المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المغني عن حمل الأسفار في الأسفار في تخريج ما في الأحياء من الأخبار: - مدرسة الحديث في مصر

[محمد رشاد خليفة]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة:

- ‌الباب الأول: أعلام المحدثين في مصر منذ الفتح الإسلامي حتى سقوط بغداد

- ‌مدخل

- ‌الفصل الأول: الصحابة والتابعون وأتباعهم

- ‌مدخل

- ‌الصحابة:

- ‌التابعون وأتباعهم ومن جاء بعدهم:

- ‌الفصل الثاني: أعلام المحدثين في مصر منذ سقوط بغداد إلى نهاية القرن الثامن الهجري

- ‌الفصل الثالث: أعلام المحدثين في مصر في القرنين التاسع والعاشر الهجري

- ‌الفصل الرابع: الإنتاج العلمي في الحديث

- ‌الباب الثاني: مناهج المحدثين في مصر

- ‌الفصل الأول: قبل سقوط بغداد

- ‌الدول الأول: عصر الرواية المثبتة ومنهجهم فيه

- ‌الدور الثالث: عصر تدوين الحديث مفروزا ومنهجهم فيه

- ‌الدور الخامس: عصر التقليد والاختصار والتقريب ومنهجهم فيه

- ‌الفصل الثاني: بعد سقوط بغداد

- ‌الفصل الثالث: مقارنة وموازنة

- ‌الباب الثالث: المدونات الحديثية

- ‌مدخل

- ‌الفصل الأول: كتب الأحكام

- ‌مدخل

- ‌موطأ الإمام مالك:

- ‌سنن أبي داود:

- ‌شرح معاني الآثار للإمام الطحاوي:

- ‌عمدة الأحكام:

- ‌منتقى الأخبار من أحاديث سيد الأخيار:

- ‌تقريب الأسانيد وترتيب المسانيد:

- ‌بلوغ المرام من أدلة الأحكام:

- ‌كشف الغمة عن جميع الأمة:

- ‌خاتمة الفصل الأول:

- ‌الفصل الثاني: كتب الترغيب والترهيب

- ‌مدخل

- ‌كتاب الترغيب والترهيب:

- ‌الزواجر في النهي عن اقتراف الكبائر:

- ‌الإتحافات السنية في الأحاديث القدسية:

- ‌الفصل الثالث: كتب الجوامع

- ‌مدخل

- ‌الجامع الكبير أو جمع الجوامع:

- ‌الجامع الصغير:

- ‌كنوز الحقائق في حديث خير الخلائق:

- ‌الفصل الرابع: كتب الزوائد

- ‌مدخل

- ‌مجمع الزوائد ومنبع الفوائد:

- ‌المطالب المعالية بزوائد المسانيد الثمانية

- ‌الفصل الخامس: كتب توضيح المبهمات

- ‌مدخل

- ‌غريب الحديث:

- ‌الدر النثير تلخيص النهاية لابن الأثير

- ‌الشروح الحديثية:

- ‌عمدة القاري شرح صحيح البخاري

- ‌ارشادات الساري لشرح صحيح البخاري

- ‌كتب مشكل الآثار أو تأول مختلف الحديث

- ‌الفصل السادس: كتب أصول الحديث

- ‌مدخل

- ‌التقييد والإيضاح في شرح مقدمة ابن الصلاح:

- ‌ألفية الحديث:

- ‌فتح المغيث بشرح ألفية الحديث:

- ‌نخبة الفكر وشرحها:

- ‌تدريب الراوي في شرح تقريب النواني

- ‌الفصل السابع: كتب التخريج

- ‌مدخل

- ‌المغني عن حمل الأسفار في الأسفار في تخريج ما في الأحياء من الأخبار:

- ‌تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير:

- ‌مناهل الصفا في تخريج أحاديث الشفا

- ‌الفصل الثامن: كتب الرجال

- ‌مدخل

- ‌الإصابة في تمييز الصحابة:

- ‌الضوء اللامع لأهل القرن التاسع:

- ‌طبقات الحفاظ:

- ‌إسعاف المبطأ برجال الموطأ:

- ‌خاتمة:

- ‌التخريج:

- ‌بيان المراجع:

