الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم الأرض لك مسجد، فحيث ما أدركت الصلاة فصل)) متفق عليه.
(8) باب الستر
{الفصل الأول}
760-
(1) عن عمر بن أبي سلمة، قال: ((رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في ثوب واحد
ــ
تجديده لا تأسيسه، والذي أسسه هو يعقوب بن إسحاق صلى الله عليهما وسلم بعد بناء إبراهيم الكعبة بهذا المقدار- انتهى (ثم الأرض لك مسجد) أي: صالحة للصلاة فيها. ويخص هذا العموم بما ورد فيه النهي. قال السندي: كلمة "ثم" للتراخي بالإخبار، والمراد أنها كلها مسجد ما دامت على الحالة الأصلية التي خلقت عليها. وأما إذا انتجست فلا. ذكره لبيان أنه لا يؤخر الصلاة لإدراك فضل هذه المساجد (فحيث ما أدركتك الصلاة) أي: وقت الصلاة. وفيه إشارة إلى المحافظة على الصلاة في أول وقتها. ويتضمن ذلك الندب إلى معرفة الأوقات. وفي بعض الطرق: فأينما أدركتك الصلاة فصل، فإن الفضل فيه. قال الحافظ: في الحديث إشارة إلى أن المكان الأفضل للعبادة إذا لم يحصل لا يترك المأمور به لفواته، بل يفعل المأمور في بالمفضول، لأنه صلى الله عليه وسلم كأنه فهم عن أبي ذر من تخصيصه السؤال عن أول مسجد وضع، أنه يريد تخصيص صلاته فيه، فنبه على أن إيقاع الصلاة إذا حضرت لا يتوقف على المكان الأفضل (فصل) وفي بعض النسخ"فصله" بهاء ساكنة وهي هاء السكت. قال الطيبي: يعني سألت أبا ذر عن أما كن بنيت مساجد، واختصت العبادة بها، وأيها أقدم زماناً فأخبرتك بوضع المسجدين وتقدمهما على سائر المساجد، ثم أخبرك بما أنعم الله علي وعلى أمتي من رفع الجناح وتسوية الأرض في أداء العبادة فيها (متفق عليه) أخرجه البخاري في الأنبياء ومسلم في الصلاة،
وأخرجه أيضاً النسائي وابن ماجه في الصلاة.
(باب الستر) أي: ستر العورة وسائر الأعضاء، وهو بالفتح مصدر سترته إذا غطيته، وبالكسر واحد الستور والأستار. قال الله تعالى:{يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد} [7: 31] ، روى مسلم من حديث ابن عباس، قال: كانت المرأة تطوف بالبيت عريانة- الحديث. وفيه"فنزلت: {خذوا زينتكم} ووقع في تفسير طاؤس قال: في قوله تعالى: {خذوا زينتكم} قال: الثياب. وصلة البيهقي، ونحوه من مجاهد. ونقل ابن حزم الاتفاق على أن المراد ستر العورة شرط لصحة الصلاة وإن كان في مكان خال. وفي غير حالة الصلاة يجب سترها عن أعين الناس ممن يحرم نظره.
760-
قوله: (عن عمر بن أبي سلمة) هو عمر بن أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد المخزومي القرشي أبوحفص المدني، ربيب النبي صلى الله عليه وسلم. صحابي صغير، وأمه أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، ولد بأرض الحبشة في السنة الثانية من الهجرة. وقبض
مشتملاً به، في بيت أم سلمة، واضعاً طرفيه على عاتقيه)) . متفق عليه.
761-
(2) وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يصلين أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقيه منه شيء)) .
