الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ارشادات الساري لشرح صحيح البخاري
…
إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري:
للحافظ القسطلاني المتوفى سنة 923هـ:
وهذا كتاب من الكتب النافعة في الشروح الحديثية، ومؤلفه الحافظ1 شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن أبي بكر بن عبد الملك، العلامة الحجة الفقيه الرحالة المقرئ المسند. قال السخاوي: مولده ثاني عشر ذي القعدة سنة إحدى وخمسين وثمانمائة بمصر، ونشأ بها وحفظ القرآن، ومن شيوخه الشيخ خالد الزهري النحوي، والفخر المقسمي، والجلال البكري كما أخذ بمكة عن جماعة منهم النجم بن فهد ولم يكن له نظير في الوعظ، وله تصانيف عديدة في علوم القراءات وعلوم الحديث التي من بينها شرحه المسمى إرشاد الساري الذي نورده للدراسة، وتوفي رحمه الله ليلة الجمعة سابع المحرم بالقاهرة عام ثلاث وعشرين وتسعمائة، دفن بالمدرسة العينية جوار منزله.
وكتابه إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري، قدم له بمقدمة بين فيها منهجه، وتعرض فيها لفوائد حديثية، نورد هنا تلخيصًا لما ورد فيها على النحو التالي:
بعد أن تكلم عن السنة وأنها أعظم العلوم قدرًا، وأرقاها شرفًا وفخرًا، وتكلم على كتاب البخاري الجامع، وأنه قد أظهر من كنوز مطالب السنة العالية إبريز البلاغة، وحاز قصب السبق في ميدان البراعة، وأتى من صحيح الحديث وفقهه بما لم يسبق إليه، ولا عرج أحد عليه، وأفاض في مدحه والثناء عليه قال: ولطالما خطر لي في الخاطر المخاطر أن أعلق عليه شرحًا أمزجه فيه مزجًا، وأدرجه ضمنه درجًا، أميز فيه الأصل من الشرح بالحمرة والمداد، واختلاف الروايات بغيرها ليدرك الناظر سريعًا المراد، فيكون باديا بالصفحة، مدركًا باللمحة، كاشفًا بعض أسراره لطالبيه رافعًا النقاب عن وجوه معانيه لمعانيه، موضحًا مشكله، فاتحًا مقفله، مقيدًا مهملة، وافيًا بتغليق تعليقه، كافيًا في إرشاد الساري لطريق تحقيقه، محررًا لرواياته، معربًا عن غرائبه وخفياته.
ثم بين أنه كثيرًا ما أحجم عن الإقدام على هذا العمل؛ لأنه كما قال عن هذا المنزل بمعزل لا سيما وقد قيل: إن أحدًا لم يستصبح سراجه، ولا استوضح منهاجه، ولا اقتعد صهوته، ولا افترع ذروته. ثم قال: ولم أزل على ذلك مدة من الزمان، حتى مضى عصر الشباب وبان فانبعث الباعث إلى ذلك راغبًا، وقام خطيبًا لبنات أبكار الأفكار خاطبًا إلى أن قال: وأطلقت لسان الحكم بعبارة صريحة واضحة وإشارة قريبة لائحة، لخصتها من كلام الكبراء الذين رقت في معارج علوما لشأن أفكارهم، وإشارات الألباء الذين أنفقوا على اقتناص شوارده أعمارهم، وبذلت الجهد في تفهم أقاوئل الفقهماء المشار إليهم بالبنان، وممارسة الدواوين
1 شذرات الذهب ج8 ص122.
المؤلفة في هذا الشأن، ومراجعة الشيوخ الذين حازوا قصب السبق في مضماره، ومباحثه الحذاق الذين غاصوا على جواهر الفرائد في بحاره، ولم أتحاش عن الإعادة في الإفادة عند الحاجة إلى البيان، ولا في ضبط الواضح عند علماء هذا الشأن، قصدًا لنفع الخاص والعام، راجيًا ثواب ذي الطول والإنعام، فدونك شرحًا قد أشرقت عليه من شرفات هذا الجامع أضواء نوره اللامع وصدع خطيبه على منبره السامي بالحجج القواطع، أضاءت مهجته فاختفت منه كواكب الداري وكيف لا وقد فاض عليه النور من فتح الباري.
وبالجملة فإنما أنا من لوامع أنوارهم مقتبس، ومن فواضل فضائلهم ملتمس وسميته إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري.
ثم أورد مقدمة تشتمل على وسائل المقاصد، فإنها جامعة لفصول خمسة ذكر أنها الأصول لقواعد هذا الشرح، وبيان محتوى هذه الفصول ما يأتي:
الفصل الأول:
في فضيلة أهل الحديث وشرفهم في القديم والحديث، ذكر فيه حديث النبي صلى الله عليه وسلم:"نضر الله امرأ سمع مقالتي فحفظها ووعاها وأداها، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه" أورده برواياته المختلفة، وأسانيده المتعددة، وتكلم عنه وأفاض فيه، وأضاف إليه كثيرًا من الأحاديث والآثار تأكيدًا لفضل أهل الحديث وشرفهم، وأنهم -إن شاء الله- الفرقة الناجية.
الفصل الثاني:
في ذكر أول من دون الحديث والسنن ومن تلاه في ذلك سالكًا أحسن السنن، بين فيه اعتماد الأولين من الصحابة والتابعين وأتباعهم على الحفظ والضبط في القلوب والخواطر، غير ملتفتين إلى ما يكتبون، ولا معولين على ما يسطرونه، وذلك لسرعة حفظهم، وسيلان أذهانهم، فلما انتشر الإسلام، وتفرقت الصحابة، وكثرت الفتوحات فمات معظمهم، وتفرق تبعًا لذلك أتباعهم وقل الضبط احتاج العلماء إلى تدوين الحديث وتقييده بالكتابة، وكان أول من أمر بذلك عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه خوف اندراسه، فإنه -كما ورد في الموطأ- كتب إلى أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أن انظر إلى ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أو سننه فاكتبه، فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء، وأنه كتب إلى أهل الآفاق: انظروا إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجمعوه، وأورد أن ابن حجر قال في مقدمة كتابه الفتح: أول من جمع ذلك الربيع بن صبيح وسعيد بن أبي عروبة وغيرهما، وكانوا يصنفون كل باب على حدة إلى أن انتهى الأمر إلى كبار الطبقة الثالثة، فصنف الإمام مالك بن أنس موطأه بالمدينة وصنف كل من الثوري والأوزاعي وعبد الملك بن جريج وحماد بن سلمة بن دينار تصنيفًا وتلاهم كثير من الأئمة، كل بما سنح له، وانتهى علمه إليه.
