الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم قال: لا ينبغي هذا للمتقين)) متفق عليه.
{الفصل الثاني}
766-
(7) عن سلمة بن الأكوع، قال قلت: ((يارسول الله! إني رجل أصيد؛ أفأصلي في القميص الواحد؟ قال: نعم، وازرره
ــ
وفي حديث جابر بن مسلم "صلى في قباء ديباج، ثم نزعه، وقال: نهاني جبريل عليه السلام، فهذا ظاهر في أن صلاته فيه كانت قبل تحريمه. وأن النهي سبب نزعه له، وذلك ابتداء تحريمه. قال ابن تيمية: حديث عقبة محمول على أنه لبسه قبل تحريمه، إذ لا يجوز أن يظن به أنه لبسه بعد التحريم في صلاة ولا غيرها. ويدل على إباحته في أول الأمر ما روى أنس بن مالك: أن أكيدردومة أهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم جبة سندس أو ديباج قبل أن ينهى عن الحرير، فلبسها، فتعجب الناس منها، فقال: والذي نفسي بيده لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن منها. رواه أحمد (لا ينبغي هذا) أي: لا يجوز استعمال الحرير (للمتقين) عن الكفر، وهم المؤمنون، وعبر بجمع الذكر ليخرج النساء لأنه حلال لهن. فإن قلت: يدخلن تغليبا، أجيب بأنهن خرجن بدليل آخر قال صلى الله عليه وسلم: أحل الذهب والحرير لإناث أمتي، وحرم على ذكورها، أخرجه أحمد والترمذي وصححه. والحديث يدل على تحريم الصلاة في الحرير، وقد اختلفوا هل تجزئ الصلاة في الحرير بعد تحريمه أم لا؟ فقال الحافظ: إنها تجزئ عند الجمهور مع التحريم، وعن مالك يعيد في الوقت إن وجد ثوبا غيره. وقد استدل بعضهم لجواز الصلاة في ثياب الحرير بعدم إعادته صلى الله عليه وسلم لتلك الصلاة، وهو مردود لأن ترك إعادتها لكونها وقعت قبل التحريم كما دل عليه حديث جابر (متفق عليه) أخرجه البخاري في الصلاة، وفي اللباس، ومسلم في اللباس، وأخرجه أيضاً النسائي في اللباس.
766-
قوله: (عن سلمة) بفتح السين واللام (بن الأكوع) هو سلمة بن عمرو بن الأكوع، واسمه سنان بن عبد الله ابن قشير الأسلمي، أبومسلم المدني، شهد بيعة الرضوان. قال الخزرجي: بايع تحت الشجرة أو الناس وأوسطهم وآخرهم على الموت، وكان شجاعاً رامياً سخياً خيراً فاضلاً، كان يسبق الفرس شداً على قدميه، استوطن الربذة بعد قتل عثمان، وتزوج بها امرأة، وولدت له أولاداً، فلم يزل بها حتى قبل أن يموت بليال فنزل المدينة وتوفي بها سنة (74) له سبعة وسبعون حديثاً، اتفقا على ستة عشر، وانفرد البخاري بخمسة، ومسلم بتسعة، روى عنه خلق كثير (إني رجل أصيد) بصيغة المتكلم كأبيع من صاد يصيد، أي: أخرج للإصطياد، وفي رواية أحمد والنسائي: إن أكون في الصيد. وفي رواية ابن حبان "إني رجل أتصيد" وإنما ذكر الصيد لأن الصائد يحتاج أن يكون خفيفا ليس عليه ما يشغله عن الإسراع في طلب الصيد، قاله ابن الأثير (قال نعم) أي: صل فيه (وازرره) بضم الراء من باب نصر، أي: شد جيب القميص،
ولو بشوكة)) . رواه أبوداود، وروى النسائي نحوه.
