المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌(2) باب آداب الخلاء ‌ ‌{الفصل الأول} 335- (1) عن أبي أيوب الأنصاري، - مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - جـ ٢

[عبيد الله الرحماني المباركفوري]

فهرس الكتاب

-

- ‌(3) كتاب الطهارة

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(1) باب ما يوجب الوضوء

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(2) باب آداب الخلاء

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(3) باب السواك

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(4) باب سنن الوضوء

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(5) باب الغسل

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(6) باب مخالطة الجنب وما يباح له

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(7) باب أحكام المياه

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(8) باب تطهير النجاسات

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(9) باب المسح على الخفين

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(10) باب التيمم

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(11) باب الغسل المسنون

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(12) باب الحيض

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(13) (باب المستحاضة)

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

-

- ‌(4) كتاب الصلاة

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(1) باب المواقيت

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(2) باب تعجيل الصلاة

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(3) باب فضائل الصلاة

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(4) باب الأذان

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(5) باب فضل الأذان وإجابة المؤذن

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(6) باب

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(7) باب المساجد ومواضع الصلاة

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(8) باب الستر

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(9) باب السترة

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

الفصل: ‌ ‌(2) باب آداب الخلاء ‌ ‌{الفصل الأول} 335- (1) عن أبي أيوب الأنصاري،

(2) باب آداب الخلاء

{الفصل الأول}

335-

(1) عن أبي أيوب الأنصاري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة، ولا تستدبروها، ولكن شرقوا أو غربوا))

ــ

(باب آداب الخلاء) قيل: "الأدب" مراعاة حد كل شيء، وقيل: هو استعمال ما يحمد قولاً وفعلاً، ويطلقون الآداب على ما يليق بالشيء، أو بالشخص، فيقال: آداب الدرس وآداب القاضي. و"الخلاء" بفتح الخاء والمد، موضع فضاء الحاجة، سمى به لخلاءه في غير أوقات قضاء الحاجة، أو؛ لأن الإنسان يخلو فيه، وأصله الملكان الخالي، ثم كثر استعماله حتى تجوز به عن ذلك.

335-

(1) قوله: (عن أبي أيوب الأنصاري) هو خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبة الأنصاري الخزرجي النجاري، أبوأيوب المدني، شهد العقبة، وشهد بدراً، وأحداً، والمشاهد كلها مع النبي صلى الله عليه وسلم، ونزل عنده رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة شهراً حتى بنى المسجد، وكان مسكنه المدينة، وحضر مع على حرب الخوارج، وورد المدائن في صحبته، وعاش بعد ذلك زماناً طويلاً حتى مات بالقسطنطينية مرابطاً سنة (51) في خلافة معاوية، وكان ذلك مع يزيد بن معاوية لما غزاه، فخرج معه فمرض، ولما ثقل قال لأصحابه: إذا أنا مت فأحملوني، فإذا صاففتم العدو فادفنوني تحت أقدامكم. قال البغوي: قبر ليلاً وأمر يزيد بالخيل تقبل وتدبر حتى عمي قبره. وقال ابن حبان: كان المسلمون على حصار القسطنطينية فقدموه حتى دفن إلى جانب حائط. له مائة وخمسون حديثاً، اتفقا على سبعة، وانفرد البخاري بحديث، ومسلم بخمسة، روى عنه جماعة من الصحابة والتابعين، وله فضائل. (إذا أتيتم الغائط) هو في الأصل اسم للمكان المطمئن الواسع من الأرض في الفضاء، ثم صار يطلق على كل مكان أعد لقضاء الحاجة؛ لأن العادة أن يقضي في المنخفض لكونه أستر له، ثم اتسع حتى أطلق على النجو نفسه، أي الخارج من الإنسان، تسمية للحال باسم المحل، والمراد ههنا هو الأول، إذ لا يحسن استعمال الإتيان في النجو الخارج، إذ لا يقال: أتى البول أو العذرة، بخلاف إستعمال الإتيان بالنظر إلى المكان فإنه كثير شائع، وأيضاً لا يحسن النهي عن الاستقبال والاستدبار إلا قبل المباشرة بإخراج الخارج، وذلك عند حضور المكان لا عند المباشرة بإخراج ذلك، فليتأمل. وقد أوضح ذلك السندهي في حاشيته على البخاري، فارجع إليها. (فلا تستقبلوا القبلة) أي جهة الكعبة. (ولكن شرقوا أو غربوا) أي استقبلوا جهة الشرق أو الغرب لقضاء الحاجة، وهذا خطاب لأهل المدينة ومن قبلته في تلك الجهة، والمقصود الإرشاد إلى جهة أخرى لا يكون فيها إستقبال القبلة ولا

