الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجامع الصغير:
للحافظ جلال الدين السيوطي المتوفى سنة 911هـ:
نستطيع -في مستهل دراستنا لهذا الكتاب- أن نبارد فنلخص ما قاله مؤلفه عنه: إن الجامع الصغير لباب خال عن القشر، وليس فيه وضاع ولا كذاب، ولذلك فاق الكتب المؤلفة كالفائق والشهاب1، وأنه حوى من نفائس الصناعة الحديثية ما لم يودع قبله في كتاب، وأنه في هذا النوع رتبه على حروف المعجم مراعيًا أول الحديث فما بعده تسهيلًا على الطلاب، وأنه مقتضب من الكتاب الكبير الذي قصد فيه جمع الأحاديث النبوية بأسرها -وقد سبق كلامنا عليه.
ونضيف إلى ذلك ما قاله الشيخ يوسف النبهاني في كتابه الفتح الكبير في ضم الزيادة إلى الجامع الصغير2: وقد وقع لكتابه هذا القبول التام، وعم النفع به سائر البلاد الإسلامية الخاص والعام.
وفي الواقع أن هذا الكتاب -لقصر أكثر الأحاديث الواردة فيه، وتخير المؤلف لها من كنوز السنة، وسهولة عباراتها- قد استطاع أن يتبوأ مكانته في نفوس محبي الحديث النبوي، والحريصين على التضلع من منهله العذب الروي، حتى سنح الانتفاع به لكل قارئ، وأمكن أن يكون سلوى لكل ناشد، يبتغي المتعة العلمية والراحة النفسية.
وقد اشتهر على الألسنة وفي بطون الكتب أن عدد أحاديث هذا الكتاب هي عشرة آلاف وتسعمائة وأربعة وثلاثون حديثًا، وقد طعن النبهاني في مقدمة كتابه الفتح الكبير بأن ما ذكروه من ذلك العدد من غير تحقيق، واستظهر أن جميعهم قد قلد في ذلك شارح الشيخ المناوي -وهو لم يعده بنفسه- فذكر ما ذكره.
ثم قال: والصحيح ما ذكرته هنا؛ لأني عددته بنفسي فوجدته عشرة آلاف حديث يزيد قليلًا نحو العشرة، والفرق كبير بين ما ذكرته وما ذكروه3.
1 مراده كتاب الفائق في اللفظ الرائق، وهو لابن غنايم "غانم" وهو جمال الدين محمد بن عبد الله بن علي بن محمد بن سليمان المتوفى سنة 744هـ قال في كشف الظنون ج2 ص1217 ما معناه: جمع فيه أحاديث من الرقائق على نحو الشهاب مجردة عن الأسانيد، مرتبة على الحروف، فهو من النوع الذي يريده السيوطي من ناحية الترتيب على الحروف وهو غير الفائق للزمخشري فإنه في غريب الحديث وهناك أيضًا الفائق في المواعظ والرقائق للشيخ صدر الدين محمد البارزي المتوفى سنة 785هـ وكلاهما غير داخل في هذه المقارنة. ا. هـ كشف الظنون.
أما الشهاب فهو شهاب الأخبار في الحكم والأمثال والآداب من الأحاديث النبوية للقاضي أبي عبد الله محمد بن سلامة بن جعفر القضاعي الشافعي المتوفى سنة 454 هـ نقل في كشف الظنون ج2 ص1067 عن مؤلف الشهاب أنه قال: جمعت في كتابي هذا ما سمعته من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ألف كلمة من الحكمة في الوصايا والآداب والمواعظ، وجعلتها مسرودة مبوبة محذوفة الأسانيد، مبوبة أبوابًا على حسب تقارب الألفاظ، ثم أوردت مائتي كلمة، وختمت الكتاب بأدعية مروية عنه صلى الله عليه وسلم، أفردت للأسانيد جميعها كتابًا يرجع في معرفتها إليه. ا. هـ.
2 الفتح الكبير ج1 ص3.
3 الفتح الكبير ج1 ص6
ومن حاول أن يعرف ما تناوله هذا الكتاب العظيم من أبواب السنة وجده حاويًا لكل الأبواب الجامعة لأمور الدين، والتي توردها الكتب الجوامع.
ولنضرب لذلك أمثلة نراعي فيها ترتيب الكتاب:
1-
فمن أحاديث العقائد: أول حديث فيه "آتي باب الجنة فأستفتح
…
" الحديث من رواية أحمد ومسلم عن أنس، وهو حديث صحيح.
