الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في كل يوم ستون حسنة، ولكل إقامة ثلاثون حسنة)) رواه ابن ماجه.
684-
(26) وعنه، قال:((كنا نؤمر بالدعاء عند أذان المغرب)) رواه البيهقي في الدعوات الكبير.
(6) باب
{الفصل الأول}
685-
(1) عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن بلالاً ينادي بليل،
ــ
صلاة. (في كل يوم) أي لكل أذان بقرينة قوله الآتي: ولكل إقامة. (ستون حسنة) فيه حذف أي كتب له بسبب تأذينه كل مرة في كل يوم، كذا في شرح السنة نقله ميرك. (ولكل إقامة) أي في كل يوم. (ثلاثون حسنة) ولعل التنصيف في الأجر لسهولة الإقامة، ومشقة الأذان برفع الصوت والتوءدة والترسل، والأجر على قدر المشقة، أو لإفراد ألفاظ الإقامة. (رواه ابن ماجه) وأخرجه أيضاً الدارقطني (ص89) والحاكم (ج1: ص205) وقال: صحيح على شرط البخاري، ووافقه الذهبي: وفي سنده عبد الله بن صالح المصري كاتب الليث. قال في الزوائد: إسناده ضعيف لضعف عبد الله بن صالح: وقال المنذري في الترغيب بعد ذكر تصحيح الحاكم: وهو كما قال: فإن عبد الله بن صالح كاتب الليث وإن كان فيه كلام، فقد روى عنه البخاري في الصحيح-انتهى. قلت: قد اختلفوا في أنه روى عنه البخاري في صحيحه أم لا. وقد أطال الحافظ الكلام فيه في تهذيب التهذيب (ج5: ص260) فارجع إليه. وقال في التقريب في ترجمته: صدوق كثير الغلط، ثبت في كتابه وكانت فيه غفلة.
684-
قوله: (عند أذان المغرب) قد تقدم أن الدعاء بعد كل أذان مستحب، ولعله عند أذان المغرب أوكد، قال الطيبي: لعل هذا الدعاء ما مر في حديث أم سلمة. (رواه البيهقي) وأخرجه أيضاً الطبراني.
(باب) بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي هذا باب في تتمات لما سبق في البابين قبله. وقيل: بالسكون على الوقف، وفي المصابيح بدله فصل، قال ابن الملك: وإنما أفرد هذا الفصل؛ لأن أحاديثه كلها صحاح، وليست فيه أحاديث مناسبة لصحاح الباب السابق، فكانت مظنة الإفراد-انتهى. وفي بعض نسخ المشكاة: باب فيه فصلان. وفي بعضها: باب تأخير الأذان.
685-
قوله: (ينادي بليل) أي فيه، وقد ورد ما يشعر بتعيين الوقت الذي كان بلال يؤذن فيه، وهو ما رواه النسائي والطحاوي من حديث عائشة: أنه لم يكن بينهما إلا أن ينزل هذا ويصعد هذا. وعند البخاري في الصيام، قال القاسم. (أى في رواية عن عائشة) لم يكن بين أذانيهما إلا أن يرقى هذا وينزل ذا. فهذه الرواية تقيد إطلاق سائر الروايات،
فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم،
ــ
وتدل على أن الوقت الذي يقع فيه الأذان قبل الفجر هو وقت السحور، وأرادت عائشة بذلك بيان قلة ما بين أذانيهما من المدة لا التحديد. (فكلوا واشربوا) أي أيها المريدون الصيام، والأمر للإباحة والرخصة، وبيان بقاء الليل بعد أذان بلال، وفيه إشعار بأن الأذان كان علامة عندهم على دخول الوقت، فبين لهم أن أذان بلال بخلاف ذلك. (حتى) أى إلى أن (ينادي) أي يؤذن. (ابن أم مكتوم) اسمه عمرو، أو عبد الله بن قيس بن زائدة القرشي، وهو الأعمى المذكور في سورة عبس، واسم أمه عاتكة بنت عبد الله المخزومية. وروى ابن خزيمة في صحيحه عن عائشة مرفوعاً: إذا أذن عمرو فإنه ضرير البصر فلا يغرنكم، وإذا أذن