- ‌الفهارس

- ‌فهرس الأعلام

- ‌فهرس الأنساب:

- ‌فهرس الموضوعات:

الفصل: ‌المغني عن حمل الأسفار في الأسفار في تخريج ما في الأحياء من الأخبار:

‌المغني عن حمل الأسفار في الأسفار في تخريج ما في الأحياء من الأخبار:

للحافظ ابن الفضل زين الدين بعد الرحيم بن الحسين العراقي المتوفى سنة 806هـ:

وهذا الكتاب ثروة ضخمة، وثمرات طيبة، أماطت اللثام عن كثير من الأحاديث التي أوردها حجة الإسلام الإمام أبو حامد محمد بن محمد الغزالي في كتابه إحياء علوم الدين، وفيها كثير من الغث الذي يجب التنبيه إليه، والتوجيه إلى منزلته، وهو كتاب يحوي آلافًا مؤلفة من الأحاديث النبوية الكريمة التي استشهد بها حجة الإسلام الإمام الغزالي على ما أورده في هذا الكتاب الضخم عظيم الفائدة جليل المنافع في التصوف وعلومه المختلفة، فلولا هذا التخريج من هذا الإمام العليم بالسنة، الخبير بالأحاديث خبرة فائقة لضل كثير من الناس عن سبيل الحق في تعرف الأحاديث، ومعرفة درجتها ورتبتها الصحيحة.

وقد تناول العراقي رحمه الله تعالى في مقدمة تخريجه لأحاديث كتاب الإحياء بيان السبب الباعث على تأليفه، فذكر أنه لما وفقه الله تعالى لإكمال الكلام على أحاديث علوم الدين سنة إحدى وخمسين وسبعمائة تعذر الوقوف على بعض الأحاديث، فأخر تبييضه إلى سنة ستين وسبعمائة وهو يريد بذلك رحمه الله أن يتحدث عن التخريج المطول الذي قد تعورف في الأوساط الحديثية ولكنه لم يصل إلينا، وكأنه يريد بإكماله أنه فرغ من تخريج ما انتهت إليه معرفته من الأحاديث الواردة فيه من أوله إلى آخره، بدليل أنه أكمله -كما يقول- ثم قال: إنه منذ سنة ستين ظفر بكثير مما عزب عنه علمه، ثم شرع في تبييضه في مصنف متوسط الحجم، وهو مع ذلك متباطئ في إكماله حتى ظفر بأكثر ما كان لم يقف عليه، ثم تكرر السؤال من جماعة في إكماله، فأجاب إلى ذلك وبادر إليه، ولكنه سلك مسلك الاختصار الشديد، ليسهل تحصيله وحمله في الأسفار.

فعبارة الحافظ التي تقول: إنه ظفر بأكثر ما كان لم يقف عليه تدل على أنه لم يستوعب جميع الأحاديث بالتخريج، بل ترك منها بقية للمتعقب، وقد تحقق هذا التعقب للإمام الحافظ قاسم بن قطلوبغا المتوفى سنة تسع وسبعين وثمانمائة، فظفر بما فات الإمام العراقي، ووضع كتابًا سماه تحفة الأحياء بما فات من تخريج الإحياء -كما أشرنا إلى ذلك في موضعه- ولعله استوعب فيه جميع ما فاته، وعسى الله أن يوفق من يعنون بأمر السنة الكريمة إلى إخراج هذا المستدرك ونشره كما نشر أصله.

ص: 432

كما تفيد عبارته بتمامها أنه رحمه الله أخرج الكتاب في ثلاثة أطوار: مطولا ثم متوسطًا ثم مختصرًا1 غاية الاختصار، وقد فسر هذا الاختصار الشديد، بأنه اقتصر فيه على ذكر طرف الحديث وصحابيه ومخرجه، وبيان صحته أو حسنة وضعف مخرجه، فإن ذلك هو المقصود الأعظم عند أبناء الآخرة، وعند كثير من المحدثين عند المذاكرة والمناظرة، ثم قال: وأبين ما ليس له أصل في الكتب الأصول.

