المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بعضه علي وبعضه عليه، وأنا حائض)) . متفق عليه. ‌ ‌{الفصل الثاني} 553- - مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - جـ ٢

[عبيد الله الرحماني المباركفوري]

فهرس الكتاب

-

- ‌(3) كتاب الطهارة

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(1) باب ما يوجب الوضوء

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(2) باب آداب الخلاء

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(3) باب السواك

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(4) باب سنن الوضوء

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(5) باب الغسل

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(6) باب مخالطة الجنب وما يباح له

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(7) باب أحكام المياه

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(8) باب تطهير النجاسات

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(9) باب المسح على الخفين

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(10) باب التيمم

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(11) باب الغسل المسنون

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(12) باب الحيض

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(13) (باب المستحاضة)

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

-

- ‌(4) كتاب الصلاة

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(1) باب المواقيت

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(2) باب تعجيل الصلاة

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(3) باب فضائل الصلاة

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(4) باب الأذان

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(5) باب فضل الأذان وإجابة المؤذن

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(6) باب

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(7) باب المساجد ومواضع الصلاة

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(8) باب الستر

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(9) باب السترة

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

الفصل: بعضه علي وبعضه عليه، وأنا حائض)) . متفق عليه. ‌ ‌{الفصل الثاني} 553-

بعضه علي وبعضه عليه، وأنا حائض)) . متفق عليه.

{الفصل الثاني}

553-

(7) عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أتى حائضاً، أوامرأة في دبرها، أوكاهناً، فقد كفر

ــ

ورداء (بعضه على) أي: ملقى على بدني. (وبعضه عليه) أي: بعض المرط ألقاه عليه الصلاة والسلام على كتفه. (وأنا حائض) في الحديث دليل على أن أعضاء الحائض طاهرة وإلا فالصلاة في مرط واحد بعضه ملقى على النجاسة وبعضه متصل بالمصلى غير جائز. وفيه أنه يجوز الصلاة في ثوب بعضه على المصلي وبعضه على حائض أو غيرها. (متفق عليه) فيه نظر لأني لم أجده في الصحيحين ولا في أحدهما بهذا اللفظ. وقد أخرج البخاري من حديث ميمونة معنى ما ذكره المصنف في أربعة مواضع من صحيحه في آخر كتاب الحيض قبل التيمم عن الحسن بن مدرك، وفي باب "أصاب ثوب المصلي امرأته إذا سجد " عن مسدد، وفي باب: إذا صلى إلى فراش فيه حائض، عن عمرو بن زرارة، وعن أبي النعمان. وأخرجه مسلم في الصلاة عن يحي بن يحي، وعن أبي بكر بن أبي شيبة، لكن ليس عندهما باللفظ الذي ذكره المصنف، نعم أخرج أبوداود عن ميمونة: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى وعليه مرط وعلى بعض أزواجه منه وهي حائض، وهو يصلي، وهو عليه. ولفظ ابن ماجه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى وعليه مرط، بعضه عليه وعليها بعضه وهي حائض. ولأبي داود وابن ماجه نحوه عن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالليل وأنا إلى جنبه وأنا حائض، وعلى مرط لي وعليه بعضه.

553-

قوله: (من أتى حائضاً) أي: جامعها، فالماد بالإتيان ههنا المجامعة. (أو امرأة) مطلقاً سواء كانت حائضاً أو غيرها. (أو كاهناً) لا يصح عطفه على حائضاً، فلا بد من تقدير "أتى" بمعنى جامع، وجعل الجملة عطفاً على الجملة. ومن جوز استعمال المشترك في معنييه يجوز عنده عطف المفرد، على أن المراد بالإتيان بالنسبة إلى المعطوف عليه معنى، وبالنسبة إلى المعطف معنى آخر. وقال الطيبي:"أتى"لفظ مشترك هنا بين المجامعة، وإتيان الكاهن- انتهى. قال القاري: والأولى أن يكون التقدير "أو صدق كاهناً" فيصير من قبيل " علفتها تبناً وماءً بارداً" والمراد بالكاهن، الذي يتعاطى الخبر عن الكائنات في مستقبل الزمان ومن الكهنة من يدعى أن له تابعاً من الجن يلقى إليه الأخبار، ومنهم من يزعم أنه يعرف الأمور بمقدمات أسباب يستدل بها على مواقعها من كلام من يسأله أو فعله أو حاله، وهذا يخصونه باسم العراف، كالذي يدعي معرفة الشيء المسروق. ومكان الضالة، ونحوهما. قال الجزري: وحديث من أتى كاهناً يشمل الكاهن والعراف والمنجم. (فقد كفر) الظاهر أنه محمول على التغليظ والتشديد كما يقال الترمذي: إنما معنى عند أهل العلم على التغليظ. وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أتى حائضاً فليتصدق بدينار، فلو كان إتيان الحائض كفراً لم يؤمر فيه بالكفارة - انتهى. وقيل: إن