ص: 47

متفق عليه.

336-

(2) قال الشيخ الإمام محي السنة، رحمه الله: هذا الحديث في الصحراء، وأما في البنيان، فلا بأس لما روي عن عبد الله بن عمر، قال: ((ارتقيت فوق بيت حفصة لبعض حاجتي، فرأيت

ــ

إستدبارها، وهذا مختلف بحسب البلاد، فللكل أن يأخذوا بهذا الحديث بالنظر إلى المقصود لا بالنظر إلى المفهوم. والحديث بظاهره دليل على منع الإستقبال والإستدبار عند قضاء الحاجة مطلقاً من غير فرق بين الصحراء والبنيان. والمسألة مختلف فيها بين العلماء لتعارض الأحاديث في ذلك، فقال بعضهم بعموم النهي أخذاً بظواهر أحاديث النهي، وترجيحاً لها على أحاديث الرخصة أو التخصيص. وقال بعضهم بخصوص النهي بالصحراء جمعاً بين الأحاديث؛ لأن إعمال الأدلة كلها أولى من إهمال بعضها. وقال بعضهم بالإباحة والجواز مطلقاً رجوعاً إلى البرأة الأصلية، أو حملاً للنهى على التنزيه، أو النسخ، فجعلوا أحاديث الإباحة قرينة على حمل النهي علىالتنزيه، أو ناسخه لأحاديث المنع. وقال بعضهم بالفرق بين الإستقبال فيحرم مطلقاً، والإستدبار فيجوز مطلقاً. وههنا أقوال أخرى لكنها غير مشهورة. والأول هو المشهور عن أبي حنفية، واختاره ورجحه من المالكية ابن العربي في شرح الترمذي، ومن الظاهرية ابن حزم في المحلي، ومن فقهاء أهل الحديث ابن القيم في الهدي (ج1: ص272) والشوكاني في النيل (ج1: ص81) وفي السيل الجرار، وشيخنا الأجل المباكفورى في شرح الترمذي (ج1: ص19) والثاني مذهب الأئمة الثلاثة، ومال إليه الطحاوي من الحنفية، وقال الأمير اليماني في السبل (ج1: ص119) : هو أقرب الأقوال. وقال الحافظ: هو أعدل الأقوال، ويؤيده ما روى عن ابن عمر، أنه قال: إنما نهي عن ذلك في القضاء. وإليه يظهر ميلان السندهي في حواشيه على البخاري، وغيره كما سيأتي. وعندي: الاحتراز عن الإستقبال والإستدبار في البيوت أحوط وجوباً لا ندباً، والمقام من معارك النظار فتدبره ولا تعجل. (متفق عليه) وأخرجه أيضاً مالك وأحمد والترمذي وأبوداود والنسائي وابن ماجه، وغيرهم.

336-

قوله: (قال الشيخ الإمام محي السنة) البغوي في المصابيح. (هذا الحديث) أي حكمه. (وأما في البنيان) قال ابن حجر: يعني الخلاء ليطابق الحديث الذي استدل به. (ارتقيت) أي صعدت. (فوق بيت حفصة) أي سطحه، وهي أخت عبد الله بن عمر، أم المؤمنين زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبنت عمر بن الخطاب العدوية، قيل: إنها ولدت قبل المبعث بخمسة أعوام، وكانت قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت خنيس بن حذافة السهمي، هاجرت معه، ومات عنها بعد غزوة بدر، فلما مات ذكرها عمر على أبي بكر وعثمان فلم يجبه واحد منهما، فخطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنكحه إياها سنة ثلاث، وقيل: سنة اثنتين. لها ستون حديثاً، اتفقا منها على ثلاثة، وانفرد مسلم بستة، روى عنها جماعة من الصحابة والتابعين. ماتت في شعبان سنة (45) وهي ابنة ستين سنة، وقيل: ماتت سنة (41) وإضافة البيت إلى حفصة مجازية باعتبار تعلق السكني، وإلا فالبيت

ص: 48

رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته مستدبر القبلة مستقبل الشام)) متفق عليه.