ثم يذكر منهجه في بيان التخريج فيقول: إن كان الحديث في الصحيحين أو أحدهما اكتفيت بعزوه إليه، وإلا عزوته إلى من خرجه من بقية الكتب الستة "إن وجد"، وحيث كان في أحد الكتب الستة لم أعزه إلى غيرها إلا لغرض صحيح، بأن يكون2 في كتاب التزم مخرجه الصحة، أو يكون أقرب إلى لفظه في الإحياء، وحيث كرر المصنف ذكر الحديث فإن كان في باب واحد منه اكتفيت بذكره أول مرة، وربما ذكرته فيه ثانيًا وثالثًا لغرض، أو لذهول عن كونه تقدم وإن كرره في باب آخر ذكرته ونبهت على أنه قد تقدم، وربما لم أنبه على تقدمه لذهول عنه وحيث عزوت الحديث لمن خرجه من الأئمة فلا أريد بذلك اللفظ بعينه، بل قد يكون بلفظه وقد يكون بمعناه، أو باختلاف على قاعدة المستخرجات، وحيث لم أجد ذلك الحديث ذكرت ما يغني عنه غالبًا، وربما لم أذكره.

وإننا في هذه المناسبة نستطيع أن نتجه ببعض النقد المهذب إلى الإمام الحافظ، في أن يكون الاختصار حافزًا له على إهمال التنبيه على الحديث المكرر بإحالته على ما تقدم، فإن الكتاب موسوعة علمية كبيرة، وربما اقتصر القارئ له على دراسة موضوعات معينة تعرض فيها أحاديث، وبها ذلك التحويل في التخريج، فيحار في أمر الرجوع إليه في الموضع السابق، وربما حرم نفسه من معرفة درجة الحديث نتيجة لذلك الاختصار الزائد في عرض هذه التخريجات، وقد كان يكفي القارئ في الحديث المكرر أن يعرف درجته التي تبين أنه مقبول أو غير مقبول، وكأنه رحمه الله كان يتمثل همته الكريمة في همم القارئين والمطلعين.

وإننا لنشكر لمن أخرجوا ذلك الكتاب القيم ممن ألحقوا تخريج أحاديث كل موضوع معه وبيان كل حديث في هامشه، من تخريج الحافظ العراقي للإحياء، حتى كأن القارئ للكتابين قارئ لكتاب واحد، لا يتكلف عناء ولا مشقة في تعرف درجات ما يقرأ، ولا سيما بعد أن اتجه المؤلف رحمه الله إلى الاكتفاء بذكر طرف الحديث، فإن طرف الحديث إذا كان في كتاب مستقل لا يغني القارئ في معرفة الحديث، إلا إذا كان من المتضلعين الذين بلغوا في هذا الفن شأوا

1 هذا ما تفيده عبارة الحافظ التي أوردناها من مقدمة كتابه وهو خلاف ما تفيده عبارة في المستطرفة ص142 من أن له كتابين أحدهما كبير والآخر صغير تأثرًا في ذلك بما ورد في كشف الظنون ج1 ص23 من أن له تخريجين كبيرًا وصغيرًا فإن هناك تبييضًا في مؤلف متوسط الحجم وضعه قبل المختصر.

2 لعل العبارة: كأن يكون.

ص: 433

بعيدًا، ولكن إلحاق تخريج أحاديث الإحياء به على هذا الوجه الذي طبع به الكتاب أصبح مغنيًا للقارئ عن استكمال الحديث في كتاب التخريج، فإن الحديث بتمامه مذكور في الأصل الذي خرجت أحاديثه وفي نفس الصحيفة.

أما بيان منهج المصنف في هذا الكتاب فقد أغنانا عنه بما أورده في هذه المقدمة ونقلناه إلى القارئ الكريم.

