المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وحديث ابن عباس سنذكره في كتاب الأطعمة، إن شاء الله - مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - جـ ٢

[عبيد الله الرحماني المباركفوري]

فهرس الكتاب

-

- ‌(3) كتاب الطهارة

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(1) باب ما يوجب الوضوء

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(2) باب آداب الخلاء

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(3) باب السواك

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(4) باب سنن الوضوء

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(5) باب الغسل

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(6) باب مخالطة الجنب وما يباح له

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(7) باب أحكام المياه

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(8) باب تطهير النجاسات

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(9) باب المسح على الخفين

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(10) باب التيمم

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(11) باب الغسل المسنون

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(12) باب الحيض

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(13) (باب المستحاضة)

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

-

- ‌(4) كتاب الصلاة

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(1) باب المواقيت

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(2) باب تعجيل الصلاة

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(3) باب فضائل الصلاة

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(4) باب الأذان

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(5) باب فضل الأذان وإجابة المؤذن

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(6) باب

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(7) باب المساجد ومواضع الصلاة

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(8) باب الستر

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(9) باب السترة

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

الفصل: وحديث ابن عباس سنذكره في كتاب الأطعمة، إن شاء الله

وحديث ابن عباس سنذكره في كتاب الأطعمة، إن شاء الله تعالى.

{الفصل الثاني}

461-

(7) عن ابن عباس، قال:((اغتسل بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في جفنة، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتوضأ منه، فقالت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم! إني كنت جنباً، فقال: إن الماء لا يجنب)) رواه الترمذي وأبوداود وابن ماجه وروى الدارمي نحوه.

ــ

وأبوداود وابن ماجه. وذكر البخاري تعليقاً في الطهارة وفي الأذان. (وحديث ابن عباس) أي: المذكور في المصابيح هنا الذى رواه مسلم وهو "خرج النبي صلى الله عليه وسلم من الخلاء فأتى بطعام فذكروا له الوضوء" الحديث (سنذكر في كتاب الأطعمة) فإنه أنسب بذلك الكتاب.

461-

قوله: (اغتسل بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم) هي ميمونة خالة ابن عباس، كما صرح به في رواية الدارقطني. (في جفنة) أي: مدخلة يدها في جفنة تغترف منها وهي بفتح الجيم وسكون الفاء صحنة كبيرة. (أن يتوضأ منه) أي: من الماء الذي في الجفنة (إني كنت جنباً) أي: واغتسلت بهذا الماء وهو فضلة يدي. (إن الماء لا يجنب) يجوز فيه ضم الياء مع كسر النون وفتح الياء مع ضم النون، يقال: أجنب وجنب على وزن قرب أي: إن الماء لا يتجنس باغتسال الجنب من الإناء الذي فيه الماء، ولا يظهر فيه أثر جنابته بحيث لا يحل استعماله. قال التوربشتي: الماء إذا غمس فيه الجنب يده لم ينجس، فريما سبق إلى فهم بعضهم أن العضو الذي عليه الجنابة في سائر الأحكام كالعضو الذي عليه النجاسة، فيحكم بنجاسة الماء من غمس العضو الجنب كما يحكم بنجاسة من غمس النجس فيه فبين لهم أن الأمر بخلاف ذلك - انتهى. والحديث يدل على جواز تطهر الرجل بفضل طهور المرأة وإن خلت به. وإليه ذهب الجمهور وهو الصواب. وأما حديث الحكم بن عمرو الغفاري، وحديث حميد الحميري في الفصل الثالث، فالنهى فيهما محمول على التنزيه جمعاً بين الأدلة. وقيل: إن قول ميمونة في هذا الحديث: إني كنت جنباً، عند إرادته صلى الله عليه وسلم التوضأ بفضها يدل على أن النهى كان مقدماً فحديث الجواز ناسخ لحديث النهي. وقيل: إن أحاديث الجواز أكثر وأقوى وأصح من أحاديث النهي. (رواه الترمذي) وقال حسن صحيح (وأبوداود) وسكت عنه، ونقل المنذري تصحيح الترمذي وأقره. (وابن ماجه وروى الدارمي نحوه) وأخرجه أيضاً أحمد والنسائي والدارقطني وصححه ابن خزيمة وأخرجه الحاكم (ج1:ص159) من طريق الثوري وشعبة عن سماك بن حرب، وقال: هذا حديث صحيح في الطهارة ولم يخرجاه، ولا يحفظ له علة، ووافقة الذهبي. وقال الحافظ في الفتح: وقد أعله قوم بسماك بن حرب؛ لأنه كان يقبل التلقين، لكن قد رواه عنه شعبة وهو لا يحمل عن مشائخه إلا صحيح حديثهم- انتهى. وأخرج أحمد ومسلم والدارقطني عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم -

ص: 151

462-

(8) وفي شرح السنة عنه، عن ميمونة، بلفظ المصابيح.

463-

(9) وعن عائشة، قالت:((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل من الجنابة، ثم يستدفئ بي قبل أن أغتسل)) .

ــ

كان يغتسل بفضل ميمونة وأخرج أحمد وابن ماجه والدارقطني عن ابن عباس عن ميمونة أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ بفضل غسلها من الجنابة.

462-

قوله: (وفي شرح السنة عنه) أي: عن ابن عباس (عن ميمونة) يعني أن البغوي رواه في شرح السنة عن ابن عباس عن ميمونة فجعله من مسندها، لا من مسند ابن عباس وهو رواية لأحمد والدارقطني. قال الألباني لكنها وهم من بعض رواته، والصواب أنه من مسند ابن عباس كما رواه الجماعة وبينته في صحيح أبي داود –انتهى. وميمونة هذه هي ميمونة بنت الحارث العامرية الهلالية أم المؤمنين، قيل: اسمها برة فسماها النبي صلى الله عليه وسلم ميمونة، وتزوجها في ذي القعدة سنة سبع في عمرة القضية بسرف على عشرة أميال من مكة، وقدر الله تعالى أنها ماتت في المكان الذي تزوجها فيه بسرف سنة (51) وصلى عليها ابن عباس. وهي أخت أم الفضل امرأة العباس، وأخت أسماء بنت عميس، وهي آخر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم. قيل إنه لم يتزوج بعدها. لها ستة وأربعون حديثاً، اتفقا على سبعة، وانفرد البخاري بحديث، ومسلم بخمسة. روى عنها جماعة، منهم عبد الله بن عباس (بلفظ المصابيح) قال القاري: وسنده صحيح أيضاً، ولفظه: قالت ميمونة: أجنبت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم فاغتسلت من جفنة، وفضلت فيها فضلة، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ليغتسل منها، فقلت: إني قد اغتسلت منها، فاغتسل وقال: إن الماء ليس عليه جنابة. وفي رواية إن الماء لا يجنب - انتهى. وأخرج الدارقطني نحوه (ص19) .