ص: 248

بما أنزل على محمد)) رواه الترمذي، وابن ماجه، والدارمي. وفي روايتهما: فصدقه بما يقول فقد كفر، وقال: الترمذي: لا نعرف هذا الحديث إلا من حديث حكيم الأثرم، عن أبي تميمة عن أبي هريرة.

554-

(8) وعن معاذ بن جبل، قال: قلت: ((يا رسول الله! ما يحل لي من امرأتي وهي حائض؟ قال: ما فوق الإزار، والتعفف عن ذلك أفضل،

ــ

كان المراد الإتيان باستحلال وتصديق فالكفر محمول على ظهره، وإن كان بدونهما فهو على كفران النعمة، أو على معنى عمل معاملة من كفر. (بما أنزل على محمد) من الكتاب والسنة. (رواه الترمذي وابن ماجه والدارمي) وأخرجه أيضاً أحمد وأبوداود في الكهانة والتطير، وابن الجارود في المنتقى (ص58) والحاكم (وفي روايتهما) أي: ابن ماجه والدارمي (فصدقه) أي: الكاهن. (بما يقول فقد كفر) وبه تقيد رواية الترمذي، فيخرج من أتاه ليظهر كذبه، أو للاستهزاء بما هو عليه. وهذه الزيادة عند أحمد وأبي داود، وابن الجارود، والحاكم أيضاً. ولعل الترمذي اختصرها. (وقال الترمذي: لا نعرف هذا الحديث إلا من حديث حكيم) بمفتوحة وكسر كاف، ولفظه حديث سقطت من جميع نسخ الكتاب وهي ثابتة عند الترمذي. (الأثرم) بمفتوحة فمثلثة ساكنة البصرى، قال في التقريب: فيه لين. (عن أبي تميمة) بفتح أوله، اسمه طريف بن مجالد الهجيمي، بضم الهاء وفتح الجيم، ثقة، من طبقة الوسطى من التابعين، مات سنة (97) أو قبلها أو بعدها. (عن أبي هريرة) قال الترمذي: ضعف محمد هذا الحديث من قبل إسناده - انتهى. قال الحافظ في ترجمة حكيم الأثرم: قال الذهلي عن ابن المديني أعياناً هذا، وقال مرة: لا أدري من هو. وقال البخاري: لا يتابع في حديثه، يعني عن أبي تميمة عن أبي هريرة: من أتى كاهناً، ولا نعرف لأبي تميمة سماعاً من أبي هريرة. وقال النسائي: ليس به بأس، وذكره ابن حبان في الثقات. وقال الأجري عن أبي داود: ثقة. وقال ابن أبي شيبة: سألت عنه ابن المديني، فقال: ثقة عندنا - انتهى. قلت: فتوثيق النسائي وأبي داود وابن حبان، وابن المديني في رواية ابن أبي شيبة لحكمي الأثرم يرد تضعيف الحديث، ويجعل إسناده حسنا أو صحيحا. والله أعلم.

554-

قوله: (ما يحل لي من امرأتي؟) أي: أي: موضع يباح لي من أعضاءها؟ (قال: ما فوق الإزار) أي: يجوز لك الاستمتاع ما فوق الإزار، أي: ما فوق السرة، لأن موضع الإزار هو السرة. (والتعفف) أي: ومع ذلك التجنب والامتناع. (عن ذلك) أي: عن الاستمتاع بما فوق الإزار. (أفضل) لأنه من رتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه، فلعل غلبة الشهوة توقعه في الحرام، فندب إلى التعفف احتياطاً. والحديث دليل على تحريم المباشرة محل الإزار، وهو ما بين السرة والركبة، لكن الحديث ضعيف، وقد عارضه حديث أنس: اصنعوا كل شيء إلا النكاح. وهو أصح من هذا، فهو أرجح منه، ولا يكون مثل هذا المفهوم مخصصاً لعموم كل شيء، فلا يعارض المنطوق الدال على الجواز.