غير أننا في محاولة تتبعنا لهذا الكتاب سنحت لنا ملاحظات نكتفي بالإشارة إلى أهمها وهي ما يأتي:

أولًا: لم يعن العراقي بتخريج الآثار الواردة عن الصحابة وغيرهم، وإن كان عنوان كتابه يسمح بذلك، فإنه خاص بتخريج ما في الإحياء من الأخبار -سواء قلنا إن الخبر مرادف للحديث، أو قلنا إنه أعم من الحديث وغيره، على ما ذكره الحافظ ابن حجر في النخبة- ولكنه لم يتجه إلى تخريج الموقوفات خشية الإطالة الزائدة، ولم ير ما يدعو إلى تلك الإطالة لأن عناية المحدثين بالأحاديث النبوية أكثر، فتخريجها أيسر، ولأن الركن الأعظم في الاستدلال هو السنة. فضلًا عن أن كتاب الإحياء ليس المقصود فيه الاستدلال الذي يدعو إلى تحري جميع الأخبار، وإنما هو كتاب توجيهي يشحن النفوس بطاقات روحية هائلة، تندفع بها إلى مستويات رفيعة من التهذيب الخلقي والكمال النفسي، وهو قدر يتحقق بما في تلك الآثار التي تأثر أصحابها بما في الدين الإسلامي من معان سامية فأبرزها توجيهات صالحة وهدايات راشدة، وهذا القدر لا يحتاج إلى تحر وتفتيش للتعرف، فإنها لا تخرج عن أن تكون من الحكم التي هي ضالة المؤمن كما ورد في الحديث الشريف1، فلهذا لم تتجه عناية المؤلف إلى تخريجها مع الأحاديث، حتى لا تزاحمها على ذلك المجهود الجبار في تخريج الأحاديث النبوية.

وقد رأينا أن الحافظ العراقي صرح في مناسبة تخريج أثر موقوف بأن الآثار ليست من شرط كتابه، ولكن الأثر:"إن من مكفرات الذنب أن تسبغ الوضوء وتدخل المسجد وتصلي ركعتين" الذي أخرجه أصحاب السنن من حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه لما كان هذا الأثر في نظر الغزالي يحتمل أنه حديث موقوف ذكره العراقي في التخريج احتياطًا لهذا الاحتمال2، وقد سلك العراقي مسلك الاحتياط في محل آخر قد يكون مقابلًا لهذا المجال، فإن الغزالي أورد رواية ضمن استدلال بأحاديث قبله وبعده، ثم أورد بعد ذلك الآثار مما يدل على أنه يقصد بقوله يروي الخبر بمعنى الحديث، ويؤكد ذلك أنه قال قبل ذكر الآثار: والأخبار في هذا لا تحصى، ولكن الحافظ العراقي -لشدة تورعه ومبالغته في الاحتياط- اعتبر هذا التخريج احتياطًا لقصد الغزالي لأنه لم يعزه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أنه يقصد به شيئًا آخر غير الحديث، وهو تصرف من العراقي

1 "الحكمة ضالة المؤمن" حديث أخرجه الدارقطني كما في كنوز الحقائق بهامش الجامع الصغير ج1 ص121.

2 المغني ج4 ص47.

ص: 434

لا يخلو من غرابة؛ لأنه خرجه -فعلًا- على أنه حديث، ولم يذكر أنه ورد أثرًا ولو في بعض الروايات، فكيف يمكن الجمع بين تخريج الخبر على أنه حديث، ثم اعتبار ذلك التخريج احتياطًا.

وهذه الرواية التي أشرنا إليها هي: "إن الله عز وجل لما لعن إبليس سأله النظيرة، فأنظره إلى يوم القيامة

" الخبر1.

ثانيًا: أنه يلتزم في تخريجه الدقة البالغة مع الأدب فيما عسى أن يكون قد صدر من الإمام الغزالي من تهاون في بعض الأحاديث زيادة أو نقصًا، أو روايته لما هو ظاهر الوضع، فهو ينص على عدة من الأحاديث بأنه لم يجدها، وفاء بما التزم به في مقدمته لهذا الكتاب، وتفصيلًا لما أجمله فيها، وهذا مما يدل على أنه -بعرضه في صور تتناسب مع ما يخرجه من الأخبار- لم يستوعب التخريج.

ومن مظاهر هذه الدقة أنه يلون التخريج بألوان متعددة.

فمن ذلك ما يقول في تخريجه: إنه لم يجده، أو لم يجد له أصلًا، ومنه ما جاء من خبر: "لا يدخل أحدكم الصلاة وهو مقطب

"2، وخبر: "إذا قام العبد في الصلاة رفع الله الحجاب بينه وبين عبده"3 وما ورد في الخبر: "إن المسجد لينزوي من النخامة

"4 وخبر: "إن حبشيا قال: يا رسول الله إني كنت أعمل الفواحش فهل لي من توبة

"5 وخبر: "إن الله تعالى يبغض الشاب الفاجر

"6، وخبر: "إن البقعة التي يجتمع فيها الناس تلعنهم أو تستغفر لهم إذا تفرقوا

"7.