يسوغ فيه الإفراد نحو أكلت رأس شاتين، والجمع أجود نحو "فقد صغت قلوبكما" وإن كان غير جزئه فالأكثر مجيئه بلفظ التثنية نحو سل الزيدان سيفهما، وإن أمن اللبس جاز جعل المضاف بلفظ الجمع كما في قوله في قبورهما، وقد تجتمع التثنية والجمع في نحو: ظهراهما مثل ظهور الترسين، قاله ابن مالك، ولم يعرف اسم المقبورين ولا أحدهما، فيحتمل أن يكون عليه الصلاة والسلام لم يسمهما قصدًا للستر عليهما، وخوفًا من الافتضاح على عادة ستره وشفقته على أمته صلى الله عليه وسلم، أو سماهما ليحترز غيرهما عن مباشرة ما باشره، وأبهمهما الراوي عمدًا لما مر فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"يعذبان" أي صاحبا القبرين "وما يعذبان في كبير" تركه عليهما "ثم قال" صلى الله عليه وسلم "بلى" إنه كبير من جهة المعصية، ويحتمل أنه عليه الصلاة والسلام ظن أن ذلك غير كبير فأوحي إليه في الحال بأنه كبير فاستدرك، وقال البغوي ورجحه ابن دقيق العيد وغيره: إنه ليس بكبير في مشقة الاحتراز أي كان لا يشق عليها الاحتراز عن ذلك، والكبيرة هي الموجبة للحد أو ما فيه وعيد شديد، وعند ابن حبان في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: يعذبان عذابا شديدًا في ذنب هين "كان أحدهما لا يستتر من بوله" بمثناتين فوقيتين الأولى مفتوحة والثانية مكسورة من الاستتار، أي لا يجعل بينه وبين بوله سترة، أي لا يتحفظ منه، وهي بمعنى رواية مسلم وأبي داود من حديث الأعمش يستنزه بنون ساكنة بعدها زاي ثم هاء من التنزه وهو الإبعاد، ولا يقال إن معنى لا يستتر يكشف عورته لأنه يلزم منه أن مجرد كشف العورة سبب للعذاب المذكور لا اعتبار البول، فيترتب العذاب على مجرد الكشف وليس كذلك، بل الأقرب حمله على المجاز، ويكون المراد بالاستتار التنزه عن البول والتوقي منه، إما بعدم ملابسته، وإما بالاحتراز عن مفسدة تتعلق به كانتقاض الطهارة، وعبر عن التوقي بالاستتار مجازًا، ووجه العلاقة بينهما أن المستتر عن الشيء فيه بعد عنه واحتجاب، وذلك شبيه بالبعد عن ملابسة البول، وإنما رجح المجاز وإن كان الأصل الحقيقة؛ لأن الحديث يدل على أن للبول بالنسبة إلى عذاب القبر خصوصية، فالحمل على ما يقتضيه الحديث المصرح بهذه الخصوصية أولى، وأيضًا فإن لفظة من لما أضيفت إلى البول وهي لابتداء الغاية حقيقة أو ما يرجع إلى معنى ابتداء الغاية مجازا تقتضي نسبة الاستتار الذي عدمه سبب العذاب إلى البول، بمعنى أن ابتداء سبب عذابه من البول، وإذا حمل على كشف العورة زال هذا المعنى، وفي رواية ابن عساكر: لا يستبرئ، بموحدة ساكنة من الاستبراء، أي لا يستفرغ جهده بعد فراغه منه، وهو يدل على وجوب الاستنجاء؛ لأنه لما عذب على استخفافه بغسله وعدم التحرز منه دل على أن من ترك البول في مخرجه ولم يستنج منه حقيق بالعذاب "وكان الآخر يمشي بالنميمة" فعيلة من نم الحديث ينمه إذا نقله عن المتكلم به إلى غيره، وهي حرام بالإجماع إذا قصد بها الإفساد بين المسلمين، وسبب كونهما كبيرتين أن عدم التنزه من البول يلزم منه بطلان للصلاة، وتركها كبيرة بلا شك، والمشي بالنميمة من السعي بالفساد وهو من أقبح
القبائح، ويجاب عن استشكال كونه النميمة من الصغائر بأن الإصرار عليها المفهوم هنا من التعبير بكان المقتضية له يصير حكمها حكم الكبيرة، ولا سيما على تفسيرها بما فيه وعيد شديد، ووقعت في حديثي أبي بكرة عند الإمام أحمد والطبراني بإسناد صحيح:"يعذبان وما يعذبان في كبير، وبلى وما يعذبان إلا في الغيبة والبول" بأداة الحصر، وهي تنفي كونهما كافرين؛ لأن الكافر وإن عذب على ترك أحكام المسلمين فإنه يعذب مع ذلك على الكفر بلا خلاف، وبذلك جزم العلاء بن العطار وقال: لا يجوز أن يقال إنهما كانا كافرين؛ لأنهما لو كانا كافرين لم يدع لهما بتخفيف العذاب عنهما ولا ترجاه لهما.
وقد ذكر بعضهم السر في تخصيص البول والنميمة بعذاب القبر، وهو أن القبر أول منازل الآخرة، وفيه نموذج ما يقع في القيامة من العقاب والثواب، والمعاصي التي يعاقب عليها يوم القيامة نوعان: حق لله، وحق لعباده، وأول ما يقضى فيه من حقوق الله عز وجل الصلاة، ومن حقوق العباد الدماء، وأما البرزخ فيقضى فيه مقدمات هذين الحقين ووسائلهما، فمقدمة الصلاة الطهارة من الحدث والخبث، ومقدمة الدماء النميمة، فيبدأ في البرزخ بالعقاب عليهما "ثم دعا" صلى الله عليه وسلم "بجريدة" من جريد النخل التي ليس عليها ورق فأتي بها "فكسرها كسرتين" بكسر الكاف تثنية كسرة، وهي القطعة من الشيء المكسور، وقد تبين من رواية الأعمش الآتية إن شاء الله تعالى أنها كانت نصفين، وفي رواية جرير عنه باثنتين "فوضع" النبي صلى الله عليه وسلم "على كل قبر منهما كسرة" وفي الرواية الآتية فغرز، وهي تستلزم الوضع دون العكس "فقيل له يا رسول الله" ولابن عساكر فقيل: يا رسول الله "لم فعلت هذا" لم يعين السائل من الصحابة "قال" صلى الله عليه وسلم "لعله أن يُخَفَف" بضم أوله وفتح الفاء أي العذاب، وهاء لعله ضمير الشأن وجاز تفسيره بأن وصلتها لأنها في حكم جملة، لاشتمالها على مسند ومسند إليه، ويحتمل أن تكون زائدة مع كونها ناصبة، كزيادة الباء مع كونها جارة، قاله ابن مالك، ويقوي الاحتمال الثاني حذف إن في الرواية الآتية حيث قال:"لعله يخفف عنهما" أي المعذبين "ما لم تيبس" بالمثناة الفوقية بالتأنيث باعتبار عود الضمير فيه إلى الكسرتين، وفتح الموحدة من باب علم يعلم، وقد تكسر وهي لغة شاذة، وفي رواية الكشميهي إلا أن تيبس بحرف الاستثناء، وللمستملي إلى أن ييبس بإلى التي للغاية، والمثناة التحتية بالتذكير باعتبار عود الضمير إلى العودين؛ لأن الكسرتين هما العودان، وما مصدرية زمنية إلى مدة دوامها إلى زمن اليبس المحتمل تأقيته بالوحي كما قاله المازري، لكن تعقبه القرطبي بأنه لو كان بالوحي لما أتى بحرف الترجي، وأجيب بأن لعل هنا للتعليل، أو أنه يشفع لهما في التخفيف هذه المدة كما صرح به في حديث جابر، على أن القصة واحدة كما رجحه النووي، وفيه نظر، لما في حديث أبي بكرة عند الإمام أحمد والطبراني أنه الذي أتى بالجريدة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه الذي قطع الغصنين، فدل ذلك على المغايرة، ويؤيد
ذلك أن قصة الباب كانت بالمدينة، وكان معه عليه الصلاة والسلام جماعة، وقصة جابر كانت في السفر، وكان خرج لحاجته فتبعه جابر وحده، فظهر التغاير بين حديث ابن عباس وحديث جابر، بل في حديث أبي هريرة رضي الله عنه المروي في صحيح ابن حبان ما يدل على الثالثة، ولفظة أنه صلى الله عليه وسلم مر بقبر فوقف فقال:"ائتوني بجريدتين"، فجعل إحداهما عند رأسه والأخرى عند رجليه، يأتي مزيد لذلك إن شاء الله تعالى في باب وضع الجريدة على القبر في الجنائز.
ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين كوفي وداري ومكي وفيه التحديث والعنعنة، وأخرجه المؤلف هنا عن جرير عن منصور عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما، وفي الآتية عن الأعمش كمسلم عن مجاهد عن طاوس عن ابن عباس، فأسقط المؤلف طاوسًا الثابت في الثانية من الأولى فانتقد عليه الدارقطني ذلك كما سيأتي مع الجواب عنه في الباب اللاحق إن شاء الله تعالى، وقد أخرج المؤلف الحديث أيضًا في الطهارة في موضعين، وفي الجنائز والأدب والحج، ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه في الطهارة، وكذا النسائي فيها أيضًا وفي التفسير والجنائز.
وأورد القسطلاني في كتابه ما يأتي كذلك.
"باب ما يكره من ترك قيام الليل لمن كان يقومه" لإشعاره بالإعراض عن العبادة. وبالسند قال: "حدثنا عباس بن الحسين" بالموحدة والمهملة، والحسين مصغرًا البغدادي القنطري، وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر في الجهاد قال:"حدثنا مبشر" بضم الميم وفتح الموحدة وتشديد المعجمة عند المنذر الحلبي، ولأبي ذر والأصيلي مبشر بن إسماعيل "عن الأوزاعي" عبد الرحمن بن عمر قال المؤلف "ح وحدثني" بالإفراد "محمد بن مقاتل أبو الحسن" المروزي "قال أخبرنا عبد الله" بن المبارك "قال أخبرنا الأوزاعي قال حدثني" بالإفراد، ولأبي ذر حدثنا، وللأصيلي أخبرنا "يحيى بن أبي كثير قال حدثني" بالإفراد "أبو سلمة بن عبد الرحمن" بن عوف "قال حدثني" بالإفراد "عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عبد الله لا تكن مثل فلان" لم يسم "كان يقوم الليل" أي بعضه، ولأبي الوقت في نسخة، ولأبي ذر من الليل أي فيه كإذا نودي للصلاة من يوم الجمعة أي فيها "فترك قيام الليل" وقال هشام: هو ابن عمار الدمشقي مما وصله الإسماعيلي وغيره "حدثنا ابن أبي العشرين" بكسر العين والراء بينهما معجمة ساكنة عبد الحميد بن حبيب الدمشقي البيروني كاتب الأوزاعي تكلم فيه "قال حدثنا الأوزاعي قال حدثني" بالإفراد، وللأصيلي وأبي ذر حدثنا "يحيى" بن أبي كثير "عن عمر" بضم العين وفتح الميم "بن الحكم" بفتح الكاف "بن ثوبان" بفتح المثلثة "قال حدثني" بالإفراد "أبو سلمة" بن عبد الرحمن "مثله" ولأبوي ذر والوقت بهذا مثله، وفائدة ذكر المؤلف لذلك التنبيه على أن زيادة عمر بن الحكم بن ثوبان بن يحيى وأبي سلمة من المزيد في متصل الأسانيد؛ لأن يحيى قد صرح بسماعه من أبي سلمة، ولو كان بينهما واسطة لم يصرح بالتحديث "وتابعه" بواو
العطف، ولأبي ذر تابعه بإسقاطها أي تابع ابن أبي العشرين على زيادة عمر بن الحكم "عمرو بن أبي سلمة" بفتح اللام أبو حفص الشامي "عن الأوزاعي" وقد وصل هذه المتابعة مسلم.
هذان مثالان مما كتبه القسطلاني شرحًا على البخاري، أوردناهما على صورة ما وردا عليه في كتابه وأولهما استدعت ضرورة البيان والشرح أن يطيل فيه، وثانيهما اقتصر فيه من الشرح على ما دعت إليه الحاجة، ومن مجموعها تتجلى طريقة المؤلف فيما عالج به أصله البخاري من شرح لما جاء فيه.
ونرى أن هذا الشرح من هذا الإمام العظيم يلي حاجة طالب العلم في شرح كتاب البخاري سواء في ذلك ما ورد فيه من تراجم، وما جاء فيه من متون الحديث بأسانيدها ورجالها، وكما أنه يفيد طالب البيان في غريب الحديث ومشكلاته، وينير الطريق أمام الدارس لمسائل الخلاف في الفروع بين المذاهب الفقهية، وإن فيه لخيرًا كثيرًا لدارسي السنة والمنتفعين بها في دينهم ودنياهم ونسأل الله التوفيق.
فيض القدير بشرح الجامع الصغير:
للعلامة محمد عبد الرءوف المناوي المتوفى سنة 1031هـ:
ومؤلفه سبق أن ترجمنا له بما تيسر عند الكلام على الإتحافات السنية من بين كتب الجوامع.
وهذا الكتاب تناول فيه شرح الأحاديث التي أوردها الحافظ السيوطي في جامعه الصغير من أحاديث البشير النذير.
وقال في مقدمته لهذا الشرح: فهذا ما اشتدت إليه حاجة المتفهم، بل وكل مدرس ومعلم، من شرح على الجامع الصغير للحافظ الكبير، الإمام الجلال الشهير، ينشر جواهره، ويبرز ضمائره ويفصح عن لغاته، ويكشف القناع عن إشاراته
…
إلى آخر ما قال. وأوضح أنه بتأليفه هذا لم يدخل في عداد الناسخين، بلى أتى بالفوائد الشاردة من قاموس فكره وعباب قريحته، وأنه لم يعرب من ألفاظه إلا ما كان خفيًّا لأن الشأن هو معرفة قصده صلى الله عليه وسلم وبيان ما تضمنه كلامه من الحكم والأسرار، بيانًا تعضده أصول الشريعة، وتشهد بصحته العقول السليمة، وما سوى ذلك ليس من الشرح في شيء.
وقال: ولم أكثر من نقل الأقاويل والخلافات؛ لأن ذلك من أعظم الآفات على طالب الحديث فإنه يدهش عقله ويحير ذهنه، كما قال حجة الإسلام.
ثم قال: إنه سمى كتابه هذا فيض القدير بشرح الجامع الصغير، ويحسن أن يترجم بمصابيح التنوير على الجامع الصغير، ويليق أن يدعى بالبدر المنير في شرح الجامع الصغير، ويناسب أن يوسم بالروض النضير في شرح الجامع الصغير.
ثم بين اصطلاحه في هذا الكتاب، فأورد أنه حيث يقول القاضي فالمراد به البيضاوي، أو العراقي فجدنا من قبيل الأمهات الحافظ زين الدين العراقي، أو جدي فقاضي القضاة يحيى المناوي أو ابن حجر فخاتمة الحفاظ أبو الفضل العسقلاني1.
وبدراستنا لهذا الكتاب، وتتبعنا لبعض ما ورد فيه، وجدنا من الظواهر ما نسجله فيما يأتي:
1-
يشرح المتن شرحًا كافيًا بعبارة طلية، ويستشهد في ذلك بكثير من الآيات والأحاديث المناسبة، ويؤيد ما يراه بالنقل عن السابقين من العلماء، وربما يذكر بعد إفاضته في شرح الحديث أنه موضوع، وأنه كان الأولى للمصنف تركه.