463-

قوله: (يستدفئ) بهمزة في آخره، أي: يطلب الدفاءة وهي الحرارة بأن يضع أعضاء الشريفة على أعضائي، يعني يطلب مني حرارة بدني ليدفع به البرودة الحاصلة بالاغتسال، ومنه قوله تعالى:{ولكم فيها دفء} [5:61] أي: تتخذون من أصوافها وأوبارها ما تستدفأون به. قال الطيبي: فيه أن بشرة الجنب طاهرة؛ لأن الاستدفاء إنما يحصل من مس البشرة البشرة. قيل: وفيه بحث لأن الاستدفاء يمكن مع الثوب أيضاً. والحديث قد استدل به على طهارة عرق المرأة الجنب ولعابها وسؤرها كالرجل الجنب، وكذا الحائض والنفساء، وعلى طهارة الماء المستعمل، فإن الماء المستعمل هو الذي انفصل عن عضو المتطهر بعد التطهر، ولا شك أنه ينفصل البلل من جسده صلى الله عليه وسلم عند الاستدفاء ويبتل به شئ من أعضاء عائشة وثيابها، ثم ينتقل إليه صلى الله عليه وسلم شئ من ذلك البلل المنفصل أولاً، ولم يثبت ولو برواية ضعيفة أنه صلى الله عليه وسلم كان يغسل أعضاءه التي كان يضعها على أعضاء عائشة عند الاستدفاء بها، فعلم به أن الماء المستعمل طاهر. (قبل أن أغتسل) قال الترمذي: وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين؛ أن الرجل إذا اغتسل فلا بأس بأن يستدفئ بامرأته

ص: 152

رواه ابن ماجه، وروى الترمذي نحوه. وفي شرح السنة بلفظ المصابيح.

464-

(10) وعن علي، قال:((كان النبي صلى الله عليه وسلم، يخرج من الخلاء فيقرئنا القرآن، ويأكل معنا اللحم، ولم يكن يحجبه – أو يحجزه – عن القرآن شئ ليس الجنابة)) .

ــ

وينام معها قبل أن تغتسل المرأة. وبه يقول سفيان الثوري والشافعي وأحمد واسحق. قلت: هو قول جميع أهل العلم من السلف والخلف، لم يختلف فيه أحد. (رواه ابن ماجه) أي: بهذا اللفظ. قال القاري: وسنده حسن. (وروى الترمذي نحوه) ولفظه: قالت: ربما اغتسل النبي صلى الله عليه وسلم من الجنابة ثم جاء فاستدفأ بي فضممته إليّ ولم أغتسل. قال الترمذي: هذا حديث ليس بإسناده بأس، وقال ابن العربي في شرح الترمذي. (ج1:ص191) حديث لم يصح ولم يستقم، فلا يثبت به شيء - انتهى. قلت: مدار الحديث على حريث بن عمرو الفزاري، وقد ضعفه أكثر العلماء. وقال البخاري: فيه نظر، وقال مرة أخرى: ليس بالقوى عندهم. وقال الحافظ في التقريب: ضعيف. (بلفظ المصابيح) ولفظه: قالت عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجنب فيغتسل ثم يستدفئ بي قبل أن أغتسل.

464-

قوله: (فيقرئنا القرآن) من الإقراء أي: يعلمنا القرآن قبل أن يتوضأ، يدل عليه الفاء في قوله: فيقرئنا، وكذا يأكل قبل الوضوء، قال الطيبي: لعل انضمام الأكل مع قراءة القرآن للإشعار بجواز الجمع بينهما من غير وضوء أو مضمضة كما في الصلاة. (ولم يكن يحجبه) أي: يمنعه. (أو يحجزه) أو للشك من الراوي، وفي رواية النسائي: ولم يكن يحجبه، على الجزم من غير شك. (شيء) بالرفع على أنه فاعل يحجب، أي: شئ من أنواع الحدث، ولم يرد "لم يكن يمنعه مباشرة شيء" ضرورة أن مباشرة الجماع والبول والغائط مما يمنع قراءة القرآن. (ليس الجنابة) قال السندهي: بالنصب على أن ليس من أدوات الاستثناء، والمراد بعموم شيء ما يجوز فيه القراءة من الأحوال، وإلا فحالة البول والغائط مثل الجنابة، لكن خروجها عقلاً أغنى عن الاستثناء - انتهى. وقال التوربشتي "ليس" بمعنى إلا تقول: جاءني القوم ليس زيداً، الضمير فيها اسمها وينصب خبرها، كأنك قلت: ليس الجائى زيداً. والحديث قد استدل به الجمهور على منع قرآءة القرآن للجنب، وكذا الحائض لأن حدثها أغلظ من حدث الجنابة، لكن قيل في الاستدلال به نظر لأنه فعل مجرد، غايته أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك القراءة حالة الجنابة، ومثله لا يصلح متمسكا للكراهة فكيف يستدل به على المنع والتحريم. إلا أنه أخرج أبويعلى من حديث علي قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ، ثم قرأ شيئاً من القرآن، ثم قال: هكذا لمن ليس بجنب، فأما الجنب فلا ولا آية. قال الهيثمي في مجمع الزوائد (ج1:ص276) : رجاله موثقون. قلت: وأخرجه أحمد أيضاً بسند رجاله ثقات كما سيأتي. وهو يدل على التحريم؛ لأنه نهي وأصله ذلك ويعاضد ما سلف. فإن قيل: حديث عائشة المتقدم بلفظ "كان يذكرالله على كل أحيانه" يخالف حديث علي هذا، فإنه بعمومه يدل على جواز قراءة القرآن للجنب. لأن قولها "على كل أحيانه" يشمل حالة الجنابة أيضاً، والذكر أعم من أن يكون بالقرآن أو بغيره، وإنما فرق بين الذكر والتلاوة

ص: 153

رواه أبوداود، والنسائي. وروى ابن ماجه نحوه.