كل هذه الأخبار وأمثالها قال في تخريج كل منها: إنه لم يجده، أو لم يجد له أصلًا.

ومن الأخبار ما يقول في تخريجها: إنه لم يجد لها إسنادًا، وذلك مثل الخبر:"نعم العون على الدين المرأة الصالحة"8 لكنه ذكر حديثًا صحيحًا يدل على معناه وهو حديث مسلم.

ومنها ما يقول في تخريجه: وفي إسناده نظر، وذلك مثل الخبر:"لما نزل قوله تعالى: {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيل} قال: "يا جبريل وما الصفح الجميل؟

" 9.

وأحيانًا يقول: لم أجده مرسلًا تعليقًا على ما يفيد الإرسال في كلام الغزالي، وذلك مثل الخبر:"من أتاه رزق من غير وسيلة فرده فإنما يرد على الله"10.

1 المغني ج4 ص14.

2 المغني ج4 ص157.

3 المغني ج4 ص170.

4 المغني ج4 ص102.

5 المغني ج4 ص14.

6 المغني ج4 ص75.

8 المغني ج4 ص104.

9 المغني ص152 ج4.

10 المغني ج4 ص207.

ص: 435

وتارة يقول: لم أجده مرفوعًا، وذلك مثل خبر:"ليس للعبد من صلاته إلا ما عقل منها"1.

وخير: "الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا" ثم قال: إنه منسوب إلى علي كرم الله وجهه2، وخبر:"جالسوا التوابين فإنهم أرق أفئدة"3 وقال: إنه قول عون بن عبد الله.

وأخرى يقول: لم أجده مرفوعًا بهذا اللفظ، وذلك مثل خبر:"الدنيا مزرعة الآخرة"4 ثم ساق حديثًا آخر بمعناه وقال: إن إسناده ضعيف.

وأحيانًا يقول: لم أجد له أصلًا وكأنه من الإسرائيليات، وذلك كالخبرين:"لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلًا ولبكيتم كثيرًا"، وقوله:"إن الله أوحى إلى عبده داود عليه السلام أحبني وأحب من يحبني"5.

وتارة يقول: لم أجده بهذا اللفظ، وأحيانًا يضيف إليها قوله: وهو صحيح المعنى أو يقول: لا يعرف بهذا اللفظ فضلًا عن صحته.

فمن الأول خبر: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة الحاقب"6 وهو ضمن عدة منهيات، ومثل خبر:"أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل يسأل في أمته حتى قيل له أما ترضى؟ "7.

ومن الثاني الخبر الذي أورده الغزالي

"سيكون عليكم أمراء تعرفون منهم وتنكرون

"8 قال فيه الحافظ العراقي: لم أجده بهذا اللفظ إلا أنه يؤخذ من حديث ابن مسعود، فذكره.

ومن الثالث الخبر: "المؤمن يذبح على اسم الله سمى أو لم يسم"9 قال العراقي في تخريج: ادعى الغزالي صحته، ولا يعرف بهذا اللفظ فضلًا عن صحته.

وأحيانًا ينقل ما يعزز به اتجاهه في التخريج كما في الخبر: "أما إني لا أنسى، ولكني أُنسى لأشرع

"10 فقد نقل عن أبي طاهر الأنماطي في هذا الخبر قوله: وقد طال بحثي عن هذا الخبر وسؤالي عنه للأئمة والحافظ فلم أظفر به، ولا سمعت عن أحد أنه ظفر به. قال: وادعى بعض طلبه الحديث أنه وقع له مسندًا.

وهذا العرض في تخريج الأحاديث يمثل الأمانة الرفيعة، والدقة البالغة، والاحتياط الواجب.

وإن العراقي -في بعض الأحيان- ليخالف بعض المؤلفين، فقد خالف رزينًا في نسبة بعض الأحاديث إلى بعض الرواة، وذلك كما في خبر: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المواصلة

1 المغني ج1 ص159.