767-
(8) وعن أبي هريرة، قال: ((بينما رجل يصلي مسبل إزاره، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذهب فتوضأ، فذهب وتوضأ،
ــ
وأربطه، واجمع بين طرفيه لئلا تظهر عورتك (ولو بشوكة) أي: ولو لم يمكنك ذلك إلا بأن تغرز في طرفة شوكة تستمسك بها. قال الطيبي: هذا إذا كان جيب القميص واسعاً يظهر منه عورته فعليه أن يزره لئلا تنكشف العورة- انتهى. والحديث يدل على جواز الصلاة في الثوب الواحد، وفي القميص منفردا عن غيره مقيداً بعقد الإزار. قال في شرعة الإسلام ومن آداب الصلاة زر القميص بناء على أن الصحيح أن ستر عورته عن نفسه ليس بشرط، حتى لو كان محلول الجيب فنظر إلى عورته لا يعيد صلاته، كذا في التبيين. وفي شرح المنية أفتى بعض المشائخ بأنه إذا رأى عورته تفسد صلاته. وهو ظاهر الحديث. قال القاري (رواه أبوداود) من طريق الدراوردي، عن موسى بن إبراهيم المخزومي، عن سلمة بن الأكوع. وأخرجه أيضاً أحمد والشافعي وابن خزيمة والطحاوي وابن حبان والحاكم، وعلقه البخاري في صحيحه، وقال: في إسناده نظر. قال الحافظ في الفتح: وقد وصله المصنف أي: البخاري في تاريخه. وأبوداود وابن خزيمة وابن حبان من طريق الدراوردي. قال: ورواه البخاري أيضاً عن إسماعيل بن أبي أويس، عن أبيه، عن موسى بن إبراهيم، عن أبيه، عن سلمة. زاد في الإسناد رجلاً. ورواه أيضاً عن مالك بن إسماعيل، عن عطاف ابن خالد. قال: حدثنا موسى بن إبراهيم، قال: حدثنا سلمة، فصرح بالتحديث بين موسى وسلمة، فاحتمل أن يكون رواية أبي أويس من المزيد في متصل الأسانيد، أو يكون التصريح في رواية عطاف وهما، فهذا وجه النظر في إسناده- انتهى. والحديث سكت عنه أبوداود والمنذري. قال الحافظ في الفتح: أما من صححه فاعتمد رواية الدراوردي، وجعل رواية عطاف شاهدة لاتصالها. وطريق عطاف أخرجها أيضاً أحمد والنسائي- انتهى. وقال في التلخيص قد بينت طرق الحديث في تعليق العليق، وله شاهد مرسل، وفيه انقطاع أخرجه البيهقي.
767-
قوله (مسبل إزاره) صفة بعد صفة لرجل، أي: مرخ إزاره عن الحد الشرعي- وهو الكعبان- ففي حديث أبي هريرة عند أبي داود: ما كان أسفل من الكعبين فهو في النار (قال له) وفي أبي داود "إذ قال له"بزيادة "إذ" قال القاري: أي: بعد صلاته لكون صلاته صحيحة، فأراد أن يبين أنها غير مقبولة، وقال ابن حجر: ظاهر الحديث أنه أمر المسبل بقطع صلاته ثم بالوضوء (إذهب فتوضأ) قيل: نما أمره بالوضوء ليعلم أنه مرتكب معصية لما أسبقه في نفوسهم أن الوضوء يكفر الخطايا ويزيل أسبابها كالغضب ونحوه، وقال الطيبي: لعل السر في أمره بالتوضي وهو ظاهر أن يتفكر الرجل في سبب ذلك الأمر فيقف على ما ارتكبه من المكروه (أى ينظر إلى إسباله المخل في إسباغ الوضوء المسبب لعدم قبول الصلاة) وأن الله ببركة أمر رسوله عليه الصلاة والسلام إياه بطهارة الظاهر يطهر باطنه من
ثم جاء. فقال رجل يا رسول الله! مالك أمرته أن يتوضأ؟ قال: إنه كان يصلي وهو مسبل إزاره، وأن الله لا يقبل صلاة رجل مسبل إزاره)) . رواه أبوداود.