465-

(11) وعن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تقرأ

ــ

بالعرف. يقال: إن حديث عائشة يخصص بحديث على هذا فيراد بذكر الله غير تلاوة القرآن. قال العيني: حديث عائشة لا يعارض حديث علي؛ لأنها أرادت الذكر الذي غير القرآن، انتهى. وقال الأمير اليماني: حديث عائشة قد خصصه حديث علي وأحاديث أخرى. (رواه أبوداود) أي: بهذا اللفظ وسكت عنه. (والنسائي وروى ابن ماجه نحوه) وأخرجه الترمذي مختصراً بلفظ يقرئنا القرآن على كل حال ما لم يكن جنباً، وقال: حديث حسن صحيح، وأخرجه أيضاً أحمد وابن خزيمة وابن حبان والبزار والدارقطني والبيهقي وابن الجارود وصححه أيضاً ابن حبان وابن السكن وعبد الحق والبغوي في شرح السنة والحاكم ووافقه الذهبي. وقال الحافظ في الفتح: وضعف بعضهم بعض رواته، والحق أنه من قبيل الحسن يصلح للحجة. وقال ابن الجارود بعد أن رواه من طريق يحيى بن سعيد عن شعبة عن عمرو بن مرة. قال يحيى: وكان شعبة يقول في هذا الحديث: نعرف وننكر، يعني أن عبد الله بن سلمة المرادي كان كبر حيث أدركه عمرو، وقال المنذري: ذكر أبوبكر البزار أنه لا يروى عن علي إلا من حديث عمرو بن مرة، عن عبد الله بن سلمة. وحكى البخاري عن عمرو بن مرة كان عبد الله يعني ابن سلمة يحدثنا فنعرف وننكر، وكان قد كبر، لا يتابع في حديثه، وذكر الشافعي هذا الحديث وقال: لم يكن أهل الحديث يثبتونه، قال البيهقي: وإنما توقف الشافعي في ثبوت هذا الحديث؛ لأن مداره على عبد الله بن سلمة الكوفي، وقد كان كبر، وأنكر من حديثه وعقله بعض النكرة، وإنما روى هذا الحديث بعد ما كبر، قاله شعبة. وذكر الخطابي أن أحمد كان يوهن حديث على هذا ويضعف أمر عبد الله بن سلمة، قلت: عبد الله بن سلمة هذا صدوق وقد توبع في معنى حديثه هذا عن علي بحديث قولي فارتفعت شبهة الخطأ عن روايته، إذا كان سيء الحفظ في كبره كما قالو. فقد روى أحمد في المسند (ج1:ص110) حدثنا عائذ بن حبيب، حدثني عامر بن السمط، عن أبي الغريف، قال: أتى على بوضوء فمضمض واستنشق ثلاثاً، وغسل وجهه ثلاثاً وغسل يديه وذراعيه ثلاثاً ثلاثاً، ثم مسح برأسه، ثم غسل رجليه، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ، ثم قرأ شيئاً من القرآن ثم قال: هذا لمن ليس بجنب، فأما الجنب فلا ولا آية. وهذا إسناد حسن جيد، عائذ بن حبيب أبوأحمد العبسي شيخ الإمام أحمد صدوق، ذكره ابن حبان في الثقات. وقال الأثرم: سمعت أحمد ذكره فأحسن الثناء عليه، وقال: كان شيخاً جليلاً عاقلاً. ورماه ابن معين بالزندقة. ورد عليه أبوزرعة بأنه صدوق في الحديث، وعامر بن السمط ثقة وثقه يحيى بن سعيد، والنسائي وغيرهما. وأبوالغريف اسمه عبيد الله بن خليفة الهمداني المرادي. قال الحافظ: صدوق. وذكره ابن حبان في الثقات وكان على شرطة علي. وأقل أحواله أن يكون حسن الحديث، تقبل متابعته لغيره.

465-

قوله: (لا تقرأ) بالرفع على أنه نفى بمعنى النهي، وقيل: بالجزم على صيغة النهي فيقرأ بكسر الهمزة وصلاً

ص: 154

الحائض ولا الجنب شيئاً من القرآن)) رواه الترمذي.

466-

(12) وعن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((وجهوا هذه البيوت عن المسجد، فإني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب)) .

ــ

لالتقاء الساكنين. (الحائض) وكذا النفساء. (ولا الجنب) زيادة لا للتأكيد. (شيئاً من القرآن) أي: لا القليل ولا الكثير. وفيه دليل على تحريم القراءة على الجنب والحائض. والحديث وإن كان ضعيفاً لكن له متابعات، منها ما تقدم، ومنها ما سيأتي، فينجبر بها ضعفه، ويكون مع هذه المتابعات حجة للجمهور على من ذهب إلى جواز القراءة للجنب والحائض، كابن المنذري والطبري وداود والبخاري أو للحائض فقط كمالك في رواية عنه. (رواه الترمذي) وأخرجه أيضاً ابن ماجه والدارقطني والبيهقي كلهم من طريق إسماعيل بن عياش، عن موسى بن عقبة، عن نافع عن ابن عمر، ورواية إسماعيل ابن عياش عن الحجازيين ضعيفة، وهذا منها. قال الخزرجي في الخلاصة: إسماعيل بن عياش وثقة أحمد، وابن معين، ودحيم والبخاري وابن عدي في أهل الشام، وضعفوه في الحجازيين، ورواه الدارقطني أيضاً من طريق عبد الملك بن مسلمة حدثني المغيرة بن عبد الرحمن، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر مرفوعاً. قال الحافظ في التلخيص (ص51) : صححه ابن سيد الناس، وأخطأ في ذلك فإن عبد الملك بن مسلمة ضعيف فلو سلم عنه لصح إسناده. وقال في الفتح: حديث ابن عمر مرفوعاً ضعيف من جميع طرقه. وقال ابن أبي حاتم: حديث إسماعيل بن عياش هذا خطأ، وإنما هو عن ابن عمر قوله، يعني أن الصواب وقفه على عمر. وله شاهد من حديث جابر رواه الدارقطني مرفوعاً، وفيه محمد بن الفضل وهو متروك. وموقوفاً، وفيه يحيى بن أنيسة وهو كذاب. وقال البيهقي: وهذا الأثر ليس بقوي. وصح عن عمر أنه كان يكره أن يقرأ القرآن وهو جنب. وساقه في الخلافيات بإسناد صحيح.