2 المغني ج4 ص23.

3 المغني ج4 ص34.

4 المغني ج4 ص19.

5 المغني ج4 ص145.

6 المغني ج1 ص156.

7 المغني ج4 ص147.

8 المغني ج4 ص99.

9 المغني ج6 ص116.

10 المغني ج3 ص43.

ص: 436

في الصلاة

"1. قال العراقي: عزاه رزين إلى الترمذي ولم أجده عنده، وكذلك خبر: "نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة الحازق"2 عزاه رزين إلى الترمذي ولم أجده عنده، والذي ذكره أصحاب الغريب حديث: "لا رأي لحازق".

بل إنه أحيانا بعض أصحاب الرواية كالحاكم، وذلك كما في الخبر: "يا بلال اجعل بين أذانك وإقامتك قدر ما يفرغ الآكل

"3 الخبر، قال الحاكم: ليس في إسناده مطعون فيه غير عمرو بن قايد، فقال العراقي: قلت: بل فيه عبد المنعم الديباجي منكر الحديث، كما قاله البخاري وغيره.

ونراه يسجل على الإمام الغزالي التغيير في بعض الأحاديث4 بزيادة شيء لم يكن مذكورًا، أو ترك شيء مذكور، وذلك في حديث سؤال النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان، وهو وارد في قصة وفد عبد القيس في الصحيحين، لكن ليس فيه ذكر الحج الذي أورده، وفي البخاري:"وأن تؤدوا خمسًا من المغنم" زيادة على ما أورده الغزالي.

كما نجده يسجل عليه إيراده لتعليل غير مطابق، لمخالفته ما هو منقول في نفس الحديث الذي أورده، وذلك في خبر:"شرب النبي صلى الله عليه وسلم قائمًا" قال الغزالي: ولعله كان لعذر، فقال العراقي: إن الحديث متفق عليه من حديث ابن عباس، وأنه كان في ماء زمزم5.

وتارة يسجل عليه أنه يروي بعض الموقوفات والمقطوعات وينسبها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك خبر النهي عن المغالاة في المهر، أورده الغزالي بين الأحاديث بصيغة:"وقد نهى عن المغالاة في المهر" ورد العراقي عليه ذلك، ولكنه لم يكن صريحًا، بل ذكر ما يدل عليه إذ قال: حديث النهي عن المغالاة في المهر. ورد العراقي عليه ذلك، ولكنه لم يكن صريحًا، بل ذكر ما يدل عليه إذ قال: حديث النهي عن المغالاة في المهر رواه أصحاب السنن الأربعة موقوفًا على عمر، وصححه الترمذي6، ومن ذلك خبر: "من دعا لظالم بالبقاء فقد أحب أن يعصي الله

" قال العراقي: إنه لم يجده مرفوعًا، وإنما رواه ابن أبي الدنيا في الصمت من قول الحسن، وهنا ينصف العراقي الغزالي فيقول: إنه ذكره على الصواب في آفات اللسان،7 وكذلك خبر: "عند ذكر الصالحين تنزل الرحمة" قال العراقي: ليس له أصل في الحديث المرفوع، وإنما هو قول سفيان بن عيينة كما رواه ابن الجوزي في صفة الصفوة8.

وأحيانًا يسجل على الغزالي زيادة على ما في الحديث، وذلك مثل حديث:"تذكر النبي صلى الله عليه وسلم الجنابة في صلاته فاستخلف واغتسل ثم رجع"9 قال العراقي: هذا الحديث أخرجه

1 المغني ج1 ص156.

2 المغني ج1 ص156 والحازق هو صاحب الخف الضيق.

3 المغني ج1 ص175.

4 المغني ج1 ص116.

5 المغني ج2 ص6.

6 المغني ج2 ص40.

7 المغني ج2 ص87.

8 المغني ج2 ص231.

9 المغني ج1 ص175.

ص: 437

أبو داود بسند صحيح، وليس فيه ذكر الاستخلاف، وإنما قال الراوي: ثم أومأ إليهم أن مكانكم، وبين العراقي أن الاستخلاف وقع من عمر وعلي، وعند البخاري استخلاف عمر في قصة طعنه.

