الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني: كتب الترغيب والترهيب
مدخل
…
الفصل الثاني: كتب الترغيب والترهيب
تمهيد:
من الأنواع التي تناولها المحدثون بالتأليف، وأفردوا لها كتبًا بعينها، أوردوا فيها من الأحاديث ما يوجد الرغبة في عمل الخير ببيان ما يترتب عليه من ثواب أو أجر، وما ينفر من عمل الشر ببيان ما يترتب عليه من عقاب أو وزر -كتب الترغيب والترهيب.
وليس معنى احتواء هذه الكتب على ما يرغب في الخير أو ينفر من الشر أنه لا يستدل بشيء من أحاديثها على الأحكام الشرعية، وإنما الهدف المقصود من جمع هذه الأحاديث في كتب بعينها أن تتربى على موائدها النفوس الكريمة، فتندفع بها إلى الخير طمعًا في ثواب الله، وتنأى عن الشر خوفًا من عقابه تعالى، على أنه قد يستفاد من بعض هذه الأحاديث الحكم على بعض أفعال المكلفين بالوجوب أو الندب أو الحرمة أو الكراهة.
فمثل حديث: "لا سهم في الإسلام لمن لا صلاة له، ولا صلاة لمن لا وضوء له" 1 المقصود به أولًا الترغيب في كل من الصلاة والوضوء والتنفير من تركهما، ولكنه مع هذا لا يمكن إخلاؤه من الدلالة على أن الصلاة فرض، وأن تركها محظور، وأن الوضوء شرط في صحتها، وكذلك مثل حديث:"لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا صلاة لمن لا طهور له، ولا دين لمن لا صلاة له، وإنما موضع الصلاة من الدين كموضع الرأس من الجسد" 2 فإنه ترغيب في الأمانة والصلاة، وتشديد في الحث على فعل كل منهما، والتخويف من تركهما، ولكنه -مع هذا- واضح الدلالة على وجوب الأمانة وحرمة تركها، وعلى وجوب الصلاة وحرمة تركها كذلك.
فالمقصود -كما بينا- من إيراد أمثال هذه الأحاديث في تلك الكتب إنما هو الحث على الفعل، والتحذير من الترك، وليس فيه مجرد بيان الحكم أو إقامة الدليل كما هو الشأن في الكتب الموضوعة لبيان أدلة الأحكام من السنة المطهرة.
وبعد: فإنه يتضح من هذه المقدمة الموجزة أن الترغيب والترهيب يحتلان مكانة ممتازة في التربية الإسلامية على وجهها الصحيح، بحيث يسهل بها قيادة النفوس لتحقيق الأحكام الشرعية على أكمل الوجوه، ويتم عمران الحياة بدفع كل مكلف إلى الخير وكفه عن الشر، فإذا تم ذلك أخذت الأحكام الشرعية التي تتمثل في كتب الأحكام مكانها، وطبقت على أحسن الوجوه وأكملها ومن هنا كان التصوف المستمد من هذه الأحاديث خير مصلح للنفوس، وكان الآخذون به على وجهه أقرب الناس لتطبيق أحكام الشرع وعدم تجاوزها، فمهمة كتب الترغيب والترهيب خطيرة، ومهمة الداعين بها في معالجة النفوس وتقويمها من أدق المهام وأشقها بغير جدال.
1 الترغيب والترهيب ج1 ص380 أخرجه البزار بسنده إلى أبي هريرة.
2 الترغيب والترهيب ج1 ص381 أخرجه الطبراني في الأوسط والصغير.
من أجل هذا عني علماء السنة قديمًا وحديثًا بجمع أحاديث الترغيب والترهيب وإفرادها في مؤلفات، فمنهم من جمع بين أحاديث الترغيب والترهيب في كتاب، ومنهم من أفرد كلا منهما على حدة، ومن النوع الأول كتاب الترغيب والترهيب للمنذري -وسنتناوله بالدراسة بعون الله- ومن النوع الثاني ترغيبًا كتاب أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وآدابه لأبي الشيخ، وترهيبًا كتاب الزواجر عن اقتراف الكبائر لابن حجر الهيثمي، وسوف نفسح لدراسته مكانًا في هذا الكتاب بإذن الله.
ومن بين من ألفوا في الترغيب والترهيب من علماء الحديث من سنذكرهم مع بيان كتبهم على ترتيب سني وفاتهم على النحو التالي:
1-
كتاب الزهد، وكتاب البر والصلة لأبي عبد الرحمن عبد الله بن المبارك الحنظلي المتوفى عام واحد وثمانين ومائة1.