والحديث الذي يليه وهو: "آخر من يدخل الجنة رجل يقال له جهينة
…
" وهو من رواية الخطيب في رواة مالك عن ابن عمر، وهو حديث ضعيف.
وكذلك الحديث الذي يليه وهو: "آخر قرية من قرى الإسلام خرابًا المدينة" وهو من رواية الترمذي عن أبي هريرة
…
وهكذا.
2-
ومن أحاديث الآداب: "آخر ما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت" وهو من رواية ابن عساكر في تاريخه عن أبي مسعود البدري، وقد أورده في حرف إن بلفظ: "إن مما أدرك الناس
…
" لأحمد والبخاري وأبي داود وابن ماجه عن ابن مسعود، وأحمد عن حذيفة، وهو حديث صحيح.
ومنها حديث: "آفة الدين ثلاثة: فقيه فاجر، وإمام جائر، ومجتهد جاهل" وهو من رواية الديلمي في مسند الفردوس.
وكذلك حديث: "آكل كما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس العبد" وهو من رواية الديلمي في مسند الفردوس.
3-
ومن أحاديث الأحكام: "آمروا النساء في بناتهن" وهو لأبي داود والبيهقي عن ابن عمر وهو حديث حسن.
ومنها حديث: "ايت حرثك أنى شئت، وأطعمها إذا طعمت، واكسها إذا اكتسيت، ولا تقبح الوجه ولا تضرب" من رواية أبي داود عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده، وهو حديث حسن.
وكذلك حديث: "ائذنوا للنساء بالليل إلى المساجد" رواه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي عن ابن عمر، وهو صحيح.
4-
ومن أحاديث الطب: "ائتدموا بالزيت وادهنوا به، فإنه يخرج من شجرة مباركة" من رواية ابن ماجه والحاكم والبيهقي في شعب الإيمان، وهو صحيح.
وحديث: "أبردوا بالطعام فإن الحار لا بركة فيه"، وهو من رواية الديلمي في الفردوس عن ابن عمر، والحاكم عن جابر وعن أسماء
…
إلخ.
وكذلك حديث: "اتقوا صاحب الجذام كما يتقى السبع، إذا هبط واديًا فاهبطوا غيره" رواه ابن سعد عن عبد الله بن جعفر.
5-
ومن أحاديث الترغيب: "اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن" رواه أحمد والترمذي والحاكم والبيهقي في الشعب عن أبي ذر، وأحمد والترمذي والبيهقي في الشعب عن معاذ، وابن عساكر عن أنس، ومنها حديث:"اتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم، فإن الله تعالى يصلح بين المؤمنين يوم القيامة" رواه أبو يعلى والحاكم عن أنس.
وكذلك حديث: "اتقوا الله وصلوا أرحامكم" رواه ابن عساكر عن ابن مسعود بسند ضعيف.
6-
ومن أحاديث الترهيب: "اتقوا البول فإنه أول ما يحاسب به العبد في القبر" رواه الطبراني في الكبير عن أبي أمامة.
وحديث: "اتقوا الحديث عني إلا ما علمتم، فمن كذب عليَّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار"، رواه أحمد والترمذي عن ابن عباس، حسن.
وكذلك حديث: "اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة" رواه أحمد والطبراني في الكبير والبيهقي في الشعب عن ابن عمر، صحيح.
7-
ومن أحاديث بيان فضل العلم والعمل حديث: "إذا أتى عليَّ يوم لا أزداد فيه علمًا يقربني إلى الله تعالى فلا بورك في طلوع الشمس ذلك اليوم" رواه الطبراني في الأوسط وابن عدي وأبو نعيم في الحلية عن عائشة، ضعيف.
وكذلك حديث: "إذا أراد الله بعبد خيرًا فقهه في الدين وألهمه رشده" البزار عن ابن مسعود حسن.
وحديث: "إذا علم العالم فلم يعمل كان كالمصباح يضيء للناس ويحرق نفسه" رواه ابن قانع في معجمه عن سليك الغطفاني، ضعيف.
8-
ومن أحاديث بيان فضل الصحابة: "إذا أراد الله برجل من أمتي خيرًا ألقى حب أصحابي في قلبه" رواه الديلمي في الفردوس عن أنس. ضعيف.