ص: 249

رواه رزين، وقال محى السنة: إسناده ليس بقوي.

555-

(9) وعن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا وقع الرجل بأهله، وهي حائض، فليتصدق بنصف دينار،

ــ

قال العراقي: قوله: والتعفف عن ذلك أفضل، هذا يقوي ما يقرر من ضعف الحديث، فإنه خلاف المنقول عن فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يستمتع بما فوق الإزار، وما كان ليترك الأفضل، وعلى ذلك عمل الصحابة، والتابعون والسلف الصالحون. قال السيوطي: لعله علم من حال السائل غلبة شهوته فرأي أن تركه لذلك أفضل في حقه لئلا يوقعه في محظور. (رواه رزين) وأخرجه أيضاً أبوداود في باب المذى، وضعفه، قال: ليس هو يعني الحديث بقوى، أي: لأن في سنده بقية بن الوليد وهو مدلس، وقد رواه عن سعد بن عبد الله الأغطش بالعنعنة، وسعد الأغطش ليس الحديث، وعبد الرحمن بن عائذ لم يسمع من معاذ، فهو منقطع. قال الحافظ في التلخيص: ورواه الطبراني من رواية إسماعيل بن عياش، عن سعيد بن عبد الله الخزاعي، فإن كان هو الأغطش، فقد توبع بقية، وبقيت جهالة سعيد، فإنا لا نعرف أحدا وثقة، وأيضاً فعبد الرحمن بن عائذ رواية عن معاذ، قال أبوحاتم: روايته عن على مرسلة، فإذا كان كذلك، فعن معاذ أشد إرسالاً- انتهى. وفي الباب عن حرام بن حكيم عن عبد الله بن سعد، أخرجه أبوداود.

555-

قوله: (إذا وقع الرجل بأهله) أي: جامعها. (فليتصدق بصنف دينار) كذا وقع في هذه الرواية، ولعلها اختصار من بعض الرواة، أو سهو، ففي سندها خصيف، وهو سيء الحفظ، خلط بآخره. والحديث قد روى بأسانيد كثيرة، وبألفاظ مختلفة، أصحها وأرجحها ما رواه أبوداود، قال: حدثنا مسدد، نا يحيى عن شعبة قال: حدثني الحكم عن عبد الحميد بن عبد الرحمن عن مقسم عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، في الذي يأتي امرأته وهي حائض، قال: يتصدق بدينار، أو نصف دينار. ورواه النسائي عن عمرو بن علي، عن يحيى. ورواه ابن ماجة، عن محمد بن بشار، عن يحي ابن سعيد، ومحمد بن جعفر، وابن أبي عدى. ورواه أحمد عن يحيى ومحمد بن جعفر. ورواه ابن الجارود عن محمد بن يحيى عن وهب ابن جرير، وعن أحمد بن محمد الشافعي، ع الحسن بن علي الحلواني، عن سعيد بن عامر. ورواه الحاكم في المستدرك من طريق مسدد عن يحيى. ورواه البيهقي من طريق الفضل بن عبد الجبار، عن النضر بن شميل كل هؤلاء عن شعبة، عن الحكم عن عبد الحميد عن مقسم عن ابن عباس مرفوعاً. قال أبوداود: هكذا الرواية الصحيحة، قال: دينار أو نصف دينار. وربما لم يرفعه شعبة- انتهى. فهذه الرواية أصح الروايات في ذلك وأرجحها، فكل رواتها مخرج لهم في الصحيح إلا مقسماً الراوي عن ابن عباس، فانفرد به البخاري، لكن ما أخرج له إلا حديثاً واحداً. وقد صحح هذه الرواية الحاكم، ووافقه الذهبي وصححها أيضاً ابن القطان وابن دقيق العيد. وقال أحمد: ما أحسن حديث عبد الحميد عن مقسم عن ابن عباس، فقيل له: تذهب إليه؟

