الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رواه الدارقطني.
(8) باب تطهير النجاسات
{الفصل الأول}
493-
(1) عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا شرب الكلب في إناء أحدكم، فليغسله
سبع مرات)) .
ــ
والمداومة على ذلك. والبرص محركة بياض يظهر في ظاهر البدن لفساد مزاجه، كذا في القاموس. وأما الماء المسخن بالنار فغير مكروه بالاتفاق. روى ذلك عن عمر، وابنه عبد الله، وابن عباس، وسلمة بن الأكوع. (رواه الدارقطني) من حديث اسماعيل بن عياش، عن صفوان بن عمرو الحمصي الشامي، عن حسان بن أزهر، عن عمر، ورواية إسماعيل بن عياش عن الشاميين صحيحه، وقد تابعه المغيرة بن عبد القدوس، فرواه عن صفوان به. رواه ابن حبان في كتاب الثقات في ترجمة حسان بن أزهر، قاله الزيلعي في نصب الراية (ج1:ص103) ولقول عمر هذا طريق آخر أخرجه الشافعي عن إبراهيم بن أبي يحيى، عن صدقة بن عبد الله، عن أبي الزبير عن جابر عن عمر. ومن طريق الشافعي أخرجه البيهقي. قال الحافظ في التلخيص (ص7) : صدقة ضعيف، وأكثر أهل الحديث على تضعيف ابن أبي يحيى، لكن الشافعي كان يقول: إنه صدوق وإن كان مبتدعاً. وورد المنع عن الماء المشمس مرفوعاً من حديث عائشة، ومن حديث أنس ومن حديث ابن عباس، بسط طرقها الزيلغي في نصب الرابة (ج1:ص102) والحافظ في التلخيص (ص7،6) والسيوطي في اللآلي المصنوعة (ج2:ص3-4) ، مع بيان وجوه ضعفها، وسقوطها. قال العقيلي: لا يصح في الماء المشمس حديث مسند، إنما هو شيء يروى من قول عمر يعني الذي رواه الشافعي والدارقطني والبيهقي.
(باب تطهير النجاسات) أي: الحقيقية بالماء وغيره، أتى بالجمع إشارة إلى أنواع النجاسة المختلفة في الأحكام.
493-
قوله: (إذا شرب الكلب في إناء أحدكم) أي: من إناء أحدكم، أو ضمن"شرب" معنى ولغ، فعدى تعديته، والإضافة ملغاة هنا، وليست للتمليك والتخصيص، لأن حكم الطهارة والنجاسة لا يتوقف على ملكه الإناء وكذا قوله الآتي: فليغسله، لا يتوقف على أن يكون مالك الإناء هو الغاسل. (فليغسله) زاد مسلم والنسائي في رواية لهما: فليرقه، لكن تكلم النسائي، وابن مندة، وابن عبد البر وغيرهم في هذه الزيادة. (سبع مرات) فيه دليل على وجوب سبع غسلات للإناء من شرب الكلب وولوغه، خلافاً لمن ذهب إلى التثليث ولم يفرق بين لعاب الكلب وغيره من النجاسات وهم الحنفية. وقد بين بعض أطباء العصر وجه غسل الإناء سبعاً من ولوغ الكلب طباً، وهو أن في أمعاء أكثر الكلاب دودة شريطية صغيرة جداً طولها (4) ميليمترات، فإذا راث الكلب خرجت البويضات بكثرة في الروث، فليصق كثير منها بالشعر الذي
متفق عليه. وفي رواية مسلم قال: ((طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات، أولاهن بالتراب)) .
ــ
بالقرب من دبره، فإذا أراد الكلب أن ينظف نفسه بلسانه كما هي عادته تلوث لسانه وفمه بها، وانتشرت في بقية شعره بواسطة لسانه أو غيره، فإذا ولغ الكلب في إناء، أو شرب ماء، أو قبله إنسان كما يفعل الأفرنج أو بعض من قلد الأفرنج في العادات القبيحة، علقت بعض هذه البويضات بتلك الأشياء، وسهل وصولها إلى فمه أثناء أكله أو شربه فتصل إلى معدته وتخرج منها الأجنة، فشقت جدار المعدة، وتصل إلى أوعية الدم، فتحدث أمراضاً كثيرة في المخ، والقلب، والرئة، إلى غير ذلك. وكل ذلك مشاهد لأطباء أوروبا في بلادهم. ولما كان تمييز الكلب المصاب بهذه الدودة عسيراً جداً لأنه يحتاج إلى زمن وبحث دقيق بالآلة التي لا يعرف استعمالها إلا قليل من الناس كان اعتبار الشارع إياه نجساً، وغسله سبع مرات إنقاء للإناء بحيث لا يعلق فيها شيء ما ذكرنا هو عين الحكمة والصواب، والله أعلم. كذا في حاشية إحكام الأحكام (ج1:ص27) شرح عمدة الأحكام لابن دقيق العيد. (متفق عليه) وأخرجه أيضاً مالك وأحمد والترمذي وأبوداود والنسائي وابن ماجه وغيرهم.