بل إننا نراه -تحقيقًا لأمانة العلم وإيثارًا لها على الأشخاص- يسجل على حجة الإسلام روايته لأحاديث يصفها العراقي -تارة- بأنها منكرة جدًّا، وتارة بأنها موضوعة أو نحو ذلك فمن ذلك خبر جابر:"من لذذ أخاه بما يشتهي كتب الله له ألف ألف حسنة" قال العراقي: ذكره ابن الجوزي في الموضوعات من رواية محمد بن نعيم، وقال أحمد بن حنبل: هذا باطل كذب.

ولعله يسعنا في هذا المقام أن نسجل على الإمام الغزالي -وهو الفيلسوف المسلم الحكيم، والفقيه العليم- الخطأ البين في رواية هذا الحديث وأمثاله من الموضوعات، فإنها تجرئ الناس -في ظل هذه الترغيبات البراقة، التي تكثر فيها المكافآت الخارجة عن العقل والنقل- على عمل التافه من الأمور، والذي قد يكون بمقتضى عمومه غير مشروع، فيتمسك به العصاة والمستهترون، ويحتجون به على من يحاولون توجيههم إلى الخير بردهم عن العصيان والاستهتار.

وقد نرى الإمام العراقي متجاوبًا مع الغزالي في مقام يورد فيه كلمة الأخبار مجملة فيفصلها العراقي بذكر هذه الأخبار مع تخريج كل منها، وذلك كما أورد الغزالي -نقلًا عن أبي طالب المكي- إن الكبائر سبع عشرة نقلها من جملة الأخبار، فقال العراقي في تخريجه: وسأذكر ما ورد منها مرفوعًا، وقال على طريقته: وقد تقدم أربعة منها في حديث عبد الله بن عمرو، ثم ساق بقية الأحاديث الواردة وخرجها حديثًا حديثًا بما فيها من الموقوفات، ثم اعتذر عن ذلك فقال: وإنما ذكرت الموقوفات حتى يعلم ما ورد من المرفوع وما ورد من الموقوف1.

ونظير ذلك أن الغزالي قال: إن الأخبار الواردة في الملائكة الموكلين بكذا وكذا أكثر من أن تحصى

فعلق عليه العراقي بقوله: الأخبار الواردة في الملائكة الموكلين بالسموات والأرضين وأجزاء النبات

ثم ساق عدة أخبار في هؤلاء الملائكة2.

ومما يتصل بهذا أنه يذكر للخبر عدة روايات ثم يعقب عليه بأنها كلها ضعيفة، أو لا يصح منها شيء، وذلك كما في خبر:"الوضوء قبل الطعام ينفي الفقر، وبعده ينفي اللمم" قال الغزالي: وفي رواية "ينفي الفقر قبل الطعام وبعده" فذكر العراقي عدة روايات في هذا الخبر، من بينها ما هو لأبي داود والترمذي، ثم قال: كلها ضعيفة3، وكما في خبر: "الإنسان عيناه هاد، وأذناه قمع، ولسانه ترجمان، ويداه جناحان

" قال العراقي: أخرجه أبو نعيم في الطب، والطبراني في مسند الشاميين، والبيهقي في الشعب من حديث أبي هريرة نحوه، ولأحمد من حديث أبي ذر:

1 المغني ج4 ص17 وما بعدها.

2 المغني ج4 ص121.

3 المغني ج2 ص3.

ص: 438

وأما الأذن فقمع، وأما العين فمقرة لما يوعى القلب

" ثم قال العراقي: ولا يصح منها شيء.

ثالثًا: ربما ترك العراقي بعض الأخبار دون تخريج، وقد وقع لنا من ذلك أثناء المراجعة خبر: "طلب العلم فريضة على كل مسلم

" 1 الذي ذكره أكثر من مرة، فقد رأيناه في كتاب العلم، كما رأيناه في فضيلة الحلال ومذمة الحرام محالا على كتاب العلم، ولم يخرج العراقي هذا الحديث في المرة الأولى ولا في الثانية، وربما كان عذره أنه خرج حديث: "اطلبوا العلم ولو بالصين" الغزالي منفصلًا عن "طلب العلم فريضة" وهما حديث واحد في كتب الحديث، ولكن العراقي لم يشر إلى ذلك.