ــ
رسول الله صلى الله عليه وسلم وله تسع سنين، وشهد مع علي الجمل. وأمره علي على البحرين. توفي في زمن عبد الملك بن مروان سنة (83) على الصحيح، له اثنا عشر حديثاً، اتفقا على حديثين، روى عنه جماعة (مشتملاً به) أي: بالثوب. ووقع في رواية للبخاري "متوشحا به". وفي بعض روايات مسلم "ملتحفاً به" ومعنى الاشتمال والتو شح والالتحاف واحد هنا. وهو المخالفة بين طرفي الثوب بأن يأخذ الأيمن من تحت يده اليمنى فيلقيه على منكبه الأيسر، ويلقي طرف الثوب الأيسر من تحت يده اليسرى على منكبه الأيمن. قال الطيبي: الاشتمال، التوشح والمخالفة بين طرفي الثوب الذي ألقاه على منكبه الأيمن من تحت يده اليسرى، ويأخذ طرفيه الذي ألقاه على منكبه الأيسر من تحت يده اليمنى، ثم يعقدهما على صدره، يعني لئلا يكون سدلاً. قلت: الاشتمال على أنواع، أحدها: التوشح، وهو المذكور في حديث الإباحة. والثاني: ما فسر به الأخفش أن الاشتمال هو أن يلتف الرجل برداءه أو بكسائه من رأسه إلى قدمه، ويرد طرف الثوب الأيمن على منكبه الأيسر، ذكره الشوكاني. والثالث: اشتمال الصماء المنهى عنه. وقد اختلفوا في تفسيره، فقال أهل اللغة: هو أن يشتمل بالثوب حتى يجلل به جسده، لا يرفع منه جانبا، فلا يبقى ما يخرج منه يده، وإنما كره لئلا تعرض له حاجة من دفع بعض الهوام، فيعسر عليه إخراج يده فيلحقه الضرر، ولأنه يعسر عليه حينئذٍ رفع اليدين حذو أذنيه، وبسطهما على الأرض حذاء أذنيه في السجدة. وقالت الفقهاء: هو أن يشتمل بثوب واحد ليس عليه غيره، ثم يرفعه من أحد جانبيه فيضعه على أحد منكبيه فيبدو منه فرجه. وفائدة التوشح والاشتمال والالتحاف المذكورة في الأحاديث أن لا ينظر المصلى إلى عورة نفسه إذا ركع، ولئلا يسقط الثوب عند الركوع والسجود. والحديث يدل على أن الصلاة في الثوب الواحد صحيحة إذا توشح به المصلي، أي: وضع طرفيه على عاتقيه مخالفا بين طرفيه (في بيت أم سلمة) ظرف ليصلي (واضعاً طرفيه) تفسير مشتملاً (على عاتقيه) العاتق ما بين المنكبين إلى أصل العنق (متفق عليه) وأخرجه أيضاً مالك واحمد والترمذي وأبوداود والنسائي وابن ماجه.
761-
قوله: (لا يصلين) بنون التأكيد المشددة. قال ابن الأثير: وفي رواية الصحيحين "لا يصلي" بإثبات الياء، ووجهه أن لا نافية، وهو خبر بمعنى النهي. ورواه الدارقطني في غرائب مالك من طريق الشافعي بلفظ "لا يصل" ومن طريق عبد الوهاب بن عطاء" لا يصلين" أي: بزيادة التأكيد، قلت: وكذا رواه النسائي بلفظ "لا يصلين"(ليس على عاتقه منه شيء) الجملة المنفية حال. والمراد أنه لا يتزر في وسطه، ويشد طرفيه الثوب في حقويه بل يتوشح
متفق عليه.
762-
(3) وعنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من صلى في ثوب واحد، فليخالف بين طرفيه)) رواه البخاري.
ــ
بهما على عاتقيه، فيحصل الستر من أعالي البدن وإن كان ليس بعورة. أو لكون ذلك أمكن في ستر العورة، وهذا إذا كان الثوب واسعاً، وذلك لأنه إذا خالف بين طرفيه وضعهما على عاتقيه يكون بمنزلة الإزار والرداء جميعاً، ويكون أستر وأجمل. وأما إذا كان ضيقاً وليس عنده ثوب آخر شده على حقوه كما في حديث جابر عند الشيخين مرفوعاً "إذا صليت في ثوب واحد، فإن كان واسعاً فالتحف به، وإن كان ضيقاً فاتزر به". وقيل: في حكمة وضع الثوب على العاتق إذا كان واسعاً أنه إذا اتزر به ولم يكن على عاتقه منه شيء لم يؤمن أن تنكشف عورته، بخلاف ما إذا جعل بعضه على عاتقه. ولأنه قد يحتاج إلى إمساكه بيده أو بيديه، فيشتغل بذلك، ولا يتمكن من وضع اليد اليمنى على اليسرى على الصدر فتفوت السنة والزينة المطلوبة في الصلاة. والحديث يدل على المنع من الصلاة في الثوب الواحد إذا لم يكن على عاتق المصلى منه شيء، وقد حمل الجمهور هذا النهي على التنزيه، فلو صلى في ثوب واحد ساتر لعورته وليس على عاتقه شيء منه صحت صلاته مع الكراهة، ولو كان الثوب واسعا. وأما أحمد وبعض السلف فذهبوا إلى أنه لا يصح صلاته، عملا بظاهر الحديث. وهذا هو الحق لأنه لا صارف للنهي عن معناه الحقيقي فيجب الجزم بمعناه الحقيقي وهو تحريم ترك جعل طرف الثوب الواحد حال الصلاة على العاتق، والجزم بوجوبه مع المخالفة بين طرفيه بالحديث الآتي حتى ينتهض دليل يصلح للصرف. ولكن هذا إذا كان الثوب واسعاً، جمعاً بين الأحاديث كما تقدم التصريح بذلك في حديث جابر. وقد عمل بظاهر الحديث ابن حزم (متفق عليه) قال ميرك: وفيه نظر من وجوه، الأول: أن قوله "لا يصلين" ليس فيهما بل فيهما "لا يصلي" والثاني: أن قوله "على عاتقيه" ليس في البخاري، وإنما فيه "على عاتقه" والثالث: أن قوله "منه" ليس في البخاري، وإنما هو من إفراد مسلم، كما صرح به الشيخ ابن حجر- أي: العسقلاني صاحب فتح الباري- انتهى. والحديث أخرجه أيضاً أحمد وأبوداود والنسائي.