768-
(9) وعن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تقبل صلاة حائض
ــ
دنس الكبر، لأن طهارة الظاهر مؤثرة في طهارة الباطن، فعلى هذا ينبغي أن يعبر كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أن الله تعالى لا يقبل صلاة المتكبر المختال، فتأمل في طريق التنبيه، ولطف هذا الإرشاد. ومنه ما روى عن عطية، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الغضب من الشيطان، وإن الشيطان خلق من النار، وإنما يطفأ النار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ) . أخرجه أبوداود- انتهى كلام الطيبي (ثم جاء) كأنه جاء وهو غير مسبل إزاره (فقال رجل) لم يعرف اسمه (مالك أمرته أن يتوضأ) أي: والحال أنه طاهر متوضئ لم يوجد منه ما ينقض وضوئه (لا يقبل) أي: قبوله كاملا (صلاة رجل مسبل إزاره) قال القاري: ظاهر جوابه عليه السلام أنه أعاده بالوضوء- والله أعلم- أنه لما كان يصلي وما تعلق القبول الكامل بصلاته، والطهارة من شرائط الصلاة وأجزائها الخارجية، فسرى عدم القبول إلى الطهارة أيضا، فأمره بإعادة الطهارة حثا على الأكمل والأفضل- انتهى. قلت: ويمكن أن يستدل بالحديث على كون الإسبال من مفسدات الصلاة بناء على أن عدم القبول يرادف الرد، وإذا كانت صلاة المسبل مردودة كانت باطلة، والله أعلم (رواه أبوداود) في الصلاة واللباس، وفي سنده أبوجعفر، وهو رجل من أهل المدينة لا يعرف اسمه. قال الحافظ: أبوجعفر المؤذن الأنصاري المدني مقبول، ومن زعم أنه محمد بن على بن الحسين (الباقر) فقدوهم- انتهى. قال النووي في "رياض الصالحين" بعد ذكر هذا الحديث: رواه أبوداود بإسناد صحيح على شرط مسلم- انتهى. وفي الباب عن ابن عباس مرفوعاً: (إذا صليتم فارفعوا سبلكم (أي لثياب المسبلة) فكل شيء أصاب الأرض من سبلكم فهو في النار) . رواه الطبراني في الكبير، وفيه عيسى بن قرطاس وهو ضعيف جداً. وعن عطاء بن يسار، عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، قال: بينما رجل يصلي وهو مسبل إزاره قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: اذهب فتوضأ. . . قال: فذهب فتوضأ ثم جاء، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: اذهب فتوضأ، ثم جاء، فقال (رجل) : يا رسول الله! مالك أمرته يتوضأ ثم سكت عنه؟ فقال: إنه كان يصلي وهو مسبل إزاره، وإن الله تبارك وتعالى لا يقبل صلاة عبد مسبل إزاره، ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (ج5:ص125) وقال: رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح. وعزاه صاحب الأطراف إلى النسائي، ولم أجد في نسختي، فلعله في الكبرى انتهى. وعن ابن مسعود، أنه رأى أعرابياً يصلي قد أسبل إزاره، فقال: المسبل إزاره في صلاته ليس من الله في حل ولا حرام. رواه الطبراني ورجاله ثقات.
768-
قوله: (لا تقبل) أي: لا تصح إذ الأصل في نفى القبول نفى الصحة والإجزاء إلا لدليل (صلاة حائض) يعني
إلا بخمار)) رواه أبوداود والترمذي.
769-
(10) وعن أم سلمة، ((أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتصلي المرأة في درع وخمار ليس عليها إزار؟ قال: إذا كان الدرع سابغاً يغطى ظهور قدميها)) .
ــ
به المرأة البالغة أي: المكلفة، وإن تكلفت بالاحتلام مثلا. وإنما عبر بالحيض نظرا إلى الأغلب. قال الخطابي: يريد بالحائض المرأة التي بلغت سن الحيض، ولم يرد به التي هي في أيام حيضها، لأن الحائض لا تصلي بوجه- انتهى. وقيل: الأصواب أن يراد بالحائض من شأنها الحيض، ليتناول الصغيرة أيضا، فإن ستر رأسها شرط لصحة صلاتها أيضا. قلت: ويدل لما قال الخطابي ما رواه الطبراني في الصغير والأوسط من حديث أبي قتادة مرفوعاًبلفظ: لا يقبل الله من امرأة صلاة حتى توارى زينتها، ولا من جارية بلغت الحيض حتى تختمر (إلا بخمار) بكسر الخاء المعجمة آخره راء، قال في القاموس: الخمار بالكسر النصيف، وكل ما ستر شيئاً فهو خماره. وقال: نصيف كأمير: الخمار والعمامة، وكل ما غطى الرأس- انتهى. والمراد به هنا ما تغطى به المرأة رأسها وعنقها. والحديث يدل على أن رأس المرأة عورة، وأنه يجب عليها ستر رأسها وعنقها حال الصلاة. واستدل به من سوى بين الحرة والأمة في العورة لعموم ذكر الحائض، ولم يفرق بين الحرة والأمة، وهو قول أهل الظاهر. وفرق الجمهور بين عورة الحرة والأمة، وحملوا الحديث على الحرة. والحديث قد استدل به على أن ستر العورة شرط في صحة الصلاة، لأن قوله"لا تقبل" صالح للاستدلال به على الشرطية كما تقدم وقد اختلف في ذلك. ومذهب الجمهور أن ستر العورة من شروط الصلاة (رواه أبوداود والترمذي) وحسنه. ونقل المنذري تحسين الترمذي وأقره. والحديث أخرجه أيضاً أحمد وابن ماجه وابن خزيمة والحاكم في المستدرك (ج1:ص251) وقال هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وأظن أنه لخلاف فيه على قتادة، ثم رواه الحاكم من طريق سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن الحسن مرفوعاًمرسلا. وكذلك أشار أبوداود بعد روايته إلى رواية الحسن المرسلة كأنه يعلل الحديث بها. وليست هذه بالعلة، فإن حماد بن سلمة ثقة، والرواية المرسلة تؤيد المتصلة، وهي من طريق آخر، فهو عند قتادة عن شيخين عن ابن سيرين متصلا، وعن الحسن مرسلاً. والحديث صحيح كما قال الحاكم، أو حسن كما قال الترمذي.
