المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌{الفصل الثاني} 560- (2) عن عروة بن الزبير، عن فاطمة بنت - مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - جـ ٢

[عبيد الله الرحماني المباركفوري]

فهرس الكتاب

-

- ‌(3) كتاب الطهارة

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(1) باب ما يوجب الوضوء

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(2) باب آداب الخلاء

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(3) باب السواك

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(4) باب سنن الوضوء

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(5) باب الغسل

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(6) باب مخالطة الجنب وما يباح له

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(7) باب أحكام المياه

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(8) باب تطهير النجاسات

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(9) باب المسح على الخفين

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(10) باب التيمم

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(11) باب الغسل المسنون

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(12) باب الحيض

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(13) (باب المستحاضة)

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

-

- ‌(4) كتاب الصلاة

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(1) باب المواقيت

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(2) باب تعجيل الصلاة

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(3) باب فضائل الصلاة

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(4) باب الأذان

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(5) باب فضل الأذان وإجابة المؤذن

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(6) باب

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(7) باب المساجد ومواضع الصلاة

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(8) باب الستر

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(9) باب السترة

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

الفصل: ‌ ‌{الفصل الثاني} 560- (2) عن عروة بن الزبير، عن فاطمة بنت

{الفصل الثاني}

560-

(2) عن عروة بن الزبير، عن فاطمة بنت أبي حبيش، ((أنها كانت تستحاض، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: إذا كان دم الحيض فإنه دم أسود يعرف، فإذا كان ذلك، فأمسكي عن الصلاة، فإذا كان الآخر، فتوضئ وصلي، فإنما هو عرق)) رواه أبوداود، والنسائي.

ــ

560-

قوله (فإنه) أي: الحيض، أو دمه (يعرف) بصيغة المجهول من المعرفة أي: تعرفه النساء باعتبار لونه، وثخانته، ونتنه. وقيل: بكسر الراء من الأعراف أي: له عرف ورائحة (فإذا كان ذلك) بكسر الكاف، أي: فإذا كان الدم دما أسود. قال القاري: أعاده لطول الفصل كما في قوله تعالى: {ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم، وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا، فلما جاءهم ما} [89:2] وقوله "فإنه دم أسود" استئناف مبين متفرع على كون الدم دم الحيض، ولا يصلح أن يكون تعليلا للجواب المذكور أو المقدر كما قرره ابن حجر، فتدبر (فأمسكي عن الصلاة) من الإمساك أي: أتركيها (فإذا كان الآخر) بفتح الخاء أي: الذي ليس بتلك الصفة بأن كان دما أحمر أو أصفر (فتوضئ) لكل صلاة مفروضة أي: بعد الاغتسال من انقطاع دم الحيض (فإنما هو) أي: الدم الذي هو على غير صفة السواد (عرق) أي: دم عرق انفجر، يقال له: العاذل. يعني دم الإستحاضة يخرج من عرق في أدنى الرحم دون قعره. والحديث فيه دليل على أنه يعتبر التمييز بصفة الدم، فإذا كان متصفا بصفة السواد فهو حيض، وإلا فهو استحاضة. وفيه دلالة على أنه فاطمة كانت مميزة، ولا مانع من اجتماع المعرفتين في حقها وحق غيرها، وقد تقدم الكلام في ذلك (رواه أبوداود) قال حدثنا محمد بن المثنى: عن محمد بن أبي عدي، عن محمد يعني ابن عمرو، قال: ثنى ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن فاطمة بنت أبي حبيش، قال: إنها كانت تستحاض- الحديث. قال أبوداود: قال ابن المثنى: ثنا به ابن عدي من كتابة هكذا، ثم ثنا به بعد حفظا، قال: حدثنا محمد بن عمرو عن الزهري عن عروة، عن عائشة قالت: إن فاطمة كانت تستحاض، فذكر معناه. قال في عون المعبود (ج1:ص115) : والحاصل أن ابن عدي لما حدث ابن المثنى من كتابة حدثه من غير ذكر عائشة بين عروة وفاطمة. ولما حدثه من حفظه ذكر عائشة بين عروة وفاطمة، ولذلك قال ابن القطان: هذا الحديث منقطع. وأجاب ابن القيم بأنه ليس كذلك، فإن محمد بن أبي عدي مكانه من الحفظ والإتقان لا يجهل، وقد حفظه، وحدث به مرة عن عروة عن فاطمة، ومرة عن عائشة عن فاطمة وقد أدرك كلتيهما، وسمع منها بلا ريب، ففاطمة بنت عمه، وعائشة خالته. فالانقطاع الذي رمى به الحديث مقطوع دابره، وقد صرح بأن فاطمة حدثته- انتهى. والحديث أخرجه أيضاً ابن حبان والحاكم وصححاه، وأخرجه أيضاً الدارقطني والبيهقي.