وكذلك خبر: "جاهدوا أنفسكم بالجوع والعطش فإن الأجر في ذلك" فإن الحافظ العراقي لم يتعرض له بنفي ولا إثبات، ولم يخرجه مع أنه في أول باب فوائد الجوع.

رابعًا: ومن الظواهر العامة في الكتاب أنه يسيطر على مؤلفه الاستطراد العلمي بما يخرج عن مهمة المخرج، فإنه -أحيانًا- لا يكتفي برد الحديث إلى مرجعه وبيان مرتبته، وإنما يتجاوز ذلك إلى ترجيح بعض الروايات على بعض.

ومما وقع من ذلك تعليقه على قول الغزالي: وفي الصحيح أيضًا أخبار صحيحة في إباحة العزل عن المرأة2، فإن الحافظ العراقي علق على ذلك بإيراد أحاديث تدل على تلك الإباحة، ثم نقل عن البيهقي أن رواة الإباحة أكثر وأحفظ.

خامسًا: ومن الظواهر البينة التي يلمسها متصفح الكتاب دون حاجة إلى بحث وتنقيب ما يراه فيه من كثرة المراجع التي يستعين بها في تخريج الأحاديث، وكثير من هذه المراجع عازب وبعيد، ولا يتيسر الحصول عليه ولا التوصل إليه، من أمثال أبي العباس الذهبي في العلم، وابن المجبر في العقل، والبغوي في معجم الصحابة، وأبي الشيخ في الثواب وكتاب العظمة، وابن قانع، وابن أبي الدنيا وما أكثر ما ينقل عن كتبه المتعددة، وأبي سعيد الماليني في مسند الصوفية، وغير هؤلاء كثير.

وهذا مما يدل على تمكن الحافظ العراقي من العلم، وصبره على البحث والتحري، ودأبه في السعي وراء الحقيقة ينشدها في مظانها من كتب الحديث.

وبعد: فإننا -بهذه الدراسة التي لمس منها القارئ جوانب كثيرة في هذا الكتاب- نستطيع أن نقرر أنه موسوعة علمية حديثية كريمة وقيمة، وهو فوق أنه في ذاته تحفة علمية في بابه، فإنه بضميمته إلى كتاب الإحياء يكونان مجموعة خطيرة في علوم الإسلام ومعارفه التي هيمن فيها

1 المغني ج1 ص9 وج2 ص89.

2 المغني ج2 ص52.

ص: 439

الحافظ العراقي على أهم ناحية يعوزها البحث والتفتيش، فيما هو دعامة يستند إليها حجة الإسلام الغزالي في تحقيق علومه الدينية ومعارفه الإسلامية.

وإذا كان كتاب الإحياء من أعظم منن الله على أمة الإسلام؛ إذ جمع زبد علوم الدين، وأحسن الدعاية لها، والهداية إلى مشاعل الحق والإصلاح في ظلالها فإن تخريج العراقي لأحاديث هذا الكتاب من أعظم منن الله على حجة الإسلام بخاصة، وعلى دارسي هذا الكتاب بعامة، فقد ميز الخبيث من الطيب في تلك الناحية التي لا يتصدى لها إلا الفحول من علماء الدين، وحفاظ الحديث المبرزين.

ولا بد أن نشير هنا إلى أنه إن كان قد فات الحافظ العراقي تخريج بعض الأحاديث فقد تجلت منة الله على هذا الكتاب وعلى قرائه المنتفعين به، وقيض الله له من استكمل ما فات الحافظ العراقي من أحاديثه، وذلك هو الشيخ قاسم بن قطلوبغا إمام المحدثين في عصره في كتابه المسمى: تحفة الأحياء بما فات من تخريج أحاديث الإحياء.

جزى الله الجميع عن جهادهم في تمييز السنة خير الجزاء، ووفقنا للسير على منوالهم، والاستنارة بأنوار مشاعلهم، حتى نستطيع الاحتفاظ بهذا التراث العظيم بعيدًا عن الشبه، جليلًا على المطاعن، يتسلمه من الأجيال القادمة من هو أهل لحمله من هذه الأمة الكريمة إنه سميع مجيب.

ص: 440