769-
قوله: (في درع) أي: قميص (ليس عليها) أي: ليس تحت قميصها أو فوقه (إزار) أي: ولا سراويل (قال) أي: نعم (إذا كان الدرع سابغاً) أي: كاملاً واسعاً (يغطى ظهور قدميها) يعني يجوز لها حينئذٍ أن تصلي في درع وخمار ليس عليها إزار، ففي بعض ألفاظ الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: لا بأس إذا كان الدرع سابغاً، الخ. والحديث دليل لمن قال: إن قدمي المرأة عورة يجب سترها، لأن قوله:"يغطى ظهور قدميها" يدل على عدم العفو، فهو حجة لمن
رواه أبوداود، وذكر جماعة وقفوه على أم سلمة.
770-
(11) وعن أبي هريرة، ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن السدل في الصلاة،
ــ
لم يستثن القدمين من العورة. وإليه ذهب أكثر العلماء. وهو إحدى الروايتين عن أبي حنيفة. قال الأمير اليماني في السبل بعد ذكر حديث أم سلمة هذا وحديث عائشة السابق ما لفظه: هذا يدل على أنه لا بد في صلاتها من تغطية رأسها ورقبتها كما أفاد حديث الخمار، ومن تغطية بقية بدنها حتى ظهر قدميها كما أفاده حديث أم سلمة ويباح كشف وجهها حيث لم يأت دليل بتغطيته. والمراد كشفه عند صلاتها بحيث لا يراها أجنبي، فهذه عورتها في الصلاة. وأما عورتها بالنظر إلى نظر الأجنبي إليها فكلها عورة كما يأتي تحقيقه. وذكره هنا، وجعل عورتها في الصلاة هي عورتها بالنظر إلى نظر الأجنبي، وذكر الخلاف في ذلك ليس محله هنا، إذ لها عورة في الصلاة، وعورة في نظر الأجانب، والكلام الآن في الأول، والثاني يأتي في محله- انتهى. قلت: قد اختلف العلماء في تحديد عورة المرأة في الصلاة وخارجها اختلافاً كثيراً، إن شئت الوقوف على ذلك فارجع إلى المغني لابن القدامة. والراجح عندي ما ذهب إليه الحنابلة من أن الحرة البالغة كلها عورة في الصرة حتى ظفرها وشعرها إلا وجهها، والوجه والكفان عورة خارج الصلاة باعتبار النظر إليها كبقية البدن. قال الخطابي: في خبر أم سلمة دليل على صحة قول من لم يجز صلاتها إذا انكشف من بدنها شيء، ألا تراه عليه السلام يقول: إذا كان سابغاً يغطى ظهور قدميها، فجعل من شرط جواز صلاتها لئلا يظهر من أعضاءها شيء- انتهى (رواه أبوداود) أي: مرفوعاً (وذكر) أي: أبوداود (جماعة) أي: من الرواة (وقفوه على أم سلمة) قال أبوداود بعد روايته من طريق عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار، عن محمد بن زيد بن قنفذ، عن أمه، عن أم سلمة مرفوعاً: روى هذا الحديث مالك بن أنس، وبكر بن مضر، وحفص بن غياث، وإسماعيل بن جعفر، وابن أبي ذئب، وابن إسحاق عن محمد بن زيد، عن أمه عم أم سلمة، لم يذكر أحد منهم النبي صلى الله عليه وسلم، قصروا به على أم سلمة- انتهى. يعني أن هؤلاء الرواة الثقات كلهم رووه وقوفا على أم سلمة، ولم يرفعوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخالفهم عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار، فروى عن محمد بن زيد عن أم سلمة مرفوعاً: فكأنه أشار إلى أن هذا الرفع شاذ. قال الزرقاني: يعني فرواية عبد الرحمن شاذة، وهو وإن كان صدوقاً لكنه يخطئ، فلعله أخطأ في رفعه. وأعله أيضاً عبد الحق بأن مالكا وغيره رووه موقوفاً. قال الحافظ: وهو الصواب، ولكنه قد قال الحاكم بعد إخراجه: أن رفعه صحيح على شرط البخاري- انتهى. وقال الشوكاني: الرفع زيادة لا ينبغي إلغاءها كما هو مصطلح أهل الأصول، وبعض أهل الحديث، وهو الحق. وقال الأمير اليماني: له حكم الرفع وإن كان موقوفاً، إذ الأقرب أنه لا مسرح للاجتهاد في ذلك.