466-

قوله: (وجهوا هذا البيوت عن المسجد) أي: اصرفوا وحولوا أبوابها إلى جانب آخر من المسجد، وقد كانت أبواب بعض البيوت حول مسجده صلى الله عليه وسلم مفتوحة إليه، يدخلون منها في المسجد، يمرون فيه، فأمروا أن يصرفوها إلى جانب آخر من المسجد. (فإني لا أحل المسجد) تعليل وبيان للوصف الذي هو علة الحكم. (لحائض ولا جنب) الحديث يدل على عدم حل اللبث في المسجد والعبور فيه للحائض والجنب سواء كان لحاجة أو لغيرها، قائماً أو جالساً أو متردداً على أي حال، متوضأ كان أو غير متوضئ، وبه قال أبوحنيفة لإطلاق هذا الحديث، وهو محمول عندي على المكث واللبث طويلاً كان أو كثيراً، فلا يمنعان من المرور والعبور من غير مكث إلا إذا خافت الحائض وكذا النفساء التلوث في حال المرور. وإليه ذهب مالك والشافعي، لقوله تعالى:{يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون، ولا جنباً إلا عابري سبيل} [43:4] قال الشوكاني: والعبور إنما يكون في محل الصلاة. وهو المسجد

ص: 155

رواه أبوداود.

ــ

لا في الصلاة. وتقييد جواز ذلك بالسفر لا دليل عليه، بل الظاهر أن المراد مطلق المار، لأن المسافر ذكر بعد ذلك فيكون تكرارا يصان القرآن عن مثله- انتهى. وقال ابن عباس في قوله:"ولا جنباً إلا عابري سبيل": لا تدخلوا المسجد وأنتم جنب إلا عابري سبيل، قال: تمر به مراً ولا تجلس. ذكره ابن كثير في تفسيره نقلاً عن ابن أبي حاتم. والحاصل أن المراد بالصلاة في الآية مواضعها، فهو مجاز من ذكر الحال وإرادة المحل بقرينه قوله:"إلا عابري سبيل" فإنه يدل عليه بحسب الظاهر كما تقدم، فالمراد منه هو المجتاز في المسجد لا المسافر. والمعنى: لا تقربوا مواضع الصلاة وهي المساجد في حال الجنابة إلا أن تكونوا مجتازين فيها من جانب إلى جانب. وقيل: المراد من الصلاة معناها الحقيقي، وبقربها القيام إليها والتلبس بها إلا أنه نهى عن القرب مبالغة، والمعنى: لا تصلوا في حالة السكر حتى تعلموا، ولا حال كونكم جنباً إلا أن تكونوا عابري سبيل، والمراد به هنا السفر، أي: فيجوز لكم أن تصلوا بالتيمم. ولا يخفى ما فيه من التكلف. ويمكن أن يقال: إن بعض قيود النهي أعني"لا تقربوا" وهو قوله: وأنتم سكارى، يدل على أن المراد بالصلاة معناها الحقيقي، وبعض قيود النهي وهو قوله: إلا عابري سبيل، يدل على أن المراد مواضع الصلاة، ولا مانع من اعتبار كل واحد منهما مع قيده الدال عليه، ويكون ذلك بمنزلة نهيين مقيد كل واحد منهما بقيد، وهما لا تقربوا الصلاة التي هي ذات الأذكار والأركان وأنتم سكارى، ولا تقربوا مواضع الصلاة حال كونكم جنباً إلا حال عبوركم المسجد من جانب إلى جانب. وغاية ما يقال في هذا: أنه من الجمع بين الحقيقة والمجاز وهو جائز بتأويل مشهور، وقال بعض الحنفية: والذي تبين لي أن الآية سيقت لبيان أحكام الصلاة ثم انسحبت على ذكر موضعها أيضاً، فالحكم في القطعة الأولى للعبادة وفي الثانية لمواضع العبادة، فإن شئت سميته صنعة الاستخدام أو غيرها- انتهى بقدر الضرورة. وقال ابن جرير بعد حكايته للقولين: والأولى قول من قال: ولا جنباً إلا عابري سبيل إلا مجتازي طريق فيه، ثم بين وجه ذلك. وحاصله الصون من التكرار الذي يحصل في صورة حمل العبور على السفر. قال: فتأويل الآية: يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون، ولا تقربوها أيضاً جنباً حتى تغتسلوا إلا عابري سبيل. قال: وعابر السبيل المجتاز مراً وقطعاً. قال ابن كثير: وهذا الذي نصره يعني ابن جرير هو قول الجمهور، وهو الظاهر من الآية. (رواه أبوداود) من طريق أفلت بن خليفة، عن جسرة بنت دجاجة، عن عائشة. والحديث قد ضعفه ابن حزم فقال: أفلت مجهول الحال، ورد عليه بأن أفلت وثقه ابن حبان. وقال أبوحاتم، هو شيخ. وقال أحمد، لا بأس به. وروى عنه سفيان الثوري وعبد الواحد بن زياد. وقال في الكاشف، صدوق. وقال في البدر المنير، هو مشهور ثقة. وقال العجلي، جسرة تابعية ثقة. وذكرها ابن حبان في الثقات. وقد حسن ابن القطان حديث جسرة هذا عن عائشة. وصححه ابن خزيمة. قال ابن سيد الناس، ولعمري أن التحسين لأقل مراتبه لثقة رواته، ووجود الشواهد له من خارج، فلا حجة لأبي محمد يعني ابن حزم في رده. قلت: وقد سكت عنه أبوداود، وله شاهد

ص: 156

467-

(13) عن على، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تدخل الملائكة بيتاً فيه صورة، ولا كلب، ولا جنب)) . رواه أبوداود والنسائي.