1 من مقدمة فيض القدير: ج1 ص3 بتصرف.
ففي شرحه لحديث "ابن آدم 1 عندك ما يكفيك وأنت تطلب ما يطغيك، ابن آدم لا بقليل تقنع ولا بكثير تشبع. ابن آدم، إذا أصبحت معافى في جسدك، آمنًا في سربك، عندك قوت يومك، فعلى الدنيا العفاء""عدهب" عن ابن عمر "صح"، أورد المؤلف معنى "ما يكفيك" بأنه ما يسد حاجتك، ومعنى "وأنت تطلب ما يطغيك" أي تحاول أخذ ما يحملك على الظلم ومجاوزة الحدود الشرعية، ثم استشهد بالآية الكريمة:{إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى، أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى} ثم قال: فإذا كان عندك ما يكفيك حالا فأشكر نعمة ربك ولا تطلب زيادة تطغيك "ابن آدم لا بقليل تقنع" أي ترضى لفقر نفسك إلى الزيادة، والقناعة: الرضا بما قسم، وتطلق على الاكتفاء بقدر الضرورة، وهو معنى قولهم الرضا باليسير، ولعل المراد هنا بقوله:"تقنع" لا بقيد القلة وإلا لكفى أن يقول لا تقنع، ونكتة قصر القناعة على الرضا والنص على لفظ القلة معه رعاية الطباق بين القلة والكثرة المذكورة بقوله:"ولا من كثير تشبع" وهو من أنواع البديع المستحسنة، والباء في "بقليل" للمصاحبة، ومن في "من كثير" بمعنى الباء، ثم لما نعى عليه حاله، وذم إليه خصاله حثه على الزهادة، وبين له أن الكفاف مع الصحة والأمن محصل للغرض وزيادة، فقال له:"ابن آدم، إذا أصبحت" أي دخلت في الصباح "معافى" أي سالمًا من الأسقام والآثام، ومن قصره على الأول فقد قصر، والعافية والسلامة ودفع البلاء والمكروه "في جسدك" بدنك. قال الراغب: والجسد كالجسم لكنه أخص فلا يقال الجسد لغير الإنسان، أو الجسد يقال لما له لون والجسم لما لا يبين له لون كالماء والهواء "آمنًا" بالمد وكسر الميم "في سربك" -بكسر فسكون- نفسك، أو -بفتح وسكون- مذهبك ومسلكك، أو -بفتحتين- بيتك "عندك قوت يومك" ما يقوم بكفايتك في يومك وليلتك، وخص اليوم لأنه يستتبعها، أو لأن الليل غير محل للاقتياب. قال في الصحاح: القوت ما يقوم به البدن، وفي المفردات ما يمسك الرمق. "فعلى الدنيا العفاء" بفتح المهملة والفاء كسماء الهلاك والدروس وذهاب الأثر. قال الزمخشري ومنه قولهم: عليه العفاء إذا دعا عليه ليعفو أثره، والمعنى إذا كنت كذلك فقد جمع الله لك ما تحتاجه من الدنيا، فدع عنك ما عداه، واشتغل بما يقربك إلى الله. قال الغزالي: ومهما تأملت الناس كلهم وجدتهم يشكون ويتألمون من أمور وراء هذه الثلاث مع أنه وبال عليهم، ولا يشكرون نعمة الله فيها. ومر سليمان عليه السلام على بلبل بشجرة يحرك رأسه ويميل ذنبه فقال: أتدرون ما يقول؟ قالوا: الله ونبيه أعلم: قال: يقول أكلت نصف ثمرة فعلى الدنيا العفاء. وصاحت فاخيه فأخبر أنها تقول: ليت ذا الخلق لم يخلقوا، وقال صالح بن جناح لابنه: إذا مر بك يوم وليلة وقد سلم فيهما دينك ومالك وبدنك وعيالك، فأكثر الشكر لله، فكم من مسلوب دينه، ومنزوع ملكه، ومهتوك ستره في ذلك اليوم وأنت في عافية، ومن هنا نشأ زهد الزاهدين فاستراحت قلوبهم بالزهد، وانكفوا بالورع عن الكد، وتفرغت قلوبهم وأعمالهم لبذل الجد في سبيل الحمد، وميز القريب من البعيد، والشقي من السعيد، والسادة من العبيد، وهذا هو المهيع.
1 فيض القدير: ج1 ص86.
الذي قبض بسطة وجوه القلوب، فلم يبق للعاقل خطر فيما زاد على كسرة تكسر شهوته، وسترة تواري عورته، وما زاد متجر إن أتفقه ريحه، وإن ادخره خسره، وفيه حجة لمن فضل الفقر على الغنى. وقد أفاد مطلع الحديث أن الصحة نعمة عظيم وقعها، جزيل نفعها، بل هي أجل النعم على الإطلاق، وفي إشعاره إعلام بأن العالم ينبغي له ألا يغفل عن وعظ الناس، إذ الإنسان لما جبل عليه من الغفلات لا بد له من ترغيب يشده، وترهيب يرده، ومواعظ ترققه، وأعمال تصدقه، وإخلاص يحققه، لترتفع أستار الغيبة عن عيون القلوب، وتكسب الأخلاق الفاضلة لتصقل الصداء عن مرائي النفوس، ولقد هز القلوب بحسن هذا النظم وبلاغة تناسبه، وبداعة ربطه، وبراعة تلاحمه:{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} 1.
ثم شرح التخريج فقال: "عدهب" وكذا الخطيب وأبو نعيم وابن عساكر وابن النجار "عن ابن عمر" بن الخطاب، ونقله عن ابن عدي، وسكوته عليه يوهم أنه خرجه وسلمه، والأمر بخلافه، بل قال أبو بكر الداهري: أحد رجاله كذاب متروك. وقال الذهبي: متهم بالوضع وهكذا هو في مسند البيهقي، وذكر نحو الحافظ ابن حجر، فكان ينبغي حذفه.
وبعد، فإن التزام المؤلف بشرح ما ورد في الجامع الصغير يدعوه إلى الوفاء بما التزم، فهو يشرح النص الوارد فيه بما يفتح الله به عليه، ويعزز شرحه بما يورده من آيات وأحاديث، وما يذكره من نقول عن العلماء في ذلك، وإن أمانته العلمية لتحتم عليه أن يذكر رأيه في إسناد النص الذي شرحه، ويذكر كذلك رأي علماء الحديث فيه، حتى ولو كانت نتيجة هذه الآراء الحكم بأنه موضوع، وأنه كان ينبغي حذفه كما فعل في هذا الحديث.
هذا هو مسلك المؤلف في شرحه للأحاديث الواردة في الجامع الصغير، وهو -كما يبدو- وافٍ بالغرض مؤدٍ للمقصود، وإن كان لنا من ملاحظة عليه في هذا المسلك فإنما هي في أنه -في الأعم الأغلب- حينما ينقل عن العلماء والسابقين لا يعزز نقله بإسناد، ولا يذكر كتابًا رجع إليه في روايته لهذه النقول.
2-
يورد المؤلف أثناء الشرح فوائد وتنبيهات وتتمات يروي فيها بعض الآثار، أو يذكر فيها نقولًا عن العلماء، أو يحكي قصة أو رؤيا أو غير ذلك.