337-

(3) وعن سلمان رضي الله عنه، قال: ((نهانا، يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم

ــ

كان ملكاً للنبي صلى الله عليه وسلم. (يقضي حاجته) أي في الخلاء (مستدبر القبلة) هذا هو أصل الأئمة الثلاثة في جواز الاستدبار في الأبنية، وابتنوا عليه جواز الإستقبال، ويظهر من صنيع البغوي أنه ذهب إلى أن النهي ورد أولاً عاماً، ثم خص عمومه بحديث ابن عمر، وفيه خدشات من وجوه كثيرة، ذكرها ابن القيم، وابن العربي، وغيرهما، وهي تضعف القول بكونه مخصصاً لأحاديث النهي، قال السندهي في حاشيته على البخاري بعد بيان بعض هذه الخدشات: فالوجه أن حديث النهي من أصله مخصوص بالفضاء لا يعم البناء أصلاً، وهو الموافق للقرائن. (وقد أشرنا إلى بعض هذه القرائن في بيان معنى الغائط) فلعل من فهم عموم الحكم ما فهم من لفظ الحديث، إنما فهم من ظنه أن علة النهي إكرام القبلة عن المواجهة بالنجاسة، ففهم من عموم هذه العلة عموم الحكم. وقال في حاشيته على ابن ماجه: ويؤيد القول بالخصوص تقييد حديث النهي بإتيان الغائط في كثير من الروايات، والمراد به المكان المنخفض في الفضاء كما قررنا، وبه يظهر التوفيق بين الأحاديث. وقال في حاشيته على النسائي: ويمكن أن يكون محمل الحديث الصحراء، وإطلاق اللفظ جاء على ما كان عليه العادة يومئذٍ، إذا لم يكن لهم كنف في البيوت في أول الأمر-انتهى. قال: ومن قرائن حمل الغائط في حديث أبي أيوب على معناه اللغوى أي المكان المطمئن من الأرض في الفضاء أي الصحراء، أن النهي عن جهتين، والتخيير بين جهتين آخرين عند إتيان الغائط إنما يحسنان في الفضاء لا في البيوت، فإن الإنسان في الفضاء متمكن عند إتيان الغائط من الجهات الأربع، فيمكن أن ينهى عن بعضها، ويخير بين بعضها، وأما في البيوت فلا يتمكن عادة عند إتيان الغائط من الجهات الربع، بل يتمكن منها عند بناء الكنيف، وأما بعد البناء عند إتيان الغائط فهو يصير تابعاً لكيفية البناء –انتهى. (متفق عليه) وأخرجه أيضاً مالك وأحمد والترمذي وأبوداود والنسائي وابن ماجه وغيرهم.

337-

قوله: (وعن سلمان) هو سلمان الفارسي أبوعبد الله، ابن الإسلام، ويقال له: سلمان الخير. أصله من أصبهان، وقيل: من رامهرمز. أسلم عند قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، وأول مشاهده الخندق، وقال ابن عبد البر: ويقال إنه شهد بدراً. سافر يطلب الدين من قريته، فدان أولاً بالنصرانية، وقرأ الكتب وصبر في ذلك على مشقات متتالية، فأخذه قوم من العرب فباعوه من اليهود، ثم إنه كوتب فأعانه رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتابته، ويقال: إنه تداوله بضعة عشر سيداً حتى أفضى إلى النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وقال: سلمان منا أهل البيت. وهو أحد الذين اشتاقت إليهم الجنة، وكان من المعمرين، قيل: عاش (250) سنة. وقيل: (350) سنة، والأول أصح، وكان يأكل من يده، ويتصدق بعطاءه، مات بالمدائن سنة (35) وقيل: سنة (33) وقيل: غير ذلك، له ستون حديثاً، اتفقا على ثلاثة، وانفرد البخاري بواحد، ومسلم بثلاثة، روى عنه جماعة من الصحابة والتابعين. (قال: نهانا يعني) أي يريد سلمان بالناهي رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ص: 49