770-
قوله: (نهى عن السدل في الصلاة) قال الجوهري: سدل ثوبه يسدله- بالضم- سدلاً أي: أرخاه. وقال
وأن يغطى الرجل فاه)) رواه أبوداود، والترمذي.
771-
(12) وعن شداد بن أوس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خالفوا اليهود،
ــ
الخطابي: السدل إرسال الثوب حتى يصيب الأرض- انتهى. فعلى هذا السدل والإسبال واحد. وقال أبوعبيد في غريبه: السدل إسبال الرجل ثوبه من غير أن يضم جانبيه بين يديه، فإن ضمه فليس بسدل- انتهى. وقال الجزري: هو أن يلتحف بثوبه ويدخل يديه من داخل فيركع ويسجد وهو كذلك. قال: وهذا مطرد في القميص وغيره من الثياب. قال: وقيل: هو أن يضع وسط الإزار على رأسه (أو على كتفه) ويرسل طرفيه عن يمينه وشماله من غير أن يجعلهما على كفيه- انتهى. ولا مانع من حمل الحديث على جميع هذه المعاني إن كان السدل مشتركا بينها. وحمل المشترك على جميع معانيه هو المذهب القوي، قاله الشوكاني. والحديث يدل على تحريم السدل في الصلاة، سواء كان عليه قميص أو سراويل أو لم يكن، لأنه معنى النهي الحقيقي، ولا موجب للعدول عن تحريم لعدم وجدان صارف له عن ذلك. وقد روى أن السدل من فعل اليهود. أخرج الخلال في العلل، وأبوعبيد في الغريب عن على أنه خرج فرأى قوما يصلون قد سدلوا ثيابهم فقال: كأنهم اليهود خرجوا من قهرهم (وأن يغطى الرجل فاه) أي: فمه في الصلاة. قال الخطابي: فإن من عادة العرب التلثم بالعمائم على الأفواه، فنهوا عن ذلك في الصلاة إلا أن يعرض الثوباء فيغطى فمه عند ذلك للحديث الذي جاء فيه- انتهى. والحديث يدل على تحريم أن يصلى الرجل متلثما أي: مغطيا فمه. وحكمة النهي أن في التغطية منعا من القراءة والأذكار المشروعة. ولأنه لو غطى بيده فقد ترك سنة اليد، ولو غطاه بثوب فقد تشبه بالمجوس لأنهم يتلثمون في عبادتهم النار. قال ابن حبان: وإنما زجر عن تغطية الفم في الصلاة على الدوام لا عند التثاؤب بمقدار ما يكظمه لحديث"إذا تثاؤب أحدكم في الصلاة فليكظم ما استطاع" وفي رواية "فليمسك بيده على فمه، فإن الشيطان يدخل فيه" رواه مسلم (رواه أبوداود والترمذي) فيه نظر لأنه ليس في الترمذي "أن يغطى الرجل فاه" فروى الحديث الترمذي مقتصراً على الفصل الأول، وكذا رواه أحمد، والحاكم، والطبراني في الأوسط. وروى ابن ماجه الفصل الثاني فقط. ورواه ابن حبان بتمامه كأبي داود. والحديث حسن، فرجال إسناده كلهم ثقات إلا عسل بن سفيان، وهو لم يتفرد به بل تابعه سليمان الأحول عند أبي داود. وتابعه أيضاً عامر الأحول كما أخرجه الطبراني في معجمه الوسط. قال الزيلعي: رجاله كلهم ثقات إلا أبا بكر البحراوي فإنه ضعفه أحمد، وابن معين، وغيرهما. وكان يحيى بن سعيد حسن الرأى فيه، وروى عنه، وقال ابن عدي: وهو ممن يكتب حديثه.