ومثل هذا ورد في شرحه لحديث: "ابنوا المساجد، وأخرجوا القمامة منها، فمن بنى لله بيتًا بنى الله له بيتًا في الجنة، وإخراج القمامة منها مهور الحور العين" حيث أورد فائدة2 قال فيها: أخرج أبو الشيخ من مسند عبيدة بن مرزوق: كانت امرأة بالمدينة تقم المسجد فماتت، فلم يعلم المصطفى صلى الله عليه وسلم بها، فمر على قبرها فقال:"ما هذا؟ " قالوا: أم محجن. قال: "التي كانت تقم المسجد؟ " قالوا: نعم، فصل الناس فصلى عليها ثم قال:"أي العمل وجدتِ أفضل؟ " قالوا: يا رسول الله أتسمع؟ فقال: "ما أنت بأسمع منها": ثم ذكر أنها أجابته: "قم المسجد".
1 من سورة الحجر، آية:37.
2 فيض القدير: ج1 ص84.
وما ورد في نهاية شرحه لحديث: "أتدرون ما العضه؟ نقل الحديث من بعض الناس إلى بعض ليفسدوا بينهم" فقد أورد تتمة1 قال فيها: تتبع رجل حكيمًا سبعمائة فرسخ لأجل سبع كلمات قال: أخبرني عن السماء وما أثقل منها، وعن الأرض وما أوسع منها، وعن الحجر وما أقسى منه وعن النار وما أحر منها، وعن الزمهرير وما أبرد منه، وعن البحر وما أغنى منه، وعن اليتم وما أذل منه؟ فقال: البهتان على البريء أثقل من السماء، والحق أوسع من الأرض، والقلب القانع أغنى من البحر، والحرص والحسد أخر من النار، والحاجة إلى الغير إذا لم تنجح أبرد من الزمهرير وقلب الكافر أقسى من الحجر، والنمام إذا بأن للناس أمره أذل من اليتيم.
وبعد شرح لحديث: "اتخذوا عند الفقراء أيادي فإن لهم دولة يوم القيامة" أورد فائدة2 قال فيها: رأى بعض العارفين عليًّا كرم الله وجهه في النوم فقال له: ما أحسن الأعمال؟ قال: عطف الأغنياء على الفقراء، وأحسن منه تيه الفقراء على الأغنياء ثقة بالله تعالى.
وأورد المؤلف تنبيهًا وتتمة بعد شرحه لحديث: "اتق الله يا أبا الوليد لا تأتي يوم القيامة ببعير له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة لها ثؤاج". فأما التنبيه3 فقال فيه: قال حجة الإسلام هذا الحمل حقيقي، فيأتي به حاملًا له، معذبًا بحمله وثقله، يعدل الجبل العظيم، مرعوبًا بصوته، وموبخا بإظهار خيانته على رءوس الأشهاد، والملائكة تنادي:"هذا ما أغله فلان بن فلانة رغبة فيه وشحا". وأما التتمة4 فقال فيها: أجمعوا على أن الغال: يجب عليه إعادة ما غل قبل القسمة، وكذا بعدها عند الشافعي رحمه الله تعالى، فيحظفه الإمام كالمال الضائع، وقول مالك: يدفع الإمام خمسة ويتصدق بالباقي، فيه أنه لم يملكه فكيف يتصدق بمال غيره.
وفي ختام شرحه لحديث: "أد ما اقترض الله تعالى عليك تكن من أعبد الناس، واجتنب ما حرم الله عليك تكن من أورع الناس، وارض بما قسمه الله لك تكن من أغنى الناس" أورد تتمة قال فيها5: قال الغزالي: للشرع حكمان: حكم الجواز وحكم الأفضل الأحوط، فالجائز يقال له حكم الشرع، والأفضل الأحوط يقال له حكم الورع فافهم، وبه يخرج الجواب على من قال: الورع موضوع على التشديد، والشرع موضوع على اليسر والسماحة.
كما أورد فائدة بعد شرحه لحديث: "إذا أراد الله بعبد خيرًا فتح له قفل قلبه، وجعل فيه اليقين والصدق، وجعل قلبه واعيًا لما سلك فيه، وجعل قلبه سليمًا، ولسانه صادقًا، وخليقته مستقيمة، وجعل أذنه سميعة، وعينه بصيرة"، وقال في هذه الفائدة6: قال الشبلي: استنار قلبي يومًا فشهدت ملكوت السموات والأرض، فوقعت مني هفوة فحجبت عن شهود ذلك، فعجبت كيف حجبني هذا الأمر الصغير عن هذا الأمر الكبير؛ فقيل لي: البصيرة كالبصر أدنى شيء فيه يعطل النظر.
1 فيض القدير: ج1 ص114.
2 فيض القدير: ج1 ص113.
3 فيض القدير: ج1 ص123.
4 فيض القدير: ج1 ص124.
5 فيض القدير: ج1 ص224.
6 فيض القدير: ج1 ص260.
مثل هذا ما أورده من تنبيه وفائدة إثر شرحه لحديث: "أوحى الله تعالى إلى إبراهيم: يا خليلي، حسن خلقك ولو مع الكافر تدخل مداخل الأبرار، فإن كلمتي سبقت لمن حسن خلقه أن أظله في عرشي، وأن أسكنه حظيرة قدسي، وأن أدنيه من جواري".
فقال في التنبيه1: قال الراغب: التخلق والتشبه بالأفاضل ضربان. محمود، وهو ما كان على سبيل الارتياض والتدريب على الوجه الذي ينبغي، وبالمقدر الذي ينبغي، ومذموم؛ وهو ما كان رياء وتصنعًا، ويتحراه فاعله ليذكر به، ويسمى تصنعًا وتشيعًا، ولا ينفك صاحبه من اضطراب يدل على تشيعه.
وقال في الفائدة2: قال العارف ابن عربي: ينبغي لطالب مقام الخلة أن يحسن خلقه لجميع الخلق: مؤمنهم وكافرهم، طائعهم وعاصيهم، وأن يقوم في العالم مقام الحق فيهم، فإن المرء على دين خليله من شمول الرحمة، وعموم اللطف من حيث لا يشعرهم أن ذلك الإحسان منه، فمن عامل الخلق بهذه الطريقة صحت له الخلة، وإذا لم يستطع بالظاهر لعدم الموجود أمدهم بالباطن فيدعو لهم بينه وبين ربه، وهكذا حال الخليل فهو رحمة كله.
ومثل هذا في الكتاب كثير، ولكن المؤلف رحمه الله لم يكن -فيما يبدو- يتحرى الدقة في كل ما ينقله، ولا يهتم بصحة المنقول في بعض ما يرويه، فقد نرى من بين هذه النقول ما يبدو أنه ملفق، ومتكلف أو مصنوع، بما يحس معه القارئ بأنه ليس بصدد كتاب حديث، وإنما يقرأ كتاب وعظ قد يشبع العاطفة ولكنه لا يرضي العلم، يعتمد في نقوله على ما هو أدخل في باب الترغيب والترهيب.
ومن ذلك ما أورده المؤلف بعد شرحه لحديث: "اتخذوا الغنم فإنها بركة": فقد أورد فائدة3 قال فيها: حُكي في الوحيد أنه ورد في بعض الآثاء أن الخليل صلى الله عليه وسلم كان له أربعة آلاف كلب في غنمه، في عنق كل كلب طوق من الذهب الأحمر زنته ألف مثقال، فقيل له في ذلك، فقال: إنما فعلت ذلك لأن الدنيا جيفة وطلابها كلاب، فدفعتها لطلابها.