أن تستقبل القبلة لغائط أو بول، أو أن نستنجى باليمين، أو أن نستنجى بأقل من ثلاثة أحجار، أو أن نستنجى برجيع، أو بعظم)) رواه مسلم.

338-

(4) وعن أنس، قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء يقول:

ــ

(أن نستقبل القبلة) أى بفروجنا عند خروج الغائط أو البول. (لغائط) قال النووي: كذا ضبطناه في مسلم "لغائط" باللام، وروى في غيره بغائط أي بالباء، وهما بمعنى (أو أن نستنجى باليمين) أو فيه وفيما بعده للعطف، والاستنجاء إزالة النجو وقطعه بالماء أو بالحجارة، وفيه دليل على تحريم الاستنجاء باليمين؛ لأنه الأصل في النهي ولا صارف له، فلا وجه للحكم بالكراهة فقط، وهذا تنبيه على شرف اليمين وصيانتها عن الأقذار. (أو أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار) وفي رواية أحمد الآتية في الفصل الثالث: ولا نكتفى بدون ثلاثة أحجار. وفي كلتا الروايتين دليل واضح على أن الاقتصار على أقل من ثلاثة أحجار لا يجوز، وإن حصل الإنقاء بما دونها، ولا يعارضه حديث أبي هريرة الآتي في الفصل الثاني بلفظ "من استجمر فليوتر، من فعل فقد أحسن، ومن لا فلا حرج" أخرجه أبوداود وغيره؛ لأن حديث سلمان هذا أصح منه، فيقدم عليه أو يجمع بينهما بما قال الحافظ في الفتح: أخذ بهذا أي بحديث سلمان، الشافعي وأحمد وأصحاب الحديث، فاشترطوا أن لا ينقص من الثلاث مع مراعاة الإنقاء إذا لم يحصل بها فيزداد حتى ينقى، ويستحب حينئذٍ الإيتار لقوله: من استجمر فليوتر. وليس بواجب لزيادة في أبي داود حسنة الإسناد قال: ومن لا فلا حرج. وبهذا يحصل الجمع بين الروايات في هذا الباب، انتهى. وقال ابن تيمية في المنتقى بعد ذكر حديث أبي هريرة المذكور: وهذا محمول على أن القطع على وتر سنة فيما زاد على ثلاث جمعاً بين النصوص-انتهى. (أو أن نستنجى برجيع أو بعظم) أو للعطف بمعنى الواو لا للشك. والرجيع هو الخارج من الإنسان أو الحيوان يشمل العذرة والروث، فعيل بمعنى فاعل، سمي رجيعاً؛ لأنه رجع عن حالته الأولى فصار ما صار بعد أن كان علفاً أو طعاماً. وفي حديث رويفع عند أبي داود رجيع دابة. وأما عذرة الإنسان فهي داخلة تحت قوله صلى الله عليه وسلم "فإنها ركس" في بعض الأحاديث. وفي الحديث دليل على أن لا يجوز الاستنجاء بالرجيع والعظم، وعلة النهي عن الاستنجاء بالرجيع أنه علف لدواب الجن، ولأنه لا يطهر، ولأنه رجس بكسر الراء، وهو المستقذر المكروه، والتعليل بعدم التطهير عائد إلى كونه رجساً، وفيه تنبيه على جنس الرجس فلا يجزئ الاستنجاء بالرجس مطلقاً، والعلة في النهي عن العظم أنه طعام الجن، أي فيجدون عليه من اللحم أوفر ما كان عليه، ولأنه لا يطهر فإنه لزج لا يكاد يتماسك فلا ينشف النجاسة، ولا يقطع البلة. وقيل: إنه لا يخلو في الغالب عن الدسومة، وقيل: لأنه ربما يجرح. (رواه مسلم) وأخرجه أيضاً أحمد والترمذي وأبوداود والنسائي وابن ماجه وغيرهم.