771-
قوله: (وعن شداد بن أوس) بن ثابت الأنصاري النجاري، يكنى أبا يعلى، المدني ابن أخي حسان بن ثابت، صحابي، مات بالشام سنة (58) وهو ابن خمس وسبعين سنة. وقيل: توفي سنة (64) قال عبادة بن الصامت: شداد ابن الأوس من الذين أوتوا العلم والحلم. له خمسون حديثاً. انفرد له البخاري بحديث، ومسلم بآخر (خالفوا اليهود)
فإنهم لا يصلون في نعالهم ولا خفافهم)) . رواه أبوداود.
772-
(13) وعن أبي سعيد الخدري، قال: ((بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بأصحابه إذ خلع نعليه فوضعهما عن يساره، فلما رأى ذلك القوم، ألقوا نعالهم.
ــ
أي: بالصلاة في نحو النعال (فإنهم لا يصلون في نعالهم) بكسر النون، جمع نعل وهي معروفة (ولا خفافهم) بكسر الخاء المعجمة جمع خف بالضم. قال الشاه ولى الله: كان اليهود يكرهون الصلاة في نعالهم وخفافهم، لما فيه ترك التعظيم، فإن الناس يخلعون نعالهم بحضرة الكبراء وهو قوله تعالى:{فاخلع نعليك، إنك بالواد المقدس طوى} [12:20] وكان هناك وجه آخر، وهو أن الخف والنعل تمام زى الرجل فترك النبي صلى الله عليه وسلم القياس الأول، وأبدى الثاني مخالفة لليهود- انتهى. والحديث يدل على مشروعية الصلاة في النعال. وقد اختلف نظر الصحابة والتابعين في ذلك هل هو مستحب أو مباح أو مكروه؟ وأقل أحوال هذا الحديث الدلالة على الاستحباب من جهة قصد مخالفة اليهود. وقال الحافظ في الفتح في شرح حديث أبي سلمة سعيد بن يزيد: سألت أنساً أكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في نعليه؟ قال نعم. قال ابن بطال: هو محمول على ما إذا لم يكن فيهما نجاسة، ثم هي من الرخص كما قال ابن دقيق العيد، لا من المستحبات، لأن ذلك لا يدخل في المعنى المطلوب من الصلاة، وهو وإن كان من ملابس الزينة إلا أن ملامسة الأرض التي تكثر فيها النجاسات قد تقصر عن هذه الرتبة. وإذا تعارضت مراعاة مصلحة التحسين ومراعاة مصلحة النجاسة قدمت الثانية، لأنها من باب رفع المفاسد والأخرى من باب جلب المصالح. قال: إلا أن يرد دليل بإلحاقه بما يتجمل، فيرجع إليه، ويترك هذا النظر. قال الحافظ: قد روى أبوداود والحاكم من حديث شداد بن أوس مرفوعاً" خالفوا اليهود، فإنهم لا يصلون في نعالهم ولا خفافهم" فيكون استحباب ذلك من جهة قصد المخالفة المذكورة. قال: وورد في كون الصلاة في النعال من الزينة المأمور بأخذها في الآية حديث ضعيف جداً، أورده ابن عدي في الكامل، وابن مردويه في تفسيره من حديث أبي هريرة، والعقيلي من حديث أنس – انتهى (رواه أبوداود) وسكت عليه هو والمنذري. وأخرجه أيضاً ابن حبان في صحيحه والحاكم والبيهقي. قال الشوكاني: لا مطعن في إسناده. وفي الباب عن جماعة من الصحابة، ذكر تخريج أحاديثهم الشوكاني في النيل، والهيثمي في مجمع الزوائد.