762-
قوله: (فليخالف بين طرفيه) زاد أحمد وأبوداود على عاتقيه. وهذا إذا كان الثوب واسعا، وأما إذا كان ضيقا فيشده على حقوه. قال النووي: المشتمل، والمتوشح، والمخالف بين طرفيه، معناه واحد هنا، وقد سبقه إلى ذلك الزهري. وقد حمل الجمهور هذا الأمر على الاستحباب، وخالفهم في ذلك أحمد. والخلاف في النهي في الحديث الذي قبل هذا. وقد تقدم أن الحق فيه ما ذهب إليه أحمد (رواه البخاري) وأخرجه أيضاً أحمد وأبوداود.
763-
(4) وعن عائشة، قالت: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في خميصة لها أعلام، فنظر إلى أعلامها نظرة، فلما انصرف، قال: ((اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم، وائتوني بأنبجانية أبي جهم؛
ــ
763-
قوله: (في خميصة) بفتح خاء وكسر ميم وصاد مهملة، ثوب رقيق مربع من خز أو صوف معلم، وقيل: لا تسمى خميصة إلا أن تكون سوداء معلمة، فعلى هذا قول عائشة (لها) أي: للخميصة (أعلام) جمع علم وهو رسم الثوب ورقمه، على وجه البيان والتأكيد، ولا يبعد أن يكون من طريق التجريد. وقال ابن عبد البر في التمهيد: الخميصة هي كساء رقيق قد يكون بعلم وبغيره، وقد يكون أبيض معلماً، وقد يكون أصفر وأحمر وأسود. وهي من لباس أشراف العرب، والجملة صفة لخميصة (فلما انصرف) أي: عن الصلاة (اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم) بفتح الجيم وسكون الهاء، هو أبوالجهم بن حذيفة بن غانم بن عامر بن عبد الله القرشي العدوي. قال البخاري وجماعة: اسمه عامر، وقيل: عبيد. أسلم عام الفتح، وصحب النبي صلى الله عليه وسلم. وكان مقدماً في قريش معظماً، وعالما بالنسب. وهو أحد الأربعة الذين كانت قريش تأخذ عنهم علم النسب. وكان من المعمرين. حضر بناء الكعبة حين بنتها قريش، وحين بناها زبير. وهو أحد الأربعة الذين تولوا دفن عثمان، بقي إلى أول خلافة ابن الزبير. ووجه تخصيص أبي جهم بإرسال الخميصة إليه أنه هو الذي أهداها له صلى الله عليه وسلم، فلذلك ردها عليه، فقد روى مالك، عن علقمة بن أبي علقمة، عن أمه أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: أهدى أبوجهم بن حذيفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم خميصة شامية، لها علم، فشهد فيها الصلاة- الحديث. قال ابن الأثير في أسد الغابة: قد اختلفوا في هذه الخميصة، فقال مالك: هكذا. ومنهم من قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بخميصتين سوداوين، فلبس إحداهما وبعث بالأخرى إلى أبي جهم، فلما ألهته في الصلاة بعثها إلى أبي جهم، وطلب التي كانت عنده بعد أن لبسها لبسات. روى ذلك سعيد بن عبد الكبير – انتهى. وقال الحافظ في الإصابة (ج4:ص35) بعد ذكر الحديث برواية الصحيحين: وذكر الزبير من وجه آخر مرسلاً أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بخميصتين سوداوين، فلبس إحداهما وبعث الأخرى إلى أبي جهم، ثم إنه أرسل إلى أبي جهم في تلك الخميصة، وبعث إليه التي لبسها هو، ولبس هو التي كانت عند أبي جهم بعد أن لبسها أبوجهم لبسات – انتهى. (وائتوني بأنبجانية أبي جهم) وإنما طلب انبجانيته بدلها لئلا يتأذى برد هديته. قال ابن بطال: إنما طلب منه ثوبا غيرها ليعلمه أنه لم يرد عليه هديته استخفافا به وهي – بفتح الهمزة وسكون النون وكسر الموحدة وتخفيف الجيم وبعد النون ياء نسبة مشددة – كساء يتخذ من الصوف وله خمل ولا علم له، وهو من أدون الثياب الغليظة. ويجوز كسر الهمزة وسكون النون وفتح الموحدة وتخفيف الياء بالمثناة. قال عياض: يروي بفتح الهمزة وكسرها، وبتشديد الياء وتخفيفها – انتهى. نسبة إلى منبج – بفتح الميم وكسر الموحدة – موضع معروف بالشام، فأبدلت الميم همزة في النسب. ويقال: نسبة إلى موضع يقال له: أنبجان، وفي هذه قال ثعلب: كساء أنبجاني، وهذا هو الأقرب إلى الصواب في لفظ الحديث. والأول فيه
فإنها ألهتني آنفاً عن صلاتي)) متفق عليه.