قوله (وفي رواية لمسلم) وأخرجها أبوداود والنسائي أيضاً (طهور إناء أحدكم) الأظهر فيه ضم الطاء ويقال بفتحها لغتان بمعنى التطهر أو الطهارة. (إذا ولغ) في القاموس ولغ الكلب في الإناء وفي الشراب يلغ كيهب ويالغ، وولغ كورث ووجل شرب ما فيه بأطراف لسانه، أو أدخل لسانه فيه فحركه، أي: شرب أو لم يشرب. وقال ابن مكي: إن كان ما في الإناء غير مائع يقال: لعقه. وقال المطرزي: فإن كان فارغاً يقال: لحسه. وفي حكم الولوغ ما إذا لعق أو لحس، وإنما ذكر الولوغ للغالب. قال الطيبي: طهور إناء أحدكم مبتدأ، والظرف معمول له، والخبر قوله: أن يغسله سبع مرات. (أولاهن بالتراب) فيه دليل على شرعية التتريب في غسل الإناء. واختلفت الروايات في غسلة التتريب، ففي رواية لمسلم وأبي داود والدارقطني "أولاهن" وفي رواية لأبي داود: السابعة بالتراب، وفي رواية الترمذي والبزار:"أولاهن أو أخراهن" وفي رواية للشافعي: أولاهن أو إحداهن، وفي رواية للدارقطني: إحداهن. وهذا الاختلاف ليس بقادح، لأن هذه الروايات ليست بمتساوية، فإن رواية "أولاهن" أرجح من حيث الأكثرية والأحفظية، ومن حيث المعنى أيضاً لأن تتريب الأخيرة يقتض الاحتياج إلى غسلة أخرى لتنظيفه. ووقع في حديث عبد الله بن مغفل عند أحمد، ومسلم، وأبي داود، والنسائي، وابن ماجه: فاغسلوه سبع مرات، وعفروه الثامنة بالتراب. وظاهره يدل على إيجاب ثمان غسلات، وأن غسلة التتريب غير الغسلات السبع، وأن التتريب خارج عنها. والحديث قد أجمعوا على صحة إسناده، وهي زيادة ثقة فتعين المصير إليها. وقد أهمل البغوي ذكر هذه الرواية، قيل لأنه شافعي وإمامه الشافعي لم يقل بالتثمين، فتركها البغوي لذلك، وكذا صاحب المشكوة محاماة على المذهب، والله أعلم. ونقل عن
494-
(2) وعنه، قال: قام أعرابي، فبال في المسجد،
ــ
الشافعي أنه قال: هو حديث لم أقف على صحته، ولكن هذا لا يثبت العذر لمن وقف على صحته. وأوله النووي فقال: المراد بقوله: عفروه الثامنة بالتراب، أي: اغسلوه سبعاً، واحدة منهن بالتراب مع الماء، فكان التراب قائم مقام غسلة فسميت ثامنة لهذا. وقال الحافظ: جمع بعضهم بين الحديثين بضرب من المجاز فقال: لما كان التراب جنساً غير الماء جعل اجتماعهما في المرة الواحدة معدوداً باثنتين وتعقبه ابن دقيق العيد بأن قوله: وعفروه الثامنة بالتراب، ظاهر في كونها غسلة مستقلة، لكن لو وقع التعفير في أوله قبل ورود الغسلات السبع كانت الغسلات ثمانية، ويكون إطلاق الغسلة على التتريب مجازاً وهذا الجمع من مرجحات تعين التراب في الأولى انتهى. وفي الحديث دليل على نجاسة فم الكلب من حيث الأمر بالغسل لما ولغ فيه والإراقة للماء، وقوله:(طهور إناء أحدكم) فإنه لا غسل إلا من حدث أو نجس وليس ههنا حدث، فتعين النجس، والإراقة إضاعة مال، فلو كان الماء طاهراً لما أمر بإضاعته، إذ قد نهى عن إضاعة الماء، وهو ظاهر في نجاسة فمه، وألحق به سائر بدنه قياساً عليه، وذلك لأنه إذا ثبت نجاسة لعابه ولعابه جزء من فمه إذ هو عرق فمه، ففمه نجس إذ العرق جزء متحلب من البدن، فكذلك بقية بدنه. وفيه أيضاً أن الماء القليل ينجس بوقوع النجاسة فيه وإن لم يتغير، لأن ولوغ الكلب لا يغير الماء الذي في الإناء غالباً. واعلم أنه خالف حديث أبي هريرة وحديث عبد الله بن مغفل الحنفية حيث قالوا بالتثليث فقط، ولم يقولوا بوجوب السبع ولا الثمان ولا التتريب. والمالكية حيث لم يقولوا: بالتتريب وأوجبوا التسبيع فقط دون التثمين، لأن التتريب لم يقع في رواية مالك. قال القرافي منهم: قد صحت فيه الأحاديث. والعجب منهم كيف لم يقولوا بها. وخالف الشافعية حيث لم يقولوا بالتثمين، فجنح بعضهم إلى ترجيح حديث أبي هريرة على حديث ابن مغفل، وتعقب بأن الترجيح لا يصار إليه مع إمكان الجمع، والأخذ بحديث ابن مغفل يستلزم الأخذ بحديث أبي هريرة دون العكس، والزيادة من الثقة مقبولة ومال بعضهم إلى الجمع كما تقدم في كلام النووي والحافظ. واعتذر الطحاوي وغيره عن الحنفية بأمور قد ردها الحافظ في الفتح (ج1:ص139) أحسن رد، ثم إنه تعقب العيني على كلام الحافظ بما يدل على شدة تعصبه لمذهب إمامه. وقد نقل الشيخ عبد الحي اللكنوي الحنفي في السعاية (451) تعقبات العيني ثم ردها رداً حسناً. وللشيخ ابن الهمام في فتح القدير كلام مزخرف في الاعتذار عن العمل بحديث التسبيع والتتريب قد رده أيضاً الشيخ اللكنوي في السعاية، وأطال الكلام في هذا المبحث وأجاد، وقال في آخر البحث: ولعل المنصف غير المتعسف يعلم بعد ملاحظة هذا البحث ضعف كلام أرباب التثليث وقوة كلام أصحاب التسبيع والتثمين انتهى. وقد ذكر شيخنا تعقبات الشيخ اللكنوي على العيني وابن الهمام في أبكار المنن (ص29-32) فعليك أن تراجعه.
