الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
متفق عليه.
{الفصل الثاني}
720-
(27) عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما بين المشرق والمغرب قبلة)) .
ــ
والخطابي. وقيل: المراد من الحديث الندب إلى الصلاة في البيوت، إذ الموتى لا يصلون كأنه قال: لا تكونوا كالموتى الذين لا يصلون في بيوتهم، وهي القبور. وقيل: المراد لا تجعلوا بيوتكم وطناً للنوم فقط لا تصلون فيها، فإن النوم أخو الموت، والميت لا يصلي. ويحتمل أن يكون المراد أن من لم يصل في بيته جعل نفسه كالميت وبيته كالقبر، ويؤيده ما رواه مسلم: مثل البيت الذي يذكر الله فيه والبيت الذي لا يذكر الله فيه كمثل الحي والميت. وهذا يرجع إلى المعنى الثاني. وقيل: المراد النهي عن دفن الموتى في البيوت، والمعنى: لا تدفنوا في بيوتكم موتاكم لئلا يكدر عليكم معايشكم ومأواكم، ولأن استمرار الدفن في البيوت ربما صيرها مقابر فتصير الصلاة فيها مكروهة، ولفظ حديث أبي هريرة عند مسلم أصرح من حديث ابن عمر وهو قوله: لا تجعلوا بيوتكم مقابر، فإن ظاهره يقتضي النهي عن الدفن في البيوت مطلقاً. (متفق عليه) وأخرجه أيضاً الترمذي وأبوداود والنسائي وابن ماجه.
720-
قوله: (ما بين المشرق والمغرب قبلة) قد اضطربت أقوال العلماء في شرح هذا الحديث ومعناه، فقال العلامة الشيخ أحمد محمد شاكر في تعليقه على الترمذي: هذا الحديث كحديث أبي أيوب المتقدم: إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها، ولكن شرقوا أو غربوا. إنهما كلاهما فيما كان من المواضع سمته وجهته كسمت المدينة وجهتها؛ لأنها في شمال مكة، بينها وبين الشام، فإذا استقبل القبلة استدبر الشام، وإذا استدبر القبلة استقبل الشام، وإن المراد بقوله: ما بين المشرق والمغرب قبلة، أن الفرض على المصلى إذا كان بعيداً عن الكعبة أن يتوجه جهتها، لا أن يصيب عينها على اليقين، فإن هذا محال أو عسير-انتهى. وقال العراقي: ليس هذا عاماً في سائر البلاد، وإنما هو بالنسبة إلى المدينة المشرفة وما وافق قبلتها، قال: ولسائر البلدان من السعة في القبلة مثل ذلك بين الجنوب والشمال ونحو ذلك. وقال الأثرم: سألت أحمد بن حنبل عن معنى الحديث فقال: هذا في كل البلدان إلا بمكة عند البيت فإنه إن زال عنه شيئاً وإن قل فقد ترك القبلة، ثم قال: هذا المشرق- وأشار بيده- وهذا المغرب – وأشار بيده- وما بينهما قبلة. قلت: فصلاة من صلى بينهما جائزة؟ قال: نعم. وينبغي أن يتحرى الوسط. قال ابن عبد البر: تفسير قول أحمد هذا في كل البلدان يريد أن البلدان كلها لأهلها في قبلتهم مثل ما لمن كانت قبلتهم بالمدينة الجنوب التي يقع لهم فيها الكعبة، فيستقبلون جهتها ويتسعون يميناً وشمالاً فيها ما بين المشرق والمغرب، يجعلون المغرب عن أيمانهم والمشرق عن يسارهم، وكذلك لأهل اليمن من السعة في قبلتهم مثل ما بين المشرق والمغرب إذا توجهوا أيضاً قبل القبلة إلا أنهم يجعلون المشرق
عن أيمانهم والمغرب عن يسارهم، وكذلك أهل العراق وخراسان لهم من السعة في استقبال القبلة ما بين الجنوب والشمال مثل ما كان لأهل المدينة من السعة فيما بين المشرق والمغرب، وكذلك ضد العراق على ضد ذلك أيضاً، وإنما تضيق القبلة كل الضيق على أهل المسجد الحرام، وهي لأهل مكة أوسع قليلاً، ثم هي لأهل الحرم أوسع قليلاً ثم لأهل الآفاق من السعة على حسب ما ذكرنا_ انتهى. قال الترمذي: قال ابن عمر: إذا جعلت المغرب عن يمينك والمشرق عن يسارك فما بينهما قبلة إذا استقبلت القبلة. وقد ذكر العلامة أحمد بن علي المقريزي هذا الحديث في أثناء الفصل الذي عقده في خططه (1) عن المحاريب التي بديار مصر (ج4: ص21-33 من طبعة مصر سنة 1326) ومما قال في شرحه: إذا تأملت وجدت هذا الحديث يختص بأهل الشام والمدينة وما على سمت تلك البلاد شمالاً وجنوباً فقط، والدليل على ذلك أنه يلزم من حمله على العموم إبطال التوجه إلى الكعبة في بعض الأقطار، وقد عرفت إن كنت تمهرت في معرفة البلدان وحدود الأقاليم أن الناس في توجههم إلى الكعبة كالدائرة حول المركز، فمن كان في الجهة الغربية من الكعبة فإن جهة قبلة صلاته إلى المشرق، ومن كان في الجهة الشرقية من الكعبة فإنه يستقبل في صلاته جهة المغرب، ومن كان في الجهة الشمالية من الكعبة فإنه يتوجه في صلاته إلى جهة الجنوب، ومن كان في الجهة الجنوبية من الكعبة كانت صلاته إلى جهة الشمال، ومن كان من الكعبة فيما بين المشرق والجنوب فإن قبلته فيما بين الشمال والمغرب، ومن كان من الكعبة فيما بين الجنوب والمغرب فإن قبلته فيما بين الشمال والمشرق، ومن كان من الكعبة فيما بين المشرق والشمال فقبلته فيما بين الجنوب والمغرب، ومن كان من الكعبة فيما بين الشمال والمغرب فقبلته فيما بين الجنوب والمشرق، إلى آخر ما قال. وقد علمت مما تقدم أن الحديث على هذا المعنى يدل على أن الواجب استقبال جهة الكعبة في حق من بعد عن الكعبة وتعذرت عليه العين، وقد ذهب إليه أكثر السلف مالك، وأحمد، وأبوحنيفة وغيرهم، وهو ظاهر ما نقله المزني عن الشافعي، ووجه الاستدلال به على ذلك أن المراد أن بين الجهتين قبلة لغير المعاين ومن في حكمه؛ لأن المعاين لا تنحصر قبلته بين الجهتين المشرق والمغرب، بل كل الجهات في حقه سواء متى قابل العين. فالحديث دليل على أن ما بين الجهتين قبلة، وأن الجهة كافية في الاستقبال، وذهب الشافعي في أظهر القولين عنه: أن فرض من بعد إصابة العين، وأنه يلزمه ذلك بالظن، وقوله تعالى:{حيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره} [2: 144] يدل على كفاية الجهة، إذ العين في كل محل تتعذر على كل مصل، فالحق أن الجهة كافية لمن تعذر عليه العين. وقال ابن المبارك في معنى الحديث: ما بين المشرق. (أى مشرق الشتاء) والمغرب. (أى مغرب الصيف) قبلة، هذا لأهل المشرق، واختبار التياسر لأهل مرو-انتهى. قال الشوكاني: أراد ابن المبارك بالمشرق البلاد التي يطلق عليها اسم المشرق كالعراق مثلاً، فإن قبلتهم أيضاً بين المشرق والمغرب وقد ورد مقيداً بذلك في بعض طرق حديث أبي هريرة: ما بين المشرق والمغرب قبلة لأهل العراق. رواه البيهقي في الخلافيات، وروى ابن أبي شيبة عن ابن عمر أنه قال: إذا جعلت المغرب عن يمينك والمشرق عن يسارك فما بينهما قبلة لأهل المشرق- انتهى.
(1)
أعنى به كتابة "الواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار".
رواه الترمذي.
ــ
قال المظهر: يعني من جعل من أهل المشرق أول المغارب-وهو مغرب الصيف- عن يمينه وآخر المشارق - وهو مشرق الشتاء- عن يساره كان مستقبلاً للقبلة، والمراد بأهل المشرق أهل الكوفة وبغداد وخوزستان وفارس وعراق وخراسان وما يتعلق بهذه البلاد-انتهى. فليس المراد بأهل المشرق في قولي ابن المبارك وابن عمر جميع من هم في المشرق إلى أقصى المعمورة، بل أهل العراق وبخاري وبلخ وسمرقند ونحوهم؛ لأن بلادهم في مشرق الصيف من المدينة، وقبلتهم بين مغرب الصيف ومشرق الشتاء. وانظر الخريطة وهي هذه:
وقال بعضهم: أراد به بيان قبلة من التبس عليه قبلته فإلى أي جهة صلى بالتحري والاجتهاد كفته. قال تعالى: {ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله} [2: 115] وقال بعضهم: المراد منه المتطوع على الدابة في السفر إلى أي جهة. وفي القولين نظر، إذا لا وجه فيهما للتقييد بما بين المشرق والمغرب، قاله القاري. وقال بعضهم: المراد منه صحة الصلاة في جميع الأرض، ذكره الزيلعي في نصب الراية (ج1: ص304) وقيل: المراد به بيان حكم المريض الذي لا يقدر أن يتوجه إلى القبلة. وقيل: هو محمول على المجاهد المطلوب. والراجح عندي هو القول الأول، والله أعلم بالصواب. (رواه الترمذي) وابن ماجه كلاهما من طريق أبي معشر نجيح السندي وهو صدوق أسن واختلط فتكلم فيه من قبل حفظه. وقد تابعه عليه علي بن
721-
(28) وعن طلق بن علي، قال: ((خرجنا وفدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبايعناه، وصلينا معه، وأخبرناه أن بأرضنا بيعة لنا، فاستوهبناه من فضل طهوره، فدعا بماء، فتوضأ
ــ
ظبيان قاضي حلب كما رواه ابن عدي في الكامل قال: ولا أعلم يرويه عن محمد بن عمرو غير علي بن ظبيان، وأبي معشر، وهو بأبي معشر أشهر منه بعلي بن ظبيان. قال: ولعل علياً سرقه من أبي معشر، وذكر قول ابن معين فيه: أنه ليس بشيء، وقول النسائي: أنه متروك الحديث. وقد تابعه عليه أيضاً أبوجعفر الرازي، رواه البيهقي في الخلافيات، وأبوجعفر وثقة ابن معين، وابن المديني، وأبوحاتم، والحاكم، وابن عبد البر، وابن سعد. وقال أحمد والنسائي: ليس بقوي. وقال الحافظ: صدوق سيء الحفظ. وقد أخرج الترمذي الحديث من طريق أخرى غير طريق أبي معشر، وقال: حديث حسن صحيح. وقال أيضاً: هو أقوى من حديث أبي معشر وأصح. وقد خالفه البيهقي فقال بعد إخراجه من هذه الطريق: هذا إسناد ضعيف. قال الشوكاني: فنظرنا في الإسناد فوجدنا عثمان بن محمد بن المغيرة بن الأخنس بن شريق قد تفرد به عن المقبري، وقد اختلف فيه فقال علي بن المديني: إنه روى أحاديث مناكير، ووثقة ابن معين وابن حبان، فكان الصواب ما قاله الترمذي-انتهى. قلت: الحديث قد تأيد بروايته من حديث ابن عمر، فقد رواه الحاكم (ج1: ص205) من طريق شعيب بن أيوب، عن عبد الله بن نمير، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر مرفوعاً، ثم قال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، فإن شعيب بن أيوب ثقة وقد أسنده، ورواه محمد بن عبد الرحمن بن مجبر-وهوثقة- عن نافع، عن ابن عمر مسنداً، ثم أخرجه كذلك (ج1: ص206) وقال: هذا حديث صحيح، قد أوقفه جماعة عن عبد الله بن عمر، ووافقه الذهبي على ما قال، وزاد: وصححه أبوحاتم الرازي موقوفاً على عبد الله، ورواه البيهقي في السنن الكبرى (ج2: ص9) عن الحاكم بالإسنادين ثم قال: تفرد بالأول ابن مجبر وتفرد بالثاني يعقوب بن سفيان الخلال، والمشهور رواية الجماعة: حماد بن سلمة، وزائدة بن قدامة، ويحيى بن سعيد القطان وغيرهم، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر عن عمر من قوله-انتهى. ورواه أيضاً الدارقطني (ص101) بالإسنادين. قلت: الرفع زيادة ثقة فنقبل، ولا تكون رواية من أوقفها علة للحديث بل تكون مؤيدة له، وليس ههنا قرينة على كون الرفع وهماً. والله أعلم.
721-
قوله: (خرجنا وفداً) الوفد بفتح الواو وإسكان الفاء، جماعة قاصدة عظيماً لشأن من الشؤون فهو حال أي قاصدين، يقال: وفد إلى أو على الأمير كضرب إذا قدم وورد رسولاً فهو وافد والجمع وفد ووفود. (فبايعناه) أي على التوحيد والرسالة والسمع والطاعة. (بيعة) بكسر الباء وهي معبد النصارى. (فاستوهبناه) الفاء عطفت ما بعدها على المجموع أي خرجنا وفعلنا فاستوهبناه أي سألناه أن يعطينا. (من فضل طهوره) بفتح الطاء، والظاهر أن المراد ما استعمله في الوضوء وسقط من أعضائه الشريفة، ويحتمل أن المراد ما بقي في الإناء عند الفراغ من الوضوء، قال ابن حجر: من
وتمضمض، ثم صبه لنا في إدواة، وأمرنا فقال: اخرجوا فإذا أتيتم أرضكم، فاكسروا بيعتكم، وانضحوا مكانها بهذا الماء، واتخذوها مسجداً. قلنا: إن البلد بعيد، والحر شديد، والماء ينشف. فقال: مدوه من الماء، فإنه لا يزيده إلا طيباً)) رواه النسائي.
722-
(29) وعن عائشة، قالت: ((أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء المسجد في الدور،
ــ
تبعيضية وهي وما بعدها في محل نصب بدل اشتمال من المفعول به. (وتمضمض) منه بعد الوضوء أو في أثنائه. (ثم صبه) أي الماء المتمضمض به زيادة على مطلوبهم فضلاً، ويمكن أن يكون المصبوب هو الماء الباقي المطلوب. (في إدواة) بكسر الهمزة ظرف صغير من جلد. (وأمرنا) أي بالخروج. (فقال) بيان للأمر، أو أمرنا بمعنى أراد أمرنا فقال:(اخرجوا) إذناً بالخروج. (فإذا أتيتم أرضكم) أي دياركم. (فاكسروا) بكسر السين. (بيعتكم) أي غيروا محرابها وحولوه إلى الكعبة، وقيل: خربوها. (وانضحوا) بكسر الضاد وفتحها من ضرب وفتح أي رشوا. (مكانها بهذا الماء) ليصل إليها بركة فضل وضوئه، فالإشارة إلى فضل الوضوء. (واتخذوها) أي البيعة يعني مكانها. (مسجداً) فيه دليل على جواز اتخاذ البيع مساجد، وغيرها من الكنائس وبيوت الأصنام ونحوها ملحق بها بالقياس. (والحر) بالنصب ويرفع. (ينشف) بالتخفيف بصيغة المجهول، يقال نشف الثوب العرق-بالكسر- ونشف الحوض الماء ينشفه إذا شربه. (مدوه من الماء) أي زيدوا فضل ماء الوضوء من الماء غيره يعني صبوا عليه ماء آخر. (فإنه لا يزيده إلا طيباً) قال الطيبي: الضمير في "فإنه" إما للماء الوارد أو المورود، أي الوارد لا يزيد المورورد الطيب ببركته إلا طيباً أو المورورد الطيب لا يزيد بالوارد إلا طيباً-انتهى. وفي الحديث التبرك بفضله صلى الله عليه وسلم، ونقله إلى البلاد، ونظيره ماء زمزم، قيل: ويؤخذ من ذلك أن فضلة وارثيه من العلماء والصلحاء كذلك. (رواه النسائي) أي عن هناد بن السري، عن ملازم هو ابن عمر، وعن عبد الله بن بدر، عن قيس بن طلق، عن أبيه طلق بن علي. وقد أكثر الناس في قيس بن طلق، والحق أنه صدوق، وثقه العجلي، وابن معين في رواية عثمان بن سعد عنه. وقال ابن القطان: يقتضي أن يكون خبره حسناً لا صحيحاً، وأما بقية رجاله وهم من دون قيس بن طلق فهم ثقات. والحديث أخرجه أيضاً ابن حبان في صحيحه مطولاً عن خليفة: حدثنا مسدد بن مسرهد: حدثنا ملازم بالسند المتقدم، قال: خرجنا ستة وفداً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث. نقله ميرك عن التخريج، كذا في المرقاة.