ــ
تعسف (فإنها) أي: الخميصة (ألهتي) من لهي – بكسر – إذا غفل، لا من "لها لهوا" إذا لعب (آنفاً) أي: قريباً، أو في هذه الساعة (عن صلاتي) وعند مالك في الموطأ: فإني نظرت إلى علمها في الصلاة فكاد يفتنني. وفي الرواية الآتية "فأخاف أن يفتنني" فيحمل قوله "ألهتني" على قوله "كاد" فيكون الإطلاق للمبالغة في القرب لا لتحقق وقوع الإلهاء. وقيل: معنى قوله "يفتنني" يلهني عن الصلاة إلهاء أتم مما وقع منها أولا، فلا تنافي بين الجزم بوقوع الإلهاء بهاء ثم، وخشية وقوعه بها هنا. وكان ذلك هو حكمة التغاير بين الأسلوبين حيث عبر أولاً بالإلهاء وثانياً بالفتنة. والحاصل أن المراد بالفتنة شيء فوق الإلهاء. وقيل: معنى ألهتني: أرادت أن تلهيني فلا ينافي قوله "فأخاف أن يفتنني" بمعنى يلهيني، بل يكون الثاني تفسيرا للأول. ولا يقال: إن المعنى شغلتني عن كمال الحضور في صلاتي، لأنا نقول: قوله "فأخاف أن يفتنني" يدل على نفي وقوع ذلك. وقد يقال: إن له عليه الصلاة والسلام حالتين حالة بشرية، وحالة يختص بها خارجة عن ذلك فبالنظر إلى الحالة البشرية قال ألهتني، وبالنظر إلى الحالة الثانية لم يجزم به، بل قال: أخاف. ولا يلزم من ذلك الوقوع. ونزع الخميصة ليستن به في ترك كل شغل، فهو تشريع لأمته، وليس المراد أن أبا جهم يصلي في الخميصة، لأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن ليبعث إلى غيره بما يكرهه لنفسه، فهو كإهداء الحلة لعمر مع تحريم لباسها عليه، لينتفع بها ببيع أو غيره. وقيل كان هو أعمى فالإلهاء مفقود في حقه. قال ابن الجوزي: قيل: كيف خاف الإفتتنان بعلم من لم يلتفت إلى الأكوان بليلة ما زاغ البصر؟ وأجيب بأنه كان في تلك الليلة خارجا عن طباعه، فأشبه ذلك نظره من وراءه، فإذا رد إلى طبعة أثر فيه ما يؤثر في البشر. وقيل: أيضاً إن المراقبة في الصلاة شغلت خلقا من أتباعه حتى أنه وقع السقف إلى جانب مسلم بن يسار ولم يعلم. وأجيب بأن أولئك كانوا يؤخذون عن طبائعهم فيغيبون عن وجودهم. وكان الشارع يسلك طريق الخواص وغيرهم، فإذا سلك طريق الخواص وغير الكل فقال: لست كأحدكم، وإن سلك طريق غيرهم قال "إنما أنا بشر مثلكم" فرد إلى حالة الطبع ليستن به في ترك كل شاغل-انتهى. واستنبط من الحديث الحث على حضور القلب في الصلاة، وترك ما يؤدي إلى شغله. وقد شهد القرآن بالفلاح للمصلين الخاشعين، والفلاح أجمع اسم لسعادة الآخرة. وبانتفاء الخشوع ينتفي الفلاح. قال الأمير اليماني: في الحديث دليل على كراهة ما يشغل عن الصلاة من النقوش ونحوها مما يشغل القلب. وقال الطيبي: فيه إيذان بأن للصور والأشياء الزاهرة تأثيراً في القلوب الطاهرة والنفوس الزكية فضلاً عما دونها. وفيه كراهة الصلاة على المفارش والسجاجيد المنقوشة، وكراهة نقش المساجد ونحوه (متفق عليه) واللفظ للبخاري. وقال ميرك: فيه نظر لأنه ليس هذا الحديث في مسلم بهذا اللفظ، وإنما هو لفظ البخاري. ولفظ مسلم عن عائشة، قالت: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في خميصة ذات أعلام، فنظر إلى أعلامها، فلما قضى صلاته قال: اذهبوا بهذه الخميصة إلى أبي جهم بن حذيفة، رائتوني بأنجانيته، فإنها ألهتني آنفاً في صلاتي. فانظر في اختلاف الألفاظ-انتهى. قلت: مقصود المصنف أن أصل الحديث متفق عليه لا خصوص هذا اللفظ. وعلى هذا
وفي الرواية للبخاري، قال: كنت أنظر إلى عملها وأنا في الصلاة فأخاف أن يفتنني.