494-
قوله: (قام أعرابي) بفتح الهمزة نسبة إلى الأعرب وهم سكان البادية سواء كانوا عرباً أو عجماً. قيل هو ذو الخويصرة اليمامي. وقيل: الأقرع بن حابس التميمي. وقيل: عيينة بن حصن بن بدر الفزاري. (فبال في المسجد)
فتناوله الناس. فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: ((دعوه وهريقوا على بوله سجلاً من ماء - أو ذنوباً من ماء - فإنما بعثتم ميسرين، ولم تبعثوا معسرين)) .
ــ
أي: مسجد النبي. (فتناوله الناس) أي: بألسنتهم سبا وشتما. أو أرادوا أن يتناولوه بأيديهم فقد قاموا إليه كما في بعض الروايات. (دعوه) أمر بصيغة الجمع من ودع يدع أي: أتركوه فإنه معذور لأنه لم يعلم عدم جواز البول في المسجد لقربه بالإسلام. وقيل: لئلا يتعدد مكان النجاسة. وقيل لئلا يتضرر بانحباس البول. (وهريقوا) . بفتح الهاء أمر من هراق الماء يهرقه أي: صب، وأصله أراق يريق إراقة من باب الإفعال، أبدلت الهاء بالهمزة فصار هراق. وفيه لغة أخرى أهرق الماء يهرقه إهراقاً على وزن أفعل أفعالاً. قال سيبويه: قد أبدلوا من الهمزة الهاء ثم لزمت فصارت كأنها من نفس الكلمة، وحذفت الألف بعد الراء، وزيدت همزة أخرى وتركت الهاء عوضاً عن حذفهم العين لأن أصل أهرق أريق. وفيه لغة ثالثة أهراق يهريق إهرياقاً فهو مهريق والشيء مهراق ومهَراق أيضاً بالتحريك وهذا شاذ، ونظيره أسطاع يسطيع اسطياعاً بفتح الألف في الماضي وضم الياء في المضارع، وهو لغة في أطاع يطيع، فجعلوا السين عوضاً عن ذهاب حركة عين الفعل فكذلك حكم الهاء. (سجلاً) بفتح السين وسكون الجيم الدلو الملآى ماء لا فارغة. (أو ذنوباً من ماء) بفتح الذال الدلو الملآى لا فارغة، وأو للشك من الراوي، ومن في الموضعين زائدة تأكيداً، وقيل هو من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأو للتخيير، لما بين السجل والذنوب من الفرق، وهو أن السجل الدلو الواسعة، والذنوب الدلو العظيمة. وقال الطيبي: السجل الدلو فيه الماء قل أو كثر، وهو مذكور والذنوب يؤنث، وهو ما ملئ ماء، فقوله: من ماء في الموضعين زيادة وردت تاكيداً انتهى. لأن السجل والذنوب لا يستعملان إلا في الدلو التي فيها الماء. وقيل من للنبيين لاحتمال أن يكون من ماء وغيره، وهذا قول من يجوز التطهير بغير الماء. (فإنما بعثتم) إسناد البعث إليهم على طريق المجاز لأنه هو المبعوث صلى الله عليه وسلم بما ذكر، لكنهم لما كانوا في مقام التبليغ عنه في حضوره وغيبته أطلق عليهم ذلك أوهم مبعوثون من قبله بذلك أي: مأمورون. وكان ذلك شأنه صلى الله عليه وسلم في حق كل من بعثه إلى جهة من الجهات بقوله: يسروا ولا تعسروا (ميسرين) حال أي: مسهلين على الناس. (ولم تبعثوا معسرين) عطف على السابق على طريق الطرد والعكس مبالغة في اليسر قاله الطيبي، أي: فعليكم بالتيسير أيها الأمة. والحديث فيه دليل على نجاسة بول الآدمي وهو إجماع وعلى أن الأرض إذا تنجست طهرت بالمكاثرة والمغالبة من الماء وعلى أنه يكتفي بإضافة الماء ولا يشترط حفر الأرض ونقل التراب إذا صب عليها الماء، لأنه لم يرد في هذا الحديث الأمر بنقل التراب، ولكنه تكلم فيه لانقطاعه وإرساله كما في نصب الراية (ج1:ص212) للزيلعي، والفتح (ج1:ص162) للحافظ. وأيضا لو كان نقل التراب واجباً في التطهير لاكتفى به، فإن الأمر بصب الماء حينئذٍ يكون زيادة تكليف وتعب من غير منفعة تعود
رواه البخاري.