722-
قوله: (أمر) الظاهر أن الأمر للندب لا للوجوب فكان معناه أذن. وهذا لأن مبناه على دفع المشقة عنهم كما سيأتي. (رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء المسجد في الدور) جمع دار وهو اسم جامع للبناء والعرصة والمحلة، والمراد المحلات، فإنهم كانوا يسمون المحلة التي اجتمعت فيها قبيلة داراً. قال البغوي في شرح السنة: يريد بالدور المحال التي
وأن ينظف ويطيب)) رواه أبوداود والترمذي وابن ماجه.
723-
(30) وعن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما أمرت بتشييد المساجد،
ــ
فيها الدور. ومنه قوله تعالى: {سأريكم دار الفاسقين} [7: 145] ؛ لأنهم كانوا يسمون المحلة التي اجتمعت فيها قبيلة داراً. ومنه الحديث: ما بقيت دار إلا بني فيها مسجد. قال سفيان: بناء المساجد في الدور يعني القبائل أي من العرب يتصل بعضها ببعض وهو بنو أب واحد يبنى لكل قبيلة مسجد، هذا ظاهر معنى تفسير سفيان الدور. قال أهل اللغة: الأصل في إطلاق الدور على المواضع، وقد تطلق على القبائل مجازاً. وحكمة أمره لأهل كل محلة ببناء مسجد فيها أنه قد يتعذر أو يشق على أهل محلة الذهاب للأخرى فيحرمون أجر المسجد وفضل إقامة الجماعة فيه فأمروا بذلك ليتسر لأهل كل محلة العبادة في مسجدهم من غير مشقة تلحقهم. وقال البغوي: قال عطاء: لما فتح الله على عمر الأمصار أمر المسلمين ببناء المساجد وأمرهم أن لا يبنوا مسجدين يضار أحدهما الآخر، ومن المضارة فعل تفريق الجماعة إذا كان هناك مسجد يسعهم، فإن ضاق سن توسعته أو اتخاذ مسجد يسعهم. (وأن ينظف) أي يطهر كما في رواية ابن ماجه أي من الأقذار. (ويطيب) أي يرش العطر ويجوز أن يحمل التطيب على التجمير بالبخور في المسجد، وفيه أنه يستحب تجمير المسجد بالبخور، فقد كان عبد الله يجمر المسجد إذا قعد عمر على المنبر، واستحب بعض السلف التخليق بالزعفران والطيب، وروى عنه عليه السلام فعله. قال الشعبي هو سنة، وأخرج ابن أبي شيبة أن ابن الزبير لما بنى الكعبة طلى حيطانها بالمسك. وفيه أنه يستحب كنس المسجد وتنظيفه، وقد روى ابن أبي شيبة أنه عليه السلام كان يتتبع غبار المسجد بجريدة. (رواه أبوداود) مسنداً وسكت عنه. (والترمذي) مسنداً ومرسلاً. وقال: المرسل أصح. وإنما صحح الترمذي إرساله؛ لأن في سند الموصول عامر بن صالح وقد ضعفه بعض العلماء وكذبه ابن معين، لكنه رواه غير الترمذي موصولاً من غير طريق عامر بن صالح، فرواه أبوداود، وابن ماجه من طريق زائدة بن قدامة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة مسنداً مرفوعاً، وزائدة ثقة ثبت. ورواه ابن ماجه أيضاً من طريق مالك بن سعير عن هشام بن عروة، ومالك بن سعير لا باس به، وأيضاً عامر بن صالح قال فيه أحمد بن حنبل: ثقة لم يكن صاحب كذب. والحديث أخرجه أيضاً ابن حبان في صحيحه.
723-
قوله: (ما أمرت) بضم الهمزة وكسر الميم، مبني للمفعول وما نافية. (بتشديد المساجد) أي برفعها وأعلاء بنائها. قال البغوي في شرح السنة: التشييد رفع البناء وتطويله، ومنه قوله تعالى:{ولو كنتم في بروج مشيدة} [4: 78] وهي التي طول بنائها، يقال: شدت الشيء أشيده مثل بعته أبيعه إذا بنيته بالشييد وهو الجص، وشيدته تشييداً طولته ورفعته. وقيل: المراد بالبروج المشيدة المجصصة. قال ابن رسلان: والمشهور في الحديث أن المراد بتشييد المساجد هنا رفع البناء وتطويله كما قال البغوي-انتهى. والحديث قد استدل به بعضهم على منع تشييد المساجد
قال ابن عباس: لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى)) رواه أبوداود.
724-
(31) وعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أشراط الساعة أن يتباهي الناس في المساجد)) .
ــ
وفيه نظر؛ لأن نفي كون التشييد مأموراً به لا يقتضي الكراهة والمنع بل يدل على عدم الوجوب، ونفي الوجوب قد يتحقق بجواز الفعل أيضاً فلا يستوجب الكراهة والمنع، فتشييد المسجد وإحكام بنائه بما يستحكم به الصنعة من غير تزيين وتزويق وزخرفة ليس بمكروه عندنا إذا لم يكن مباهاة ورياء وسمعة لما تقدم من حديث عثمان بن عفان: من بنى لله مسجداً بنى الله له مثله في الجنة. وأيضاً يؤيده ما فعله عثمان في خلافته في بناء المسجد النبوي، فإنه صنع ما صنع في بنائه مستدلاً بهذا الحديث، وكل ما صنع كان من باب الإحكام والتجصيص من غير تزويق وزخرفة، وأما الحجارة المنقوشة فلم يكن نقشها بأمره بل حصلت له كذلك منقوشة، ولم يكن عند الذين أنكروا عليه من الصحابة دليل يوجب المنع إلا الحث على إتباع ما فعله صلى الله عليه وسلم وعمر في بناء المسجد من ترك الرفاهية، وهذا لا يقتضي منع التشييد وكراهته. (قال ابن عباس) هو موقوف لكنه في حكم المرفوع؛ لأنه إخبار عن ما يأتي، وهو لا يكون إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقال الأمير اليماني: هذا مدرج من كلام ابن عباس كأنه فهمه من الأخبار النبوية من أن هذه الأمة تحذو حذو بني إسرائيل. (لتزخرفنها) بفتح اللام على أنها جواب القسم، وبضم المثناة وفتح الزاي، وسكون الخاء المعجمة، وضم الفاء، وتشديد النون، وهي نون التأكيد. والزخرفة الزينة، وأصل الزخرف الذهب، ثم استعمل في كل ما يتزين به. قال الخطابي معنى قوله: لتزخرفنها، لتزيننها. وأصل الزخرف الذهب، يريد تموية المساجد بالذهب ونحوه، ومنه قولهم: زخرف الرجل كلامه إذا موهه وزينه بالباطل. (كما زخرفت اليهود والنصارى) أي بيعهم وكنائسهم، يعني أن اليهود والنصارى زخرفوا مساجدهم عندما حرفوا أمر دينهم وتركوا العمل بما في كتبهم، فأنتم تصيرون إلى مثل حالهم إذا طلبتم الدنيا بالدين، وتركتم الإخلاص في العمل، وصار أمركم إلى المراآة بالمساجد والمباهاة في تشييدها وتزينها. قال القاري: هذا أي زخرفة المساجد بدعة؛ لأنه لم يفعله عليه الصلاة والسلام. وفيه موافقة أهل الكتاب-انتهى. قال البخاري في صحيحه: أمر عمر ببناء المسجد وقال: أكن الناس من المطر، وإياك أن تحمر أو تصفر فتفتن الناس. وهذا الحديث فيه معجزة ظاهرة لإخبار عما سيقع بعده، فإن تزويق المساجد والمباهاة بزخرفتها قد كثر في هذا الزمان في جميع بلاد المسلمين إلا بلاد نجد، فسلام على نجد ومن حل بالنجد. (رواه أبوداود) وسكت عنه هو والمنذري، وأخرجه أيضاً ابن حبان في صحيحه، وذكر البخاري قول ابن عباس المذكور تعليقاً، وإنما لم يذكر البخاري المرفوع للاختلاف على يزيد بن الأصم في وصله وإرساله، قاله الحافظ.
724-
قوله: (من أشراط الساعة) جمع شرط بالتحريك وهو العلامة، قدم الخبر على المبتدأ للإهتمام به وزيادة الإنكار على فاعله لا للتخصيص ولا للحصر أي من علامات القيامة. (أن يتباهى الناس) أي يتفاخرون، والتباهي إما
رواه أبوداود، والنسائي، والدارمي، وابن ماجه.
725-
(32) وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((عرضت عليّ أجور أمتي حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد. وعرضت على ذنوب أمتي فلم أرَ ذنباً أعظم من سورة من القرآن أو آية أوتيها رجل ثم نسيها))
ــ
بالقول كما ستعرف أو بالفعل كأن يبالغ كل واحد في تزين مسجده وتزويقه وغير ذلك، وفيه دلالة مفهمة بكراهة ذلك. (في المساجد) أي في بنائها يعني يتفاخر كل أحد بمسجده، يقول: مسجدي أرفع أو أزين أو أوسع أو أحسن علواً وزينة، رياء وسمعة واجتلاباً للمدحة، أو يأتون بهذا الفعل الشنيع-وهو المباهاة بما ذكر- وهم جالسون في المساجد. والحديث على المعنيين مما يشهد بصدقه الوجود، فهو من جملة المعجزات الباهرة له صلى الله عليه وسلم. (رواه أبوداود) وسكت عنه هو والمنذري. (والنسائي والدارمي وابن ماجه) واللفظ للنسائي وابن ماجه، ورواه أبوداود والدارمي بلفظ: لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد. وهكذا رواه ابن حبان في صحيحه، وأخرجه أبويعلى في مسنده، وابن خزيمة في صحيحه بلفظ: يأتي على الناس زمان يتباهون بالمسجد ثم لا يعمرونها إلا قليلاً. وعند أبي نعيم في كتاب المساجد: يتباهون بكثرة المساجد.
725-
قوله: (عرضت عليّ) لعل هذا العرض في ليلة المعراج. (أجور أمتي) أي ثواب أعمالهم. (حتى القذاة) بزنة حصاة وهي ما يقع في العين من تراب أو تبن أو وسخ، ثم استعمل في كل شيء يقع في البيت وغيره إذا كان يسيراً، والمراد هنا الشيء القليل مما يؤذي المسلمين سواء كان من تين أو وسخ أو غير ذلك، ولا بد في الكلام من تقدير مضاف أي أجور أعمال أمتي، وأجر القذاة أي أجر إخراج القذاة، إما بالجر وحتى بمعنى إلى والتقدير: إلى إخراج القذاة، وعلى هذا قوله:(يخرجها الرجل من المسجد) جملة مستأنفة للبيان، وإما بالرفع عطفاً على أجور، فالقذاة مبتدأ ويخرجها خبره. وهذا إخبار بأن ما يخرجه الرجل من المسجد وإن قل فهو مأجور فيه؛ لأن فيه تنظيف بيت الله، ويفيد الحديث بمفهومه أن من الأوزار إدخال القذاة إلى المسجد، وفيه تنبيه بالأدنى على الأعلى؛ لأنه إذا كتب هذا القليل وعرض على نبيهم فيكتب الكبير ويعرض من باب الأولى. (فلم أرَ ذنباً) أي يترتب على نسيان. (أعظم من سورة) أي من ذنب نسيان سورة كائنة. (من القرآن) فإن قلت: هذا مناف لما مر في باب الكبائر، قلت: إن سلم أن أعظم وأكبر مترادفان، فالوعيد على النسيان لأجل أن مدار هذه الشريعة على القرآن، فنسيانه كالسعي في الإخلال بها. فإن قلت: النسيان لا يؤاخذ به، قلت: المراد تركها عمداً إلى أن يفضي إلى النسيان، وقيل: المعنى أعظم من الذنوب الصغار إن لم تكن عن استخفاف وقلة تعظيم، كذا في الأزهار شرح المصابيح. (أو آية) أو للتنويع. (أوتيها رجل) أي تعلمها أو حفظها عن ظهر قلب. (ثم نسيها) قال الطيبي: إنما قال: أوتيها دون حفظها، إشعاراً بأنها كانت نعمة جسيمة أولاها الله ليشكرها، فلما
رواه الترمذي وأبوداود.
726-
(33) وعن بريدة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة)) رواه الترمذي، وأبوداود.
ــ
نسيها فقد كفر تلك النعمة، فبالنظر إلى هذا المعنى كان أعظم جرماً، فلما عدّ إخراج القذاة التي لا يؤبه لها من الأجور تعظيماً لبيت الله عدّ أيضاً النسيان من أعظم الجرم تعظيماً لكلام الله سبحانه، فكأن فاعل ذلك عدّ الحقير عظيماً بالنسبة إلى العظيم فأزاله عنه، وصاحب هذا عدّ العظيم حقيراً فأزاله عن قلبه. (رواه الترمذي) في فضائل القرآن واستغربه. (وأبوداود) في الصلاة وسكت عنه، وقال الترمذي: ذاكرت به محمد بن إسماعيل يعني البخاري فلم يعرفه واستغربه. قال محمد: ولا أعرف للمطلب بن عبد الله يعني الراوي له عن أنس سماعاً من أحد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلا قوله: حدثني من شهد خطبة النبي صلى الله عليه وسلم، قال: وسمعت عبد الله بن عبد الرحمن، يقول: لا يعرف للمطلب سماع من أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، قال عبد الله: وأنكر علي بن المديني أن يكون المطلب سمع من أنس-انتهى. وقال المنذري بعد نقل كلام الترمذي هذا: وفي إسناده عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي روّاد الأزدي، وثقة يحيى بن معين، وتكلم فيه غير واحد-انتهى. قلت: ووثقة أيضاً أحمد وأبوداود والنسائي كما في تهذيب التهذيب. وقال الحافظ في بلوغ المرام: وصححه ابن خزيمة.