وحديث: "أرأف أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في دين الله عمر
…
" الحديث رواه أبو يعلى عن ابن عمر. ضعيف.
ومنها: "استوصوا بالعباس خيرًا فإنه عمي وصنوا أبي" رواه ابن عدي عن علي، ضعيف.
9-
ومن أحاديث فضائل القرآن: "إذا زلزلت تعدل نصف القرآن، وقل يأيها الكافرون تعدل ربع القرآن، وقل الله أحد تعدل ثلث القرآن" رواه الترمذي والحاكم والبيهقي في الشعب عن ابن عباس بسند صحيح.
ومنها حديث: "استذكوا القرآن فلهو أشد تفصيًا من صدور الرجال من النعم في عقلها" رواه أحمد والشيخان والترمذي والنسائي عن ابن مسعود، صحيح.
وحديث: "اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب في ثلاث سور من القرآن في البقرة وآل عمران وطه". رواه ابن ماجه والطبراني في الكبير والحاكم عن أبي أمامة، صحيح.
10-
ومن أحاديث الهدي النبوي في الدعاء: "إذا صليت الصبح فقل قبل أن تكلم أحدًا اللهم أجرني من النار سبع مرات"1 الحديث رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن حبان عن الحارث التيمي، صحيح.
ومنها حديث: "إذا ظنت أذن أحدكم فليذكرني وليصل علي
…
"2 الحديث رواه العقيلي في الضعفاء والطبراني في الكبير ومسلم وابن عدي عن أبي رافع، ضعيف.
وحديث: "إذا عطس أحدكم فليقل: الحمد لله رب العالمين، وليقل له يرحمك الله، وليقل هو: يغفر الله لنا ولكم" 3 رواه الطبراني في الكبير والحاكم والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود وآخرون، صحيح.
11-
ومن أحاديث فضل الذكر: "إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا. قالوا: وما رياض الجنة؟ قال: حِلق الذِّكر" 4 رواه أحمد والترمذي والبيهقي في الشعب عن أنس، صحيح.
ومنها حديث: "اذكر الله فإنه عون لك على ما تطلب"5 رواه ابن عساكر عن عطاء بن أبي مسلم مرسلًا. ضعيف.
وحديث: "أربع أفضل الكلام لا يضرك بأيهن بدأت: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر"6. رواه ابن ماجه عن سمرة، صحيح.
12-
ومن أحاديث الشمائل النبوية: "كان صلى الله عليه وسلم إذا أتى باب قوم لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه
…
"7 الحديث رواه أحمد وأبو داود عن عبد الله بن بسر، صحيح.
ومنها حديث: "كان صلى الله عليه وسلم إذا أتاه الأمر يسره قال: الحمد لله الذي بنعمه تتم الصالحات، وإذا أتاه الأمر يكرهه قال: الحمد لله على كل حال" 8 رواه ابن السني في عمل اليوم والليلة والحاكم في المستدرك عن عائشة، صحيح.
وحديث: "كان صلى الله عليه وسلم إذا أراد الحاجة لم يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض"9 رواه أبو داود والترمذي عن أنس وعن ابن عمر، والطبراني في الأوسط عن جابر، صحيح.
وهكذا يجد القارئ نفسه في هذا الكتاب بين روضات دمثات يستمتع بعبيرها، ويتنقل بين أزاهيرها، فلا يعتريه ملل مع كثرة ما يفيده من تلك الفيوضات النبوية الكريمة.
1 الجامع الصغير ج1 ص30.
2، 3 الجامع الصغير ج1 ص31.
4 الجامع الصغير ج1 ص35.
5 الجامع الصغير ج1 ص37.
6 الجامع الصغير ج1 ص38.
7 الجامع الصغير ج1 ص100.
8، 9 الجامع الصغير ج1 ص101.
وقد أردنا بهذه الشواهد التي ذكرناها مجرد ضرب المثل ليتصور القارئ بعض ما في الكتاب من غزارة علم، وصنوف أدب وحكم، وبذلك يسعى إلى اقتنائه، ثم يلتمس الإفادة مما كتب عليه العلماء من شروح لهذه الدرر النفيسة.