495-
(3) وعن أنس، قال: ((بينما نحن في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا جاء أعرابي، فقام يبول في المسجد. فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: مه مه. فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تزرموه، دعوه. فتركوه حتى بال، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه، فقال له: إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول والقذر. وإنما هي لذكرالله،
ــ
إلى المقصود وهو تطهير الأرض واستدل بالحديث على أن الأرض إذا أصابتها نجاسة فجفت بالشمس أو بالهواء لا تطهر، لأنه لو كفى ذلك لما حصل التكليف بطلب الماء. وفيه نظر لأن ذكر الماء في الحديث لوجوب المبادرة إلى تطهير المسجد، لأنه كان نهاراً وقد لا يجف قبل وقت الصلاة، فبادر إلى تطهيره بالماء، أو لأن الوقت كان إذ ذاك قد آن، أو أريد إذ ذاك أكمل الطهارتين المتيسر في ذلك الوقت، وفي تركه إلى الجفاف تأخير لهذا الواجب مع ما فيه من المفاسد التي أشرنا إليها، وإذا تردد الحال بين الأمرين لا يكون دليلاً على أحدهما بعينه. والدليل على كون الجفاف مطهراً للأرض ما رواه أبوداود عن ابن عمر: كانت الكلاب تبول، وتقبل، وتدبر في المسجد، فلم يكونوا يرشون من ذلك. وقد بوب عليه أبوداود بقوله: باب في طهور الأرض إذا يبست. فاستدل به على طهارة الأرض المتنجسة بالجفاف، فإن قوله: لم يكونوا يرشون، يدل على نفي صب الماء من باب الأولى، فلولا أن الجفاف يفيد تطهير الأرض ما تركوا ذلك. ولا مخالفة بين حديث ابن عمر هذا وبين حديث أبي هريرة، فإنه يقال: إن الأرض تطهر بوجهين أعني بصب الماء وبالجفاف، واختار صلى الله عليه وسلم في حديث الأعرابي أحد المطهرين وهو الماء مبادرة إلى التطهير. ويدل على كون الجفاف مطهراً قول أبي جعفر محمد بن علي الباقر: زكاة الأرض يبسها. أخرجه ابن أبي شيبة وعبد الرزاق. (رواه البخاري) في الطهارة وفي الأدب، وأخرجه أيضاً أحمد والترمذي وأبوداود والنسائي وابن ماجه.
495-
قوله: (مه مه) اسم فعل مبني على السكون، معناه اكفف، لأنه كلمة زجر أصله "ما هذا؟ ثم حذف تخفيفاً، وتقال: مكررة للتأكيد، ومفردة، وقد تنون مع الكسر، فيقال مَه مَه. (لا تزرموه) بضم التاء وسكون الزاى وكسر الراء من الازرام، وهو القطع أي: لا تقطعوا عليه بوله، فإنه يضره، ويحصل من تقويمه من محله مع ما قد حصل من تنجيس المسجد تنجيس بدنه وثيابه ومواضع من المسجد غير الذي وقع فيه البول أو لا. (دعاه) أي: طلب ذلك الأعرابي ليعلمه بما يجب للمساجد على أبلغ وجه وألطفه. (إن هذه المساجد) الإشارة للتعظيم، وإنما جمع لئلا يتوهم تخصيص الحكم بمسجده صلى الله عليه وسلم. (لشيء من هذا البول) الإشارة للتحقير. (والقذر) بفتح الذال، ما يتنفر منه الطبع كالنجاسات والأشياء المنتنة، فذكره بعد البول يكون تعميما بعد تخصيص، قاله ابن الملك. (وإنما هي لذكرالله) قال الشوكاني في النيل (ج1:ص43)
والصلاة، والقرآن)) . أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال:((وأمر رجلاً من القوم، فجاء بدلو من ماء، فسنه عليه)) . متفق عليه.
496-
(4) وعن أسماء بنت أبي بكر، قالت: ((سألت امرأة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يارسول الله! أرأيت إحدانا
ــ
مفهوم الحصر مشعر بعدم جواز ماعدا هذه المذكورة من الأقذار. والقذى والبصاق، ورفع الصوت، والخصومات، والبيع والشراء وسائر العقود وإنشاد الضالة، والكلام الذي ليس بذكر، وجميع الأمور التي لا طاعة فيها. وأما التي فيها طاعة كالجلوس في المسجد للاعتكاف والقراءة للعلم، وسماع الموعظة، وانتظار الصلاة، ونحو ذلك، فهذه الأمور وإن لم تدخل في المحصور فيه لكنه أجمع المسلمون على جوازها كما حكاه النووي، فيخصص مفهوم الحصر بالأمور التي فيها طاعة لائقة بالمسجد لهذا الإجماع، وتبقى الأمور التي لا طاعة فيها داخلة تحت المنع وحكي الحافظ في الفتح (ج1:ص162) الإجماع على أن مفهوم الحصر منه غير معمول به قال: ولا ريب أن فعل غير المذكورات وما في معناها خلاف الأولى. (أو كما قال) شك من الراوي، أي: قال هذا القول أو قولاً شبيهاً به. قال النووي: ينبغي للراوي وقارئ الحديث إذا اشتبه عليه لفظه فقرأها على الشك أن يقول عقيبه: أو كما قال، وكذا يستحب لمن روى بالمعنى أن يقول بعده: أو كما قال، أو نحو هذا، كما فعلته الصحابة