726-
قوله: (بشر) هذا من الخطاب العام ولم يرد به امرأ واحداً بعينه، قاله السيوطي. وقال السندي: لعله خطاب لكل من يتولى تبليغ الدين ويصلح له. (المشائين) بالهمزة والمد من صيغ المبالغة والمراد منه كثرة مشيهم ويعتادون ذلك، لا من اتفق منهم المشي مرة أو مرتين. (في الظلم) بضم الظاء وفتح اللام جمع ظلمة بسكونها أي ظلمة الليل، والحديث يشمل العشاء والصبح بناء على أنها تقام بغلس. (إلى المساجد) قيل: لو مشى في الظلام بضوء لدفع آفات الظلام فالجزاء بحاله، وإلا فلا، قاله ابن الملك. وعلى هذا فالمراد من "في الظلم" أي في وقت ظلمة الليل وإن كان معهم مصباح. (بالنور) متعلق ببشر. (التام) الذي يحيط بهم من جميع جهاتهم، أي على الصراط لما قاسوا مشقة المشي في ظلمة الليل جوزوا بنور يضيء لهم ويحوط بهم. (يوم القيامة) قال الطيبي: في وصف النور بالتام وتقييده بيوم القيامة تلميح إلى وجه المؤمنين يوم القيامة في قوله تعالى: {نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا} [66: 8]، وإلى وجه المنافقين في قوله تعالى:{انظرونا نقتبس من نوركم} [57: 13] انتهى. (رواه الترمذي) من طريق إسماعيل الكحال، عن عبد الله بن أوس، عن بريدة، واستغربه. (وأبوداود) من هذا الطريق وسكت عنه. وقال المنذري: قال الدارقطني: تفرد به إسماعيل بن سليمان الضبي الكحال عن عبد الله بن أوس. وقال المنذري في الترغيب: رجال إسناده ثقات.
727، 728 - (35، 34) ورواه ابن ماجه، عن سهل بن سعد، وأنس.
729-
(36) وعن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا رأيتم الرجل يتعاهد المسجد،
فاشهدوا له بالإيمان؛ فإن الله يقول: {إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر} .
ــ
وأخرجه ابن ماجه بلفظ من حديث أنس-انتهى. قلت: إسماعيل الكحال، قال أبوحاتم: صالح الحديث، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: يخطئ. وقال الحافظ: صدوق يخطئ. وعبد الله بن أوس الخزاعي ذكره ابن حبان في الثقات. وقال الحافظ: لين الحديث. فالظاهر أن الحديث حسن، ويؤيده توثيق المنذري لرجال إسناده. وتفرد إسماعيل وعبد الله لا يضر؛ لأن له شواهد كثيرة بمعناه، وبعضها بلفظه أو بنحوه، وبعض أسانيدها صحاح وبعضها حسان من أحاديث بعض الصحابة، وكلها مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وانظرها في الترغيب (ج1: ص106) ومجمع الزوائد (ج2: ص31، 30) .
728، 727- قوله:(ورواه ابن ماجه عن سهل بن سعد) وأخرجه أيضاً ابن خزيمة في صحيحه، والحاكم، وقال: صحيح على شرط الشيخين. وقال في الزوائد: إسناده حسن، وصححه الحاكم وإبراهيم بن محمد الحلبي (شيخ ابن ماجه) قال ابن حبان في الثقات: يخطئ، وقال الذهبي في الكاشف: صدوق. وباقي رجاله ثقات. قال السندي: وهذا يؤيد قول من قال: إسناده حسن (وأنس) قال في الزوائد: إسناده ضعيف.
729-
قوله: (يتعاهد المسجد) أي: يخدمه ويعمره. وقيل: المراد التردد إليه في إقامة الصلاة وجماعته. وهذا هو التعهد الحقيقي وهو عمارته صورة ومعنى. وفي رواية للترمذي "يعتاد" بدل يتعاهد" أي: يلازم المسجد ويرجع إليه كرة بعد أخرى. قال الطيبي: التعهد والتعاهد الحفظ بالشئ، وفي التعاهد المبالغة لأن الفعل إذا أخرج على زنة المبالغة دل على قوته، وورد في رواية للترمذي "يعتاد" بدل "يتعاهد" وهو أقوى سندا وأوفق معنى لشموله جميع ما يناط به المسجد من العمارة واعتياد الصلاة وغيرها. ألا ترى إلى ما أشهد به النبي صلى الله عليه وسلم بقوله (فاشهدوا له) أي: اقطعوا له القول (بالإيمان) لأن الشهادة قول صدر عن مواطأة القلب اللسان على سبيل القطع-انتهى. قال السندي: وهو الموافق للاستشهاد بالآية، لكن يشكل عليه حديث سعد: قال في رجل إنه مؤمن فقال صلى الله عليه وسلم: أو مسلم. رواه في الصحيحين، فإنه يدل على المنع عن الجزم بالإيمان إلا أن يقال ذلك الرجل لم يكن ملتزما للمساجد، أو يراد بالإيمان ههنا الإسلام، وفيه أن الجزم بالإسلام لا يحتاج إلى ملازمة المساجد، والأقرب أن المراد بالشهادة الاعتقاد وغلبة الظن-انتهى. وقال ابن حجر: بل التعهد أولى، أي: من لفظ يعتاد لأنه مع شموله لذلك يشمل تعهدها بالحفظ، والعمارة، والكنس، والتطييب، وغير ذلك ما يدل عليه استشهاده عليه السلام بالآية الآتية (إنما يعمر مساجد الله) أي: بإنشائها أو ترميمها، أو إحيائها بالعبادة والدروس {من آمن بالله واليوم الآخر} [18:9] قال في الكشاف: عمارتها كنسها وتنظيفها وتنويرها بالمصابيح،
رواه الترمذي، وابن ماجه، والدارمي.
730-
(37) وعن عثمان بن مظعون، قال: ((يارسول الله! ائذن لنا في الاختصاء. فقال رسول الله: ((ليس منا من خصى ولا اختصى، إن خصاء أمتي الصيام. فقال: ائذن لنا في السياحة.
ــ
وتعظيمها واعتيادها بالعبادة والذكر، وصيانتها عما لم تبن له المساجد من حديث الدنيا فضلاً عن فضول الحديث-انتهى (رواه الترمذي) في الإيمان، وفي التفسير، وحسنه (وابن ماجه والدارمي) وأخرجه أيضاً ابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما، والحاكم كلهم من طريق دراج أبي السمح عن أبي الهيثم عن أبي سعيد. قال الحاكم: صحيح الإسناد. قال الذهبي في سنده دراج وهو كثير المناكير. وكذا قال أحمد، وقال ابن معين: ثقة. وقال يحيى بن سعيد: ليس به بأس. وقال الحافظ: صدوق في حديثه عن أبي الهيثم ضعف.
730-
قوله: (عن عثمان بن مظعون) بالظاء المعجمة ابن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح الجمحي القرشي، يكنى أبا السائب، أسلم بعد ثلاثة عشرة رجلاً، وهاجر هجرتين، وشهد بدراً، وكان ممن حرم الخمر في الجاهلية، وكان عابداً مجتهداً، من فضلاء الصحابة، وهو أول من مات بالمدينة من المهاجرين في شعبان على رأس ثلاثين شهراً من الهجرة بعد شهوده بدراً، وقيل: بعد اثنين وعشرين شهراً من مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة. ولما غسل وكفن قبله رسول الله صلى الله عليه وسلم بين عينيه، ولما دفن قال: نعم السلف هو لنا. وهو أول من دفن ببقيع الغرقد من المهاجرين، ووضع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجراً عند رأسه، وقال: هذا قبر فرطنا (ائذن لنا في الاختصاء) أي: سل الخصيتين لتزول شهوة النساء لأنه تشق علينا العزبة في المغازي (ليس منا) أي: ممن يقتدى بسنتنا ويهتدي بطريقتنا، لكن هذا التأويل لا يقال إلا في مقام التعليم، فلا يقال للعامة لئلا تتساهل في ذلك (من خصى) أي: سل خصية غيره (ولا اختصى) أي: بنفسه بحذف "من" لدلالة ما قبله عليه، يعني ولا من سل خصية نفسه واخرجها. قيل: واحتيج لتقدير "من" لئلا يتوهم أن المنهى عنه الجمع بينهما. قال ابن حجر: وكل من هذين حرام. وفي معناه إطعام دواء لغيره أو أكله، إن كان يقطع الشهوة والنسل دائماً. وكذا نادراً إن أطعم غيره بغير إذنه (إن خصاء) بكسر الخاء (أمتي الصيام) أي: فأكثروا الصوم، فإنه يكسر الشهوة وضررها. كما أفاده قوله صلى الله عليه وسلم: يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء. يعني أن تكثير الصوم مسكن لشهوة الجماع وقاطع لها مع ما فيه من سلامة النفس من التعذيب وقطع النسل، ومن حصول الثواب بالصوم المقتضي لرياضة النفس المؤدية إلى إطاعتها لأمر الله تعالى. وفيه دليل على كراهة الاستمناء باليد (في السياحة) بكسر السين المهملة بعدها تحتية، وهي مفارقة الأمصار والذهاب في الأرض كفعل عباد بني إسرائيل،
قال: إن سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله. فقال: ائذن لنا في الترهب. فقال: إن ترهب أمتي الجلوس في المساجد انتظار الصلاة)) . رواه في شرح السنة.
731-
(38) وعن عبد الرحمن بن عائش، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((رأيت ربي عزوجل في أحسن صورة.
ــ
قال الطيبي: (إن سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله) وهو أفضل، فإنه عبادة شاقة على النفس ونفعه متعد إلى الغير، وهو يشمل الجهاد الأكبر والأصغر (في الترهب) أي: في التعبد، وإرادة العزلة، والفرار من الناس إلى رؤوس الجبال كالرهبان. وأصل الترهب من الرهب بمعنى الخوف، كانوا يترهبون بالتخلي من أشغال الدنيا وملاذها. (انتظار الصلاة) بالإضافة، ونصبه بأنه مفعول له للجلوس أي: لانتظار الصلاة، فإن الجلوس في المسجد يتضمن فوائد الترهب مع زيادة الفضائل (رواه) أي: البغوي (في شرح السنة) بسنده المتصل من حديث سعد بن مسعود الصحابي: أن عثمان بن مظعون أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يارسول الله! ائذن لنا في الاختصاء. وساقه بسند فيه مقال، قاله ميرك. وقال الحافظ في الإصابة (ج2:ص27) في ترجمة سعد بن مسعود الكندي: قال ابن المبارك في الزهد: أنبأنا رشدين بن سعد، عن ابن أنعم عن سعد بن مسعود أن عثمان بن مظعون أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ائذن لنا في الاختصاء-فذكر الحديث انتهى. وروى الطبراني في الكبير عن ابن عباس: ليس منا من خصى أو اختصى، ولكن صم ووفر شعر جسدك. قال المناوي: قاله لعثمان بن مظعون لما قال له: إني رجل شبق فأذن لي في الاخصاء. وأخرج الطبراني أيضاً من حديث عثمان نفسه أنه قال: يارسول الله! إني رجل يشق على العزوبة فأذن لي في الخصاء، قال: لا ولكن بالصيام-الحديث. ومن طريق سعيد بن العاص أن عثمان قال: يارسول الله! ائذن لي في الاختصاء، فقال: إن الله قد أبدلنا بالرهبانية الحنيفية السمحة.
731-
قوله: (عبد الرحمن بن عائش) بكسر الهمزة والشين المعجمة، كذا في المفاتيح. وقال في التقريب بمثانة تحتية ثم معجمة يعنى أن أصله ياء، قال ابن حبان: له صحبة. وقال ابن السكن: يقال: له صحبة. وذكره في الصحابة محمد بن سعد، والبخاري، وأبوزرعة الدمشقي، وأبوالحسن بن سميع، وأبوالقاسم، والبغوي، وأبوزرعة الحراني، وغيرهم. وقال أبوحاتم الرازي: أخطأ من قال: له صحبة. وقال ابن خزيمة، والترمذي: لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم، وقال البخاري: له حديث واحد إلا أنهم مضطربون فيه، كذا في الإصابة (ج2:ص45) وقال في تهذيب التهذيب (ج6:ص204) : عبد الرحمن بن عائش الحضرمي- ويقال السكسكي- مختلف في صحبته، وفي إسناد حديثه (رأيت ربي عزوجل في أحسن صورة) الصواب أن هذا الحديث مستند إلى رؤيا رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم، يدل على ذلك
قال: فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت أنت أعلم. قال: فوضع كفه بين كتفي، فوجدت بردها بين ثدي، فعلمت ما في السموات والأرض،
ــ
حديث ابن عباس عند الترمذي ففيه: أتاني الليلة ربي تبارك وتعالى في أحسن صورة، قال أحسبه قال: في المنام، ويدل على ذلك أيضاً حديث معاذ بن جبل الآتي في الفصل الثالث فإن فيه: فنعست في صلاتي حتى استثقلت، فإذا أنا بربي في أحسن صورة. قال الحافظ ابن كثير بعد نقله عن مسند أحمد: وهو حديث المنام المشهور، ومن جعله يقظة غلط-انتهى. والروايات التي أطلق فيها الرؤية محمولة على المقيدة. وإليه أشار الدارمي حيث بوب على حديث عبد الرحمن بن عائش هذا "باب رؤية الرب تعالى في النوم" وعلى هذا فلا إشكال في الحديث، إذ الرأى قد يري غير المتشكل متشكلاً والمتشكل بغير شكله، ثم لم يعد ذلك بخلل في الرؤيا ولا في خلد الرأي، بل له أسباب أخرى تذكر في علم المنام أي: التعبير، ولولا تلك الأسباب لما افتقرت رؤيا الأنبياء عليهم السلام إلى تعبير، وعلى تقدير كون ذلك في اليقظة فمذهب السلف في مثل هذا من أحاديث الصفات إذا صح أن يمر كما جاء من غير تكييف ولا تشبيه ولا تعطيل، وأن يؤمن به من غير تأويل له، وأن يسكت عنه وعن أمثاله مع الاعتقاد بأن الله تعالى ليس كمثله شيء وهو السميع البصير. وقال من ذهب إلى التأويل: إن قوله في أحسن صورة، حال من الفاعل، أي: رأيت ربي حال كوني في أحسن صورة وصفة من غاية إنعامه ولطفه على، وإن كان حالا من المفعول فالمراد بالصورة صفته أو شأنه أو مثل ذلك، كما يقال: صورة المسألة كذا، وصورة الحال كذا، فإن إطلاق الصورة على الصفة شائع، والمعنى: رأيت ربي حال كون الرب في أحسن صفة أو شأن، قلت: مذهب السلف هو المنهج القويم والمسلك الصحيح فهو المتعين ولا حاجة إلى التأويل (قال) أي: ربي (فيم) أي: في أي: شيء (يختصم أي: يبحث (الملأ الأعلى) أي: الملائكة المقربون، والملأ هم الأشراف الذين يملؤن المجالس والصدور عظمة وإجلالا، وصفوا بالأعلى إما لعلو مكانهم وإما لعلو مكانتهم عند الله تعالى. قال الطيبي: المراد بالاختصام التقاول الذي كان بينهم في الكفارات والدرجات، شبه تقاولهم في ذلك وما يجري بينهم من السؤال والجواب، بما يجري بين المتخاصمين (أنت أعلم) أي: بما ذكر وغيره، وزاد في المصابيح كما في الدارمي: أي: رب (قال) أي: النبي صلى الله عليه وسلم (فوضع) أي: ربي (كفه بين كتفي) بتشديد الياء. قيل: هو مجاز من تخصيصه إياه بمزيد الفضل عليه وإيصال الفيض إليه، لأن من ديدن الملوك إذا أرادوا أن يدنوا إلى أنفسهم بعض خدمهم يضعون أيديهم على ظهره تلطفاً به وتعظيماً لشأنه فجعل ذلك حيث لا كف ولا وضع حقيقة كناية عن التخصيص بمزيد الفضل والتأييد - انتهى. قلت: قد تقدم في مثل هذا مذهب السلف أنه يؤمن بظاهره من غير تكييف ولا تشبيه ولا تعطيل ولا يفسر بما يفسر به صفات الخلق بل تنفي عنه الكيفية ويوكل علم الكيفية إلى الله تعالى وهذا هو المعتمد المعمول عليه (فوجدت بردها بين ثدي) بالتثنية والإضافة إلى ياء المتكلم أي: قلبي وصدري. قال القاري: هو كناية عن وصول ذلك الفيض إلى قلبه، ونزول الرحمة، وانصباب العلوم عليه، وتأثره عنه، ورسوخه فيه، وإتقانه له –انتهى. وفيه ما تقدم آنفاً (فعلمت ما في السموات والأرض) الأرض بمعنى الجنس أي: وما