ص: 259

561-

(3) وعن أم سلمة، قالت:((إن امرأة كانت تهراق الدم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفت لها أم سلمة النبي صلى الله عليه وسلم. فقال: لتنظر عدد الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر قبل أن يصيبها الذي أصابها، فلتترك الصلاة قدر ذلك من الشهر، فإذا خلفت ذلك، فلتغتسل، ثم لتستثفر بثوب، ثم لتصل)) .

ــ

561-

قوله: (إن امرأة) هي فاطمة بنت أبي حبيش، سماها حماد بن زيد ووهيب، وعبد الوارث، وسفيان الثوري في روايتهم عن أيوب، عن سليمان بن يسار عند الدارقطني (كانت تهراق) بضم التاء وفتح الهاء وتسكن، أي: تصب، وتهراق هكذا جاء مجهولا، ونائب فاعله ضمير يرجع إلى المرأة، وهاءه بدل من الهمزة. أراق الماء يريقه، وهراقه يريقه بفتح هاء هراقة، ويقال: أهرقته أهرقه إهراقا بجمع بين البدل والمبدل منه كذا في المجمع. وقد تقدم تحقيقه بأبسط من هذا (الدم) بالنصب على التمييز وإن كانت معرفة على تقدير زيادة اللام، أي: تهراق هي الدم، أو منصوب بنزع الخافض، أي: تهراق بالدم، وفي رواية الدماء بالجمع للدلالة على الكثرة. قيل يجوز فيه الرفع على أنه بدل من ضمير تهراق، أو على أنه مسند إليه، والألف واللام بدل من الإضافة، والتقدير تهراق دماءها (فاستفتت لها أم سلمة) هذا قول الراوي عن أم سلمة، أي: سألت لهذه المرأة بأمرها إياها، ففي رواية للدارقطني: أن فاطمة بنت أبي حبيش استحيضت، فأمرت أم سلمة أن تسأل لها. وتقدم في حديث عائشة المتفق عليه: أن فاطمة هي السائلة، وفي حديث أسماء بنت عميس الآتي في الفصل الثالث أن السائلة أسماء، ولا تخالف بين هذه الروايات، فإنه يقال: إن فاطمة أمرت أسماء وأم سلمة كلتيهما أن تسألا لها رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألتا مجتمعتين أو غيرمجتمعتين، وسألت فاطمة بنفسها أيضاً لمزيد التوثق والاحتياط (لتنظر) أي: تتفكر وتعرف (عدد الليالي والأيام التي كانت تحيضهن) أي: تحيض فيهن (من الشهر) بيان لهن أو للأيام والليالي. قال الزرقاني: فيه تصريح بأنها لم تكن مبتدأة بل كانت لها عادة تعرفها، وليس فيه بيان كونها مميزة أو غيرها، فاحتج به من قال: أن المستحاضة المعتادة ترد لعادتها ميزت أم لا، وافق تمييزها عادتها أو خالفها-انتهى (قدر ذلك) أي: قدر عادة حيضها (فإذا خلفت ذلك) أي: تركت أيام الحيض التي اعتادتها خلفها، وجاوزتها، ودخلت في أيام الإستحاضة (فلتغتسل) أي: غسل انقطاع الحيض (ثم لتستثقر بثوب) الاستثفار أن تشد فرجها ودبرها بخرقة عريضة بعد أن تحتشى قطنا وتوثق طرفي الخرقة في شيء تشده على وسطها، فتمنع بذلك سيل الدم. وهو مأخوذ من ثقر الدابة الذي يجعل تحت ذهبه (ثم لتصل) بكسر اللام وإسكانها. وفيه دليل على أن الاغتسال إنما هو مرة واحدة عند انقضاء أيام الحيض، وأن حكم المستحاضة حكم الطاهرة في الصلاة، وكذا في الصيام، والقراءة،