فمن بعدهم. والله أعلم. وقد روى الدارمي في مسنده في "باب من هاب الفتيا مخافة السقط، آثاراً كثيرة في ذلك من شاء رجع إليه. (قال) أي: أنس. (وأمر رجلاً) من القوم بإتيان دلو من ماء. (فسنه) بالمهملة وفي بعض النسخ بالمعجمة أي صبه. قال الطيبي: سننت الماء على وجهي إذا أرسلته إرسالاً من غير تفريق فإذا فرقته في الصب قلت بالشين المعجمة كما في الصحاح – انتهى. وكذا في النهاية، والقاموس، وقال النووي: يروى بالشين المعجمة وبالمهملة وهو في أكثر الأصول والروايات بالمعجمة، ومعناه صبه. وفرق بعض العلماء بينهما فقال: هو بالمهملة الصب في سهولة، وبالمعجمة التفريق في صبه – انتهى. وفيه دليل على أن النجاسة على الأرض إذا استهلكت بمكاثرة الماء فالأرض والماء طاهران ولا يكون ذلك أمراً بتكثير النجاسة في المسجد. (متفق عليه) أي: على أصل الحديث، والسياق المذكور لمسلم لأنه ليس عند البخاري قوله: إن هذه المساجد، إلى قوله: وقراءة القرآن، لا بهذا اللفظ ولا بمعناه، نعم أخرج أصل الحديث في الطهارة، وفي الأدب مختصراً في معنى الحديث السابق، فكان الأولى للمصنف أن يعزو هذا الحديث إلى مسلم فقط. قال السيد جمال الدين قوله: "متفق عليه" فيه تأمل لأن صاحب التخريج نسب هذا الحديث إلى مسلم دون البخاري، وقال الألباني: قوله: متفق عليه، فيه نظر. فإن هذا الحديث من رواية أنس، ولم يخرجه البخاري. أنظر شرحه للحافظ ابن حجر – انتهى. والحديث أخرجه مسلم في الطهارة، وأخرجه أيضاً النسائي وابن ماجه في الطهارة.
496-
قوله: (سألت امرأة) في رواية للشافعي أن أسماء هي السائلة. (أرأيت إحدانا) بحذف مضاف أي: أخبرني
إذا أصاب ثوبها الدم من الحيضة، كيف تصنع؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((إذا أصاب ثوب إحداكن الدم من الحيضة فلتقرصه، ثم لتنضحه بماء، ثم لتصل فيه)) . متفق عليه.
497-
(5) وعن سليمان بن يسار، قال: ((سألت عائشة عن المنى
ــ
في حال إحدانا أو عن حال إحدانا. (إذا أصاب ثوبها) بالنصب على المفعولية. (الدم) بالرفع على الفاعلية. (من الحيضة) بفتح الحاء أي: الحيض. (كيف تصنع؟) متعلق بالإستخبار، أي: أخبرنا كيف تصنع إحدانا بهذا الثوب، هل تترك لبسه، أو تقطع موضع الدم منه، أو تغسله فكيف تغسله؟. (فلتقرصه) بضم الراء وسكون الصاد المهملة من القرص، وهو الدلك بأطراف الأصابع والأظفار، أي: لتدلك موضع الدم بأطراف الأصابع بالماء ليتحلل بذلك، ويخرج ما تشربه الثوب منه. (ثم لتنضحه) أي: لتغسله، وهو بفتح الضاد المعجمة وتكسر. (ثم لتصل فيه) أي: في ذلك الثوب فإنه لا بأس بعد هذا. والحديث دليل على نجاسة دم الحيض، وعلى وجوب غسله، والمبالغة في إزالته بما ذكر من الحت في بعض الروايات، والقرص والنضح لإذهاب أثره. وظاهره أنه لا يجب غير ذلك، وإن بقي أثره ولونه، فلا يجب استعمال الحاد لإذهاب الأثر لعدم ذكره في الحديث وهو محل البيان، ولأنه قد ورد في غير حديث أسماء: ولا يضرك أثره. واستدل الخطابي بحديث أسماء هذا على أن الماء يتعين لإزالة النجاسات دون غيره من المائعات الطاهرة، لأن جميع النجاسات بمثابة الدم لا فرق بينه وبينها وتعقب هذا الاستدلال بأن هذا خرج مخرج الغالب لا مخرج الشرط، والمعنى في ذلك أن الماء أكثر وجوداً من غيره، أو يقال تخصيص الشيء بالذكر لا يدل على نفي الحكم عما عداه، أو يقال: ذكر الماء لأنه المعتاد في إزالة النجاسات لا لاشتراط خصوصيته وأجيب بأن الخبر نص على الماء، فإلحاق غيره من المائعات به بالقياس. ومن شرطه أن لا ينقص الفرع عن الأصل في العلة، وليس في غير الماء ما في الماء من رقته وسرعة نفوذه، فلا يلحق به. وللشوكاني ههنا كلام حسن في النيل (ج1:ص39) . فارجع إليه وفي الحديث دليل على أن دم الحيض لا يعفى يسيره وإن قل لعمومه، حيث لم يفرق بين قليلة وكثيرة، ولا سألها عن مقداره، ولم يحد فيه مقدار الدرهم، ولا دونه، وبه قال الشافعي في الجديد، خلافاً للأئمة الثلاثة، فإنهم ذهبوا إلى الفرق بين القليل من الدم والكثير، فاليسير منه معفو عندهم، وإنما الاختلاف بينهم في مقدار اليسير وتحديده، والحديث محمول عندهم على الدم الكثير. وارجع للتفصيل إلى المغني (ج1:ص728-731) والشرح الكبير (ج1:ص304-305) . (متفق عليه) أخرجه البخاري في الطهارة والصلاة والبيوع، ومسلم في الطهارة، وأخرجه أيضاً مالك وأحمد والترمذي وأبوداود والنسائي وابن ماجه.