في الأرضين السبع. قال القاري: يعني ما أعلمه الله تعالى مما فيهما من الملائكة والأشجار وغيرهما، وهو عبارة عن سعة علمه الذي فتح الله به عليه، قال: ويمكن أن يراد بالسموات الجهة العليا، وبالأرض الجهة السفلى، فيشمل الجميع لكن لا بد من التقييد الذي ذكرنا، إذ لا يصح إطلاق الجميع كما هو الظاهر-انتهى. اعلم أنه قد استدل بعض القبوريين في هذا الزمان بقوله: فعلمت ما في السموات والأرض، على ما ابتدعوا واعتقدوا من أن الله تعالى قد خص نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم من بين الأنبياء بعلم جميع ما كان من بدء الخلق وما هو كائن إلى يوم القيامة إلى أن يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار، فكان علمه صلى الله عليه وسلم عند هؤلاء محيطاً بجميع الأشياء حقائقها وعوارضها وصفاتها إحاطةً تامةً كليةً بتعليم الله تعالى وإلهامه، كما أنه تعالى أحاط بكل شيء علماً، ولا فرق بين علمه تعالى وعلم رسوله عندهم إلا أن علم الله ذاتي وحقيقي، وعلم رسوله ليس بذاتي بل وهبي، حصل له بتعليم الله وانكشف له الأشياء بإلهامه، وهذا كما تراه مخالف للعقل والنقل من النصوص الصريحة من كتاب الله وسنة رسوله، وتصريحات السلف الصالح من الصحابة والتابعين والمحدثين، وفقهاء المذاهب الأربعة، وغيرهم. قالوا في وجه الاستدلال: أن لفظه "ما" في الحديث للعموم الاستغراق فتعم جميع الممكنات من الموجودات، والمعدومات وذوات العقول، وغيرها بل تشتمل الواجبات والممتنعات أيضاً. قلت: استدلالهم هذا مخدوش من وجوه بل باطل، الأول: أن لفظة "ما" في أصل الوضع لغير ذوى العقول عند المحققين فيخرج من مفهومها ذوات العقول كما يدل عليه قصة ابن الزبعري في قوله تعالى: {إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم} [98:21] وعلى هذا فلا تكون الرواية دليلاً على كون علمه صلى الله عليه وسلم محيطاً بجميع الأشياء إحاطة كلية. والثاني: أن من ذهب إلى كونها شاملة لذوى العقول وهم الأكثر من علماء الأصول قد صرحوا بأنها إنما تشمل صفات من يعقل فقط لا ذواتهم، أعنى أن ذوات من يعقل خارجة من مفهومها عندهم أيضاً بحسب أصل الوضع، فلا تشملها إلا بقرينة ولا قرينة ههنا تدل على ذلك، بل الأمر بالعكس كما سيأتي، فبطل بذلك دعوى العلم الكلي له صلى الله عليه وسلم. والثالث: أن قوله: في السموات والأرض، في الحديث يدل على أن المراد بلفظه "ما" إنما هي الممكنات فقط لا الواجبات والممتنعات، وذلك لأن تقدير الكلام: فعلمت ما هو كائن، أو ثابت، أو متحقق، أو موجود، أو حاصل، أو مستقر، أو حادث في السموات والأرض. وهذا إنما هو شأن الممكن بالإمكان الخاص لا الواجب والممتنع، وهذا يبطل دعوى القبوريين بكون علمه عليه السلام كليا محيطا بجميع الأشياء. والرابع: أن سياق الحديث يدل على أن لفظة ما ههنا ليست للعموم والاستغراق، فإنه صلى الله عليه وسلم قد بين ذلك باستشهاده بقوله تعالى:{وكذلك نرى إبراهيم ملكوت السموات والأرض} [75:6] ما علمه الله عزوجل في المنام، وهو عجائب السموات والأرض فقط لا جميع ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة، وإلا يلزم أن يقال: إن إبراهيم عليه السلام أيضاً كان عالما بجميع الأشياء بعلم كلي محيط إحاطة تامة، ويبطل بذلك دعوى الخصوصية، وهو خلاف ما ذهب إليه القبوريون من أن ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم، فلا مناص من أن يقال أن لفظة "ما" في الحديث ليست للعموم والاستغراق. والخامس: أنه قد ثبت بنصوص الكتاب والسنة
وتلا {وكذلك نرى إبراهيم ملكوت السموات والأرض وليكون من الموقنين} رواه الدارمي.
ــ
الصحيحة الصريحة عدم علمه صلى الله عليه وسلم ببعض الأشياء كما يدل عليه قوله تعالى: {مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم} [101:9] وقوله: {وما علمناه الشعر، وما ينبغي له} [69:36] وقوله: {قل إنما علمها عند ربي} [187:7] وقوله عليه السلام (أنتم أعلم بأمور دنياكم) . وقوله: (إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك) وقوله في حديث الشفاعة (أحمده بمحامد لا أقدر عليه الآن يلهمنيه الله تعالى) وفي رواية (فأحمده بتحميد يعلمنيه ربي) وغير ذلك من الآيات والأحاديث الصحيحة الصريحة، فعدم علمه صلى الله عليه وسلم ببعض الأشياء أو ببعض أوصافها قرينة صريحة على أن لفظه "ما" في الحديث ليست للعموم والاستغراق، وهو يبطل دعوى القبوريين. وأما قولهم: بأن المراد بنفي علم الغيب عنه صلى الله عليه وسلم في بعض الآيات والأحاديث نفى العلم الذاتي لا الو هبي فهو تحكم محض وادعاء بحت ليست عليه أثارة من علم لا من كتاب، ولا من سنة، ولا من إجماع، ولا من قياس، بل يبطله قوله تعالى:{ولا يحيطون بشيء من علمه} [255:2] وقوله: {وما يعلم جنود ربك إلا هو} [31:74] فتفكر وتأمل ولا تعجل (وتلا) أي: النبي صلى الله عليه وسلم استشهادا على ما تقدم (وكذلك نرى إبراهيم) مضارع في اللفظ ومعناه الماضي والعدول لإرادة حكاية الحال الماضية استعجابا، أي: أرينا إبراهيم، يعني كما أن الله أرى إبراهيم عليه السلام ملكوت السموات والأرض وكشف له ذلك، فتح على أبواب الغيوب التي تليق لشأن الرسالة والكاف للتشبيه، وهي في محل نصب نعتاً لمصدر محذوف فقدره الزمخشري: ومثل ذلك التعريف والتبصير نعرف إبراهيم ونبصره ملكوت. وقدره بعضهم: وكما أريناك يا محمد الهداية أو أحكام الدين، وعجائب ما في السموات وما في الأرض أرينا إبراهيم. وقال الخازن، معناه: وكما أرينا إبراهيم البصيرة في دينه، والحق في خلاف قومه وما كانوا عليه من الضلال في عبادة الأصنام، نريه ملكوت السموات والأرض، فلهذا السبب عبر عن هذه الرؤية بلفظ المستقبل في قوله {وكذلك نرى} لأنه تعالى كان أراه بعين البصيرة أن أباه وقومه على غير الحق فخالفهم فجزاه الله بأن أراه بعد ذلك ملكوت السموات ولأرض فحسنت هذه العبارة لهذا المعنى (ملكوت السموات والأرض) أي: ملكهما وهو فعلوت من الملك، وزيدت التاء والواو للمبالغة في الصفة، ومثله الرغبوت والرحموت والرهبوت مبالغة في الرغبة والرحمة والرهبة قيل: أراد بملكوتها ما فيهما من الخلق، وقيل: عجائبهما وبدائعهما، وقيل الربوبية والألوهية. أي: نريه ذلك ونوفقه لمعرفته بطريق الاستدلال التي سلكها. وقال ابن كثير: أي: نبين له وجه الدلالة في نظره إلى خلقها إلى وحدانية الله عزوجل في ملكه وخلقه وإنه لا إله غيره كقوله {أو لم ينظروا في ملكوت السموات والأرض} [185:7](وليكون من الموقنين) عطف على مقدر، أي: ليستدل به على وحدانيتنا، ويصح أن يكون علة لمحذوف أي: وليكون من الموقنين فعلنا ذلك، والجملة معطوفة على الجملة قبلها، واليقين عبارة عن علم يحصل بسبب التأمل بعد زوال التشبه لأن الإنسان في أول الحال لا ينفك عن شبهة وشك، فإذا كثرت الدلائل وتوافقت صارت سبباً لحصول اليقين والطمأنينة في القلب (رواه الدارمي) في كتاب الرؤيا من طريق الوليد بن مسلم، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن خالد بن اللجلاج، عن عبد الرحمن بن عائش الحضرمي أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: رأيت ربي – الحديث. وأخرجه أيضاً
مرسلاً.
733، 732- (40، 39) وللترمذي نحوه عنه،
ــ
من هذا الطريق ابن خزيمة، والبغوي وابن السكن، وأبونعيم. ووقع في أسانيدهم التصريح بسماع عبد الرحمن من النبي صلى الله عليه وسلم (مرسلاً) إنما أطلق عليه المرسل مع التصريح فيه بسماع عبد الرحمن بن عائش من النبي صلى الله عليه وسلم لأن ابن عائش هذا مختلف في صحبته كما تقدم، والراجح عند المصنف أنه لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم، وإن "سمعت" في هذا الحديث وهم. قال ميرك: قوله: رواه مرسلاً، بل معضلاً فإن عبد الرحمن هذا مختلف في صحبته، والصحيح أنه لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم بل رواه عن مالك بن يخامر، عن معاذ بن جبل، كما في مسند أحمد وهو إسناد جيد – انتهى.
733، 732- قوله:(وللترمذي) أي: في تفسير سورة ص (نحوه) أي: نحو هذا اللفظ أي: معناه (عنه) أي: عن عبد الرحمن لكن لم يذكر الترمذي لفظ حديثه، بل قال بعد إخراج حديث معاذ بن جبل الآتي في الفصل الثالث: قال البخاري: هذا أصح من حديث الوليد بن مسلم، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال: حدثنا خالد بن اللجلاج: حدثني عبد الرحمن بن عائش الحضرمي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر الحديث، وهذا غير محفوظ، هكذا ذكر الوليد في حديثه عن عبد الرحمن بن عائش قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم. ورواه بشر بن بكر عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر هذا الحديث بهذا الإسناد عن عبد الرحمن بن عائش، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا أصح، وعبد الرحمن بن عائش لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم انتهى كلام الترمذي. وقال ابن خزيمة "سمعت" في هذا الحديث وهم فإن هذا الخبر لم يسمعه عبد الرحمن، ثم استدل على ذلك بما أخرجه هو والترمذي من رواية أبي سلام، عن عبد الرحمن بن عائش، عن مالك ابن يخامر، عن معاذ بن جبل فذكر نحوه، قال الترمذي: صحيح. وقال أبوعمرو: هو الصحيح عندهم، وقال، وقد سبقه ابن خزيمة: لم يقل في حديثه: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم إلا الوليد بن مسلم. قال الحافظ في الإصابة (ج2: ص405) في ترجمة عبد الرحمن بن عائش: لم ينفرد الوليد بن مسلم بالتصريح المذكور بل تابعه حماد بن مالك الأشجعي والوليد بن يزيد البيروتي، وعمارة بن بشر، وغيرهم عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر. فأما الوليد بن يزيد فأخرجه الحاكم، وابن مندة والبيهقي من طريق العباس بن الوليد، عن أبيه: حدثنا ابن جابر، قال: وهذه متابعة قوية للوليد بن مسلم، وأما حماد بن مالك فأخرجه البغوي. وابن خزيمة من طريقه، قال: حدثنا ابن جابر، وأما رواية عمارة بن بشر فأخرجها الدارقطني في كتاب الرواية من طريقه: حدثنا عبد الرحمن بن جابر، فذكر نحو رواية حماد بن مالك، وزاد: وذكر ابن جابر عن أبي سلام أنه سمع عبد الرحمن بن عائش يقول في هذا الحديث: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر بعضه. وأما رواية بشر الذي أشار إليها الترمذي فأخرجها الهيثم بن كليب في مسنده، وابن خزيمة والدار القطني من طريقه، عن ابن جابر عن خالد سمعت عبد الرحمن بن عائش يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ذكر الحافظ الاختلاف على خالد بن اللجلاج فقال: وروى هذا الحديث يزيد بن يزيد بن جابر أخو عبد الرحمن، عن خالد فخالف أخاه، أخرجه أحمد من طريق زهير بن محمد عنه عن خالد، عن عبد الرحمن بن عائش، عن رجل من الصحابة فزاد فيه رجلاً، ولكن رواية
وعن ابن عباس، ومعاذ بن جبل، وزاد فيه: ((قال: يا محمد! هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: نعم، في الكفارات. والكفارات: المكث في المساجد
ــ
زهير بن محمد عن الشاميين ضعيفة كما قال البخاري وغيره، وهذا منها. وقال هشام الدستوائي عن أبي قلابة، عن خالد ابن اللجلاج، عن ابن عباس أخرجه الترمذي وأبويعلى، عن قتادة، عن أبي قلابة. وقد ذكر أحمد بن حنبل أن قتادة أخطأ فيه، والقول ما ابن جابر. ورواه أيوب عن أبي قلابة مرسلاً لم يذكر خالداً، أخرجه الترمذي وأحمد، وكذا أرسله بكر بن عبد الله المزني عن أبي قلابة أخرجه الدارقطني، ورواه سعيد بن بشير، عن قتادة، عن أبي قلابة فخالف الجميع، قال: عن أبي أسماء، عن ثوبان، وهي رواية أخطأ فيه سعيد بن بشير وأشد منها خطأ رواية أخرجها أبوبكر النسيابوري في الزيادات من طريق يوسف بن عطية، عن قتادة، عن أنس، وأخرجها الدارقطني، ويوسف متروك. قال: ويستفاد من مجموع ما ذكرت قوة رواية عبد الرحمن بن يزيد بن جابر بإتقانها، ولأنه لم يختلف عليه فيها. وأما رواية أبي سلام فاختلف عليه. وروى حماد بن مالك كما تقدم كرواية عبد الرحمن بن يزيد بن جابر. وخالفه زيد بن سلام. فرواه عن جده أبي سلام، عن عبد الرحمن بن عائش، عن مالك بن يخامر، عن معاذ، وقد ذكره مطولاً، وفيه قصة، هكذا رواه جهضم بن عبد الله اليمامي، عن يحيى بن أبي كثير، عن زيد. أخرجه أحمد (ج 5: ص243) وابن خزيمة والرؤياني والترمذي والدارقطني وابن عدي وغيرهم. وخالفهم موسى بن خلف فقال: عن يحيى، عن زيد عن جده عن أبي عبد الرحمن السكسكي، عن مالك بن يخامر، عن معاذ، أخرجه الدارقطني وابن عدي. ونقل عن أحمد أنه قال: هذه الطريق أصحها. قال الحافظ: فإن كان الأمر كذلك فإنما روى هذا الحديث المالك بن يخامر أبوعبد الرحمن السكسكي لا عبد الرحمن بن عائش. ويكون للحديث سندان: ابن جابر عن خالد عن عبد الرحمن بن عائش. ويحي، عن زيد، أبي سلام، عن أبي عبد الرحمن عن مالك عن معاذ. ويقوي ذلك اختلاف السياق بين الراويتين- انتهى كلام الحافظ في الإصابة مختصراً ومخلصاً (وعن ابن عباس) عطف على عنه. والحديث أخرجه الترمذي عن ابن عباس من طريق أبي قلابة، عن ابن عباس، وعنه، عن خالد بن اللجلاج، عن ابن عباس. وقال: حديث حسن. وأخرجه أيضاً عبد الرزاق، وأبويعلى، وعبد بن حميد، ومحمد بن نصر (ومعاذ بن جبل) أراد حديثه الذي ذكره في الفصل الثالث، وقد تقدم تخريجه في كلام الحافظ (وزاد) أي: الترمذي (فيه) أي: في نحوه من الحديث (قال) أي: الله تعالى سائلاً مرة أخرى كما يدل عليه أول الحديث الذي اختصره المصنف، وهو مذكور عند الترمذي وغيره، وسياق الحديث الذي ذكره المصنف إنما هو من رواية أيوب عن أبي قلابة عن ابن عباس (قلت نعم، في الكفارات) أي: يختصمون في الكفارات يعني في أعمال تكفر الذنوب، وفي رواية قتادة عن أبي قلابة عن خالد بن اللجلاج عن ابن عباس في الدرجات والكفارات (والكفارات) مبتدأ وخبره "المكث في المساجد" الخ. وسميت هذه الخصال كفارات لأنها تكفر الذنوب عن فاعلها، فهي من باب تسمية الشيء باسم لازمه (في المساجد) وفي بعض نسخ الترمذي "المسجد" بلفظ
بعد الصلوات، والمشي على الأقدام إلى الجماعات، وإبلاغ الوضوء في المكاره، فمن فعل ذلك عاش بخير، ومات بخير، وكان من خطيئته كيوم ولدته أمه، وقال: يا محمد! إذا صليت فقل: أللهم إني أسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضني إليك غير مفتون، قال: والدرجات: إفشاء السلام، وإطعام الطعام، والصلاة بالليل والناس نيام) . ولفظ هذا الحديث كما في "المصابيح" لم أجده عن عبد الرحمن إلا في شرح السنة.