338-

قوله: (إذا دخل الخلاء) أي أراد دخول موضع قضاء الحاجة. ولا يختص هذا بالأمكنة المعدة لذلك،

ص: 50

اللهم إني أعوذبك من الخبث والخبائث)) متفق عليه.

339-

(5) وعن ابن عباس، قال:((مر النبي صلى الله عليه وسلم بقبرين، فقال: إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لايستتر من البول)) . وفي رواية لمسلم: ((لا يستنزه من البول. وأما الآخر فكان يمشى بالنميمة. ثم أخذ جريدة رطبة فشقها بنصفين، ثم غزر في كل قبر واحدة. قالوا: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم لم صنعت هذا؟ فقال: لعله أن يخفف عنهما

ــ

بل يعم ويشمل حتى لو بال في إناء مثلاً في جانب البيت مالم يشرع قضاء الحاجة، فيقول في الأمكنة المعدة قبيل دخولها، وفي غيرها في أول الشروع كتشمير ثيابه مثلاً، ومن نسي يستعيذ بقلبه لا بلسانه. (اللهم إني أعوذ بك) كان صلى الله عليه وسلم يستعيذ إظهاراً للعبودية ويجهر بها للتعليم. (من الخبث) بضمتين جمع الخبيث، وهو الموذي من الجن والشياطين. (والخبائث) جمع الخبيثة، والمراد ذكور الشياطين وإناثهم، وقد جاءت الرواية بإسكان الباء في الخبث أيضاً إما على التخفيف أو على أنه اسم بمعنى الشر، فالخبائث صفة النفوس، فيشمل ذكور الشياطين وإناثهم جميعاً، والمراد التعوذ من الشر وأصحابه. (متفق عليه) وأخرجه أيضاً أحمد والترمذي وأبوداود والنسائي وابن ماجه وغيرهم.

339-

قوله: (مر النبي صلى الله عليه وسلم بقبرين) أي جديدين كما في رواية ابن ماجه، قال الحافظ: الظاهر من مجموع طرق الحديث أن المقبورين كانا مسلمين. (فقال: إنهما) أي صاحبي القبرين. وقيل: أعاد الضمير إلى غير مذكور؛ لأن سياق الكلام يدل عليه، وقيل: الضمير يرجع إلى قبرين بتقدير المضاف كما ذكرنا. (وما يعذبان في كبير) أي في أمر كان يكبر ويشق عليهما الاحتراز عنه لو أراداه، لا أنه في نفسه ليس بكبير، كيف وهما يعذبان فيه. فإن عدم التنزه يبطل الصلاة، والنميمة سعي بالفساد المفضي إلى سفك الدماء، وأيضاً ورد في رواية للبخاري "وإنه لكبير" فيحمل قوله: وإنه لكبير على كبر الذنب، وقوله "مايعذبان في كبر" على سهولة الدفع والاحتراز والتوقى. (لايستتر من البول) أي من بوله كما في رواية، فاللام عوض عن المضاف إليه، أو للعهد، والمعنى: لا يجعل بينه وبين بوله سترة، يعنى لا يتحفظ منه، وفيه دليل على نجاسة بول الإنسان، ووجوب اجتنابه وهو إجماع، وعظم أمره، وأنه من أعظم أسباب عذاب القبر كالنميمة. (لا يستنزه من البول) أي لا يجتنب ولا يحترز عن وقوعه عليه، وقيل: أي لا يستبرئ ولا يتطهر ولا يستبعد عنه. (فكان يمشي) أي بين الناس. (بالنميمة) هي نقل كلام الغير لقصد الإضرار. والباء للمصاحبة أو التعدية على أنه بمعنى يشهر النميمة بين الناس ويشيعها. (ثم أخذ) أي النبي صلى الله عليه وسلم (جريدة رطبة) بفتح الراء وسكون الطاء، أي غصناً من النخل. (فشقها بنصفين) مفعول مطلق، والباء زائدة للتأكيد، وقيل: حال أي جعلها مشقوقة حال كونها متلبسة بنصفين. (واحدة) أي من كل من الشقين. (لم صنعت هذا؟) أي الغزر. (لعله) أي العذاب، أو الهاء ضمير الشأن. (أن يخفف عنهما) أي صاحبى القبرين.