497-
قوله: (وعن سليمان بن يسار) بتحتية مفتوحة وسين مهملة خفيفة، الهلالي المدني مولى ميمونة زوج
يصيب الثوب. فقالت: كنت أغسله من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيخرج إلى الصلاة وأثر الغسل في ثوبه)) . متفق عليه.
498-
(6) وعن الأسود وهمام، عن عائشة قالت:((كنت أفرك المنى من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم)) .
ــ
النبي صلى الله عليه وسلم، ويقال: كان مكاتباً لأم سلمة أم المؤمنين، ثقة، فاضل، من كبار تابعي المدينة، وأحد الفقهاء السبعة. قال ابن سعد: كان ثقةً، عالماً رفيعاً، فقيهاً، كثير الحديث. مات سنة (107) وهو ابن (73) سنة. وقيل: في وفاته غير ذلك. (يصيب الثوب) يحتمل الوصف والحال. (كنت أغسله) أي: المنى. (من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم) قد استدل به لمالك وأبي حنيفة على نجاسة المنى. لأن الغسل لا يكون إلا من نجس. وأجيب بأن غسلها فعل وهو لا يدل على الوجوب بمجرده، فهو محمول على التنزه والاستحباب لأجل النظافة، وإزالة الدرن ونحوه. قال الشوكاني في النيل (ج1:ص54) لم يثبت الأمر بغسله من قوله صلى الله عليه وسلم في شيء من أحاديث الباب، وإنما كانت تفعله عائشة، ولا حجة في فعلها إلا إذا ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علم بفعلها وأقرها، على أن علمه بفعله وتقريره لها لا يدل على المطلوب، لأن غاية ما هناك أنه يجوز غسل المنى من الثوب وهذا مما لا خلاف فيه، بل يجوز غسل ما كان متفقاً على طهارته كالتراب والطيب، فكيف بما كان مستقذار انتهى. وقال ابن الجوزي: ليس في هذا الحديث حجة، لأن غسله كان للاستقذار لا للنجاسة، كذا في نصب الراية (ج1:ص210) . واحتج أيضاً على نجاسة المني بالقياس على غيره من فضلات البدن المستقذرة من البول والغائط لانصباب جميعها إلى مقر، وانحلالها عن الغذاء، ولأن الأحداث الموجبة للطهارة نجسة والمني منها، ولأنه يجري من مجرى البول فينجس، ولا يخفى ما فيه، وللقائلين بالنجاسة دلائل أخرى ذكرها النيموى في آثار السنن، وقد أوضح ما فيها من الخدشات شيخنا في أبكار المنن (ص33-36) . فعليك أن تراجعه. (متفق عليه) وأخرجه أيضاً الترمذي وأبوداود والنسائي وابن ماجه.
498-
قوله: (وعن الأسود) وهو الأسود بن يزيد بن قيس النخعي أبوعمر أو أبوعبد الرحمن، مخضرم ثقة مكثر، فقيه من كبار التابعين. وقال الطيبي: أدرك زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره، ورأى الخلفاء الراشدين. وهو خال إبراهيم النخعي. مات سنة (74) . وقيل سنة (75) وقال المصنف: هو الأسود بن هلال المحاربي (مخضرم ثقة) وفيه نظر لأنه لم يذكره أحد أنه روى عن عائشة. (وهمام) بالتشديد، هو همام بن الحارث بن قيس بن عمرو النخعي الكوفي، ثقة عابد من كبار التابعين مات سنة (65) . (كنت أفرك) بضم الراء من باب نصر، وقد تكسر، والفرك الدلك حتى يذهب الأثر عن الثوب. (المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم) وفي لفظ لمسلم عن عائشة: لقد كنت أحكه يابساً بظفرى من ثوبه. قال الحافظ: وقد ورد الأمر بفركه من طريق صحيحه. رواها ابن الجارود في المنتقي عن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا
رواه مسلم. وبرواية علقمة والأسود، عن عائشة نحوه، وفيه: ثم يصلي فيه.