ــ
الإفراد (بعد الصلوات) أي: بعد كل صلاة انتظار الصلاة أخرى، وفي الترمذي "بعد الصلاة" بلفظ الإفراد (والمشي على الأقدام إلى الجماعات) فإن الآتي إلى المسجد زائر الله، والزيارة على الأقدام أقرب إلى الخضوع والتواضع والتذلل (وإبلاغ الوضوء) بفتح الواو وتضم، أي: إيصال ماء الوضوء بطريق المبالغة مواضع الفروض والسنن. وفي الترمذي "إسباغ الوضوء" بدل إبلاغ. والإبلاغ بمعنى الإسباغ (في المكاره) جمع مكره بفتح ميم ما يكرهه شخص ويشق عليه أي: التوضى مع برد شديد وعلل، يتأذى معها بمس الماء. قال ابن الملك: إنما خص هذه الأشياء بالذكر حثاً على فعلها لأنها دائمة فكانت مظنة أن تمل-انتهى (فمن فعل) وفي الترمذي "ومن" بالواو (ذلك) أي: المذكور (عاش بخير ومات بخير) كما دل عليه قوله تعالى: {من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياةً طيبةً ولنجزينهم بأحسن ما كانوا يعملون} [97:16](وكان من خطيئته كيوم ولدته أمه) أي: فيه بفتح "يوم" قال الطيبي: مبنى على الفتح لإضافته إلى الماضي، وإذا أضيف إلى المضارع اختلف في بناءه، أي: كان مبرأ كما كان مبرأ يوم ولدته أمه (إذا صليت) أي: فرغت من الصلاة (فعل الخيرات) بكسر الفاء، وقيل: بفتحها، وقيل: الأول اسم، والثاني مصدر، والخيرات ما عرف من الشرع من الأقوال الحميدة والأفعال السعيدة (وترك المنكرات) هي التي لم تعرف من الشرع من الأقوال القبيحة والأفعال السيئة (وحب المساكين) الظاهر أنه كما قبله من إضافة المصدر إلى المفعول، وهو تخصيص بعد تعميم لدخوله في الخيرات اهتماماً بهاذ الفرد منه (فتنة) أي: ضلالة أو عقوبة دنيوية (فاقبضني) بكسر الباء، أي: توفني (غير مفتون) أي: غير ضال أو غير معاقب (قال) أي: النبي صلى الله عليه وسلم (والدرجات) مبتدأ، أي: ما ترفع به الدرجات (إفشاء السلام) أي: بذله على من عرفه ومن لم يعرفه (والناس نيام) بكسر النون جمع نائم، والجملة حالية، وإنما عدت هذه الأشياء من الدرجات لأنها فضل منه على ما وجب عليه فلا جرم استحق بها فضلاً وهو علو الدرجات، هذا. وارجع لشرح الحديث مفصلا، وبسط الكلام عليه مطولاً إلى كتاب "اختيار الأولى في شرح حديث اختصام الملأ الأعلى" لابن رجب.
734-
(41) وعن أبي أمامة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ثلاثة كلهم ضامن على الله: رجل خرج غازياً في سبيل الله، فهو ضامن على الله حتى يتوفاه، فيدخله الجنة، أو يرده بما نال من أجر أو غنيمة؛ ورجل راح إلى المسجد، فهو ضامن على الله؛ ورجل دخل بيته بسلام، فهو ضامن على الله)) .
ــ
734-
قوله: (ثلاثة) أي: أشخاص (كلهم) أي: كل واحد منهم، والإفراد باعتبار لفظ الكل. قال الخطابي: أنشدني أبوعمر، عن أبي العباس في كل بمعنى كل واحد:
فكلهم لا بارك الله فيهم
…
إذا جاء ألقى خده يتسمعا
(ضامن على الله) عدى الضمان بعلى بتضمين معنى الوجوب والمحافظة، والضامن بمعنى المضمون كدافق بمعنى مدفوق في قوله تعالى:{من ماء دافق} [6:86] ) وعاصم بمعنى معصوم في قوله: {لا عاصم اليوم من أمر الله} [43:11] على تأويل و"راضية بمعنى مرضية" في قوله: {عيشة راضية} [7:101) أو هو بمعنى ذو ضمان أي: حفظ ورعاية كلا بن وتامر أي: صاحب لبن وتمر. وحاصل المعنى أنه يجب على الله بمقتضى وعده الصادق أن يحفظ كلا من هؤلاء الثلاثة من الضرر والخيبة والضياع والآفة (خرج غازياً) أي: حال كونه مريداً للغزو (فهو ضامن على الله) أي: واجب الحفظ والرعاية على الله كالشئ المضمون (حتى يتوفاه) أي: يقبض روحه إما بالموت أو بالقتل في سبيل الله (فيدخله الجنة) أي: مع الناجين (أو يرده) عطف على يتوفاه (بما نال) أي: مع ما وجد (من أجر) أي: ثواب فقط (أو غنيمة) أي: مع الأجر فأو للتنويع (ورجل راح) أي: مشى إلى المسجد (فهو ضامن على الله) أي: يعطيه الأجر وأن لا يضيع سعيه، أو واجب الوقاية والرعاية، ووقع في سنن أبي داود بعد قوله "ضامن على الله" حتى يتوفاه، فيدخله الجنة، أو يرده بما نال من أجر أوغنيمة، وهكذا رواه الحاكم وكذا ذكره السيوطي في الجامع الصغير، وسقط هذا من جميع نسخ المشكاة (ورجل دخل بيته بسلام) يحتمل وجهين، أحدهما: أن يسلم على أهله إذا دخل منزله كقوله تعالى: {فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم} [61:24] والمضمون عليه أن يبارك عليه وعلى أهله فمعنى قوله: (فهو ضامن على الله) أي: يعطيه البركة والثواب الكثير لما روى أنه عليه السلام قال لأنس: إذا دخلت على أهلك فسلم، يكون بركة عليك وعلى أهل بيتك. والوجه الآخر: أن يكون أراد بدخول بيته سالماً من الفتن، أي: طالباً للسلامة منها. قال الطيبي: وهذا أوجه لأن المجاهدة في سبيل الله سفرا، والرواح إلى المسجد حضراً، ولزوم البيت اتقاء من الفتن آخذ بعضها بحجزة بعض، فعلى هذا المضمون به هو رعاية الله تعالى وجواره من الفتن-انتهى. وإنما لم يذكر المضمون به في الأخير اكتفاء لظهور المراد وهو الأجر والمثوبة حسب ما يليق به من
رواه أبوداود
735-
(42) وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من خرج من بيته متطهراً إلى الصلاة مكتوبة؛ فأجره كأجر الحاج المحرم. ومن خرج إلى تسبيح الضحى لا ينصبه إلا إياه، فأجره كأجر المعتمر.
ــ
البركة والسلامة (رواه أبوداود) في الجهاد وسكت عنه، وأخرجه أيضاً ابن حبان والحاكم في الجهاد وقال "صحيح" ووافقه الذهبي.
735-
قوله: (من خرج من بيته متطهراً إلى صلاة مكتوبة، فأجره كأجر الحاج المحرم) أي: كما أن الحاج إذا كان محرما قبل الميقات كان ثوابه أتم، فكذلك الخارج إلى الصلاة إذا كان متطهراً من بيته كان ثوابه أفضل، شبه بالحاج المحرم لكون التطهر من الصلاة بمنزلة الإحرام من الحج لعدم جوازهما بدونهما. وقيل: المراد كأصل أجره، وقيل: كأجره من حيث أنه يكتب له بكل خطوة أجر كالحاج، وإن تغاير الأجران كثرة وقلة أو كمية وكيفية. وقال الطيبي: من خرج من بيته أي: قاصداً إلى المسجد لأداء الفرائض. وإنما قدرنا القصد ليطابق الحج لأنه القصد الخاص، فنزل النية مع التطهير منزلة الإحرام. وأمثال هذه الأحاديث ليست للتسوية، كيف وإلحاق الناقص بالكامل يقتضى فضل الثاني وجوبا ليفيد المبالغة، وإلا كان عبثاً، فشبه حال المصلي القاصد إلى المكتوبة بحال الحاج المحرم في الفضل مبالغةً وترغيباً للمصلي ليركع مع الراكعين، ولا يتقاعد عن حضور الجماعات (تسبيح الضحى) أي: صلاة الضحى، وكل صلاة تطوع تسبيحة وسبحة. قال الطيبي: المكتوبة والنافلة وإن اتفقتا في أن كل واحدة منهما يسبح فيها إلا أن النافلة جاءت بهذا الاسم أخص من جهة أن التسبيحات في الفرائض والنوافل سنة، فكأنه قيل للنافلة تسبيحة على أنها شبيهة بأذكار في كونها غير واجبة (لا ينصبه) أي: لا يتعبه ولا يخرجه، بضم الياء من الأنصاب وهو الإتعاب، مأخوذ من نصب بكسر الصاد أي: تعب، وأنصبه غيره أي: أتعبه، ويروي بفتح الياء من نصبه إذا أقامه، قاله زين العرب. وقال التوربشتي: هو بضم الياء والفتح احتمال لغوي لا أحققه رواية (إلا إياه) أي: لا يزعجه ولا يحمله على الخروج إلا ذلك، أي: تسبيح الضحى. وحقه أن يقال: إلا هو، فوضع الضمير المنصوب موضع المرفوع. قال ابن الملك: وضع الضمير المنصوب موضع المرفوع لأنه استثناء مفرغ يعني لا يتعبه إلا الخروج إلى تسبيح الضحى (فأجره كأجر المعتمر) إشارة إلى أن فضل ما بين المكتوبة ولا نافلة، والخروج إلى كل واحد منهما، كفضل ما بين الحج والعمرة، والخروج إلى كل واحد منهما. ولا تخالف بين هذا الحديث وحديث "أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة" لأن حديث الباب يدل على جوازه في المسجد لا على أفضليته، أو يحمل على من لا يكون له مسكن، أو في مسكنه شاغل ونحوه على أنه ليس للمسجد ذكر في الحديث أصلاً، فالمعنى: من خرج من بيته أو سوقه أو شغله متوجها إلى صلاة الضحى تاركاً أشغال الدنيا. وقال التوربشتي: يحتمل أن يكون قوله صلى الله عليه وسلم: يا أيها الناس صلوا في بيوتكم، فإن خير صلاة الرجل في بيته إلا المكتوبة، مختصاً بصلاة
وصلاة على إثر صلاة لا لغو بينهما، كتاب في عليين)) رواه أحمد، وأبوداود.
ــ
الليل وإن كان ظاهر لفظه يقتضي العموم، وذلك لأنه قال هذا القول بعد أن قام ليالي رمضان، فلما رآهم يجتمعون إليه ويتنحنحون ليخرج إليهم قال ذلك. ومن الدليل على صحة ما ذهبنا إليه أنه صلى الله عليه وسلم كان يقعد في مصلاه حتى تطلع الشمس، ثم يركع ركعتين، وقد قال صلى الله عليه وسلم: من قعد في مصلاه حين ينصرف من صلاة الصبح حتى يسبح ركعتي الضحى لا يقول إلا خيراً إلا غفر له خطاياه، وكان صلى الله عليه وسلم إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين، وكان صلى الله عليه وسلم يأتي مسجد قباء كل سبت ماشياً وراكباً فيصلي فيه ركعتين، فلو كانت صلاته هذا في البيت خيراً لم يكن ليأخذ بالأدنى ويدع الأعلى والأفضل. وإذ قد ثبت هذا فنقول الظاهر أنه أمرهم بالصلاة في بيوتهم لمعان، أو لبعض تلك المعاني: أحدها، وهو آكد الوجوه: أنه أحب أن يجعلوا لبيوتهم حظا من الصلاة، ولا يتركوا الصلاة فيها فيجعلوها قبورا مثل بيوت بني إسرائيل، فإنهم كانوا لا يصلون إلا في كنائسهم وبيعهم. والثاني: أحب أن يتنفلوا في بيوتهم ليشملها بركة الصلاة فيرتحل عنها الشيطان، وينزل فيها الخير والسكنية. والثالث: أنه رأى النافلة في البيت أفضل حذرا من دواعي الرياء وطلب المحمدة التي جبل عليها الإنسان ونظراً إلى سلامته من العوارض والموانع التي تصيبه في المسجد بخلاف البيت، فإنه يخلو هناك بنفسه فينسد مداخل تلك الآفات والعوارض. فعلى الوجه الأول والثاني، إذا أدى الإنسان بعض نوافله في البيت فقد خرج من عهدة ما شرع له. وعلى الوجه الثالث، إذا تمكن عن أداء نافلة في المسجد عارية عن تلك القوادح لم تتأخر صلاته تلك عن صلاته في البيت فضيلة. وأرى قوله "لا ينصبه إلا إياه" إشارة إلى هذا المعنى، وهو أن لا يشوب قصده ذلك شيء آخر، فلا يزعجه إلا القصد المجرد بخروجه إلى الصلاة سالما من الآفات التي أشرنا إليها- انتهى كلام التوربشتي مختصراً (وصلاة على إثر صلاة) بكسر الهمزة وسكون الثاء وبفتحتين لغتان، أي: عقبيهما، يعني صلاة تتبع صلاة وتتصل بها ليلاً ونهاراً فرضاً وسنة (لا لغو بينهما) أي: ما لا يعني من القول والفعل، قال في النهاية: يقال: لغا الإنسان يلغو ولغى يلغى، إذا تكلم بالمطروح من القول وما لا يعني. وقال في القاموس: اللغو واللغى كالفتى السقط وما لا يعتد به من كلام وغيره - انتهى. فيشمل اللغو من الفعل كما جاء في الحديث: من مس الحصى فقد لغى (كتاب) أي: عمل مكتوب (في عليين) قال ابن رسلان: أي: مكتوب ومقبول تصعد به الملائكة المقربون إلى عليين لكرامة المؤمن وعمله الصالح. قال القاري: هو علم لديوان الخير الذي دون فيه أعمال الأبرار. قال تعالى {إن كتاب الأبرار لفي عليين، وما أدراك ما عليون؟ كتاب مرقوم، يشهد المقربون} [21، 18:83) منقول من جمع علي فعيل من العو، سمى به لأنه مرفوع إلى السماء السابعة تكريما، ولأنه سبب الارتفاع إلى أعلى الدرجات، والعليلة بتشديد اللام والياء الغرفة، كذا قاله بعضهم. وقيل: أراد أعلى الأمكنة وأشرف المراتب، أي: مداومة الصلاة والمحافظة عليها من غير شوب بما ينافيها لا شيء من الأعمال أعلى منها فكنى عن ذلك بقوله في عليين (رواه أحمد وأبوداود) وسكت عنه. وقال المنذري: فيه القاسم أبوعبد الرحمن، وفيه مقال-انتهى. قلت: قد وثقه ابن معين، والعجلي،
736-
(43) وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا. قيل: يارسول الله! وما رياض الجنة؟ قال: المساجد. قيل: وما الرتع؟ يارسول الله! قال: سبحان الله، والحمدلله، ولا إله إلا الله، والله أكبر)) رواه الترمذي.