ص: 260

رواه مالك، وأبوداود، والدارمي. وروى النسائي معناه.

562-

(4) وعن عدي بن ثابت عن أبيه، عن جده، قال يحيى بن معين:

ــ

وسائر العبادات إجماعاً، وغشيان الزوج إياها إلا أنها توضأ لكل صلاة (رواه مالك، وأبوداود، والدارمي) وأخرجه أيضاً الشافعي وأحمد وابن ماجه والدارقطني والبيهقي، بعضهم حديث نافع وأيوب، فبعضهم قال: عن سليمان بن يسار، عن أم سلمة، وبعضهم قال: عن سليمان بن يسار، عن رجل، عن أم سلمة، وبعضهم قال: عن سليمان بن يسار، عن رجل. ولم يذكر أم سلمة. ورجح أبوداود رواية من قال: عن سليمان بن يسار عن أم سلمة. قال البيهقي: هو حديث مشهور إلا أن سليمان لم يسمعه ههنا. وكذا قال المنذري. وقد رواه البيهقي أيضاً من طريق موسى بن عقبة، عن سليمان، عن مرجانة، عن أم سلمة. قال الحافظ في التقريب: مرجانة والدة أم علقمة، علق لها البخاري في الحيض، وهي مقبولة. وقال النووي في الخلاصة: حديث صحيح، ولم يلتفت إلى دعوى الانقطاع. وقال الحافظ في التلخيص: قال النووي: على شرطهما وجمع ابن عبد البر بين هذا الإختلاف في الرواية بأنه يحتمل أن سليمان سمع عن رجل، عن أم سلمة، ثم سمعه عن أم سلمة، فحدث به على الوجهين. وقال في الجوهر النقي: ذكر صاحب الكمال أن سليمان سمع من أم سلمة، فيحتمل أنه سمع هذا الحديث عنها وعن رجل عنها.

562-

قوله: (وعن عدي بن ثابت) الأنصاري الكوفي ثقة، رمى بالتشيع، مات سنة (116)(عن أبيه) هو ثابت الأنصاري والد عدي، ذكره ابن حبان في الثقات. وقال الحافظ مجهول الحال (عن جده) أي: جد عدي صحابي. واختلف في اسمه على أقوال فقيل: اسمه دينار، وقيل عمرو بن أخطيب، وقيل عبيد بن عازب، وقيل: قيس بن الخطيم، وقيل: إنه يعني جده أبوأمه، وهو عبد الله بن يزيد الخطمي، كذا زعم يحيى بن معين فيما حكى الدارقطني. وكذا قال أبوحاتم الرازي، واللالكائي، وغير واحد. وقال الحافظ في تهذيب التهذيب: ولم يترجح لي في اسم جده إلى الآن شيء من هذه الأقوال كلها، إلا أن أقربها إلى الصواب أن جده هو جده لأمه عبد الله بن يزيد الخطمي. والله أعلم-انتهى. وعبد الله ابن يزيد هو أبوموسى الأوسي الأنصاري الخطمي، صحابي صغير، شهد الحديبية وهو ابن سبع عشر سنة، وشهد الجمل والصفين مع علي. وكان أميرا على الكوفة زمن ابن الزبير. له سبعة وعشرون حديثا، روى له البخاري حديثين (قال يحيى بن معين) بفتح الميم ابن عون الغطفاني المرى مولاهم، أبوزكريا البغدادي، أحد الثقات الحفاظ المشهورين، وأحد أئمة الجرح والتعديل. ولد سنة (158) ومات بالمدينة النبوية سنة (233) وله (77) سنة إلا نحوا من عشرة أيام، وغسل على أعواد النبي صلى الله عليه وسلم، وحمل على سريره صلى الله عليه وسلم. مات أبوه فخلف لابنه يحيى هذا ألف درهم وخمسين ألف