ــ

من حديث أم سلمة عند ابن ماجه والطبراني، لكن قال أبوزرعة: الصحيح حديث عائشة.

467-

قوله: (لا تدخل الملائكة) اللام للعهد الذهني أي: الذين ينزلون بالبركة والرحمة والزيارة، واستماع الذكر دون الكتبة الحفظة، فإنهم لا يفارقون المكلفين طرفة عين في أحوالهم الحسنة والسيئة لقوله تعالى:{ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} [50: 18] وقوله صلى الله عليه وسلم: فإن معكم من لا يفارقكم، فاتقوا الله واستحيوا منهم. (بيتاً فيه صورة) أي: من ذوات الأرواح، كانت لها أشخاص منتصبة، أو كانت منقوشة في سقف أو جدار، أو منسوجة في الثوب، يدوية كانت أو مطبوعة، مخطوطة كانت أو فوتوغرافية، تامة كانت أو ناقصة، قطع منها النصف الأسفل. قيل: إن وجه امتناع الملائكة من البيت الذي فيه صورة، حرمة الصورة ومشابهة ذلك البيت بيوت الأصنام. وهذا اللفظ عام لكن خص منه ما هو منبوذ يوطأ ويداس. قيل: ويخص منه أيضاً ما في الدراهم والدنانير من الصورة وبنات اللعب لمن لم تبلغ من البنات. (ولا كلب) لأنه نجس خبيث كما روى، والملائكة أطهار، وبينهما تضاد كما بين النور والظلمة، ومن سوى نفسه بالكلاب فحقيق أن ينفر عن بيته الملائكة، واستثنى من عمومه كلب الماشية والزرع والصيد لمسيس الحاجة. (ولا جنب) لأنه ممنوع من معظم العبادات. والمراد بالجنب الذي يتهاون في الغسل ويؤخره من غير عذر حتى يمر عليه وقت الصلاة المفروضة، ويجعل ذلك دأباً وعادة، فإنه مستخف بالشرع، متساهل في الدين، لا من يؤخره ليفعله لما ثبت من تأخيره صلى الله عليه وسلم غسل الجنابة عن موجبه زماناً. ويحتمل أن يكون المراد بالجنب من لم يرتفع حدثه كله ولا بعضه، وإذا توضأ ارتفع بعض حدثه على الصحيح، وعليه تبويب البخاري في صحيحه حيث قال: باب كينونة الجنب في البيت إذا توضأ. وأورد فيه حديث عائشة: أنه صلى الله عليه وسلم كان يرقد وهو جنب إذا توضأ. وبنى عليه الكلام النسائي حيث أورد حديث علي هذا في "باب الجنب إذا لم يتوضأ" فأشار بالترجمة إلى أن المراد بالجنب في الحديث عنده من لم يتوضأ. (رواه أبوداود والنسائي) وأخرجه أيضاً ابن ماجه وليس في حديثه "ولاجنب" والحديث عند الثلاثة من طريق عبد الله بن نجى عن أبيه، عن علي قال البخاري: عبد الله بن نجى فيه نظر، ووثقه النسائي، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال الحافظ: صدوق، ونجى ذكره ابن حبان في الثقات، وقال العجلى: كوفي تابعي ثقة، وقال الحافظ: مقبول، فالحديث حسن أو صحيح. وقد سكت عنه أبوداود، وقد أخرج الشيخان وغيرهما من حديث أبي طلحة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب ولا صورة.

ص: 157

468-

(14) وعن عمار بن ياسر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ثلاثة لا تقربهم الملائكة: جيفة الكافر، والمتضمخ بالخلوق، والجنب إلا أن يتوضأ)) . رواه أبوداود.

469-

(15) وعن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم: ((أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم أن لايمس القرآن إلا طاهر)) .

ــ

468-

قوله: (ثلاثة) أي: أشخاص. (جيفة الكافر) أي: جسد من مات كافراً، فالمراد بالجيفة الميت، لأن استعمالها في الميت أغلب، وفي رواية عطاء الخرساني، عن يحيى بن معمر عن عمار عند أبي داود: إن الملائكة لا تحضر جنازة الكافر بخير. (والمتضمخ) أي: الرجل المتلطخ. (بالخلوق) بفتح الخاء المعجمة طيب مركب من الزعفران وغيره. وفي الرواية المذكورة "ولا المتضمخ بالزعفران" وذلك لأنه متلبس بمعصية حتى يقلع عنها فقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التزعفر للرجال. (والجنب حتى يتوضأ) أي: الوضوء المتعارف وهو الوضوء الشرعي. وفي الرواية المتقدمة "ولاالجنب" ورخص للجنب إذا نام أو أكل أو شرب أن يتوضأ. (رواه أبوداود) من طريق الحسن بن أبي الحسن عن عمار، وقد سكت عنه أبوداود. وقال المنذري: الحسن لم يسمع عن عمار فهو منقطع.