ــ
ويعقوب بن سفيان، والترمذي، ويعقوب بن شيبة، وإسحاق الحربي، وغيرهم. فالحديث لا ينحط عن درجة الحسن.
736-
قوله: (إذا مررتم برياض الجنة) جمع روضة وهي أرض مخضرة بأنواع النبات (فارتعوا) من رتعت الماشية رتعا ورتوعا من باب نفع. رعت كيف شاءت. قال في القاموس: رتع كمنع، أكل وشرب ما شاء في خصب وسعة، أو هو الأكل والشرب رغداً في الريف. وتلخيص الحديث: إذا مررتم بالمساجد قولوا هذه الأذكار، فلما وضع رياض الجنة موضع المساجد بناء على أن العبادة فيها سبب للحلول في رياض الجنة روعيت المناسبة لفظاً ومعنى، فوضع الرتع موضع القول، أي: استعير للعوض في الأذكار الواقعة فيها، لأن هذا القول سبب لنيل الثواب الجزيل. والرتع هنا كما في قول إخوة يوسف {يرتع ويلعب} [12:12] وهو أن يتسع في أكل الفواكه والمستلذات والخروج إلى التنزه في الأرباف والمياه كما هو عادة الناس إذا خرجوا إلى الرياض والبساتين، ثم اتسع واستعمل في الفوز بالثواب الجزيل والأجر الجميل (قيل: يارسول الله) السائل في الفصلين هو أبوهريرة راوي الحديث وهو صريح في كتاب الترمذي (وما رياض الجنة؟ قال: المساجد) وفي حديث أنس عند أحمد والترمذي: حلق الذكر. ولا منافاة بينهما لأنها تصدق بالمساجد وغيرها فهي أعم، وخصت المساجد هنا لأنها أفضل، قاله القاري. وفسر في حديث ابن عباس عند الطبراني في الكبير بمجالس العلم. قال الشوكاني: لا مخالفة بين هذه الأحاديث، فرياض الجنة تطلق على حلق الذكر، ومجالس العلم، والمساجد، ولا مانع من ذلك-انتهى. وقيل: اختلف الجواب في تفسير الرتع باختلاف أحوال السائلين، فرأى أن الأولى بحال سائل حلق العلم، وبحال سائل آخر حلق الذكر، ولهذا قال العلقمي: المراد من هذه الأحاديث في تفسير الرتع مناسبة كل شخص بما يليق به من أنواع العبادة (وما الرتع؟) بسكون المثناة الفوقية (يارسول الله! قال: سبحان الله) إلخ. لا يخفى أن الرتع ليس منحصراً في هذه الأذكار، بل المقصود هذه وأمثالها من الباقيات الصالحات التي هي سبب وصول الروضات، ورفع الدرجات العالية، وهذا لأن في قوله "حلق الذكر" في حديث أنس و"مجالس الذكر" في حديث جابر عند أبي يعلى، والبزار، والطبراني، والحاكم، والبيهقي إشارة إلى أن كل ذكر رتع، وإنما خصت الكلمات المذكورة بالذكر لأن الباقيات الصالحات في الآية مفسر بها. ولحديث "إنها أحب الكلام إلى الله" أخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه من حديث سمرة بن جندب (رواه الترمذي) في الدعوات وغربه، وفي سنده حميد المكي، وهو مجهول، لكن له شواهد ترتقى بها إلى الصحة أو الحسن.
737-
(44) وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أتى المسجد لشيء، فهو حظه)) رواه أبوداود.
738-
(45) وعن فاطمة بنت الحسين، عن جدتها فاطمة الكبرى، رضي الله عنها، قال:((كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد صلى على محمد وسلم، وقال: رب اغفرلي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك. وإذا خرج صلى على محمد وسلم، وقال: رب اغفرلي ذنوبي، وافتح لي أبواب فضلك)) .
ــ
737-
قوله: (من أتى المسجد لشيء) أي: لقصد حصول شيء من غرض أخروي أو دنيوي (فهو) أي: ذلك الشيء (حظه) أي: نصيبه، كقوله صلى الله عليه وسلم: إنما لكل امرئ ما نوى-الحديث. ففيه تنبيه على تصحيح النية في إتيان المسجد لئلا يكون مختلطاً بغرض دنيوي كالتمشية والمصاحبة مع الأصحاب مثلاً، بل ينوي العبادة كالصلاة، والاعتكاف، واستفادة علم وإفادته ونحوها (رواه أبوداود) وسكت عليه. وقال المنذري: في إسناده عثمان بن أبي العاتكة الدمشقي، وقد ضعفه غير واحد-انتهى. قلت: قال العجلي: لا بأس به، وكان دحيم يثنى عليه، وينسبه إلى الصديق. وقال أبوحاتم عنه: لا بأس به. وقال أبودواد: صالح. وقال خليفة: كان ثقة كثير الحديث. وقال الحافظ في التقريب: ضعفوه في روايته عن علي بن يزيد الألهاني-انتهى. وهذا الحديث إنما هو من روايته عن عمير بن هانئ العنسي، لا علي بن يزيد الألهاني، فحديثه هذا لا ينحط عن درجة الحسن، ويقويه حديث: إنما لكل امرئ ما نوى، إلخ.
738-
قوله: (وعن فاطمة بنت الحسين) بن علي بن أبي طالب الهاشمية القرشية المدنية، تزوجها ابن عمها الحسن ابن الحسن بن علي بن أبي طالب، ومات عنها، فتزوجها عبد الله بن عثمان بن عفان. ثقة تابعية، روت عن أبيها وأخيها زين العابدين، وعمتها زينب بنت علي، وجدتها فاطمة الزهراء مرسل، وبلال المؤذن مرسل، وابن عباس، وأسماء بنت عميس، وروى عنها جماعة. ماتت بعد المائة وقد أسنت. ذكرها ابن حبان في الثقات، وقال: ماتت وقد قاربت التسعين. ووقع ذكرها في صحيح البخاري في الجنائز: قال: لما مات الحسن بن الحسن ضربت امرأته القبة (عن جدتها فاطمة الكبرى) أي: الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمها خديجة، وهي أصغر بناته في قول. وهي سيدة نساء هذا الأمة. تزوجها علي بن أبي طالب في السنة الثانية من الهجرة في شهر رمضان، وبنى عليها في ذي الحجة. وكان سنها يوم تزوجها خمس عشر سنة وخمسة أشهر ونصف، فولدت له الحسن، والحسين، والمحسن، وزينب، وأم كلثوم، ورقية. وماتت بالمدينة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم بستة أشهر، وقيل: بثلاثة أشهر، وقيل: غير ذلك، ولها سبع وعشرون سنة. وقيل: ثمان، وقيل: جاوزت العرشين بقليل، وكان أول آل النبي صلى الله عليه وسلم لحوقاً به. وغسلها علي مع أسماء بنت عميس، وصلى عليها. ودفنت ليلاً. روى عنها جماعة من الصحابة، ومناقبها كثيرة جداً (إذا دخل المسجد) أي: أراد دخوله (صلى على محمد وسلم) تشريعاً للأمة وبيانا، لأن حكمه حكم الأمة حتى ابتغاء الصلاة والسلام
رواه الترمذي، وأحمد، وابن ماجه، وفي روايتهما، قالت: إذا دخل المسجد، وكذا إذا خرج، قال: بسم الله، والسلام على رسول الله، بدل: صلى على محمد وسلم. وقال الترمذي: ليس إسناده بمتصل، وفاطمة بنت الحسين لم تدرك فاطمة الكبرى.
739-
(46) وعن عمر بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: ((نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم
ــ
على نفسه إلا ما خصه الدليل، وإنما شرع الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم عند دخول المصلى المسجد وعند خروجه، لأنه السبب في دخوله المسجد، ووصوله الخير العظيم، فينبغي أن يذكره بالخير. وقال القاري: هو يحتمل قبل الدخول وبعده. والأول أولى. ثم حكمته بعد تعليم أمته أنه صلى الله عليه وسلم كان يجب عليه الإيمان بنفسه، كما كان يجب على غيره، فكذا طلب منه تعظيمها بالصلاة منه عليها، كما طلب ذلك من غيره-انتهى (رواه الترمذي) وقال: حديث حسن، وإنما حسنه مع اعترافه بعدم اتصال سنده كما سيأتي، لأن الترمذي قد يحسن الحديث مع ضعف الإسناد للشواهد لحديث فاطمة هذا حسنه لأن له شواهد يرتقى بها درجة الحسن (بسم الله والسلام على رسول الله) فيه زيادة التسمية وهي ثابتة أيضاً عند ابن السني من حديث أنس، فينبغي لداخل المسجد والخارج منه أن يجمع بين التسمية والصلاة والسلام على رسول الله، والدعاء بالمغفرة، وبالفتح لأبواب الرحمة داخلاً، ولأبواب الفضل خارجاً، ويزيد في الخروج سؤال الفضل، وينبغي أيضاً أن يضم إلى ذلك ما سيأتي في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعاً: أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، الخ (ليس إسناده بمتصل) لأن فاطمة الصغرى بنت الحسين تروى هذا الحديث عن جدتها فاطمة الكبرى، وهي ما أدركتها، لأن الكبرى ماتت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بستة أشهر، وفي سنده أيضاً ليث ابن أبي سليم، وفيه مقال معروف. قال الحافظ: صدوق، اختلط أخيراً فلم يتميز حديثه، فترك.
739-
قوله: (عن أبيه) شعيب (عن جده) أي: جد شعيب، وهو عبد الله بن عمرو بن العاص الصحابي، وقد صح سماع شعيب من جده عبد الله بن عمرو. والدليل على أن المراد بقولهم في الإسناد "عن جده" جد شعيب-أعنى عبد الله بن عمرو الصحابي – ما رواه البيهقي في السنن الكبرى (ج5:ص92) عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، قال: كنت أطوف مع أبي عبد الله بن عمرو بن العاص. فهذا يشير إلى صحة ما قال الذهبي في الميزان: أن محمداً والد شعيب مات في حياة أبيه عبد الله، وترك ابنه شعيباً صغيراً، فكفله جده عبد الله ورباه ولذلك يسميه هنا أباه، إذ هو أبوه الأعلى وهو الذي رباه، ومما يدل صريحاً على صحة سماع شعيب عن جده عبد الله بن عمرو ما رواه الدارقطني (ص310) والحاكم (ج2:ص65) في المستدرك عنه في قصة سؤال الرجل عن محرم وقع بامرأة، فإن فيه تصريحا بسماع شعيب من جده عبد الله، وإنه كان يجالسه، ويجالس الصحابة في عصره، وعلى هذا فحديث عمرو
عن تناشد الأشعار في المسجد، وعن البيع والشراء فيه، وأن يتحلق الناس يوم الجمعة قبل الصلاة في المسجد)) رواه أبوداود، والترمذي.
ــ
ابن شعيب عن أبيه عن جده، صحيح أو حسن إذا كان الإسناد إلى عمرو صحيحاً، وهو الذي عليه المحققون من أهل الحديث: علي بن المديني وأحمد بن حنبل والحميدي وإسحاق بن راهويه وأبوعبيد والبخاري والحاكم والبيهقي، وغيرهم. وبه قال الذهبي والنووي وابن عبد البر، وقد تقدم شيء من البسط في هذا في باب الإيمان بالقدر. وانظر تفصيل الكلام في تهذيب التهذيب (ج8:ص48-55) والميزان (ج2:ص289) والتدريب (ص221) ونصب الراية (ج1:ص59، 58) وتعليق الشيخ أحمد محمد شاكر على جامع الترمذي (ج2:ص141-144)(عن تناشد الأشعار) قال التوربشتي: التناشد أن ينشد كل واحد صاحبه نشيداً لنفسه أو لغيره افتخاراً ومباهاة، أو على وجه التفكه بما يستطاب منه ترجية للوقت بما تركن إليه النفس أو لغيره، فهو مذموم، وأما ما كان منه في مدح الحق وأهله، وذم الباطل وذويه، أو كان منه تمهيدا لقواعد الدين، أو إرغاماً لمخالفيه فهو خارج عن الذم وإن خالطه التشبيب. وقد كان يفعل ذلك بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا ينهى عنه، لعلمه بالغرض الصحيح، كذا نقله الطيبي. وقيل التناشد هو المفاخر بالشعر، والإكثار منه حتى يغلب على غيره، وحتى يخشى منه كثرة اللغط والشغب مما ينافي حرمة المساجد، وهذا غير إنشاد بعض القصائد. وقيل المراد تناشد أشعار الجاهلية والمبطلين (وعن البيع والاشتراء فيه) فيه دليل على تحريم البيع والشراء في المسجد. وقال الشوكاني: ذهب جمهور العلماء إلى أن النهي محمول على الكراهة. قال العراقي: وقد أجمع العلماء على أن ما عقد البيع في المسجد لا يجوز نقضه، وهكذا قال الماوردي. وأنت خبير بأن حمل النهي على الكراهة يحتاج إلى قرينة صارفة عن المعنى الحقيقي الذي هو التحريم عند القائلين: بأن النهي حقيقة في التحريم، وهو الحق، وإجماعهم على عدم جواز النقض وصحة العقد لا منافاة بينه وبين التحريم، فلا يصح جعله قرينة لحمل النهي على الكراهة (وأن يتحلق الناس يوم الجمعة قبل الصلاة في المسجد) أي: نهى أن يجلسوا محلقين حلقة واحدة أو أكثر وإن كان لمذاكرة علم. وفيه دليل على حرمة التحلق يوم الجمعة قبل الصلاة، وذلك لأنه ربما قطع الصفوف مع كونهم مأمورين بالتبكير يوم الجمعة، والتراص في الصفوف، الأول فالأول، ولأنه يخالف هيئة اجتماع المصلين، ولأن الاجتماع للجمعة خطب عظيم لا يسمع من حضرها أن يهتم ما سواها حتى يفرغ منها، والتحلق قبل الصلاة يوهم غفلتهم عن الأمر الذي ندبوا إليه، ولأن الوقت وقت الاشتغال بالإنصات للخطبة. والتقييد بقبل الصلاة يدل على جوازه بعدها للعلم، والذكر، والتقييد بيوم الجمعة يدل على جوازه في غيرها (رواه أبوداود) في أبواب الجمعة، وزاد: وأن تنشد فيه ضالة. وسكت عليه (والترمذي) وحسنه، وصححه ابن خزيمة. وقال الحافظ في الفتح: إسناده صحيح إلى عمرو بن شعيب، فمن يصحح نسخته يصححه. قال: وفي المعنى عدة أحاديث لكن في أسانيدها مقال-انتهى. والحديث أخرجه أيضاً أحمد والنسائي وابن ماجه.