ص: 261

جد عدي اسمه دينار عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال في المستحاضة: تدع الصلاة أيام أقرائها التي كانت تحيض فيها، ثم تغتسل، وتتوضأ عند كل صلاة، وتصوم، وتصلي. رواه الترمذي، وأبوداود.

563-

(5) وعن حمنة بنت جحش، قالت: ((كنت أستحاض حيضة كثيرة شديدة، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم أستفتيه وأخبره،

ــ

درهم، فأنفق جميع المال على الحديث، وكتب بيده ستمائة ألف حديث. روى عنه البخاري ومسلم وأبوداود وأحمد وأبو حاتم وأبو زرعة الرازيان وغيرهم. قال أحمد بن حنبل: كل حديث لا يعرفه يحيى بن معين فليس هو بحديث وفضائله كثيرة، بسط ترجمته الحافظ في تهذيب التهذيب (ج11:ص280-288) وابن خلكان في تاريخه (ج2:ص2140216) والذهبي في التذكرة (ج2:ص18، 17)(جد عدي اسمه دينار) قال الترمذي: سألت محمدا يعني البخاري عن هذا الحديث، فقلت: عدي بن ثابت عن أبيه عن جده، جد عدي ما اسمه؟ فلم يعرف محمد اسمه. وذكرت لمحمد قول يحيى بن معين: اسمه دينار، فلم يعبأ به (قال في المستحاضة) أي: في شأنها (تدع الصلاة) أي: تتركها (أيام أقرائها) جمع قرء وهو مشترك بين الحيض والطهر. والمراد به ههنا الحيض للسباق واللحاق (التي كانت تحيض فيها) أي: قبل أن يصيبها ما أصابها من الإستحاضة (ثم) أي: بعد فراغ زمن حيضها باعتبار العادة (تغتسل) أي: للطهارة من الحيض مرة (وتتوضأ عند كل صلاة) عند كل متعلق بتتوضأ لا بتغتسل. وفيه دليل على أن المستحاضة تتوضأ عند كل صلاة. والحديث ضعيف كما ستعرف، لكن له شواهد، ذكرها الزيلعي في نصب الراية، والحافظ في الدراية، ومنها حديث عائشة في الفصل الأول (وتصوم) أي: الفرض والنفل (رواه الترمذي وأبوداود) وأخرجه أيضاً الدارمي، وابن ماجه كلهم من حديث شريك، عن أبي اليقظان، عن عدي بن ثابت. وشريك هذا هو ابن عبد الله النخعي قاضي الكوفة، قد تكلم فيه غير واحد، وأبو اليقظان هو عثمان بن عمير الكوفي، وهو ضعيف جداً. قال الحافظ في التقريب: إنه ضعيف، واختلط، وكان يدلس، ويغلو في التشيع.

563-

قوله: (وعن حمنة) بفتح الحاء المهملة وسكون الميم بعدها نون وهاء (بنت جحش) بتقديم الجيم المفتوحة على الحاء الساكنة بعدها شين معجمة، الأسدية، أخت زينب زوج النبي صلى الله عليه وسلم. كانت تحت مصعب بن عمير، فقتل عنها يوم أحد، وخلف عليها طلحة بن عبيد الله. صحابية، لها حديث، وهي أم ولدى طلحة: عمران ومحمد (حيضة) بفتح الحاء، وهو مصدر إستحاض على حد أنبته الله نباتا. ولا يضره الفرق في اصطلاح العلماء بين الحيض والإستحاضة، إذا الكلام وارد على أصل اللغة (كثيرة) في الكمية (شديدة) في الكيفية (أستفتيه وأخبره) الواو لمطلق الجمع، وإلا

