بحديث أنس بن مالك قال: "قدم ناس من عكل -أو عرينة- فاجتووا المدينة" الحديث، ثم كتاب الإيمان والنذور، وذكر فيه ثمانية عشر حديثًا، بدأها بحديث عبد الرحمن بن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عبد الرحمن بن سمرة لا تسأل الإمارة
…
" الحديث، ثم كتاب الأطعمة وذكر فيه خمسة عشر حديثًا، بدأها بحديث النعمان بن بشير قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول -وأهوى النعمان بإصبعيه إلى أذنيه: "إن الحلال بَيِّن والحرام بَيِّن.." الحديث، ثم كتاب الأشربة وذكر فيه ثلاثة أحاديث بدأها بحديث عبد الله بن عمر أن عمر قال على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما بعد أيها الناس إنه نزل تحريم الخمر وهي من خمسة
…
" إلخ، ثم كتاب اللباس وأورد فيه ستة أحاديث، بدأها بحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تلبسوا الحرير فإنه من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة"، ثم كتاب الجهاد وذكر فيه تسعة عشر حديثًا، بدأها بحديث عبد الله بن أبي أوفى "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أيامه التي لقي فيها العدو انتظر حتى إذا مالت الشمس قام فيهم
…
" إلخ، ثم كتاب العتق وهو آخر كتاب في عمدة الأحكام، وأورد فيه ثلاثة أحاديث، بدأها بحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أعتق شركًا له في عبد
…
" الحديث.
وبعد، فإن الحافظ المقدسي حين جمع هذا المختصر في أحاديث الأحكام أراد أن يقرب به معرفة السنن للطالبين، فاختار لهم أصحها متنًا وأقواها إسنادًا من بين كتابين جليلين تلقتهما الأمة بالقبول، وأجمع العلماء على أنهما أصح كتب الدين بعد كتاب الله تعالى، وكان من شرطه أن يكون ما يختاره فيه مما اتفق عليه الإمامان العظيمان البخاري ومسلم، فجاء كتابه "عمدة الأحكام في معالم الحلال والحرام عن خير الأنام محمد عليه الصلاة والسلام"1 كتابًا قريبًا لطالب العلم المبتدي والمتوسط، ولا يستغني عنه المنتهي والمتبحر.
وهو بهذا الكتاب يمثل مرحلة من مراحل التأليف في السنة من حيث الاختصار بحذف السند اعتمادًا على ورد الحديث في الصحيحين، حذا حذوه فيها الحافظ العراقي في تقريب الأسانيد، فقد كان لا يعزو لأحد حديثًا ورد في الصحيحين.
شكر الله للإمام المقدسي جهده في تقريب السنة إلى الدارسين، وجزاه عما قدم من ذلك خير الجزاء.
1 بهذا الاسم الطويل أورد صاحب هدية العارفين كتاب العمدة ج5 ص589.