2-
كتاب الزهد للإمام أحمد بن حنبل الشيباني المتوفى سنة إحدى وأربعين ومائتين2.
3-
كتاب الزهد لأبي السري "هناد بن السري" بن مصعب التميمي الدارمي المتوفى سنة ثلاث وأربعين ومائتين3.
4-
كتاب الترغيب والترهيب، كتاب الأهوال، كتاب فضائل الأعمال، وكتاب الآداب النبوية لحميد بن زنجويه أبو أحمد النسائي الحافظ المتوفى سنة إحدى وخمسين ومائتين للهجرة4.
5-
كتاب الشمائل للترمذي محمد بن عيسى بن سورة بن موسى بن الضحاك السلمي الترمذي المتوفى سنة تسع وسبعين ومائتين للهجرة5.
6-
كتب ابن أبي الدنيا أبي بكر عبد الله بن محمد بن عبيد بن سفيان بن قيس المعروف بابن أبي الدنيا، والمتوفى سنة إحدى وثمانين ومائتين، وله في هذا النوع كتب كثيرة ذكرها صاحبا الرسالة المستطرفة وهدية العارفين6.
7-
ذم الغيبة لأبي إسحاق إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم بن بشير بن عبد الله الحربي المتوفى سنة خمس وثمانين ومائتين7.
8-
نخبة المؤانسة من كتاب المجالسة لأبي بكر أحمد بن مروان بن محمد الدينوري المتوفى سنة ثلاث وتسعين ومائتين، كما ذكره صاحب هدية العارفين أو سنة ثمان وتسعين ومائتين، كما ذكره صاحب الرسالة8.
1 الرسالة المستطرفة ص37، 39 وشذرات الذهب ج1 ص295 وهدية العارفين ج5 ص438.
2 الرسالة المستطفرة ص14، 39، شذرات الذهب ج2 ص96.
3 الرسالة المستطرفة ص39، وشذرات الذهب ج2 ص104.
4 شذرات الذهب ج2 ص124، والرسالة المستطرفة ص43، وكشف الظنون ج1 ص401.
5 شذرات الذهب ج2 ص174 وذيل كشف الظنون ج4 ص54.
6 الرسالة المستطرفة ص34 و38 وهدية العارفين ص 441 ج5.
7 الرسالة المستطرفة ص39، وهدية العارفين ج5 ص4 وشذرات الذهب ج2 ص190.
8 الرسالة المستطرفة ص41، وهدية العارفين ج5 ص55.
9-
كتب: الشكر، واعتلال القلوب، ومساوئ الأخلاق، ومكارم الأخلاق. كلها لأبي بكر محمد بن جعفر بن محمد بن سهل بن شاكر الخرائطي المتوفى سنة سبع وعشرين وثلاثمائة1.
10-
كتاب أدب النفوس لأبي بكر محمد بن الحسين بن عبد الله البغدادي الآجري المتوفى سنة ستين وثلاثمائة للهجرة2.
11-
كتاب الأخلاق للطبراني أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي المتوفى سنة ستين وثلاثمائة للهجرة3.
12-
كتب: أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وآدابه، والأدب، وثواب الأعمال، والتوبيخ، كلها لأبي محمد بن عبد الله بن محمد بن جعفر بن حبان الأصبهاني المعروف بأبي الشيخ المتوفى سنة تسع وستين وثلاثمائة4.
13-
كتاب الأخلاق لأحمد بن علي بن أحمد بن محمد بن فرج بن لال أبي بكر الشافعي المتوفى سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة5.
14-
كتاب الفتوة وأدب الصحبة كلاهما لأبي عبد الرحمن محمد بن الحسين بن موسى السلمي المتوفى سنة اثنتي عشرة وأربعمائة6.
15-
الترغيب في الفروع "وهو يتضمن فروعًا بأدلتها" للإمام أبي بكر فخر الإسلام محمد بن القفال الشاشي الشافعي المتوفى سنة سبع وخمسمائة7.
16-
الأنوار في شمائل النبي المختار لأبي محمد الحسين بن مسعود البغوي المتوفى سنة ست عشرة وخمسمائة8.
17-
الترغيب والترهيب لقوام السنة إسماعيل بن محمد الأصبهاني المتوفى سنة خمس وثلاثين وخمسمائة9.