ص: 262

فوجدته في بيت أختي زينب بنت جحش، فقلت: يارسول الله! إني أستحاض حيضة كثيرة شديدة، فما تأمرني فيها؟ قد منعتني الصلاة والصيام. قال: أنعت لك الكرسف، فإنه يذهب الدم. قالت: هو أكثر من ذلك. قال: فتلجمي. قالت: هو أكثر من ذلك. قال: فاتخذي ثوبا. قالت: هو أكثر من ذلك، إنما أثج ثجاً. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: سآمرك بأمرين، أيهما صنعت أجزأ عنك من الآخر، وإن قويت عليهما فأنت أعلم. قال لها: إنما هذه ركضة من ركضات الشيطان، فتحيضي ستة أيام أوسبعة أيام

ــ

كان حقها أن تقول: أخبره وأستفتيه (فما تأمرني) ما استفهامية (فيها) أي: في حال وجود الحيضة (قد منعتني) استئناف مبين لما ألجأها إلى السؤال. ويمكن أن يجعل حالاً من الضمير المجرور في قولها فيها (الصلاة والصيام) أي: على زعمها (أنعت) أي: أصف (الكرسف) بضم الكاف والسين بينهما راء. أي: القطن وكأنه ينعت لها لتحتشى به فيمنع نزول الدم ثم يقطعه (فإنه يذهب الدم) أي: يمنع خروجه إلى ظاهر الفرج، أو معناه فاستعمليه لعل دمك ينقطع (هو أكثر من ذلك) أي: من أن يكون الكرسف مانعا من الخروج أو قاطعاً (فتلجمى) قال ابن العربي: قوله: تلجمى، كلمة غريبة لم يقع لي تفسيرها في كتاب، وإنما أخذتها استقراء. قال الخليل: اللجام معروف، أخذناه من هذا كأن معناه: افعلي فعلا يمنع سيلانه واسترساله، كما يمنع اللجام استرسال الدابة. وقال الجزري في النهائية: أي: اجعلي موضع الدم عصابة تمنع الدم، تشبيها بوضع اللجام في فم الدابة (فاتخذي ثوبًا) أي: تحت اللجام مبالغة في الاحتياط من خروج الدم (هو أكثر من ذلك) أي: من أن يمنعه (أثج) بضم المثلثة وتشديد الجيم، من ثج الدم والماء لازم ومتعد، أي: أنصب أو أصبه، فعلى الثاني تقديره أثج الدم، وعلى الأول إسناد الثج إلى نفسها للمبالغة، على معنى أن النفس جعلت كأن كلها دم ثجاج، وهذا أبلغ في المعنى (سآمرك) السين للتأكيد (بأمرين) أي: حكمين أو صنعين (أيهما) بالنصب لا غير، والناصب له صنعت قاله أبوالبقاء (أجرأ عنك) أي: أغنى عنك (من الآخر) من بمعنى البدل (وإن قويت عليهما) أي: قدرت على كل واحد منهما (فأنت أعلم) بما تختارينه منهما، فاختاري أيهما شئت (إنما هذه) أي: الثجة أو العلة (ركضة) بفتح الراء أي: دفعة وضربة. والركض الضرب بالرجل والإصابة بها كما تركض الدابة وتصاب بالرجل. أراد الإضرار بها والأذى. والمعنى: أن الشيطان قد وجد بذلك طريقاً إلى التلبيس عليها في أمر دينها وطهرها وصلاتها، حتى أنساها ذلك عادتها، وصار في التقدير كأنه ركضة بآلة من ركضاته، ولا ينافي ما تقدم من أنها عرق يقال: له العاذل، لأنه يحمل على أن الشيطان ركضه حتى انفجر. والأظهر أنها ركضة منه حقيقة إذا لا مانع من حملها عليه (فتحيضي) بتشديد الياء المفتوحة بعد الحاء، أي: التزمي أحكام الحيض، وعدي نفسك حائضا (ستة أيام أو سبعة أيام) قيل: أو للشك من بعض الرواة. وقد ذكر