740-
(47) وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد، فقولوا: لا أربح الله تجارتك. وإذا رأيتم من ينشد فيه ضالة، فقولوا: لا رد الله عليك)) رواه الترمذي، والدارمي.
741-
(48) وعن حكيم بن حزام، قال:((نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستقادر في المسجد، وأن ينشد فيه الأشعار، وأن تقام فيه الحدود)) رواه أبوداود في سننه،
ــ
740-
قوله: (يبيع أو يبتاع) أي: يشتري. قال القاري: حذف المفعول يدل على العموم فيشمل ثوب الكعبة، والمصاحف، والكتب، والسبح (فقولوا) أي: لكل منهما باللسان جهرا، وقيل: سرا (لا أربح الله تجارتك) أي: لا جعل الله تجارتك ذات ربح ونفع، وهو دعاء عليه. ولو قال لهما معاً: لا أربح الله تجارتكما لجار لحصول المقصود (من ينشد فيه ضالة) أي: يطلبها برفع الصوت (رواه الترمذي) في آخر البيوع وحسنه (والدارمي) وأخرجه أيضاً أحمد والنسائي في اليوم والليلة، وابن حبان وابن خزيمة والحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم، ذكره ميرك. وقد أخرج الشطر الثاني مسلم أيضاً كما تقدم في الفصل الأول.
741-
قوله: (وعن حكيم بن حزام) بكسر مهملة وفتح زاى، هو حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى القرشي الأسدي. أبوخالد المكي، ابن أخي خديجة أم المؤمنين، ولد قبل الفيل بثلاث عشرة سنة، أسلم يوم الفتح، وكان من المؤلفة، أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم من غنائم حنين مائة من الإبل، وحسن إسلامه، وكان من سادات قريش وأشرافها ووجوهها في الجاهلية والإسلام، وكان عاقلاً فاضلاً تقياً جواداً، أعتق في الجاهلية مائة رقبة، وفي الإسلام مثلها، وجاء الإسلام ودار الندوة بيده فباعها من معاوية بعد بمائة ألف درهم، فقال له ابن الزبير: بعت مكرمة قريش، فقال: ذهب المكارم إلا التقوى، اشتريت بها داراً في الجنة، أشهدكم أنى قد جعلتها في سبيل الله يعني الدراهم. وكان عالماً بالنسب. مات بالمدينة في داره سنة (54) وله مائة عشرون سنة، ستون في الجاهلية وستون في الإسلام. وقيل في سنة وفاته غير ذلك، له أربعون حديثاً، اتفقا على أربعة. روى عنه نفر (أن يستقاد) أي: يطلب القود أي: القصاص يعني يقتص (في المسجد) لئلا يقطر الدم فيه (وأن ينشد) بضم التحتية مذكراً، وفي أبي داود بالتأنيث: أي: يقرأ (الأشعار) أي: القبيحة المذمومة (وأن تقام فيه الحدود) أي: سائرها، أي: تعميم بعد تخصيص، أي: الحدود المتعلقة بالله، أو بالآدمي، لأن في ذلك نوع هتك حرمته، ولاحتمال تلوثه بجرح أو حدث، ولأنه إنما بنى المسجد للصلاة والذكر لا لإقامة الحدود. والحديث دليل على تحريم إقامة الحدود في المساجد وتحريم الإستفادة فيها، لأن النهي كما تقرر في الأصول حقيقة في التحريم، ولا صارف له ههنا عن معناه الحقيقي (رواه أبوداود في سننه) في أواخر كتاب الحدود،
وصاحب جامع الأصول فيه عن حكيم، وفي المصابيح عن جابر.
742-
(49) وعن معاوية بن قرة، عن أبيه، ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن هاتين الشجرتين – يعني
البصل والثوم – وقال: من أكلها فلا يقربن مسجدنا. وقال: إن كنتم لا بد
ــ
وأخرجه أيضاً أحمد والدارقطني والحاكم وابن السكن والبيهقي. والحديث سكت عنه أبوداود. وقال الحافظ في التلخيص: لا بأس بإسناده. وقال في بلوغ المرام: إن إسناده ضعيف. وقال الذهبي في الميزان: ضعفه عبد الحق. وقال ابن القطان: علته الجهل بحال زفر بن وثيمة، تفرد عنه محمد بن عبد الله الشعيثي. قال الذهبي: قد وثقه ابن معين، ودحيم. قلت: وذكره ابن حبان في الثقات. وقال الحافظ: مقبول، فمن عرفه حجة على من لم يعرف، وجهل في جهله لا يضر. وقال المنذري: في إسناده محمد بن عبد الله بن المهاجر الشعيثي النصر الدمشقي، وقد وثقه غير واحد. وقال أبوحاتم الرازي: يكتب حديثه ولا يحتج به –انتهى. قلت: قد وثقه دحيم، والمفضل بن غسان الغلابي، وقال النسائي لا بأس به. وذكره ابن حبان في الثقات. وقال الحافظ، صدوق، فحديثه لا ينحط عن درجة الحسن. وفي الباب عن ابن عباس عند الترمذي وابن ماجه، وفي سنده إسماعيل بن مسلم المكي، وهو ضعيف من قبل حفظه. وعن جبير بن مطعم عند البزار، وفيه الواقدي. وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، وفيه ابن لهيعة. كذا في النيل (وصاحب جامع الأصول فيه) أي: الجامع (عن حكيم) متعلق برواه (وفي المصابيح عن جابر) قال الطيبي: ولم يوجد في الأصول الرواية عنه. وقال ميرك: صوابه عن حكيم بن حزام.
742-
قوله: (وعن معاوية بن قرة) بضم القاف وتشديد الراء، ابن إباس-بكسر الهمزة وتخفيف الياء تحتها نقطتان-ابن هلال المزني، يكنى أبا إباس البصري، ثقة عالم من الطبقة الوسطى من التابعين، وثقه ابن معين، والنسائي والعجلي وأبوحاتم وابن سعد وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: كان من عقلاء الرجال، مات سنة (113) وهو ابن (76) سنة (عن أبيه) قرة بن إباس بن هلال بن رياب المزني أبومعاوية جد إباس بن معاوية القاضي، صحابي. قال ابن عبد البر: سكن البصرة. لم يرو عنه غير ابنه. قتل في حرب الأزارقة مع عبد الرحمن ابن عبيس في زمن معاوية، وقد أرخه ابن سعد، وخليفة وأبوعروبة وابن حبان سنة (64) فيكون ذلك في زمن معاوية ابن يزيد بن معاوية. وذكره ابن سعد في طبقة من شهد الخندق، له اثنان وعشرون حديثاً (يعني البصل والثوم) وفي معناهما الكراث، والفجل، وما له رائحة كريهة (من أكلهما فلا يقربن مسجدنا) أي: مسجد المسلمين، قال الطيبي: وهذه الجملة كالبيان للجملة الأولى، أي: أفاد هذا البيان أن التقدير: نهى عن أكلهما. وأفاد أيضاً أن شرط النهي عن أكلهما اقترانه بدخول المسجد مثلا مع بقاء ريحهما. وأما أكلهما بحيث تزول الرائحة عند دخول المسجد، فلا يدخل تحت النهى، وفي النهي عن القربان إشارة إلى أن النهي عن الدخول أوله (إن كنتم لا بد) أي: لا فراق،
أكليهما، فأميتوهما طبخاً)) رواه أبوداود.
743-
(50) وعن أبي سعيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام))
رواه أبوداود، والترمذي، والدارمي.
ــ
ولا محالة، ولا غنى بكم عن أكلهما لفرط حاجة أو شهوة، فخبر لا محذوف كما قدرنا. وهذه الجملة معترضة بين اسم كان وخبرها وهو (أكليهما) يعني وأردتم دخول المسجد (فأميتوهما طبخا) أي: أزيلوا رائحتهما بالطبخ، وفي معناه الإمانة والإزالة بغير الطبخ، وإنما خرج مخرج الغالب (رواه أبوداود) في الأطعمة، وسكت عنه هو والمنذري.
743-
قوله: (الأرض كلها مسجد) أي: يجوز الصلاة فيها من غير كراهة (إلا المقبرة) في القاموس مثلثة الباء، وكمكنسة، موضع القبو (والحمام) بتشديد الميم الأولى، هو الموضع الذي يغتسل فيه بالحميم، وهو في الأصل الماء الحار ثم قيل لموضع الاغتسال بأى ماء كان. والمراد إلا المقبرة والحمام وما في معناهما، فلا يشكل الحصر بما سيجيء. الحديث دليل على أن الأرض كلها تصح فيها الصلاة ماعدا المقبرة، وهي التي يدفن فيها الموتى، فلا تصح الصلاة فيها. وظاهره سواء كان على القبر أو بين القبور أو في مكان منفرد منها كالبيت أعد للصلاة، وسواء كانت القبور منبوشة، أو غير منبوشة، وسواء فرش عليها شيء يقيه من النجاسة، أو لم يفرش، وسواء كان قبر مؤمن أو كافر. وإلى ذلك ذهب أحمد، والظاهرية، وهو الراجح عندي. وكذلك الحمام، فإنه لا تصح فيه الصلاة، سواء صلى في مكان نظيف منه أو في مكان نجس. وإليه ذهب أحمد عملا بإطلاق الحديث. وقيل: يختص النهي بالمكان النجس منه. وإن صلى في مكان طاهر فلا بأس. وذهب الجمهور إلى صحتها مع الطهارة لكن تكون مكروهة. وقد ورد النهي معللا بأنه محل الشياطين، وظاهر الحديث مع أحمد وهو مخصص لقوله: جعلت لي الأرض كلها مسجدا (رواه أبوداود والترمذي والدارمي) وأخرجه أيضاً أحمد وابن ماجه والحاكم والبيهقي وابن خزيمة وابن حبان والشافعي. والحديث سكت عنه أبوداود. وقال الترمذي: هذا حديث فيه اضطراب، أي: من جهة إسناده، وذكر أن سفيان الثوري أرسله، قال: وكأن رواية الثوري، عن عمرو بن يحيى، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أي: مرسلاً – أثبت وأصح – انتهى. وقال الحافظ في بلوغ المرام: رواه الترمذي، وله علة، ويعني بها الاختلاف في وصله وإرساله، فرواه حماد بن سلمة، وعبد الواحد بن زيادة، وعبد العزيز بن محمد الدراوردي عن عمرو بن يحيى، عن أبيه، عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم موصولا. ورواه الثوري عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً. ورجح الترمذي كما تقدم، ثم الدارقطني، والبيهقي الإرسال. والراجح وصله لأن الذي وصله ثقة، فلا يضر إرسال من أرسله. قال العلامة الشيخ أحمد في تعليقه على الترمذي: الحديث رواه الشافعي في الأم (ج1:ص79) عن سفيان بن عيينة مرسلاً، ورواه أيضاً البيهقي من طريق يزيد بن هارون عن الثوري موصولا، ثم قال: حديث الثوري مرسل، وقد روى موصولا وليس بشيء. وحديث حماد بن سلمة موصول، وقد تابعه على وصله عبد الواحد بن زياد والدراوردي، قال: ولا أدري كيف
744-
(51) وعن ابن عمر، قال: ((نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلي في سبعة مواطن: في المزيلة،
والمجزرة، والمقبرة، وقارعة الطريق، وفي الحمام، وفي معاطن الإبل،
ــ
يزعم الترمذي ثم البيهقي أن الثوري رواه مرسلاً في حين أن روايته موصولة أيضا، ثم الذي وصله عن الثوري هو يزيد ابن هارون، وهو حجة حافظ، وأنا لم أجده مرسلاً من رواية الثوري، إنما رأيته كذلك من رواية سفيان بن عيينة فلعله أشتبه عليهم سفيان بسفيان، ثم ماذا يضر في إسناد الحديث أن يرسله الثوري أو ابن عينه إذا كان مرويا بأسانيد أخرى صحاح موصولة، المفهوم في مثل هذا أن يكون المرسل شاهدا للمسند ومؤيدا له. وقد ورد من طريق أخرى ترفع الشك، وتؤيد من رواه موصولا، وهي في المستدرك للحاكم من طريق بشر بن المفضل: ثنا عمارة بن غزية، عن يحيى بن عمارة الأنصاري- وهو والد عمرو بن يحي- عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً. ولذلك قال الحاكم بعد أن رواه بهذه الطريق، ومن طريق عبد الواحد بن زياد والدراوردي كلهم عن عمرو، عن أبيه: هذه الأسانيد كلها صحيحة على شرط البخاري ومسلم، ووافقه الذهبي، وقد صدقا. ثم إن رواية سفيان بن عينية المرسلة ليست قولا واحدا بالإرسال، بل هي تدل على أنهم كانوا يروونه تارة بالإرسال وتارة بالوصل، لأن الشافعي بعد أن رواه عنه مرسلاً قال: وجدت هذا الحديث في كتابي في موضعين: أحدهما منقطع والآخر عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم انتهى. وهذا عندي قوة للحديث لا علة له- انتهى كلام الشيخ. وقال صاحب الإمام: حاصل ما علل به الإرسال، وإذا كان الواصل له ثقة فهو مقبول، وله شواهد: منها حديث عبد الله بن عمرو مرفوعاً: نهى عن الصلاة في المقبرة، أخرجه ابن حبان. ومنها حديث علي: إن حبي نهاني أن أصلي في المقبرة، أخرجه أبوداود.
744-
قوله: (أن يصلي) على بناء المفعول (في المزبلة) بفتح الباء، وقيل: بضمها، الموضع الذي يكون فيه الزبل وهو السرجين، ومثله سائر النجاسات، أي: وإن وجد فيها موضع خال عن الزبل، أو بسط عليها بساط في المكان اليبس، لأن في ذلك استخفافاً بأمر الدين لأن من حق الصلاة أن تؤدي في الأمكنة النظيفة، والبقاع المحترمة، وكذلك المجزرة لأنها مسفح الدماء، وملقى القاذورات، وكذلك القول في الحمام لأنه مكتثر الأوساخ، ومجتمع الغسالات، ثم إنه محل تعرى الأبدان عن اللباس (والمجزرة) بفتح الميم والزاي تفتح وتكسر: الموضع الذي تجزر فيه الحيوانات أي: تنحر وتذبح (والمقبرة) قيل: لأن فيها اتخاذ القبور مساجد استناناً بسنة اليهود (وقارعة الطريق) الإضافة بيانية، أي: الطريق الذي يقرعها الناس بأرجلهم أي: يدقونها ويمرون عليها. وقيل: هي وسطها أو أعلاها، والمراد هنا نفس الطريق، وكأن القارعة بمعنى المقروعة أو الصيغة للنسبة أي: ذات قرع، وإنما نهى عن الصلاة فيها لإشغال القلب بمرور الناس، وتضييق المكان عليهم، وإيقاعهم في الإسم إن مروا بلا ضرورة، وإيقاع نفسه فيه لو كان لهم ضرورة (وفي معاطن الإبل) جمع معطن بكسر الطاء، وهو وطن الإبل ومبركها حول الحوض كالعطن- محركة- وجمعه أعطان، وكذا الحكم في سائر مباركها ومواطنها، فقد ورد النهي بلفظ"مزابل الإبل" وفي لفظ"مزابل الإبلي" وفي أخرى"مناخ الإبل" وهي أعم من معاطن الإبل. وقد ورد
وفوق ظهر بيت الله)) رواه الترمذي، وابن ماجه.