3-
يستدرك على المصنف ما فاته من متن الحديث فينبه إليه، ويصحح روايته: ففي حديث: "أبو بكر صاحبي ومؤنسي في الغار، سدوا كل خوخة في المسجد غير خوخة أبي بكر"4 أورد تنبيهًا ذكر فيه أن تصرف المصنف بإيراد الحديث على هذا النحو يوهم أن سياق الحديث هكذا فحسب، وقال: إن الأمر بخلافة بل سقط من قلمه بعضه، ولفظه عند مخرجه الذي عزاه إليه "عم عن ابن عباس""أبو بكر صاحبي ومؤنسي في الغار فاعرفوا له ذلك كله، فلو كنت متخذًا خليلًا غير ربي لاتخذت أبا بكر خليلًا"، ثم قال:"سدوا كل خوخة في المسجد، غير خوخة أبي بكر".
1 فيض القدير: ج3 ص71.
2 نفس المرجع والصفحة.
3 فيض القدير: ج1 ص112.
4 فيض القدير: ج1 ص90.
وكذلك حديث: "أهون أهل النار عذابًا يوم القيامة رجل يوضع في إخمص قدميه جمرتان يغلي منهما دماغه" ذكر فيه المؤلف1 أن المصنف أورده عن مسلم عن النعمان بن بشير الأنصاري ولكن رواية مسلم لفظها من حديث النعمان: "إن أهون أهل النار" وإنما قال: "أهون" في حديث ابن عباس الآتي، فهذا مما لم يحرر فيه المؤلف التخريج.
4-
يزيل ما يبدو بين بعض الأحاديث من تعارض، ويعمل على اتساقها والتوفيق بين بعضها وبعض، أو بينها وبين ما هو معلوم من الدين بنصوص القرآن الكريم.
ومن ذلك ما أورده في حديث: "ابغوني الضعفاء فإنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم" حيث قال: هذا الحديث وما على منواله: "هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم" قد وقع التعارض ظاهرًا بينه وبين خبر مسلم: "المؤمن القوى خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير"، وعند التأمل لا تدافع؛ إذ المراد بمدح القوة؛ القوة في ذات الله وشدة العزيمة، وبمدح الضعف لين الجانب، ورقة القلب، والانكسار بمشاهدة جلال الجبار، أو المراد بذم القوة التجبر والاستكبار، وبذم الضعيف ضعف العزيمة في القيام بحق الواحد القهار، على أنه لم يقل هنا إنهم ينصرون بقوة الضعفاء، وإنما مراده بدعائهم أو بإخلاصهم أو نحو ذلك.
- ومن ذلك أيضًا ما نقله عن ابن الجوزي في حديث: "أبو بكر صاحبي ومؤنسي في الغار" حيث قال2: وقد أورد ابن الجوزي الحديث في الموضوعات بتوهمه معارضته لحديث أبي بكر مع أنه قد أجمع جمع منهم البزار والكلاباذي والطحاوي بأن سد الأبواب وقع مرتين، ففي الأولى استثنى باب علي؛ لأن بابه كان إلى جهة المسجد، ولم يكن لبيته باب غيره، فلما امروا بسدها سدوها، وأحدثوا خوخًا يستقربون الدخول للمسجد منها، فأمروا بعد بسدها غير خوخة أبي بكر.
وفي حديث: "اتقوا المجذوم كما يتقى الأسد" وفق المؤلف بينه وبين خبر: "لا عدوى ولا طيرة" حيث قال:3 ولا يناقضه خبر: "لا عدوى ولا طيرة" لأنه نفي لاعتقاد الجاهلية نسبة الفعل لغير الله، فوقوعه بفعله تقدس، أو لأن الطاعون ينزل ببلد فيخرج منها خوف العدوى، وأما المجذوم ومثله المسلول فلم يرد به في هذا الخبر وما أشبهه إلا التحرز عن تعدي الرائحة، فإنها تستقم من أطال اشتمامها باتفاق حذاق الأطباء، وأكل المصطفى صلى الله عليه وسلم معه تارة، وتارة لم يصافحه لبيان الجواز، وصحة الأمر على سالك طريق الفرار وسالك طريق التوكل، ففعل الأمرين ليأخذ من قويت ثقته بريه بطريق التوكل، ومن ضعف بطريق التحفظ، ثم قال: والحاصل أن الأمور التي يتوقع منها الضرر قد أباحت الحكم الربانية التحرز عنها، فلا ينبغي للضعفاء أن يقربوها، وأما أهل الصدق واليقين فبالخيار، وعلى ذلك ينزل ما تعارض من الأخبار.
1 فيض القدير: ج3 ص38.
2 فيض القدير: ج3 ص91.
3 فيض القدير ج1 ص137.
ومثل ذلك ما أورده في حديث: "أدنى ما تقطع فيه يد السارق ثمن المجن" حيث قال:1 وعورض هذا الحديث بأحاديث: منها خير الشيخين عن ابن عمر: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم" وخبر البيهقي عن عمر: "قيل لعائشة: ما ثمن المجن؟ قالت: ربع دينار" قال ابن عبد البر: هذا أصح حديث في الباب، قال ابن حجر: ويجمع بأنه قال أولًا: لا قطع فيما دون العشرة، ثم شرع القطع في الثلاثة فما فوقها، فزيد في تغليظ الحد كما زيد في تغليظ حد الخمر، وأما سائر الروايات فليس فيها إلا الإخبار عن فعل وقع في عهده صلى الله عليه وسلم وليس فيه تحديد النصاب، فلا ينافي رواية ابن عمر أنه قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم، وهو مع كونه حكاية فعل لا يخالف حديث عائشة أن قيمته ربع دينار، فإن ربع الدينار صرف ثلاثة دراهم، وليس المراد به مجنًا بعينه، بل الجنس وأن القطع كان يقع في كل شيء يبلغ قدر ثمن المجن فيكون نصابًا، ولا يقطع فيما دونه
…
إلى آخر ما ذكره ونقله من توفيق العلماء بين الأحاديث التي يظهر فيها التعارض.
5-
يشرح تخريج الحديث وتقويمه، ويتحدث عن رجاله، ويضيف إلى التخريج جديدًا في بعض الأحيان، وذلك مثل ما صنعه في تخريج حديث:"آخر ما تكلم به إبراهيم حين ألقي في النار حسبي الله ونعم الوكيل" فإنه قال2: "خط" في ترجمة محمد بن يزداد "عن أبي هريرة" الدوسي "وقال" أي الخطيب حديث "غريب" أي تفرد به حافظ ولم يذكره غيره، ورواه عنه أيضًا الديلمي هكذا "والمحفوظ" عند المحدثين "عن" أبي العباس عبد الله "ابن عباس" ترجمان القرآن الذي قال فيه علي كرم الله وجهه: كأنما ينظر إلى الغيب من وراء ستر رقيق، وأخرج ابن عساكر أنه كان يسمي حكيم المعضلات، ولم يرد عن أحد من الصحابة في الفتوى أكثر منه، وعمي آخر عمره كأبيه وجده "موقوف" عليه غير مرفوع، لكن مثله لا يقال من قبل الرأي فهو في حكمه، وهذا الموقوف صحيح، فقد أخرجه البخاري في صحيحه عنه بلفظ:"كان آخر قول إبراهيم حين ألقي في النار حسبنا الله ونعم الوكيل" وفي رواية له عنه أيضًا: "حسبنا الله ونعم الوكيل، قالها إبراهيم حين ألقي في النار، وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قالوا: إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم".