18-
الترغيب والترهيب لأبي موسى المديني محمد بن أبي بكر عمر بن أحمد الحافظ المتوفى سنة إحدى وثمانين وخمسمائة10.
1 الرسالة المستطرفة ص38 وهدية العارفين.
2 الرسالة المستطرفة ص32 و40 وشذرات الذهب ج3 ص35.
3 الرسالة المستطرفة ص39، شذرات الذهب ج3 ص30.
4 الرسالة المستطرفة ص39-43، وشذرات الذهب ج3 ص69.
5 الرسالة المستطرفة ص39، وهدية العارفين ج5 ص69.
6 الرسالة المستطرفة ص41، وشذرات الذهب ج3 ص196.
7 الرسالة المستطرفة ص43، وشذرات الذهب ج4 ص105، وكشف الظنون ج1 ص400.
8 الرسالة المستطرفة ج4 ص48 ومقدمة وتحقيق كتاب أخلاق النبي وآدابه لأبي الشيخ ص11.
9 شذرات الذهب ج4 ص105، وكشف الظنون ج1 ص400 والرسالة ص43.
10 كشف الظنون ج1 ص401، وشذرات الذهب ج4 ص273.
19-
مشكاة الأنوار فيما روي عن الله سبحانه وتعالى من الأخبار لمحيي الدين بن عربي المتوفى سنة ثمان وثلاثين وستمائة1.
20-
كتاب الترغيب والترهيب للحافظ الكبير الإمام شيخ الإسلام زكي الدين أبو محمد عبد العظيم بن عبد القوي المنذري المتوفى سنة ست وخمسين وستمائة2 وسنتولى بإذن الله دراسته في هذا الفصل من الكتاب.
21-
كتاب رياض الصالحين، وكتاب الأذكار محيي الدين أبي زكريا يحيى بن شرف بن مري بن حسن بن حسين بن محمد بن جمعة بن حزام النووي الدمشقي المتوفى سنة ست وسبعين وستمائة3.
22-
الزواجر في النهي عن اقتراف الكبائر لأبي العباس أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيثمي المصري المتوفى سنة ثلاث وسبعين وتسعمائة للهجرة4. وله دراسة في هذا الكتاب بإذن الله.
23-
الإتحافات السنية في الأحاديث القدسية للإمام محمد عبد الرءوف المناوي المتوفى سنة إحدى وثلاثين وألف للهجرة5. وسنفرد له دراسة بإذن الله.
24-
كتاب الأحاديث القدسية لمؤلفه الشيخ عبد الغني النابلسي المتوفى سنة ثلاث وأربعين ومائة وألف.
هذا ما وقفنا عليه من أسماء المؤلفين في الترغيب والترهيب، وما عرفناه من أسماء مؤلفاتهم، نعرضها على القارئ الكريم لتكون الصورة واضحة فيما سبق، وفيما نحن بصدده من الدراسة زمانًا ومكانًا، ولارتباط السابق باللاحق، وبيان فضل المدرسة المصرية التي استفادت -كما يبدو- من بعض المؤلفات التي سبقتها، ثم أنتجت أول كتاب مستوعب في هذا النوع، ذلك هو كتاب الترغيب والترهيب للإمام الحافظ زكي الدين عبد العظيم المنذري، الذي جمع فيه مؤلفه من كتب السنة ما تفرق من أحاديث الترغيب والترهيب، ولشخصيته الحديثية العظيمة وفق توفيقًا كريمًا في جمع هذه الأحاديث وتبويبها بإضافة كل حديث إلى موضعه، وتخريجها في ضبط يدل على قوة استعداد وبالغ دراية، حتى نستطيع أن نقول: إنه لم يأت بعده مؤلف في هذا النوع من الحديث إلا كان دونه في الضبط والاستيعاب، ولعل جميع من كتبوا بعده كانوا عالة عليه في منهجه ودراسته وطريقة عارضه.
فلنبدأ على بركة الله في دراسة هذا الكتاب العظيم، ثم نتبعه ببعض ما ألف بعده في الترغيب والترهيب، والله الموفق، وهو الهادي لأقوم سبيل.
1 شذرات الذهب ج5 ص190.
2 حسن المحاضرة ج1 ص355 والشذرات ج5 ص277.
3 شذرات الذهب ج5 ص354.
4 شذرات الذهب ج8 ص370.
5 الرسالة المستطرفة ص138.