764-
(5) وعن أنس، قال: كان قرام لعائشة سترت به جانب بيتها، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم:((أميطي عنا قرامك هذا، فإنه لا يزال تصاويره تعرض لي في صلاتي)) رواه البخاري.
765-
(6) وعن عقبة بن عامر، قال: ((أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فروج حرير، فلبسه ثم صلى فيه، ثم انصرف فنزعه نزعاً شديداً كالكاره له،
ــ
فلا اعتراض على المصنف في عزو الحديث إلى الشيخين. والحديث أخرجه أيضاً مالك، وأحمد والنسائي (وفي رواية) أي: معلقة (إلى علمها) أي: علم الخميصة (وأنا في الصلاة) جملة حالية (فأخاف أن يفتنني) بفتح المثناة التحتية في أوله، وكسر المثناة فوق، وبالنونين من باب ضرب يضرب، وفي رواية تفتنني بفتح المثناة الفوقية في أوله بدل التحتية أي: تمنعني من الصلاة وتشغلني عنها.
764-
قوله: (قرام) بكسر القاف وتخفيف الراء، الستر الرقيق، وقيل: الصفيق من صوف ذى ألوان. وقيل الستر الرقيق وراء الستر الغليظ (جانب بيتها) هو يحتمل جانب الباب وجانب الجدار (أميطي) أمر من أماط يميط أي: أزيلي (فإنه) الضمير للشأن أو لقرام (تصاويره) جمع تصوير بمعنى الصورة أي: تماثيله، أو نقوشه (تعرض) بفتح المثناة الفوقية وكسر الراء أي: تلوح وتظهر لي (في صلاتي) في الحديث دلالة على إزالة ما يشوش على المصلى صلاته مما في منزله أو في محل صلاته. ولا دليل فيه على بطلان الصلاة، لأنه لم يرو أنه صلى الله عليه وسلم أعادها أو قطعها، نعم! تكره الصلاة حينئذٍ لما فيه من سبب اشتغال القلب المفوت للخشوع. قال الحافظ: وقد استشكل الجمع بين هذا الحديث وبين حديث عائشة أيضاً أنه اشترت نمرقة فيها تصاوير، فقال النبي صلى الله عليه وسلم بالباب، فلم يدخل – الحديث. لأنه يدل على أنه صلى الله عليه وسلم لم يدخل البيت الذي كان فيه الستر المصور أصلاً حتى نزعه. وهذا يدل على أنه أقره وصلى، وهو منصوب إلى أن أمر بنزعه من أجل ما ذكر من رؤية الصورة حالة الصلاة، ولم يتعرض لكونها صورة، ويمكن الجمع بأن الأول كانت تصاويره من ذوات أرواح، وهذا أي: القرام المذكور في حديث الباب كانت تصاوير من غير الحيوان كصورة الشجرة ونحوها (رواه البخاري) في الصلاة، وفي اللباس.
765-
قوله: (أهدى) على بناء المفعول (فروج حرير) بالإضافة كثوب خز، وخاتم فضة. وفي رواية أحمد "فروج من حرير" وهو بفتح الفاء وتشديد الراء المضمومة وتخفيفها وآخرها جيم. وحكى عن أبي العلاء المعرى ضم أوله وخفة الراء على وزن خروج، قباء مشقوق عن خلفه، وهو من لبوس الأعاجم. وكان الذي أهداه له أكيدر بن عبد الملك صاحب دومة (فلبسه) قبل تحريم الحرير (فنزعه نزعاً) بفتح النون وسكون الزاى (شديدا كالكاره له)