ومثل ذلك حديث: "أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة" الحديث شرح تخريجه كما يأتي3:
"حم والضياء" المقدسي في المختارة وأبو نعيم وابن أبي شيبة وغيرهم "عن سعيد بن زيد" عن عمرو بن نفيل "ت" وكذلك أحمد ولعله أغفله سهوًا وأبو نعيم في المعرفة كلهم من حديث عبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه "عن" جده "عبد الرحمن بن عوف" الزهري وعبد الرحمن هذا تابعي ثقة إمام، وأبوه حميد أحد سادات التابعين ومشاهيرهم، خرج له الجماعة، قال ابن حجر: يكفي من مناقبه هذا الحديث الحسن وحده، فكيف مع كثرتها.
1 فيض القدير: ج1 ص231.
2 فيض القدير: ج1 ص44.
3 فيض القدير: ج1 ص92.
وفي شرحه لتخريج حديث: "أتاني جبريل فقال: يا محمد عش ما شئت فإنك ميت
…
" الحديث1 "الشيرازي" في كتاب معرفة "الألقاب والكنى" عن إسماعيل عن زافر بن سليمان عن محمد بن عيينة عن أبي حازم عن سهل بن سعد "ك" في الرقاق من طريق عيسى بن صبح عن زافر "هب" من طريق محمد بن حميد عن عيسى بن صبح عن زافر عن ابن عيينة عن أبي حازم "عن سهل بن سعد" ابن مالك الخزرجي الساعدي، قال الحاكم: صحيح، وأقره الذهبي في التلخيص مع أن زافرًا أورده هو وغيره في الضعفاء، ولهذا جزم الحافظ العراقي في المغني يضعف الحديث، قال: وجعله بعضهم من كلام سهل ومراده القضاعي "هب" من طريق أبي داود الطيالسي عن الحسن بن أبي جعفر عن أبي الزبير "عن جابر" بن عبد الله "حل" عن محمد بن عمر عن محمد بن الحسن وعلي بن الوليد قالا: حدثنا علي بن حفص بن عمر عن الحسن بن الحسين بن زيد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن الحسن "عن علي" أمير المؤمنين وزاد في هذه الرواية: فقال صلى الله عليه وسلم: "لقد أوجز لي جبريل في الخطبة" قال ابن حجر في أماليه: أخرجه الحاكم من طريق عيسى بن صبح عن زافر، وصححه البيهقي من طريق ابن حميد عن زافر، قال أعني ابن حجر: تفرد بهذا الإسناد زافر وما له طريق غيره، وهو صدوق كثير الوهم، والراوي عنه فيه مقال لكن تويع، قال: وقد اختلف فيه نظر حافظين فسلكا طريقين متناقضين، فصححه الحاكم ووهاه ابن الجوزي، والصواب أنه لا يحكم عليه بصحة ولا وضع، ولو توبع زافر لكان حسنًا، لكن جزم العراقي في الرد على الضغاني والمنذري في ترغيبه بحسنه.
وكذلك في تخريج حديث: "أهل الشام سوط الله تعالى في الأرض" الحديث قال في شرحه: "حم ع طب والضياء" المقدسي "عن خريم" بضم الخاء المعجمة وفتح الراء "ابن فاتك" بفتح الفاء وكسر المثناة التحتية الأسدي الصحابي قال ابن أبي حاتم: بدري له صحبة، وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني موقوفًا على خريم ورجالهما ثقات.
6-
يعقب -أحيانًا- على السيوطي في التخريج والتقويم:
ففي حديث: "أول تحفة المؤمن أن يغفر لمن صلى عليه" شرح تخريجه وتقويمه، وعقب على ذلك بقوله:2 "الحكيم" الترمذي "عن أنس" من حديث معبد بن سرق العبدي عن الحكم بن سنان بن عون عن النميري، والحكم بن سنان قال الذهبي: ضعفوه، وزياد النميري أورده في الضعفاء وقال: صالح الحديث ابتلي برواة ضعفاء، ورواه الخطيب عن جابر والديلمي عن أبي هريرة، وفيه عنده عبد الرحمن بن قيس رمي بالكذب، ولأجله حكم الحاكم على الحديث بالوضع وعده ابن الجدوزي من الموضوعات.
1 فيض القدير: ج1 ص102.
2 فيض القدير: ج3 ص84.
وفي حديث "أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر
…
" الحديث تكلم عن التخريج بما يلي1: "حم ت" وكذا الطبراني في الأوسط "عن أبي سعيد" الخدري وكذا ابن مسعود، قال الترمذي: حسن صحيح "قال الهيثمي": إسناد ابن مسعود صحيح، وفي إسناد أبي سعيد عطية والأكثر على ضعفه، ثم عقب المؤلف على ذلك بقوله: ثم إن صنيع المصنف يوهم أن ذا لم يتعرض أحد من الشيخين لتخريجه وهو ذهول، فقد عزاه الديلمي وغيره إلى البخاري من حديث أبي هريرة بلفظ: "أول زمرة تدخل الجنة وجوهم على مثل القمر ليلة البدر، والثانية على مثل أضواء كوكب في السماء، لكل رجل منهم زوجتان يرى مخ ساقيهما من وراء الثياب وما في الجنة عزب". ا. هـ. ثم رأيته كذلك في كتاب الأنبياء وخلق آدم عليه السلام، وفي مسلم في صفة الجنة عدة أحاديث بنحوه، وليس في حديث الترمذي الذي آثره المصنف إلا زيادة عدد الحلل، وفي رواية البخاري زيادة عدد الحلل، وفي رواية البخاري زيادة نفي وجود الأعزب فيها.
وفي الحديث الذي بعده: "أول سابق إلى الجنة عبد أطاع الله وأطاع مواليه" عقب على التخريج بما نقله الهيثمي وغيره بما يخالف تقويم المصنف لهذا الحديث قال: قال الهيثمي: فيه بشر بن ميمون أبو صيفي وهو متروك، وقال غيره: وفيه بشر بن ميمون أبو صيفي قال في الميزان عن البخاري يتهم بالوضع، وعن الدارقطني متروك الحديث، وعن ابن معين أجمعوا على طرح حديثه، ثم أورد له مما أنكر عليه هذا الخبر.
وفي حديث: "أهل القرآن هم أهل الله وخاصته" وبعد أن أورد تخريج المصنف له قال: وظاهره أنه لا يجد مخرجًا لأحد من السنة، وإلا لما أبعد النجعة، وهو ذهول عجيب، فقد خرجه النسائي في الكبرى وابن ماجه، وكذا الإمام أحمد والحاكم من حديث أنس، قال الحافظ العراقي: بإسناد حسن، والعجيب أ، ن المصنف نفسه عزاه لابن ماجه وأحمد في الدرر عن أنس المذكور.
ولكن المؤلف كثيرًا ما يعزز تقويم السيوطي للحديث، ويؤكد ما ذهب إليه فيه:
ففي حديث: "أتاني جبريل بالحمى والطاعون
…
" الحديث، وبعد أن ذكر تخريج المصنف له بما يدل على صحته قال2: قال الهيثمي: رجال أحمد ثقات، ولذلك رمز المؤلف "السيوطي" لصحته.
7-
يبين المؤلف لطائف إسناد الحديث ومثال ذلك:
حديث: "أبو بكر في الجنة وعمر في الجنة
…
" الحديث قال فيه3: ومن لطائف إسناده أنه من رواية الرجل عن أبيه عن جده حيث بين أنه من رواية عبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه "حميد" عن جده "عبد الرحمن بن عوف".
1 فيض القدير ج3 ص85، 86.
2 فيض القدير: ج1 ص94.
3 فيض القدير: ج1 ص92.