ص: 250

قال: نعم، إنما هو كفارة، ذكره الخلال. وبالجملة رواية عبد الحميد هذه صحيحة لكن وقع الاختلاف في رفعها ووقفها فرفعها شعبة مرة ووقفها مرة. قال الحافظ في بلوغ المرام بعد ذكر هذه الرواية مرفوعة: صححه الحاكم، وابن القطان، ورجح غيرهما وقفه. قال الشوكاني في النيل (ج1:ص268) : ويجاب عن دعوى الاختلاف في رفعه ووقفه بأن يحيى بن سعيد ومحمد بن جعفر وابن أبي عدى رفعوه عن شعبة، وكذلك وهب بن جرير، وسعيد بن عامر، والنضر بن شميل، وعبد الوهاب بن عطاء الخفاف. قال: ابن سيد الناس: من رفعه عن شعبة أجل وأكثر وأحفظ ممن وقفه. وأما قول شعبة: أسنده لي الحكم مرة ووقفه مرة، فقد أخبر عن المرفوع والموقوف أن كلا عنده، ثم لو تساوي رافعوه مع واقفيه لم يكن في ذلك ما يقدح فيه. قال: أبوبكر الخطيب: إختلاف الروايتين لا يؤثر في الحديث ضعفا، وهو مذهب أهل الأصول، لأن إحدى الروايتين ليست مكذبة لأخرى، والأخذ بالمرفوع بالزيادة وهي واجبة القبول-انتهى. وإذا عرفت أن هذه الرواية صحيحة، فاعلم أنهم اختلفوا في لفظه "أو" فحملها بعضهم على الشك، وبعضهم على التنويع، والتفصيل بين حالي الدم ووقتيه، وبعضهم على التخيير، فقد نقل الخطابي في معالم السنن (ج1:ص84) أن أحمد بن حنبل كان يقول: وهو مخير بين الدينار ونصف الدينار، فهذا يدل على أن أحمد كان يرى أن أصل اللفظ في الحديث على التخيير لا على الشك، ولا على التفصيل. قال الشوكاني: والحديث يدل على وجوب الكفارة على من وطى امرأته وهي حائض، وإلى ذلك ذهب ابن عباس والحسن البصري، وسعيد بن جبير وقتادة والأوزاعي وإسحق وأحمد في الرواية الثانية عنه، والشافعي في قوله: القديم – انتهى. قال العيني: ثم إن الذين ذهبوا إلى عدم الوجوب أجابوا أن قوله صلى الله عليه وسلم: يتصدق، محمول على الاستحباب. وقال العلامة الشيخ أحمد محمد شاكر في تعليقه على الترمذي بعد ذكر القول بالتخيير عن أحمد ما لفظه: وإذا ثبت أن أصل الحديث الأمر بالتخيير بين الدينار وبين نصف الدينار فإني أي: أن الأمر فيه ليس للوجوب، وإنما هو للندب، لأن الأصل في الأمر أن يكون للوجوب على الحقيقة. ولا يكون للندب إلا مجازاً، والمجاز لا بد له من قرينة تمنع إرادة المعنى الحقيقي، والقرينة هنا في نفس اللفظ، لأن التخيير في المأمور به بين أن يكون قليلاً أو كثيراً من نوع واحد يجل على أن الزائد عن القليل ليس واجباً، لأن الدينار الواحد له نصفان، وقد أمر مخيراً بين أداءه كله، وبين أداء نصف من نصفيه فإذا أدى النصف كان آتيا بالمأمور به في أحد شقى الأمر، ولم يأت إلا ببعضه في الشق الآخر، وبرئت ذمته بما أتاه من المأمور به، فكان الذي لم يأت به غير واجب بنفس دلالة اللفظ، فدل لفظ الأمر على أن بعض مدلوله ليس مراداً به الوجوب، فخرج بذلك عن الحقيقة إلى المجاز. وإذ خرج في بعض مدلوله عن الحقيقة لهذه القرينة القاطعة، خرج في كل مدلوله، لامتناع استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه معاً. وتحقيق ذلك في موضعه من علو الأصول. وليس هذا من باب الواجب المخير المعروف في الفقة والأصول، لأن الواجب المخير إنما يكون في التخيير بين أنواع مأمور بها لا في التخيير بين القليل والكثير من نوع واحد وهذا ثابت بالتتبع - انتهى كلامه.

ص: 251

رواه الترمذي، وأبوداود، والنسائي، والدارمي، وابن ماجه.