ونعود بعد ذلك إلى بيان طريقة الكتاب في عرضه للأحاديث النبوية وتخريجها فنرى:
1-
أنه يذكر الأحاديث على ترتيب الحروف -كما قلنا- مراعيًا الحرف الأول ثم الذي يليه والكلمة الأولى ثم التي تليها غالبًا، مؤثرًا اختيار جوامع الكلم النبوي من الأحاديث القصار، لتكون أيسر تناولًا وأسهل حفظًا، فإن ذكر بعض الأحاديث المتوسطة فذلك بالنسبة إلى عدد الأحاديث القصار قليل، وربما دعاه إلى ذلك عظة تستدعي الإطناب كما في حديث: "أما إنكم لو أكثرتم من ذكر هازم اللذات
…
" 1، أو دعاء في ضراعة اقتضت بعض التطويل كحديث: "اللهم إليك أشكو ضعف قوتي
…
" 2، أو كان وصية في أمر ذي بال وشأن كما في حديث: "إن الله تعالى أمرني أن أعلمكم مما علمني
…
" 3 أو كان من الأحاديث القدسية المتآخذة المعاني كحديث: "إن الله تعالى يقول يوم القيامة يابن آدم مرضت فلم تعدني
…
" 4، أو كان من المعاني المترابطة التي تدعو الحاجة إلى عرضها كما هي كحديث: "إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه
…
" 5، أو كان تنويها ببعض أركان الإسلام كما في حديث: "أول ما فرض الله عز وجل على أمتي الصلوات الخمس
…
" 6 ولئن ذكر بعض الأحاديث الطوال فلأن المقام اقتضى إيرادها استكمالًا لأنواع الأحاديث وقد يكون ذلك في الخطب النبوية كما في حديث: "أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى
…
" 7 وحديث: "أما بعد فإن الدنيا خضرة حلوة
…
" 8، وقد يكون في الأدعية كحديث: "اللهم إني أسألك رحمة من عندك تهدي بها قلبي
…
" 9.
2-
وأنه يتبع نص الحديث في أي نوع كان بمن خرجه من أئمة الحديث، والكتب التي كانت مأخذا له فيه، مبينا ذلك بالرمز الذي يبينه إن كان من الرموز التي أوردها في المقدمة، وبالاسم إن لم يكن كذلك، ثم يذكر اسم الصحابي الذي روى الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإن كان موقوفًا ولو في بعض رواياته نبه على ذلك، ثم يذكر درجة الحديث بالرمز الذي عرف عنه دون أن ينبه عليه في المقدمة، ولو أنه كان قد نبه على الرموز التي تدل على درجة الحديث لكان أدق لصنعه لكنا عرفناه من تتبع التقويم لأحاديث الكتاب، وتنبيهات الشراح والناشرين، وقد وجدنا بهذا المعنى تنبيهًا في أول صفحة في الكتاب قبل خطبة المؤلف يقول: الحروف المرموز بها إلى الحديث الصحيح "صح" والحسن "ح" والضعيف "ض" وضعت في كتاب الجامع الصغير عقب رواة الحديث.
1 الجامع الصغير ج 1 ص63.
2 الجامع الصغير ج 1 ص57.
3 الجامع الصغير ج 1 ص68.
4 الجامع الصغير ج 1 ص77
5 الجامع الصغير ج 1 ص87.
6 الجامع الصغير ج 1 ص113.
7 الجامع الصغير ج 1 ص64.
8 الجامع الصغير ج 1 ص64.
9 الجامع الصغير ج 1 ص57.
والواقع أن المؤلف لا يلتزم ذلك التزامًا مطردًا مما يجعل بعض الشارحين يضطر إلى البحث عن مرتبة الحديث، ثم ينبه عليها.
أما رموز الكتاب التي نبه المؤلف عليها في مقدمته بالنسبة لأكثر المخرجين فهي: "خ" للبخاري، "م" لمسلم، "ق" لهما، "د" لأبي داود، "ت" للترمذي، "ن" للنسائي، "5" لابن ماجه، "4" لهؤلاء الأربعة، "3" لهم إلا بن ماجه، "حم" لأحمد في مسنده، "عم" لابنه عبد الله في زوائده، "ك" للحاكم، فإن كان في المستدرك أطلق وإلا بينه، "خد" للبخاري في الأدب، "تخ" له في التاريخ، "حب" لابن حبان في صحيحه، "طب" للطبراني في الكبير، "طس" له في الأوسط "طص" له في الصغير، "ص" لسعيد بن منصور في سننه، و"ش" لابن أبي شيبة، "عب" لعبد الرزاق في الجامع، "ع" لأبي يعلى في مسنده، "قط" للدارقطني فإن كان في السنن أطلق وإلا بين، "فر" للديلمي في مسند الفردوس، "حل" لأبي نعيم في الحلية، "هب" للبيهقي في شعب الإيمان، "هق" له في السنن، "عد" لابن عدي في الكامل، "عق" للعقيلي في الضعفاء، "خط" للخطيب، فإن كان في التاريخ أطلق، وإلا بين.