469-

قوله: (وعن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم) الأنصاري المدني القاضي يكنى أبا محمد، ثقة ثبت تابعي، روى عن أنس وأبيه، وسالم بن عبد الله، وغيرهم، وروى عنه الزهري ومالك وسفيانان وغيرهم. قال ابن عبد البر: كان من أهل العلم، ثقة فقيهاً محدثاً مأموناً حافظاً، وهو حجة فيما نقل وحمل. وقال مالك: كان كثير الحديث وكان رجل صدق، ومن أهل العلم والبصيرة. وقال أحمد: حديثه شفاء. مات سنة (135) ويقال (130) وهو ابن (70) سنة وليس له عقب. وأما عمرو بن حزم (بفتح الحاء المهملة وسكون الزاى) فهو عمرو بن حزم بن زيد بن لوذان الأنصاري الخزرجي أبوالضحاك المدني، صحابي مشهور، شهد الخندق وهو ابن (15) سنة، واستعمله النبي صلى الله عليه وسلم على أهل نجران وهو ابن (17) سنة، ليفقههم في الدين، ويعلم القرآن ويأخذ صدقاتهم وذلك سنة (10) . روى عنه ابنه محمد، وامرأته سودة بنت حارثة، وابن ابنه أبوبكر بن محمد - ولم يدركه - وغيرهم. مات بعد الخمسين، قيل: سنة (51) أو (52) ، أو (53) ، أو (54) . (أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله) في الفرائض، والسنن، والديات والصدقات وغير ذلك. (لعمرو بن حزم) قال الباجي: هذا أصل في كتابة العلم وتحصينه في الكتب، وفي صحة الرواية على وجه المناولة، لأنه صلى الله عليه وسلم دفعه إليه وأمره بالعمل بما فيه. (أن لايمس القرآن) بفتح السين على أنه نهى، وبالضم على أنه نفى بمعنى النهى، أحد (إلا) وهو (طاهر) فيه دليل على أنه لا يجوز مس القرآن إلا لمن كان طاهراً، لكن الطاهر يطلق بالاشتراك على الطاهر من الحدث الأكبر والطاهر من الحدث الأصغر، وعلى من ليس على بدنه نجاسة، وعلى المؤمن، ولا بد لحمله على معين

ص: 158

رواه مالك والدارقطني.

ــ

من قرينة. وقد وقع الإجماع على أنه لا يجوز للمحدث حدثاً أكبر أن يمس المصحف، وخالف في ذلك داود. وأما المحدث حدثاً أصغر فذهب ابن عباس والشعبي والضحاك إلى أنه يجوز له مس المصحف. وقال القاسم وأكثر الفقهاء منهم الأئمة الأربعة: لا يجوز. قلت: القول الراجح عندنا هو قول أكثر الفقهاء، وهو الذي يقتضيه تعظيم القرآن وإكرامه. والمتبادر من لفظ الطاهر في هذا الحديث هو الطاهر من الحدث الأصغر. أي: المتوضي، وهو الفرد الكامل للطاهر. واختلف في تفسير آية {لا يمسه إلا المطهرون} [56: 79] فقيل: إنها خبر عن اللوح المحفوظ أنه لا يمسه إلا الملائكة المطهرون، فالضمير في "لا يمسه" للكتاب المكنون الذي سبق ذكره في صدر الآية، والمطهرون هم الملائكة، وعلى هذا فلا حجة فيها لمن منع مس المصحف على غير طهارة. وقيل معنى الآية النهى للمكلفين من بني آدم عن مس القرآن على غير طهارة. والمراد "بالكتاب المكنون" المصاحف التي بأيدي الناس. وقوله تعالى:"لايمسه" وإن كان لفظه لفظ الخبر، فإن معناه النهى. لأن خبر الباري لا يكون بخلاف مخبره، ونحن نرى اليوم من يمس القرآن غير طاهر فثبت أن المراد به النهى، فيكون حجة على المنع من مس المصحف على غير طهارة. وقيل الآية حجة في وجوب الوضوء لمس المصحف على القول الأول أيضاً، وذلك أن الله تعالى وصف القرآن بأنه كريم، وأنه في الكتاب المكنون الذي لا يمسه إلا المطهرون، فوصفه بهذا تعظيماً له، والقرآن المكنون في اللوح المحفوظ هو المكتوب في المصاحف، فوجب أن تمتثل في ذلك ما وصف الله تعالى به القرآن. (رواه مالك) عن عبد الله بن أبي بكر مرسلاً (والدارقطني) بسنده عن عبد الله بن أبي بكر، عن أبيه مرسلاً، وأخرجه الدارقطني أيضاً عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه، عن جده موصولاً، فقول المصنف والدارقطني محل تأمل. قال ابن عبد البر: لا خلاف عن مالك في إرسال هذا الحديث، وقد روى مسنداً من وجه صالح، وهو كتاب مشهور عند أهل السير، معروف عند أهل العلم معرفة يستغنى بها في شهرتها عن الإسناد لأنه أشبه المتواتر في مجيئة لتلقى الناس له بالقبول، ولا يصلح عليهم تلقى مالا يصح - انتهى. وقال يعقوب بن سفيان: لا أعلم كتاباً، أصح من هذا الكتاب، فإن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين يرجعون إليه، ويدعون رأيهم. وقال الحاكم: قد شهد عمر بن عبد العزيز وإمام عصره الزهري بالصحة لهذا الكتاب. وقال ابن قدامة: هو كتاب مشهور، رواه أبوعبيد في فضائل القرآن، والأثرم - انتهى. والحديث أخرجه أيضاً أبوداود في المراسيل، والنسائي في الديات، وابن حبان في صحيحه، والحاكم في المستدرك (ج1:ص397) في حديث طويل، والطبراني في معجمه، والبيهقي في سننه، وفي الخلافيات، وأحمد في مسنده، وابن راهوية، والدارمي. وقد بسط الزيلعي الكلام على طرقه في نصب الراية (ج1:ص 198،197) وله شواهد من حديث ابن عمر، أخرجه الطبراني. والدارقطني، والبيهقي، قال الحافظ: إسناده لا بأس به لكن فيه سليمان الأشدق، وهو مختلف فيه، رواه عن سالم عن أبيه. قال الحافظ: ذكر الأثرم أن أحمد احتج به. ومن حديث حكيم بن حزام أخرجه الحاكم (ج3:ص485)

ص: 159

470-

(16) وعن نافع، قال: ((انطلقت مع ابن عمر في حاجة، فقضى ابن عمر حاجته، وكان من حديثه يومئذٍ أن قال: مر رجل في سكة من السكك، فلقي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد خرج من غائط أو بول، فسلم عليه، فلم يرد عليه، حتى إذا كاد الرجل أن يتوارى في السكة، ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيديه على الحائط ومسح بهما وجهه، ثم ضرب ضربة أخرى، فمسح ذراعيه، ثم رد على الرجل السلام، وقال: إنه

ــ

والطبراني والدارقطني. ومن حديث عثمان بن أبي العاص، أخرجه الطبراني وابن أبي داود في المصاحف، وفي إسناده انقطاع وفي رواية الطبراني من لايعرف. ومن حديث ثوبان أورده علي بن عبد العزيز في منتخب مسنده، وسنده ضعيف جداً. وقد ذكر طرق هذه الأحاديث الزيلعي في نصب الراية (ج1:ص 199،198) . مع الكلام عليها، وكذا تكلم عليها الشوكاني في النيل (ج1:ص200) ، والهيثمي في مجمع الزوائد (ج1:ص277،276) .