ص: 263

في علم الله، ثم اغتسلي، حتى إذا رأيت أنك قد طهرت واستنقأت، فصلي ثلاثاً وعشرين ليلة، أو أربعا وعشرين ليلة وأيامها، وصومي، فإن ذلك يجزئك. وكذلك فافعلي كل شهر كما تحيض النساء وكما يطهرن ميقات حيضهن وطهرهن. وإن قوت على

ــ

النبي صلى الله عليه وسلم أحد العددين اعتبار بالغالب من حال نساء قومها. وقيل للتخيير بين كل واحد من العددين، لأنه العرف الظاهر والغالب من أحوال النساء. وقيل: ليس للتخيير بين الستة والسبعة بل للتنويع على معنى اعتبار حالها بحال من هي مثلها وفي مثل سنها من نساء أهل بيتها، فإن كانت عادة مثلها منهن أن تقعد ستا قعدت ستا، وإن سبعا فسبعا فكأنها كانت مبتدأة لم يتقدم لها أيام، ولم تميز بين الدمين ويحتمل أنها كانت معتادة ونسيت أن عادتها كانت ستاً أو سبعا، يعني أنه قد ثبت لها في ما تقدم أيام ستة أو سبعة، إلا أنها قد نسيتها، فلا تدري أيتهما كانت، فأمرها أن تتحرى، وتجتهد، وتبنى أمرها على ما تيقنته من أحد العددين (في علم الله) معناه على قول الشك، أي: في علمه الذي بينه وشرعه لنا، كما يقال: في حكم الله وفي كتاب الله. وقيل معناه ما أمرتك فهو حكم الله. وعلى قول التخيير فيما علم الله من ستة أو سبعة وقيل فيما أعلمك الله من عادات النساء من الست أو السبع. وقيل: في علم الله من أمرك من الست أو السبع، أي: هذا شيء بينك وبين الله، فإنه يعلم ما تفعلين من الإتيان بما أمرتك به أو تركه (ثم اغتسلي) أي: مرة واحدة بعد الستة أو السبعة من الحيض (حتى إذا رأيت) أي: علمت (واستنقأت) من الإستنقاء وهو مبالغة في تنقية البدن وتنظيفه، وهو في نسخ المشكاة كلها مضبوط بالهمزة دون الياء، وهو استعمال جائز ومسموع، إذ أن همزة ما ليس بمهموز كثير في كلام العرب. قال يونس: أهل مكة يخالفون غيرهم من العرب، فيهمزون النبئ. والبرئية، والذرئية والخابئة، نقله السيوطي في المزهر (ج2:ص133) وقال الجوهري في الصحاح: (مادة ر ث ى) ابن السكيت. قالت امرأة من العرب: وثأت زوجي بأبيات وهمزت. قال الفراء: ربما خرجت فصاحتهم إلى أن يهمزوا ما ليس بمهموز. قالوا: رثأث الميت ولبأت بالحج وحلأت السويق تحلئة، وإنما هو من الحلاوة- انتهى. فقول أبي البقاء، وصاحب المغرب: أن "استنقأت" بالهمز خطأ. جرأة عظيمة منهما منشأها قصور العلم والإطلاع (فصلى) أي: بالوضوء عند كل صلاة (ثلاثا وعشرين ليلة) يعني وأيامها إن كانت مدة الحيض سبعة (أو أربعا وعشرين ليلة وأيامها) إن كانت مدة الحيض ستة (وصومي) ما شيءت من فريضة وتطوع (فإن ذلك) أي: ما قدر لك من الأيام في حق الصلاة والصوم (يجزئك) أي: يكفيك (وكذلك) أي: مثل ما ذكرت لك الآن (فافعلي كل شهر كما تحيض النساء وكما يطهرن) أي: اجعلي حيضك بقدر ما يكون عادة النساء من ستة أو سبع، وكذلك اجعلي طهرك بقدر ما يكون عادة النساء من ثلاث وعشرين أو أربع وعشرين (ميقات حيضهن وطهرهن) نصب على الظرف يعني إن كان وقت حيضهن في أول الشهر فليكن حيضك في ذلك الوقت (وإن قويت

ص: 264

أن تؤخرين الظهر وتعجلين العصر، فتغتسلين وتجمعين بين الصلاتين: الظهر والعصر، وتؤخرين المغرب وتعجلين العشاء. ثم تغتسلين وتجمعين بين الصلاتين، فافعلي. وتغتسلين مع الفجر، فافعلي، وصومي إن قدرت على ذلك. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:وهذا أعجب الأمرين إلى)) .