ــ
بحته. قال وأما الأمر بغسله فلا أصل له. والحديث قد استدل به للشافعي وأحمد وداود واسحق على طهارة المني لأنه لو كان نجساً لم يكف فركه كالدم. وللزم بطلان الصلاة فيما إذا صلى في الثوب الذي فرك منه المني لأن الفرك لا يقلع المني بل يخففه ويقلله فقط. ولما اكتفى فيه بالفرك مع أن الفرك لا يقطعه ولا يزيله بالكلية، وإنما يقلله، علم أنه طاهر. واستدل لهم أيضاً بحديث عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلت المني من ثوبه بعرق الإذخر ثم يصلي فيه، ويحته يابساً ثم يصلي فيه، أخرجه أحمد. قال الحافظ بإسناد حسن. وبحديث عائشة: أنها كانت تسلت المني من ثوبه بعرق الإذخر ثم يصلي فيه، وتحكه من ثوبه يابساً ثم يصلي فيه. أخرجه ابن خزيمة. ذكره الحافظ في الفتح وسكت عنه. وأجيب عن هذه الأحاديث بأن ذلك لا يدل على الطهارة وإنما يدل على كيفية التطهير، فغاية الأمر أنه نجس خفف في تطهيره بما هو أخف من الماء، والماء لا يتعين لإزالة جميع النجاسات وإلا لزم عدم طهارة العذرة التي في النعل، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بمسحها في التراب، ورتب على ذلك الصلاة فيها قاله الشوكاني في النيل (ج1:ص54) . واحتج لهم أيضاً بأن الأصل الطهارة فلا ينتقل عنها إلا بدليل. قال الشوكاني: وأجيب بأن التعبد بالازالة غسلاً، أو مسحاً، أو فركاً أو حتاً أو سلتاً أو حكاً ثابت ولا معنى لكون الشيء نجساً إلا أنه مأمور بإزالته بما أحال عليه الشارع، فالصواب أن المني نجس يجوز تطهيره بأحد الأمور الواردة - انتهى. قلت: الظاهر أن المني نجس يطهره الغسل، أو الفرك، أو الحت، أو الحك، أو السلت، والإزالة بالإذخر عملاً بالأحاديث. وأما الفرق بين الرطب واليابس بوجوب الغسل في الأول والاكتفاء بالفرك في الثاني فليس بصحيح عندي لما تقدم من حديث عائشة عند أحمد وابن خزيمة، فإنه يتضمن ترك الغسل في الحالتين. (رواه مسلم) وأخرجه أيضاً أحمد والترمذي وأبوداود والنسائي وابن ماجه وابن الجارود، ولم يخرجه البخاري بل اكتفى بالإشارة إليه في ترجمته، فقال"باب غسل المني وفركه" وهذا على عادته بالإشارة إلى الأحاديث التي لا تكون على شرطه في تراجم أبوابه. (وبرواية علقمة) النخعي. (والأسود عن عائشة نحوه) أي: نحو رواية الأسود، وهمام عن عائشة ومعناها، وهو مرفوع على أنه مبتدأ خبره الجار المتقدم، و"عن عائشة" متعلق برواية. (وفيه) أي: وفي مرويهما زيادة قولهما. (ثم يصلي فيه) أي: في ذلك الثوب الذي أفرك منه المني. وفي رواية أخرى لمسلم: فيصلي فيه، ذكر المصنف هذه الزيادة رداً على من قال من أصحاب مالك: إن الثوب الذي اكتفت عائشة فيه بالفرك ثوب النوم، والثوب الذي غسلته هو ثوب الصلاة، والرواية التي ذكرناها صريحة في الرد عليهم فإن التعقيب بالفاء ينفي احتمال تخلل الغسل بين الفرك والصلاة، وإنما احتاج أصحاب مالك إلى تأويله لأن مالكاً وأصحابه لم يقولوا بالفرك وأوجبوا الغسل رطباً ويابساً، وحمل بعضهم الفرك على الدلك بالماء، وهذا أيضاً مردود عليهم بما ورد في الباب من الروايات الصريحة في الاكتفاء بالفرك من غير ماء. هذا وفي المقام مجادلات ومقاولات ومناظرات محلها المطولات من كتب شروح الحديث، وكتب الفروع للمذاهب الأربعة.
499-
(7) وعن أم قيس بنت محصن: ((أنها أتت بابن لها صغير لم يأكل الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، في حجره، فبال على ثوبه، فدعاء بماء، فنضحه، ولم يغسله)) .
ــ
499-
قوله: (وعن أم قيس بنت محصن) بكسر الميم وسكون الحاء المهملة وفتح الصاد بعدها نون، الأسدية أخت عكاشة بن محصن الأسدي، أسلمت بمكة قديماً وبايعت النبي صلى الله عليه وسلم وهاجرت إلى المدينة يقال: إن اسمها آمنة. لها أربعة وعشرون حديثاً، اتفقا على حديثين عن أبي الحسن مولى أم قيس عن أم قيس، قالت: توفى ابني فجزعت فقلت للذي يغسله: لا تغسله بالماء البارد فتقتله. فانطلق عكاشة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بقولها، فتبسم ثم قال: طال عمرها فلا نعلم امرأة عمرت ما عمرت. (أنها أتت بابن لها) لم يسم ومات في عهد النبي صلى الله عليه وسلم. (صغير) بالجر صفة لابن. (لم يأكل الطعام) صفة ثانية لابن، والمراد بالطعام ما عدا اللبن الذي يرتضعه، والتمر الذي يحنك به، والعسل الذي يلعقه للمداواة وغيرها، فكان المراد أنه لم يحصل له الاغتذاء بغير اللبن على الاستقلال. (في حجره) بفتح الحاء على الأشهر وتكسر وتضم، أي: حضنه. (فبال على ثوبه) أي: ثوب النبي صلى الله عليه وسلم، وحمله على ثوب الصبي كما قال بعض المالكية بعيد خلاف الظاهر. (فنضحه) أي: رش الماء على موضع البول من الثوب، ففي رواية الترمذي وابن ماجه وابن حبان "فرشه عليه"وكذا وقع في لفظ لمسلم، والروايات