470-

قوله: (وعن نافع) أي: مولى ابن عمر. (انطلقت مع ابن عمر في حاجة) أي: في شأن حاجة له إلى ابن عباس. (وكان من حديثه) أي: من جملة حديثه الذي حدثه. (أن قال) أي: ابن عمر. (في سكة) بكسر السين وتشديد الكاف أي: طريق. (من السكك) أي: الطرق. (فلقي) أي: الرجل. (رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد خرج) أي: رسول الله. (من غائط أو بول) أي: فرغ لأن الخروج بعد الفراغ، أو خرج من محلهما. (فسلم) أي: الرجل. (عليه) صلى الله عليه وسلم (فلم يرد) أي: النبي. (عليه) أي: على الرجل. (أن يتوارى) أي: يختفى ويغيب شخصه عن نظره صلى الله عليه وسلم (ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم) جواب إذا (بيديه على الحائط ومسح بهما وجهه) أي: للتيمم. قد أخذ بعض الحنفية من أمثال هذا الحديث التيمم مع القدرة على الماء في الوضوء المندوب دون الواجب، صرح به ابن نجيم في البحر. وقال النووي: هو محمول على أنه صلى الله عليه وسلم كان عادماً للماء حال التيمم، فإن التيمم مع وجود الماء لا يجوز للقادر على استعماله، سواء كان لفرض أو لنفل، قلت: وهو مقتضي صنيع البخاري حيث بوب على حديث أبي جهيم بن الحارث في التيمم لرد السلام: باب التيمم في الحضر إذا لم يجد الماء وخاف فوات الصلاة. قال النووي: ولا فرق بين أن يضيق وقت الصلاة وبين أن يتسع، ولا فرق بين صلاة الجنازة والعيد إذا خاف فوتهما. وإليه ذهب الجمهور. وقال أبوحنيفة: يجوز أن يتيمم مع وجود الماء لصلاة الجنازة والعيد إذا خاف فوتهما. واحتج له الطحاوى بهذا الحديث بأنه إذا جاز التيمم في الحضر لخوف فوت رد السلام، جاز التيمم لخوف ما يفوت لا إلى خلف. وفي الاستدلال به على ذلك نظر لأن الكلام في الوضوء الواجب دون المندوب، وأيضاً ليس فيه دليل على أنه صلى الله عليه وسلم كان واجداً للماء حال التيمم. (ثم ضرب ضربة أخرى فمسح ذراعيه) احتج به الحنفية على أن التيمم ضربتان، ضربة للوجه وضربة للذراعين، قالوا والذراع من طرف المرفق إلى الإصبع الوسطى، لكن الاستدلال به على ذلك

ص: 160

لم يمنعني أن أرد عليك السلام إلا أني لم أكن على طهر)) . رواه أبوداود.

ــ

غير صحيح، لأن ذكر الضربتين والذراعين في هذا الحديث منكر كما سيأتي. (لم يمنعني أن أرد عليك السلام إلا أني لم أكن على طهر) أي: وكرهت ذكر الله على تلك الحالة. وفيه دليل على منع ذكر الله للمحدث حدثاً أصغر، لأن السلام من أسماء الله تعالى. والحديث الآتي صريح في كراهة الذكر للمحدث، ويعارضه ما تقدم من حديث عائشة:"أنه صلى الله عليه وسلم كان يذكر الله على كل أحيانه"، فإنه مشعر بوقوع الذكر حال الحدث الأصغر، لأنه من جملة الأحيان المذكورة. وكذلك حديث علي لا يحجزه من القرآن شيء ليس الجنابة، فإذا كان الحدث الأصغر لا يمنعه عن قراءة القرآن وهو أفضل الذكر كان جواز ما عداه من الأذكار بطريق الأولى. والتوفيق بينهما، أنه صلى الله عليه وسلم أخذ في ذلك بالرخصة تيسيراً على الأمة، وفي هذا العزيمة، أي: تعليماً لهم بالأفضل، فالمراد بالمنع والكراهة أدنى الكراهة، فيدل على استحباب ذكر الله تعالى بالوضوء أو التيمم ولا خلاف في ذلك. (رواه أبوداود) وأخرجه أيضاً الطحاوى، ومداره على محمد بن ثابت العبدي، وقد ضعفه ابن معين وأبوحاتم والبخاري وأحمد. وقال أحمد والبخاري ينكر عليه حديث التيمم، يعني هذا. زاد البخاري خالفه أيوب وعبيد الله والناس، فقالوا: عن نافع عن ابن عمر فعله. وقال أبوداود: ولم يتابع أحد محمد بن ثابت في هذ القصة على ضربتين عن النبي صلى الله عليه وسلم، ورووه عن فعل ابن عمر. وقال الخطابي في المعالم: حديث ابن عمر لا يصح، لأن محمد بن ثابت ضعيف جداً لا يحتج بحديثه. واعلم أن حديث محمد بن ثابت، عن نافع، عن ابن عمر هذا يدل على أن السلام كان بعد الخروج من غائط أو بول، وأن جواب السلام كان بعد التيمم مع ذكر التعليل فيه، وكذا وقع في رواية ابن الهاد، عن نافع، عن ابن عمر، إلا أنه لم يذكر العلة، ولا ذكر الضربتين والذراعين في صفة التيمم، بل قال: مسح وجهه ويديه. أخرجه أبوداود وسكت عنه وقال المنذري: حديث حسن، ويوافقه ما روى عن أبي جهيم بن الحارث عند الشيخين وغيرهما: أنه أقبل النبي صلى الله عليه وسلم من نحو بئر جمل، فلقيه رجل فسلم عليه، فلم يرد النبي صلى الله عليه وسلم حتى أقبل على الجدار فمسح بوجهه ويديه، ثم رد عليه السلام. ففيه أن السلام بعد الفراغ، وجواب السلام كان بعد التيمم بدون ذكر العلة. وروى الضحاك بن عثمان عن نافع عن ابن عمر، أن رجلاً سلم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول، فلم يرد عليه. أخرجه مسلم والترمذي وأبوداود والنسائي وابن ماجه. وفيه أن السلام كان حالة البول وأنه لم يرد السلام، وكذا وقع ذكر السلام حالة البول في حديث المهاجر بن قنفذ الآتي، وفي حديث جابر بن عبد الله، وحديث أبي هريرة عند ابن ماجه، إلا أنه ذكر في حديث المهاجر رد السلام بعد الوضوء وفي حديث أبي هريرة بعد التيمم، وقيل: معنى قوله: "توضأ" في حديث المهاجر "تطهر" فيشمل التيمم. وفي الباب أحاديث من غير هؤلاء الصحابة ذكرها الهيثمي في مجمع الزوائد (ج1:ص276) مع الكلام عليها. واختلف في رفع الاختلاف الواقع في روايات ابن عمر، فحاول بعضهم ترجيح رواية الضحاك عن نافع، عن ابن عمر عند مسلم والترمذي وغيرهما، أن السلام كان في حالة البول كما في أحاديث جابر، وأبي هريرة والمهاجر. وأما قوله: في هذه الرواية: فلم يرد عليه، فمعناه أنه أخر الرد لا أنه ترك الرد مطلقاً، وقد تقدم أن رواية محمد بن ثابت العبدي عن نافع ضعيفة جداً فلا تعارض رواية الضحاك، وأما رواية ابن الهاد عن