ــ

على أن تؤخرين الظهر) فتأتي بها في آخر وقتها قبل خروجه (وتعجلين العصر) فتأتي به في أول وقته، فتكون قد أتت بكل صلاة في وقتها، وجمعت بينهما جمعاً صورياً (وتجمعين بين الصلاتين) أي: بغسل واحد (الظهر والعصر) بالجر بدل، ويجوز الرفع والنصب، وإثبات النون في أن تؤخرين وتعجلين بإهمال أن الناصية، تشبيهها لها بما المصدرية. قال في الألفية:

وبعضهم أهمل أن حملاً على

... ما أختها حيث استحقت عملا

قال ابن حجر: الظاهر أن كلمة أن مصدرية لكنها لا تنصبه حملا على ما المصدرية. ومنه قراءة مجاهد ((لمن أراد أن الرضاعة-233:2)) بضم الميم، كما أن ما قد تنصب حملا على أن. ومنه كما تكونوا يولى عليكم، وفي رواية أخرجها الديلمي من حديث أبي بكرة مرفوعا، وأخرجها البيهقي بلفظ: يؤمر عليكم، وبحذف أبي بكرة، وقال: إنه منقطع، وفي طريقه يحيى بن هاشم، وهو في عداد من يضع، ويجوز أن تكون مخففة من الثقيلة. وارجع للتفصيل إلى شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح (ص118، 117)(وتغتسلين مع الفجر، فافعلي) هذا تأكيد، والشرطية باعتبار المجموع (وصومي) أي: في هذه المدة التي تصلي فرضا ونفلا (إن قدرت على ذلك) بدل من الشرط الأول هذا، والجمع بين الصلاتين بغسل واحد هو الأمر الثاني، بدليل قوله: وهذا أعجب الأمرين إلى. وأما الأمر الأول، فقيل: هو الوضوء لكل صلاة بعد الاغتسال عن الحيض بمرور الستة أو السبعة الأيام، فإن في صدر الحديث سآمرك بأمرين، ثم ذكر لها الأمر الأول أنها تحيض ستا أو سبعا، ثم تغتسل وتصلي، وقد علم أنها توضأ لكل صلاة، لأن استمرار الدم ناقض للوضوء، فلم يذكره في هذه الرواية. وقد ذكره في غيرها. ثم ذكر الأمر الثاني من جمع الصلاتين. وقيل: الأمر الأول هو الاغتسال لكل صلاة. قلت: لم يصرح في حديث حمنة هذا بالوضوء لكل صلاة، ولا بالاغتسال لكل صلاة. والظاهر عندي هو القول الأول، وإليه ذهب الأمير اليماني، وأبو الطيب السندي، والإمام الشافعي. ورجح شيخنا في شرح الترمذي أن الأمر الأول هو الاغتسال لكل صلاة، وبه فسر القاري وغيره مستدلاً بما ورد في روايات قصة أم حبيبة المفسرة عند أبي داود وغيره، ولا يخفى ما فيه. قال القاري: وتعليقه عليه الصلاة والسلام هذا بقوتها لا ينافي قوله: السابق: وإن قويت عليهما، لأن ذلك لبيان أنها إذا قويت عليهما تختار ما شاءت. وهذا لبيان أنها إذا قويت عليهما تختار الأحب إليه عليه الصلاة والسلام (وهذا) أي: الجمع بين الصلاتين بغسل واحد (اعجب الأمرين إلى) الحديث قد استدل به على

ص: 265