8-
يذكر أسماء الضعفاء من رواة الحديث للتدليل على ضعفه:
ففي حديث: "أول الوقت رضوان الله، وآخر الوقت عفو الله" قال المناوي1: سكت المؤلف عليه فلم يشر إليه بعلامة الضعف، وكأنه ذهل عن قول الذهبي في التنقيح: في سنده كذاب. وعن قول ابن عبد الهادي عن معين: فيه الحسين بن حميد كذاب ابن كذاب، وأورده ابن الجوزي في الواهيات وقال: لا يصح، وقال ابن حجر: في سنده من لا يعرف، وقال: في الباب ابن عمر وابن عباس وعلي وأنس وأبو محذورة وأبو هريرة، فحديث ابن عمر رواه الترمذي والدارقطني، وفيه يعقوب بن الوليد المدني كان من كبار الكذابين، وحديث ابن عباس رواه البيهقي في الخلافيات وفيه نافع أبو هرمز متروك، وحديث علي رواه البيهقي عن أهل البيت وقال: أظن سنده أصح ما في هذا الباب قال -أعني ابن حجر: ومع ذلك فهو معلول، ولهذا قال الحاكم: لا أحفظ الحديث من وجه يصح، وحديث أنس خرجه ابن عدي والبيهقي، وقد تفرد به بقية عن مجهول مثله، وحديث أبي محذورة رواه الدارقطني وفيه إبراهيم بن زكريا متهم، وحديث أبي هريرة ذكره البيهقي وقال: هو معلول.
وبعد: فلعل المناوي رحمه الله قد غفل عن أن المؤلف لم يسكت عن ذكر علامة الضعف في هذا الحديث، فقد رجعنا إلى الجامع الصغير فوجدناه في تخريجه لهذا الحديث نبه إلى ضعفه بذكر العلامة الدالة على الضعف "ض" في آخره2 بل إن متن الحديث في شرح المؤلف قد ختم تخريجه بهذه العلامة أيضًا، وعلى ذلك فإن السيوطي رحمه الله لم يغب عنه التنبيه على ضعف هذا الحديث كما ذكر المناوي فيه.
ومثل هذا -أيضًا- حديث: "أول بقعة وضعت من الأرض موضع البيت
…
". الحديث فقد نبه المؤلف على رجال إسناده الذين كانوا سببًا في ضعف هذا الحديث فقال: وفيه عبد الرحمن بن علي عجلان القرشي قال في الميزان عن العقيلي: فيه جهالة وحديثه غير محفوظ ثم ساق له هذا الخبر وفيه أيضًا من لا يعرف.
9-
يخالف المناوي المصنف في تقويم الحديث -أحيانًا- فيقول بالضعف على ما يراه المصنف حسنًا، ويقول بالوضع على ما خرجه المصنف بما يوهم غير ذلك.
ومن ذلك حديث: "أو خصمين يوم القيامة جاران" الذي رمز المصنف له بعلامة الحسن، نقل المناوي3 عن الحافظ العراقي أن سنده ضعيف، وعن الحافظ المنذري أنه رواه أحمد والطبراني بإسنادين أحدهما جيد، وعن الهيثمي: أن أحد إسنادي الطبراني رجاله رجال الصحيح غير أبي نساقة وهو ثقة، وأعاده بمحل آخر وقال: إسناده حسن.
1 فيض القدير: ج3 ص82.
2 فيض القدير: ج1 ص112.
3 فيض القدير: ج3 ص85.
ولعل خلافه مع المصنف في تقويم هذا الحديث يرجع إلى أن سنده ضعيف في ذاته، وأنه لم يرتفع إلى درجة الحسن إلا بوجود تابع أو شاهد.
وفي حديث: "أول سابق إلى الجنة عبد أطاع الله وأطاع مواليه" رمز المصنف له بعلامة الصحة، ولكن المؤلف عقب في شرحه بما يفيد ضعف الحديث، فقال نقلًا عن الهيثمي وغيره: وفيه بشر بن ميمون أو صيفي وهو متروك، وعن البخاري: يتهم بالوضع، وعن الدارقطني: متروك الحديث، وعن ابن معين: أجمعوا على طرح حديثه، ثم أورد له مما أنكر عليه هذا الخبر.
وفي حديث: "أول تحفة المؤمن أن يُغفر لمن صلى عليه" لم يبين لنا المصنف درجة هذا الحديث، فقد رجعنا إلى الجامع الصغير1 فوجدناه أغفل تقويمه، ولكن المناوي ينبري له في التخريج فيذكر2 أنه من حديث معبد بن سرور العبدي عن الحكم بن سنان بن عون الذي قال الذهبي فيه: إنهم ضعفوه، وأن زياد النميري أورده في الضعفاء وقال: صالح الحديث ابتلي برواة ضعفاء، ورواه الخطيب عن جابر، والديلمي عن أبي هريرة وفيه عنده عبد الرحمن بن قيس رمي بالكذب، ولأجله حكم الحاكم على الحديث بالوضع، وعده ابن الجوزي من الموضوعات.
10-
يضيف المؤلف إلى مراجع تخريج السيوطي مراجع أخرى خرجت الحديث غير تلك التي أوردها.
من ذلك ما أورده في حديث: "أوصيك بتقوى الله تعالى فإنه رأس الأمر كله
…
".
حيث أضاف المؤلف في نهاية تخريجه قوله: ورواه عنه أيضًا ابن لال والديلمي في مسند الفردوس.
وفي حديث: "أولياء الله تعالى الذين إذا رءوا ذكر الله تعالى" قال في ختام الحديث عن تخريجه:3 وظاهر صنيع المصنف أنه لا يوجد مخرج لأشهر من الحكيم ولا أعلى، وهو عجب، فقد رواه البزار عن ابن عباس: رواه عن شيخه علي بن حرب الرازي، قال الهيثمي: لم أعرفه وبقية رجاله وثقوا. ورواه أبو نعيم في الحلية من حديث ابن أبي وقاص.
وفي حديث: "أول زمرة تدخل الجنة
…
" قال في نهاية الكلام عنه:4 ثم إن صنيع المصنف يوهم أن ذا لم يتعرض أحد من الشيخين لتخريجه، وهو ذهول، فقد عزاه الديلمي وغيره إلى البخاري من حديث أبي هريرة بلفظ: "أول زمرة تدخل الجنة وجوهم على مثل القمر ليلة البدر
…
" إلى آخر الحديث قال: ثم رأيته في كتاب الأنبياء وخلق آدم عليه السلام، وفي مسلم صفة الجنة عدة أحاديث بنحوه.
1 الجامع الصغير ج1 ص112.
2 فيض القدير ج3 ص84
3 فيض القدير ج3 ص81.
4 فيض القدير ج3 ص85.
ومثل ذلك حديث: "أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة
…
" الحديث قال -بعد أن أورد تخريج المصنف له:1 وظاهر صنيع المصنف أن ذا مما لم يخرجه أحد من الستة، وإلا لما عدل عنه على القانون المعروف عندهم، وهو ذهول، فقد رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة مع تغيير يسير، ثم روى لفظ الترمذي.
وبعد: فإن الإمام المناوي بما قدم من جهد في شرح أحاديث الجامع الصغير هو -على ما نعلم- مما لم يقم بمثله أحد في هذا المضمار، فقد خدم الأحاديث الواردة فيه شرحًا وتخريجًا وتقويمًا بما نقله عن العلماء، وما أضافه إلى ذلك من رأيه، حتى أضحى كتابه "فيض القدير" خير ما رأيناه شرحًا لأحاديث الجامع الصغير.
1 فيض القدير: ج3 ص87.