ص: 51

ما لم يبسا)) متفق عليه.

340-

(6) وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اتقوا اللاعنين، قالوا: وما اللاعنان يارسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: الذي يتخلى في طريق الناس أو في ظلهم)) رواه مسلم.

341-

(7) وعن أبي قتادة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا شرب أحدكم

ــ

(ما لم يبسا) بالتذكير، وبفتح الباء الموحدة، ويجوز كسرها، أي مادام لم يبس النصفان أو القضيبان، قيل: وجه هذا التحديد أنه صلى الله عليه وسلم سأل التخفيف عنهما وشفع لهما فأجيبت شفاعته بالتخفيف إلى مدة بقاء النداوة، أي جعل زمان بقاء النداوة والرطوبة علامة لتخفيف العذاب بشفاعته صلى الله عليه وسلم ودعاءه، كما صرح به في حديث جابر في آخر صحيح مسلم، لا أن في الجريد معنى خصة، ولا أن في الرطب معنى ليس في اليابس، وهذا بناء على أن القصة في حديث ابن عباس وحديث جابر واحدة كما رجحه النووي. وفيه نظر. وقيل تخفيف العذاب كان ببركة يده صلى الله عليه وسلم، فالحديث واقعة حال خاص لا يفيد العموم. وقيل: هو عام بدليل أنه تأسى بذلك بريدة بن الحصيب الصحابي فأوصى أن يوضع على قبره جريدتان، وروى نحوه عن أبي برزة الأسلمي، والظاهر عندي: أنه مخصوص بالنبي صلى الله عليه وسلم ليس بعام، وأما ما يفعله القبوريون من وضع الرياحين على القبور، وغرس الأشجار عليها، وسترها بالثياب، وإجمارها وتبخيرها بالعود، وإتخاذ السرج عليها فلا شك في كونه بدعة وضلالة. ومن زعم أن هذا الحديث أصل لهذه الأمور المحدثة فقد جهل وافترى على الرسول الله صلى الله عليه وسلم. (متفق عليه) أخرجه البخاري في الطهارة، والجنائز، والأدب، والحج، ومسلم في الطهارة، وأخرجه أيضاً أحمد والترمذي وأبوداود والنسائي وابن ماجه، وغيرهم.

340-

قوله: (اللاعنين) أي الأمرين الجالبين للعن، الحاملين للناس عليه، الداعيين إليه، فكأنهما لاعنان من باب تسمية الحامل والداعي فاعلاً، أي الذين هما سببا اللعنة غالباً، وقد يكون اللاعنين بمعنى الملعون، أي الملعون فاعلهما، ولفظ مسلم: اتقو اللعانين. والمعنى: اتقوا فعل اللعانين أي صاحبى اللعن، وهما اللذان يلعنهما الناس في العادة. (الذي يتخلى) أي يتغوط أو يبول، بحذف المضاف، أي أحدهما تخلى الذي يتخلى. (أو في ظلهم) أو للتنويع، والمراد بالظل مستظل الناس الذي اتخذوه مقيلاً ومناخاً ينزلونه ويقعدون فيه، إذ ليس كل ظل يحرم القعود لقضاء الحاجة تحته، فقد قعد النبي صلى الله عليه وسلم تحت حائش النخل لحاجته وله ظل بلا شك، ويدل له حديث أحمد "أو ظل يستظل به". والحديث يدل على تحريم التخلي في طرق الناس وظلهم لما فيه أذية المسلمين بتنجيس من يمر به ونتنه واستقذاره. (رواه مسلم) وأخرجه أيضاً أحمد وأبوداود.