772-
قوله: (إذا خلع نعليه) أي: نزعهما عن رجليه (فوضعهما عن يساره) فيه معنى التجاوز، أي: وضعهما بعيدا متجاوزا عن يساره. وفيه من الأدب أن المصلي إذا صلى وحده وخلع نعله وضعها عن يساره. وإذا كان مع غيره في الصف، وكان عن يمينه ويساره ناس فإنه يضعها بين رجليه كما سيأتي. وفيه دليل على جواز عمل قليل في الصلاة. وأن العمل اليسير لا يقطع الصلاة (فلما رأى ذلك) أي: خلع النعل (ألقوا نعالهم) أي: خلعوها عن أرجلهم ثم ألقوها
فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته، قال: ما حملكم على إلقائكم نعالكم؟ قالوا: رأيناك ألقيت نعليك، فألقينا نعالنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن جبرئيل أتاني فأخبرني أن فيهما قذراً. إذا جاء أحدكم المسجد فلينظر، فإن رأى في نعليه قذراً فليمسحه وليصل فيهما)) . رواه أبوداود والدارمي.
773-
(14) وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا صلى أحدكم فلا يضع نعليه عن يمينه، ولا عن يساره فتكون عن يمين غيره، إلا أن لا يكون على يساره أحد،
ــ
(نعالكم) بالنصب (أن فيهما قذرا) بفتحتين، أي: نجاسة، وفي رواية أحمد"أن بهما خبثاً" والحديث يدل على أن المصلي إذا دخل في الصلاة وهو متلبس بنجاسة غير عالم بها أو ناسياً لها ثم عرف بها أثناء صلاته أنه يجب عليه إزالتها، ثم يستمر في صلاته، ويبنى على ما صلى. قال الخطابي: في الحديث من الفقه أن من صلى وفي ثوبه نجاسة لم يعلم بها فإن صلاته مجزية ولا إعادة عليه. قال القاضي: ومن يرى فساد الصلاة حمل القذر على ما تقذر عرفاً كالمخاط. وحمله بعضهم على المقدار المعفو من النجاسة. قلت: حمله على مستقذر غير نجس، أو نجس معفو عنه تحكم، ويرد حمل القذر على المستقذر الغير النجس رواية الخبث المذكورة للاتفاق بين أئمة اللغة وغيرهم أن الأخبثين هما البول والغائط (فإن رأى في نعليه) أو في أحدهما (قذرا فليمسحه وليصل فيهما) فيه دليل على استحباب الصلاة في النعال، وعلى أن مسح النعل من النجاسة مطهر له من القذر. والظاهر عند الإطلاق فيه أن النعل يطهر بالمسح مطلقاً أي: سواء كانت النجاسة رطبة أو جافة. قال القاضي: فيه دليل على أن من تنجس نعله إذا دلك على الأرض طهر، وجاز الصلاة فيه – انتهى. ومن يرى خلافه أول بالمستقذر الغير النجس أو بالمقدار المعفو من النجاسة، وهو تحكم فلا يلتفت إليه. وقد تقدم الكلام مفصلاً على كون دلك النعال مطهرا لها في باب تطهير النجاسات (رواه أبوداود) وسكت عليه هو والمنذري، وأخرجه أيضاً أحمد والحاكم وابن خزيمة وابن حبان. واختلف في وصله وإرساله. ورجح أبوحاتم في العلل وصله. ورواه الحاكم من حديث أنس وابن مسعود. ورواه الدارقطني من حديث ابن عباس، وعبد الله بن الشخير، وإسنادهما ضعيفان، ورواه البزار من حديث أبي هريرة، وإسناده ضعيف معلول أيضا، قاله الحافظ. وذكر الهيثمي أحاديث هؤلاء الصحابة مع الكلام عليها، إن شئت الوقوف عليها فارجع إلى مجمع الزوائد (ج2: ص55) .
773-
قوله: (إذا صلى أحدكم) أي: أراد أن يصلي (فلا يصنع نعليه) بالجزم جواب إذا (عن يمينه) لأن جهة اليمين محرمة (فتكون) أي: فتقع النعل (عن يمين غيره) قال الطيبي: هو بالنصب جوابا للنهي، أي: وضعه عن يساره مع وجود غيره سبب لأن تكون عن يمين صاحبه. يعني وفيه نوع إهانة وإيذاء له، وعلى المؤمن أن يحب لصاحبه ما يحب لنفسه ويكره له ما يكره لنفسه (إلا أن لا يكون على يساره) وفي بعض النسخ "عن يساره" (أحد) أي: فيجوز له حينئذٍ أن يضعهما عن