يفسر بعضها بعضاً، ويؤيده ما في الصحاح، والقاموس، والمصباح، والكشاف، والنهاية أن النضح الرش، وقد يذكر النضح، والرش، ويراد بهما الغسل، لكن إذا لم يكن هناك مانع يمنع من إرادة الرش بل يكون دليل يدل على إرادة الغسل كما لايخفى على من له وقوف على موارد استعمالهذين اللفظين، وليس فيما نحن فيه قرينة تدل على أن المراد بالنضح والرش الغسل، بل ههنا دليل صريح يدل على عدم إرادة الغسل، وهو قوله:(ولم يغسله) وفي رواية لمسلم: ولم يزد على أن نضح بالماء، فقوله: لم يغسله، دليل واضح على أنه لم يرد بالنضح الغسل، ورد صريح على من تأول من الحنفية والمالكية القائلين بعدم التفرقة بين بول الصبي الرضيع وبول الجارية النضح بالغسل، فإنه لو كان المراد بالنضح الغسل لكان المعنى فغسله ولم يغسله وهو كما ترى وأما قولهم: بأن المراد بقولها: ولم يغسله، أي: غسلاً مبالغاً فيه فمردود عليهم، فإنه خلاف الظاهر، ولا دليل عليه. قال السندي بعد ذكر تأويلهم هذا: هو تأويل بعيد، ومع بعده مخالف للمذهب أيضاً إذ ما تعرضوا في كتب الفقه للخفة والمبالغة - انتهى. وقال ابن دقيق العيد: هو خلف الظاهر، وببعده ما ورد في الأحاديث الأخر من التفرقة بين بول الصبي والصبية فإنهم لا يفرقون بينهما- انتهى. قلت: أراد بالأحاديث الأخر حديث لبابة، وحديث أبي السمح الآتيين في الفصل الثاني وحديث علي عند أحمد والترمذي وأبي داود، وغيرهم بلفظ: يغسل بول الجارية، وينضح بول الغلام. قال قتادة راوية: هذا ما لم يطعما الطعام، فإذا طعما غسلاً جميعاً. فهذه الأحاديث لا شك أنها تبعد تأويلهم بل تبطله، فإن حمل النضح والرش على الغسل يحيل معنى هذه الأحاديث إلى أنه يغسل بول الجارية، ويغسل بول الغلام وما أظن أن أحداً له مساس بالعلم أو معرفة باللغة يرضي أن يحمل كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا المعنى. وأما ما وقع في
متفق عليه.
500-
(8) وعن عبد الله بن عباس، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إذا دبغ الإهاب فقد طهر)) . رواه مسلم.
501-
(9) وعنه، قال: تصدق على مولاة لميمونة بشاة، فماتت، فمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:((هلا أخذتم إهابها فدبغتموه، فانتفعتم به! فقالوا إنها ميتة، فقال: إنما حرم أكلها)) .
ــ
في حديث عائشة عند مسلم: فدعاء بماء فصبه عليه، وعند البخاري"فأتبعه إياه" فالمراد بالصب وإتباع الماء، هو الرش والنضح لا الغسل، يدل عليه ما في رواية لمسلم والطحاوي: فأتبعه الماء ولم يغسله. وفي أخرى للطحاوي: فنضحه عليه. ويأتي بقية الكلام في شرح حديث لبابة. (متفق عليه) أخرجاه في الطهارة، وفي الطب، وأخرجه أيضاً مالك وأحمد واو داود الطيالسي، وابن سعد في الطبقات، والترمذي وأبوداود والنسائي وابن ماجه.
500-
قوله: (إذا دبغ) بصيغة المجهول من ضرب ونصر وفتح، الدبغ والدباغ والدباغة عبارة عن إزالة الرائحة الكريهة والرطوبات النجسة باستعمال الأدوية أو بغيرها. قال إبراهيم النخعي: كل شيء يمنع الجلد من الفساد فهو دباغ. (الإهاب) بكسر الهمزة هو الجلد، أو ما لم يدبغ كما في القاموس، ومثله في النهاية، وفي الصحاح: الإهاب الجلد ما لم يدبغ. وبه فسر النضر بن شميل، كما روى أبوداود عنه في سننه. (فقد طهر) بضم الهاء وفتحها لغتان، والفتح أفصح، أي: ظاهره وباطنه فيجوز استعماله في الأشياء اليابسة والمائعة. وفي رواية أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه: أيما إهاب دبغ فقد طهر، وفيه دليل على أن الدباغ يطهر جلد ميتة كل حيوان من غير فرق بين مأكول اللحم وغيره، لعموم كلمة"أيما" ولأن لفظ الإهاب بعمومه يشمل جلد مأكول اللحم وغيره. واستثنى منه الخنزير لنجاسة عينة، لقوله تعالى:{فإنه رجس} والضمير للخنزير فقط، حكم برجسية كله، والكلب مقيس عليه بجامع النجاسة. (رواه مسلم) وأخرجه أيضاً الشافعي وأحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه وغيرهم.
501-
قوله: (تصدق) بصيغة المجهول. (على مولاة) أي: عتيقة. (لميمونة) أم المؤمنين. (بشاة) متعلق بتصدق. (فماتت) أي: الشاة. (فمر بها) أي: بالشاة. (هلا) تحضيضية أي: لم لا (فدبغتموه فانتفعتم به) فيه دليل على أن جلود الميتة لا يجوز الانتفاع بها أي: انتفاع كان إلا بعد الدباغ، وأما قبل الدباغ فلا يجوز الانتفاع كالبيع وغيره، وهو القول الراجح المعول عليه. ولم يقع في رواية البخاري والنسائي ذكر الدباغ، وهي محمولة على الرواية المقيدة بالدباغ. (إنما حرم) قال النووي: رويناه على وجهين: حرم بفتح الحاء وضم الراء وحرم بضم الحاء وكسر الراء المشددة. (أكلها) أي: أكل الميتة. وأما جلدها فيجوز دباغته ويطهر بها حتى يجوز استعماله في الأشياء الرطبة والوضوء منه، والصلاة معه وعليه.