والسيوطي يكتفي بهذه الرموز، ولا ينبه على بقية من أخذ عنهم، وقد ذكرهم بأسمائهم، في ثنايا الكتاب، ومنهم ابن عساكر في أماليه، ووكيع في الغرر، وابن مردويه في التفسير، وأبو بكر بن الأنباري في المصاحف، وأبو الشيخ في الثواب، وابن سعد، والبغوي في معجمه، والبارودي في المعرفة، والطيالسي، والضياء في المختارة، وابن أبي عاصم في السنة، والشيرازي في الألقاب، والبيهقي في الأدب، وابن أبي الدنيا في ذم الغيبة، والحكيم في نوادر الأصول، وأبو قرة الزبيدي في سننه، وابن خزيمة، وأبو بكر بن لال، وعبد الغني بن سعيد في إيضاح الإشكال، والحلواني، والروياني، وأبو الشيخ في الأذان، وأبو حميد الساعدي
…
، وغير هؤلاء كثير.
ولو أنه رحمه الله نبه على ذلك في مقدمته ولو بإشارة عابرة لأراح القارئ من الوقوف عند الأسماء، فقد لا تكون له دراية بدلالة الاكتفاء التي تدرك بالعقل دون احتياج إلى النص.
وفي الحق أن المتتبع للكتاب يلمس من النظرة الأولى -ودون تعمق في الدراسة- أن هناك جهدًا جهيدًا في استخلاص هذه المجموعة المختارة من الأحاديث، مع ما تقيد به مؤلفه من إيثاره الأحاديث الموجزة من جوامع الكلم، فإنه في الصفحة الواحدة من هذا الكتاب نرى أنه رجع في الأحاديث التي أوردها فيها إلى ما لا يقل عن خمسين كتابًا من أمهات كتب الحديث، حتى استوت له تلك المجموعة التي يطمئن إلى تقديمها للدارسين في حدود ما قيد به نفسه وهو بصدد اختياره.
يضاف إلى ذلك أن كثرة كاثرة من هذه المراجع يتيه الباحث عنها فلا يجدها، وإذا وجد فإنه لا يجد إلا القليل منها، وإذا وجد ذلك القليل فهيهات له أن يستطيع الانتقاء منه على هذا الوجه المؤسس على ملكة حديثية خارقة لما يتصوره الإنسان في أية ملكة يظفر بها دارس أو محدث
3-
وفي هذا المقام نستطيع أن نسجل أن حرص المؤلف على الاختصار متنا وتخريجًا وتقويمًا أعانه على ضبط الكتاب وسرعة إخراجه وتقديمه إلى الدارسين أكثر تهذيبًا، وأعظم ترتيبًا، وأقرب تناولًا، وأيسر تداولًا، حتى إنه -مع ما وصف به من أنه مختصر من الجامع الكبير- كتب له الظهور قبل الجامع الكبير الذي وصف بأنه أصل لهذا الصغير، وقد أعيا على الباحثين إخراج هذا الأصل بعد أن ظل مختفيًا زهاء خمسة قرون.
4-
كما نستطيع أن نسجل أيضًا أنه يبدو لنا أن المؤلف على طريقته في توزيع المجهودات وملاحقة المؤلفات كان يشتغل بوضع الكتابين معًا في وقت واحد قبل اعتراض ما يحول دون تحقيق أمانيه: من ضعف يقعده عن العمل، أو موت مفاجئ، ولعل هذا هو السبب فيما وقع من وجود بعض أحاديث في الجامع الصغير ليس لها وجود في أصله الجامع الكبير، وقد بينت ذلك -مشكورة- لجنة تحقيق الكبير فيما أخرجته من أعداد، وأوردت بالفعل نصوص تلك الأحاديث بأرقامها من الجامع الصغير من النسخة التي طبعت مرقمة لأحاديث هذا الكتاب.