ــ

(رواه الترمذي وأبوداود) كلاهما من طريق شريك بن عبد الله، عن خصيف عن مقسم عن ابن عباس. ورواه أيضاً من هذا الطريق أحمد والبيهقي. (والنسائي) فيه نظر، لأن النسائي لم يرو هذه الرواية. (والدارمي) من طريق شريك عن خصيف عن مقسم. ورواه أيضاً من طريق الثوري عن خصيف نحو رواية شريك. (وابن ماجه) من طريق أبي الأحوص، عن عبد الكريم بن مالك الجزري، عن مقسم، عن ابن عباس. قال المنذرى: هذا الحديث يعني حديث ابن عباس في كفارة إتيان الحائض قد وقع الاضطراب في سنده ومتنه، فروى مرفوعاً موقوفاً ومرسلاً ومعضلاً. وقال عبد الرحمن بن مهدي: قيل لشعبة: إنك كنت ترفعه، قال: إني كنت مجنوناً، فصححت-انتهى. وقال الحافظ في التلخيص: والاضطراب في إسناد هذا الحديث ومتنه كثير. قلت: لاشك في أن في إسناد هذا الحديث ومتنه اختلافاً كثيراً لكن قد تقرر في موضعه أن مجرد الاختلاف لا يؤثر في صحة الحديث بل يشترط له استواء وجوه الاختلاف، فمتى رجحت رواية من الروايات المختلفة من حيث الصحة قدمت، ولا تعل الرواية الراجحة بالمرجوحة، وههنا رواية عبد الحميد، عن مقسم، عن ابن عباس بلفظ: فليتصدق بدينار أو بنصف دينار صحيحة راجحة، كما تقدم النقل في تصحيحها عن الحاكم، والذهبي وابن القطان وابن دقيق العيد، وأحمد بن حنبل، وأما باقي الروايات فضعيفة مرجوحة لا توازي رواية عبد الحميد فلا تعل رواية عبد الحميد هذه بالروايات المرجوحة. والعجب من المصنف أنه أورد هذا الباب رواية خصيف عن مقسم عن ابن عباس بلفظ: يتصدق بنصف دينار، وهي رواية ضعيفة مرجوحة، ولم يورد رواية عبد الحميد عن مقسم عن ابن عباس بلفظ: يتصدق بدينار أونصف دينار، وهي أرجح الروايات وأصحها. قال الحافظ في التلخيص: قد أمعن ابن القطان القول في تصحيح هذا الحديث، والجواب عن طريق الطعن فيه بما يراجع منه، وأقر ابن دقيق العيد تصحيح ابن القطان وقواه في الإمام وهو الصواب، فكم من حديث قد احتجوا به، وفيه من الاختلاف أكثر مما في هذا الحديث كحديث بئر بضاعة، وحديث القلتين، ونحوهما. وفي ذلك ما يرد على النووي في دعواه في شرح المهذب، والتنقيح، والخلاصة، أن الأئمة كلهم خالفوا الحاكم في تصحيحه، وأن الحق أنه ضعيف باتفاقهم، وتبع في بعض ذلك ابن الصلاح-انتهى كلام الحافظ. وأما قول عبد الرحمن بن مهدي: قيل لشعبة: إنك كنت ترفعه؟ قال: "إني كنت مجنوناً فصححت" ففيه أنه اختلف النقل فيه عن شعبة، فروى هذا الحديث الدارمي، عن أبي الوليد، عن شعبة موقوفاً، وعن سعيد بن عامر عن شعبة موقوفاً أيضاً. وقال: قال شعبة: أما حفظي فهو مرفوع، وأما فلان وفلان، فقالا غير مرفوع. قال بعض القوم: حدثنا بحفظك ودع ماقال فلان وفلان، فقال: والله ما أحب أني عمرت في الدنيا عمر نوح وإني حدثت بهذا أو سكت عن هذا. فهذه الرواية عن شعبة ترشد إلى أنه كان على وثوق من حفظه، ويقين برفعة، ثم إنه تردد واضطرب حين رأى غيره يخالفه، فيرويه موقوفاً، ثم جعل هو يرويه موقوفاً أيضا، وهذا كما ترى لا يؤثر في يقينه الأول برفعة. وقد تابعه في رفعه غيره، فرواه البيهقي عن إبراهيم بن طهمان عن مطر الوراق عن الحكم عن المقسم عن ابن عباس مرفوعاً. قال المنذري: وأما الاضطراب في متنه فروى"بدينار أو نصف دينار"على الشك. وروى: يتصدق بدينار، فإن لم يجد فنصف دينار. وروى "إذا كان

ص: 252