ص: 161

471-

(17) وعن المهاجر بن قنفذ: ((أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول، فسلم عليه، فلم يرد عليه حتى توضأ، ثم اعتذر إليه، وقال: إني كرهت أن أذكرالله إلا على طهر)) .

ــ

نافع، وحديث أبي جهيم فقيل: أنه وقع فيهما تقديم وتأخير في بيان القصة، فمجيئة صلى الله عليه وسلم من نحو بئر جمل كان بعد الفراغ عن البول، وبعد سلام الرجل عليه، يعني كان النبي صلى الله عليه وسلم يبول فلقيه ذلك الرجل وسلم عليه فلم يرد عليه؛ حتى إذا أقبل من نحو بئر جمل بعد البول تيمم، ورد عليه السلام. وأما حديث المهاجر الآتي فهو قصة أخرى رد عليه السلام فيها بعد الوضوء، فتحصل من هذا كله أن ههنا قصتان: إحداهما في حديث الضحاك عن نافع عن ابن عمر، والأخرى في حديث المهاجر بن قنفذ. وحمل بعضهم هذه الروايات على وقائع متعددة وقصص مختلفة وقعت في أوقات شتى، فوقع السلام مرة في حالة البول، وتارة بعد الفراغ عن البول، وترك الرد أحياناً تأديباً، وأخره أحياناً على حسب اختلاف الناس في التأديب وغيره، ورد السلام في بعضها بعد الوضوء، وفي بعضها بعد التيمم. والله تعالى أعلم وعلمه أتم.

471-

قوله: (وعن المهاجر بن قنفذ) بضم القاف والفاء بينهما نون ساكنة وآخره ذال معجمة، هو المهاجر بن قنفذ بن عمير بن جدعان التيمي القرشي. قيل كان اسمه أولاً عمراً ومهاجر لقب، وكان اسم أبيه خلفاً وقنفذ لقب، فهو عمرو ابن خلف. قال الحافظ في الإصابة (ج3:ص466) كان أحد السابقين إلى الإسلام، ولما هاجر أخذه المشركون فعذبوه، فانفلت منهم وقدم المدينة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هذا المهاجر حقاً. وقيل: إنما أسلم بعد الفتح. ولاه عثمان على شرطته. قال ابن عبد البر: سكن البصرة ومات بها. (أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول، فسلم عليه) وعند أحمد: أنه سلم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتوضأ. وهكذا عند الطحاوى، وابن ماجه بلفظ "وهو يتوضأ" أي: وهو في مقدمات الوضوء. وقد نبه ابن ماجه على ذلك بذكر الحديث في "باب الرجل يسلم عليه وهو يبول". (فلم يرد عليه) فيه دلالة على أن المسلم في هذه الحالة لا يستحق جواباً، وهذا متفق عليه بين العلماء، بل قالوا: يكره أن يسلم على المشتغل بقضاء حاجة البول والغائط، فإن سلم عليه كره له رد السلام، ويكره للقاعد لقضاء الحاجة أن يذكر الله تعالى بشيء من الأذكار، فلا يرد السلام، ولا يشمت العاطس، ولا يحمد الله تعالى إذا عطس. وفي حديث جابر بن عبد الله عند ابن ماجه أن رجلاً مر على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول، فسلم عليه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا رأيتني على مثل هذه الحالة، فلا تسلم علي، فإنك إن فعلت ذلك لم أرد عليك. (حتى توضأ) أي: فرغ من وضوءه. وظاهره تعدد الواقعة كما تقدم التنبيه على ذلك، ويمكن أن يكون معنى "توضأ" تطهر فيشمل التيمم. (ثم اعتذار إليه) يعني بعد رد السلام عليه. (وقال) بيان للإعتذار، وكأنه إعتذار لتأخير الرد إلى الفراغ من الوضوء، وإلا فترك الرد حالة البول لا يحتاج إلى الاعتذار. (إني كرهت أن أذكر الله إلا على طهر) أي: فلذا أخرته، ليكون على الوجه الأكمل. والمراد به أدنى كراهته، فمثل هذه الكراهة دعت إلى التأخير إلى

ص: 162