ــ
التعليل فيها منصوصاً بأنها من الشياطين. أخرجه أبوداود. وفي حديث ابن مغفل عنده: فإنها خلقت من الجن، ألا ترون إلى عيونها وهيئتها إذا نفرت. قيل المعنى أنها كثيرة الشراد، شديدة النفار، معها أخلاق جنية، فلا يأمن المصلي في أعطانها أن تنفر، فتقطع عليه صلاته. وعلى هذا فيفرق بين كون الإبل في معاطنها، وبين غيبتها عنها، إذ يؤمن نفورها حينئذٍ (وفوق ظهر بيت الله) لأن الصلاة على ظهر البيت تفضي إلى ارتفاع سطح البيت، وذلك مخل بشرط التعظيم لمشابهته صنيع أهل العادة في استعلاء البيوت للتطلع والتفرج، ثم لخلوه عن الفائدة. والحديث يدل على منع الصلاة في هذه المواطن السبعة، ولو صح لكان بقاء النهي على ظاهره الذي هو التحريم في جميع ما ذكر هو الواجب، وكان مخصصا لعموم"جعلت لي الأرض مسجدا"لكن فيه كلام كما ستعرف، إلا أن الحديث في القبور والحمام والمعاطن من بين هذه المذكورات قد صح كما تقدم، وكما يفيده الحديث الثاني (رواه الترمذي وابن ماجه) كلاهما من طريق زيد بن جبيرة، عن داود بن الحصين، عن نافع، عن ابن عمر، قال الترمذي: حديث ابن عمر ليس بذاك القوي، وقد تكلم في زيد بن جبيرة من قبل حفظه- انتهى. قال الزيلعي: اتفق الناس على ضعف زيد بن جبيرة، فقال البخاري: منكر الحديث، وقال النسائي: ليس بثقة. وقال أبوحاتم والأزدي: منكر الحديث، لا يكتب حديثه، وقال الدارقطني: ضعيف الحديث- انتهى. وقال الحافظ في التلخيص: إنه ضعيف جداً. وأخرجه أيضاً ابن ماجه من حديث عمر، من طريق أبي صالح عبد الله بن صالح المصري، كاتب الليث، عن سعد، عن الليث بن سعد: حدثني نافع، عن ابن عمر، عن عمر. وقد أشار الترمذي إلى هذه الرواية، لكن زاد في سنده عبد الله بن عمر العمري بين الليث بن سعد ونافع، والعمري ضعيف، قاله في التقريب. وقال الذهبي: صدوق، في حفظه شيء. ثم رجح الترمذي رواية زيد بن جبيرة، عن داود، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم على رواية الليث من أجل عبد الله بن عمر العمري، وفيه نظر ظاهر، بل الأمر بالعكس، لأن زيد بن جبيرة منكر الحديث متروك الحديث ضعيف جداً. وأما العمري فروى أحمد بن أبي مريم، عن ابن معين ليس به بأس، يكتب حديثه. وقال الدارمي: قلت لابن معين: كيف حاله في نافع؟ قال: صالح ثقة. وقال أحمد بن حنبل: صالح لا بأس به. وقال ابن عدي: في نفسه صدوق. على أن الليث بن سعد رواه عند ابن ماجه، عن نافع من غير واسطة العمري كما عرفت، وقد ضعفه بعضهم بأبي صالح عبد الله بن صالح كاتب الليث، والظاهر أنه ثقة مأمون كما قال عبد الملك بن شعيب بن الليث. وقال ابن معين: هما ثبتان: ثبت حفظ وثبت كتاب، وأبوصالح كاتب الليث ثبت كتاب. وقال أبوزرعة: كان حسن الحديث. وقال ابن القطان: هو صدوق، ولم يثبت عليه ما يسقط له حديثه إلا أنه مختلف فيه فحديثه حسن. وقال الحافظ: صدوق كثير الغلط ثبت في كتابه، وكانت فيه غفلة. قلت: فالظاهر أن حديث الليث حديث حسن، وأنه أرجح وأحسن من حديث زيد بن جبيرة عن داود، خلافاً لما قال الترمذي.
754-
(52) وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((صلوا في مرابض الغنم، ولا تصلوا في
أعطان الإبل)) . رواه الترمذي.
746-
(53) وعن ابن عباس، رضي الله عنهما، قال: ((لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرات القبور،
ــ
754-
قوله: (صلوا في مرابض الغنم) جمع مربض بفتح الميم وسكون الراء وكسر الباء الموحدة وآخره ضاد معجمة، وهو مأوى الغنم، ومكان ربوضها. والأمر للإباحة. قال العراقي: اتفاقاً، وإنما نبه صلى الله عليه وسلم لئلا يظن أن حكمها حكم الإبل، أو أنه أخرج على جواب السائل حين سأله عن الأمرين، فأجاب في الإبل بالمنع، وفي الغنم بالإذن وأما الترغيب المذكور في الأحاديث بلفظ: فإنها بركة. فهو إنما لقصد تبعيدها عن حكم الإبل، كما وصف أصحاب الإبل بالغلظ والقسوة، ووصف أصحاب الغنم بالسكينة- انتهى. وفيه دليل على طهارة أبوال مأكول اللحم، وأرواثه لأنه أذن للصلاة في المرابض مطلقاً من غير تقييد بحائل، ومن غير تخصيص بموضع دون موضع (ولا تصلوا في أعطان الإبل) جمع عطن بالعين والطاء المهملتين المفتوحتين، وهي أماكن بروكها. وقد تكلفوا في استخراج علة النهي فيها واختلفوا، فقيل: هي النجاسة. وفيه أن ذلك متوقف على نجاسة أبوال الإبل وأزبالها، وقد تقدم أن الحق طهارتها، ولو سلمنا النجاسة لم يصح جعلها علة، إذ لا فرق حينئذٍ بين المرابض والمعاطن لأن كل واحد من الجنسين مأكول اللحم فهما سيان في الحكم. وقيل علة النهي شدة نفار الإبل، فقد يؤدي ذلك إلى بطلان الصلاة، أو قطع الخشوع، أو غير ذلك، فلذلك جاء: إنها من الشياطين، وعلى هذا فيفرق بين كون الإبل في المعاطن وبين غيبتها إذ يؤمن حينئذٍ نفورها. وفيه أنه نهى عن الصلاة في الأعطان مطلقاً سواء كانت الإبل فيها أو غابت عنها. وقيل: العلة أن الرعاة كانوا يبولون، ويتغوطون بينها. وقيل: الحكمة في النهي كونها خلقت من الشياطين كما في حديث ابن مغفل عند ابن ماجه وغيره. والظاهر أن النهي تعبدي فالحق الوقوف على مقتضى النهي وهو التحريم، فيحرم الصلاة في المعاطن، ولا تصح. وهو مذهب أحمد، والظاهرية، وغيرهم (رواه الترمذي) وصححه، وأخرجه أيضاً أحمد وابن ماجه، وفي الباب عن جماعة من الصحابة ذكر تخريج أحاديثهم الشوكاني في النيل.
746-
قوله: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرات القبور) قيل: هذا كان قبل الترخص بقوله: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها الآن لأنها تذكر الآخرة) أخرجه مسلم وأبوداود والنسائي. فلما رخص دخل في الرخصة الرجال والنساء، ومحله ما إذا أمنت الفتنة. وقيل: بل نهى النساء عن زيارة القبور باق لقلة صبرهن، وكثرة جزعهن إذا رأين القبور. وقيل بل يحرم زيارة القبور على النساء مطلقاً، فإن النهي ورد خاصا بهن، والإباحة والرخصة لفظها عام، ولا منافاة بين العام والخاص حتى يقال: إن العام نسخ الخاص، بل الخاص حاكم عليه، ومقيد له، فيكون الإذن خاصا بالرجال، ولا يجوز للنساء زيارة القبور مطلقاً سواء أمنت الفتنة والجزع أم لم تأمن، هذا وقد بسط ابن القيم القول
والمتخذين عليها المساجد والسرج)) رواه أبوداود، والترمذي، والنسائي.
747-
(54) وعن أبي أمامة، قال: ((إن حبراً من اليهود سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أي: البقاع خير؟ فسكت عنه، وقال:
ــ
في مختصر السنن في مسألة زيارة النساء للمقابر فارجع إليه (والمتخذين عليها المساجد) لأن في ذلك استنانا بصفة اليهود (والسرج) بضمتين جمع سراج بكسر أوله، وهو المصباح أي: لما فيه من تضييع بلا نفع، ويشبه تعظيم القبور كاتخاذها مساجد، وفيه رد صريح على القبوريين الذين يبنون القباب على القبور، ويسجدون إليها، ويسرجون عليها، ويضعون الزهور والرياحين عليها تكريما وتعظيما لأصحابها (رواه أبوداود) في الجنائز (والترمذي) في الصلاة (والنسائي) في الجنائز. وأخرجه أيضاً أحمد وابن ماجه وابن حبان. والحديث سكت عنه أبوداود. وقال الترمذي: حديث حسن. قال المنذري في مختصر السنن (ج4:ص350) : وفيما قاله نظر، فإن أبا صالح هذا أي: الراوي للحديث عن ابن عباس هو باذام، ويقال: باذان مكي مولى أو هانئ بنت أبي طالب، وهو صاحب الكلبي، وقد نقل: أنه لم يسمع من ابن عباس. وقد تكلم فيه جماعة من الأئمة، وقال ابن عدي: لم أعلم أحداً من المتقدمين رضيه. وقد قيل عن يحيى ابن سعيد القطان وغيره تحسين أمره، فلعله يريد: رضيه حجة، أو قال: هو ثقة- انتهى. وذكر المنذري أيضاً في الترغيب، ونسبه أيضاً لصحيح ابن حبان، ثم قال: وأبوصالح هذا هو باذام، ويقال: باذان، مكي مولى أم هانئ وهو صاحب الكلبي. قيل: لم يسمع من ابن عباس، وتكلم فيه البخاري والنسائي وغيرهما- انتهى. وقال ابن القيم: قد تقدم أن أبا حاتم خالفه أي: المنذري في ذلك وقال: صالح هذا هو مهران ثقة وليس بصاحب الكلبي، ذاك اسمه باذام- انتهى. وقيل: الظاهر هو قول الترمذي: أن هذا الحديث حسن، لأنه ليس لتضعيف أبي صالح حجة قوية، والذي ادعى أنه لم يسمع من ابن عباس هو ابن حبان كما في تهذيب التهذيب (ج1:ص407) ولعلها فلتته منه، فإن أبا صالح تابعي قديم، روى عن مولاته أم هانئ، وعن أخيها على بن أبي طالب، وعن أبي هريرة. وابن عباس أصغر من هؤلاء كلهم، وأما وصف الحافظ، والخزرجي أبا صالح بالتدليس فلعله مبني على قول ابن حبان، وإنما تكلم فيه من تكلم من أجل التفسير الكثير المروى عنه والحمل في ذلك على تلميذه محمد بن السائب الكلبي، ولذلك قال ابن معين: ليس به بأس، وإذا روى عنه الكلبي فليس بشيء. وهذا الحديث رواه عنه محمد بن جحادة لا الكلبي. وقال يحيى القطان: لم أر أحداً من أصحابنا تركه، وما سمعت أحداً من الناس يقول فيه شيئا، ووثقه أيضاً العجلي.
747-
قوله: (إن حبراً) أي: عالماً، وهو بفتح الحاء أشهر من كسرها، قاله ابن الملك. وذكر في الصحاح أن كسر الحاء أصح، لكن المشهور في الاستعمال الفتح ليفرق بين العالم وبين ما يكتب به، كذا في المفاتيح (أي البقاع) بكسر الباء جمع البقعة بالضم (خير) أي: أفضل يعني كثير الخير (فسكت عنه) أي: عن جوابه (وقال) أي: في نفسه وقلبه أو بلسانه
أسكت حتى يجيء جبريل، فسكت، وجاء جبرئيل عليه السلام، فسأل، فقال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل، لكن أسأل ربي تبارك وتعالى. ثم قال جبريل: يا محمد! إني دنوت من الله دنواً ما دنوت منه قط. قال: وكيف كان يا جبريل؟ قال: كان بيني وبينه سبعون ألف حجاب من نور، فقال: شر البقاع أسواقها وخير القاع مساجدها)) . رواه. . . . . .
ــ
(أسكت) بصيغة المتكلم أو الأمر (فسكت) أي: إلى مجيء جبريل. قال الطيبي: فيه أن من استفتى عن مسألة لا يعلمها فعليه أن لا يعجل في الإفتاء، ولا يستنكف عن الاستفتاء ممن هو أعلم منه، ولا يبادر إلى الاجتهاد ما لم يضطر إليه، فإن ذلك من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنة جبرئيل (فسأل) أي: فسأله النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه المسألة (فقال: ما المسئول عنها) أي: عن هذه المسألة (ثم قال جبرئيل) أي: بعد سؤاله ورجوعه من حضرة الله تعالى (دنوت من الله دنوا) فعول مصدر دنا بمعنى قرب (ما دنوت منه قط) أي: أذن لي أن أقرب منه تعالى أكثر مما قربت منه في سائر الأوقات. قال ابن الملك: ولعل زيادة تقريبه منه في هذه المرة لتعظيم النبي صلى الله عليه وسلم، وقد يزيد المحب في احترام رسول الحبيب لأجل الحبيب- انتهى كلامه. أو لأنه تقرب إليه تعالى بطلب العلم، ومن وعده تعالى أن من تقرب إليه شبرا تقرب عليه باعا، كذا في المرقاة (وكيف كان) أي: دنوك (سبعون ألف حجاب من نور) قالوا المراد به التكثير لا التحديد، و"من نور" إشارة إلى أن الحجب للملائكة نورانية، وهي حجب أسماءه وصفاته وأفعاله، وهي غير متناهية وإن كانت أصول الصفات الحقيقية سبعة أو ثمانية. والملائكة محجوبون بنور المهابة والعظمة والجلال، والإنسان منهم من حاله كذلك، ومنهم من حجب بحجب ظلمانية، كذا في اللمعات. وقال القاري: اعلم أن الحجب إنما تحيط بمقدر محسوس، وهو الخلق، فهم محجوبون عنه تعالى بمعاني أسماءه وصفاته وأفعاله، وأقرب الملائكة الحافون بالعرش، وهو محجوبون بنور المهابة والعظمة والكبرياء والجلال، وأما الآدميون فمنهم من حجب برؤية النعم عن المنعم، وبشاهدة الأسباب عن المسبب، ومنهم من حجب بالشهوات المباحة أو المحرمة، أو بالمال والنساء والبنين وزينة الحياة الدنيا والجاه. ومنه قول الصوفية: العلم حجاب. قال بعض مشائخنا: لكنه نوراني، فأفاد أن الحجب على نوعين: نوراني وظلماني. وقد أشار إليه الحديث بقوله من نور- انتهى. وقال النووي: حقيقة الحجاب إنما يكون للأجسام المحدودة، والله تعالى منزه عن الجسم والحد، والمراد هنا المانع من رؤيته، وسمي ذلك المانع نوراً أو ناراً لأنهما يمنعان من الإدراك في العادة لشعاعهما- انتهى (شر البقاع أسواقها) لأنها محل الغفلة والمعصية (وخير البقاع مساجدها) لأنها محل الحضور والطاعة. قال الطيبي: أجاب عن الشر والخير، وإن كان السؤال عن الخير فقط تنبيهاً على بيت الرحمن وبيت الشيطان. قلت: الأشياء تتبين بأضدادها (رواه. . . .) كذا في أصل المصنف هنا بياض، وألحق به ابن حبان عن ابن عمر، ولذا قال الطيبي: ذكر الراوي أي: المخرج ملحق.