341-

قوله: (وعن أبي قتادة) هو أبوقتادة الأنصاري السلمي فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم، اسمه الحارث، وقيل: عمرو، وقيل: النعمان، وقيل: عون بن ربعي بكسر الراء وسكون الموحدة بعدها مهملة مكسورة، والمشهور الحارث بن ربعي بن

ص: 52

فلا يتنفس في الإناء، وإذا أتى الخلاء فلا يمس ذكره بيمينه، ولا يتمسح بيمينه)) متفق عليه.

342-

(8) وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من توضأ فليستنثر، ومن استجمر فليؤتر)) متفق عليه.

343-

(9) وعن أنس، قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل الخلاء

ــ

بلدمة، وهو ممن غلبت عليه كنيته. صحابي مشهور، شهد أحداً وما بعدها ولم يصح شهوده بدراً. توفي بالكوفة سنة (54) وهو ابن سبعين سنة، له مائة وسبعون حديثاً، اتفقا على أحد عشر، وانفرد البخاري بحديثين، ومسلم بثمانية. روى عنه جماعة. (فلا يتنفس) بالجزم ولا ناهية في الثلاثة، وروى بالضم فيها على أن لا نافية، والمعنى لا يخرج نفسه. (في الإناء) أي في داخله لئلا يقل برودة الماء الكاسرة للعطش بحرارة النفس، أو كراهة أن ينحدر قذرة من نفسه، بل إذا أراد التنفس فليرفع فمه عن الإناء فيتنفس ثم يشرب. (وإذا أتى الخلاء فلا يمس) بفتح الميم على الأفصح. (ذكره بيمينه) وفي رواية "إذا بال أحدكم فلا يمس ذكره بيمينه" وفي الأخرى "لا يمسكن أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول". وهذه الروايات كلها تدل على أن النهي عن مس الذكر باليمين مقيد بحالة البول، فيكون ما عداها مباحاً، ويحمل على هذا المقيد ما ورد في بعض الروايات من النهي المطلق عن مس الذكر باليمين لاتحاد المخرج والحديث. وقيل: يكون ممنوعاً أيضاً من باب الأولى؛ لأنه نهى عن ذلك مع مظنة الحاجة في تلك الحالة، ويؤيد القول الأول حديث طلق بن علي، وقد سأل صلى الله عليه وسلم عن مس ذكره فقال: إنما هو بضعة منك؛ لأنه يدل على الجواز في كل حال، فخرجت حالة البول بهذا الحديث الصحيح، وبقي ما عداها على الإباحة، وإنما خص النهي بحالة البول من جهة أن مجاور الشيء يعطي حكمه، فلما منع الاستنجاء باليمين منع مس آلته حسما للمادة. (ولا يتمسح) بالسكون وضمها. (بيمينه) أي لا يستنجي باليد اليمنى تكريماً لليمين. والحديث دليل على تحريم الأمور الثلاثة المذكورة؛ لأنه الأصل في النهي، ولا صارف له، وحمله الجمهور على التنزيه. (متفق عليه) أخرجاه في الطهارة والأشربة، وأخرجه أيضاً أحمد والترمذي وأبوداود والنسائي وابن ماجه وغيرهم مطولاً ومختصراً.

342-

قوله: (من توضأ فليستنثر) من الاستنثار وهو طرح الماء الذي يستنشقه، ولم يذكر الاستنشاق؛ لأن ذكر الاستنثار دليل عليه، إذ لا يكون إلا منه. وفيه دليل على وجوب الاستنثار، وفيه خلاف وسيأتي الكلام فيه في سنن الوضوء إن شاءالله تعالى. (ومن استجمر) أي استنجى بالجمرة أي الحجر. (فليؤتر) يشمل الإنقاء بالواحد أيضاً لكن يحمل هذا المطلق على المقيد في الروايات الأخر. والمعنى فليؤتر بثلاث أو خمس أو سبع أو غير ذلك، والواجب الثلاثة لتلك الروايات وما زاد عليها مستحب لقوله: ومن لا فلا حرج. (متفق عليه) وأخرجه أيضاً أحمد والنسائي وابن ماجه.

343-

قوله: (يدخل الخلاء) المراد بالخلاء ههنا الفضاء بقرينة العنزة؛ لأنه كان إذا توضأ صلى إليها في الفضاء، أو

ص: 53