5-
كما نسجل أن هناك مشابه بين الجامعين، ولا غرابة في ذلك وقد خرجا من منبع واحد، فطريقة العرض مشتركة في الجملة: فكل منهما يبدأ بإيراد لفظ الحديث ثم يخرجه بالرموز -وإن اختلفت بعض الاختلاف الذي سنبينه- ثم يورد كل منهما راوي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم مع بيان وقفه إن كان، وأن هناك اختلافات بينهما قد يكون مردها إلى الاستيعاب في أحدهما والاختصار في الآخر، فالجامع الكبير كثيرًا ما يورد الأحاديث المطولة على عكس الجامع الصغير -كما أشرنا إلى ذلك- وفي تخريجه لأحاديث الكبير يحاول الاستيعاب حتى يصل في تخريج الحديث الواحد إلى صفحة أو يزيد، وقد يكون المتن مع ذلك سطرًا أو أقل، ولا نظير لذلك أبدًا في الجامع الصغير.
6-
على أن رموز التخريج في الجامعين مختلفة في الجملة، فمنها رموز يذكرها المؤلف في الجامع الصغير ولا يذكرها في الكبير وذلك مثل "ق" للشيخين و"4" لمن عدا الشيخين من الستة و"3" لهم إلا ابن ماجه، و"خد" للبخاري في الأدب، و"تخ" له في التاريخ.
كما أن منها رموزًا ذكرها في الجامع الكبير لتقويم الأحاديث فلم يستعلمها في الكبير اكتفاء بما أورده من قواعد لهذا الخضم الحافل من كتب التخريج.
7-
أنه بالنسبة للكتب التي نص على صحتها لا يقوم أحاديثها اكتفاء بهذا النص، وبالنسبة للكتب التي نص على ضعفها لا يقوم أحاديثها اكتفاء بهذا النص أيضًا، أما الكتب التي خلطت بين الصحيح والحسن والضعيف فإنه بينها غالبًا بالكلمات لا بالرموز.
وفي ختام دراستنا لكتاب الجامع الصغير نعود فنشير إلى أن خير دليل على مكانته الحديثية الرفيعة أنه رزق من الذيوع والانتشار ما قل أن يظفر بمثله كتاب من نوعه، ولهذا تناوله فحول العلماء من المحدثين وغيرهم بالشرح.
شرحه الشيخ شمس الدين محمد بن العلقمي الشافعي المتوفى سنة تسع وعشرين وتسعمائة في كتابه الذي سماه الكوكب المنير في مجلدين، لكنه قد يترك أحاديث بلا شرح لكونها غير محتاجة إليه، وشرحه الشيخ شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد المتبولي الشافعي، المتوفى سنة ثلاث وألف في كتاب سماه بالاستدراك النضير على الجامع الصغير، ذكر فيه أن ابن العلقمي أطال فيما لا يحتاج إليه، واختصر فيما يحتاج، بل ترك أحاديث فشرحها مفصلًا، وقدم له بمقدمة في أصول الحديث في مجلد، كما شرحه الشيخ شمس الدين المدعو بعبد الرءوف المناوي الشافعي المتوفى سنة إحدى وثلاثين وألف في كتابه الذي سماه فيض القدير في خمسة أجزاء، وسنتناوله بالدراسة في كتب الشروح بإذن الله، ثم اختصره بعضهم وسماه التيسير، كما شرحه الشيخ علي بن أحمد بن محمد المشهور بالعزيزي البولاقي الشافعي المتوفى عام سبعين وألف للهجرة في كتاب سماه السراج المنير بشرح الجامع الصغير في أربعة أجزاء، كما أن للحفني محمد بن سالم حاشية مطبوعة بهامش شرح العزيزي على الجامع الصغير.
ويبدو أن أعظم شرح لهذا الكتاب هو كتاب فيض القدير للمناوي، فقد تحققت به الغنية في خدمة أحاديثه على مختلف أبوابها وأغراضها عن طلب شيء آخر، ويمتاز شرحه هذا بأن لمؤلفه مع السيوطي مناقشات في بعض ما أورده تقويم الأحاديث من صحة أو حسن أو ضعف، وأنه يؤيد رأيه بنقول عن العلماء تؤكد وجهة نظره فيما اختلف فيه مع السيوطي في درجة بعض الأحاديث.
رحم الله الإمام السيوطي، وجزاه عن إخلاصه للعلم والدين خير الجزاء.