بلال فلا يطعمن أحد. وروى النسائي وابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما، وأحمد في مسنده عن أنيسة بنت خبيب بلفظ: إذا أذن ابن أم مكتوم فكلوا واشربوا وإذا أذن بلال فلا تأكلوا ولا تشربوا. وهذا كما ترى مخالف لحديث ابن عمر. وقد جمع بينهما ابن خزيمة وغيره: بأنه يجوز أن يكون عليه السلام جعل الأذان بين بلال وابن أم مكتوم نوائب، فأمر في بعض الليالي بلالاً أن يؤذن بليل، فإذا نزل بلال صعد ابن أم مكتوم، فأذن في الوقت، فإذا جاءت نوبة ابن أم مكتوم بدأ فأذن بليل، فإذا نزل، صعد بلال فأذن في الوقت، فكانت مقالة النبي صلى الله عليه وسلم: إن بلالاً يؤذن بليل. في وقت نوبة بلال، وكانت مقالته: إن ابن أم مكتوم يؤذن بليل. في وقت نوبة ابن أم مكتوم. وقيل: لم يكن الأذان بينهما نوباً، وإنما كانت لهما حالتان مختلفتان، فإن بلال كان في أول ما شرع الأذان يؤذن وحده، ولا يؤذن للصبح حتى يطلع الفجر، وعلى ذلك تحمل رواية عروة عن امرأة من بني النجار قالت: كان بلال يجلس على بيتي، وهو أعلى بيت في المدينة، فإذا رأى الفجر تمطأ ثم أذن. أخرجه أبوداود وإسناده حسن. ثم أردف ابن أم مكتوم، فكان يؤذن بليل، واستمر بلال على حالته الأولى، وعلى ذلك تنزل رواية أنيسة وعائشة، ثم في آخر الأمر أخر ابن أم مكتوم لضعفه، ووكل به من يراعي له الفجر، واستقر أذان بلال بليل، وكان سبب ذلك ما رواه أبوداود وغيره عن ابن عمر: أن بلالاً كان ربما أخطأ الفجر فأذن قبل طلوعه، وإنه أخطأ مرة فأمره عليه السلام أن يرجع فيقول: ألا إن العبد نام، يعني أن غلبة النوم على عينيه منعته من تبين الفجر، فلهذا-والله أعلم- استقر أن بلالاً يؤذن الأذان الأول، وبهذا ظهر أنه لا مخالفة بين قوله صلى الله عليه وسلم: إن بلالاً يؤذن بليل. وبين أمره إباه بالاعتذار بقوله: ألا إن العبد قد نام، فإن قوله عليه السلام: إن بلالاً يؤذن بليل، إنما هو محمول على حالته الأخرى. أي على زمان كان بلال يؤذن بالليل وابن أم مكتوم بالصبح، وأما أمره بلالاً أن ينادي: ألا إن العبد قد نام. فيحمل على حالته الأولى، أي على زمان كان بلال يؤذن فيه للصبح، واتفق أنه أذن مرة في الليل على ظن أن الفجر قد طلع فاحتاج إلى الاعتذار؛ لأن الفجر لم يطلع، ولأن الأذان بالليل قد كان فرع عنه ابن أم مكتوم. قال الخطابي في المعالم (ج1: ص157) : يشبه أن يكون هذا أي قوله: ألا إن العبد نام، فيما تقدم من أول زمان الهجرة، فإن الثابت عن بلال أنه كان في آخر أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤذن بليل ثم يؤذن بعده ابن أم مكتوم مع الفجر، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن
قال: وكان ابن أم مكتوم رجلاً أعمى، لا ينادي حتى يقال له: أصبحت أصبحت))
ــ
بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم-انتهى. قال الأمير اليماني في السبل: في الحديث شرعية الأذان قبل الفجر، لا لما شرع له الأذان، فإن الأذان شرع للإعلام لدخول الوقت، ولدعاء السامعين بحضور الصلاة، وهذا الأذان الذي قبل الفجر قد أخبر صلى الله عليه وسلم بوجه شرعيته بقوله: ليرجع قائمكم، ويوقظ نائمكم. رواه الجماعة إلا الترمذي عن ابن مسعود، والقائم هو الذي يصلي صلاة الليل، ورجوعه عوده إلى نومه أو قعوده عن صلاته إذا سمع الأذان، فليس للإعلام بدخول الوقت ولا لحضور الصلاة، فذكر الخلاف في المسألة والاستدلال للمانع وللمجيز لا يلتفت إليه من همه العمل بما ثبت-انتهى كلام الأمير. قلت: أشار بقوله: بذكر الخلاف. إلى ما ذكره الشراح من الاختلاف بين الأئمة، قالوا: ذهب مالك والشافعي وأحمد وأبويوسف إلى جواز الأذان لصلاة الفجر قبل طلوعه والاكتفاء به، وعدم وجوب الإعادة. قال هؤلاء: كان الأذانان لصلاة الفجر، ولم يكن الأول مانعاً من التسحر، وكان الثاني من قبيل الإعلام بعد الإعلام، وإنما اختصت صلاة الفجر بهذا من بين الصلوات، لما ورد من الترغيب في الصلاة لأول الوقت، والصبح يأتي غالباً عقيب النوم، فناسب أن ينصب من يوقظ الناس قبل دخول وقتها، ليتأهبوا ويدركوا فضيلة أول الوقت، وقال أبوحنيفة ومحمد: لا يجوز الأذان لصلاة الصبح قبل طلوع الفجر كما في سائر الصلوات، فلو أذن قبل طلوعه يجب الإعادة ولا يكتفي به. قالا: لم يكن الأذان الأول لصلاة الفجر بل كان لغرض آخر بينه صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود بقوله: ليرجع قائمكم ويوقظ نائمكم. قلت: ليس في حديث ابن مسعود ما يدل على الحصر فيما ذكر من السبب لأذان بلال، ولا تزاحم في الأسباب مع أنه ليس فيه بيان علة الأذان بل بيان نكتة التقديم، والراجح عندي أنه يجوز الأذان لصلاة الفجر قبل طلوع الصبح، ويكتفى به إن قدم قبل الفجر بزمان يسير، ولا يجب الإعادة. هذا هو الذي يستفاد من أحاديث الباب عندي. ولا يخفى ذلك على من تأمل في الأحاديث الواردة في ذلك إن شاء الله تعالى. واعلم أنه ادعى ابن القطان وابن دقيق العيد ومحمد بن الحسن أن قوله: إن بلالاً يؤذن بليل. كان في رمضان خاصة لا في سائر العام. وفيه نظر؛ لأن قوله "كلوا واشربوا" يتأتى في غير رمضان أيضاً، وهذا لمن كان يريد صوم التطوع، فإن كثيراً من الصحابة في زمنه صلى الله عليه وسلم كانوا يكثرون صيام النفل، فكان قوله "فكلوا واشربوا" بالنظر إلى هؤلاء، ويدل على ذلك ما رواه عبد الرزاق عن ابن المسيب مرسلاً بلفظ: إن بلالاً يؤذن بليل، فمن أراد الصوم فلا يمنعه أذان بلال حتى يؤذن ابن أم مكتوم. ذكره علي المتقي في كنز العمال (ج4: ص311) . فجعل النبي صلى الله عليه وسلم الصوم فيه باختيار الرجل، ولا يكون ذلك إلا في غير رمضان، فدل على أن قوله عليه السلام "إن بلالاً يؤذن بليل" ليس مختصاً برمضان. (قال) أي ابن شهاب راوي الحديث، أو شيخه سالم، أوشيخ شيخه ابن عمر. (رجلاً أعمى) قيل: عمي ابن أم مكتوم بعد بدر بسنتين، وفيه أن سورة عبس مكية في قول الجميع، وعن ابن عباس: نزلت بمكة، فكيف يصح أن يقال أنه عمي بعد بدر سنتين؟ فالظاهر أنه عمي بعد البعثة بسنتين. وقيل: ولد أعمى فكنيت أمه أم مكتوم لإكتتام نور بصره، والأول هو المشهور. (أصبحت أصبحت) بالتكرار للتأكيد، وهي تامة تستغنى بمرفوعها، أي دخلت في الصباح، هذا
متفق عليه.
686-
(2) وعن سمرة بن جندب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يمنعكم من سحوركم أذان بلال،
ولا الفجر المستطيل، ولكن الفجر المستطير في الأفق)) رواه مسلم ولفظه للترمذي.
ــ
ظاهره. واستشكل لأنه جعل أذانه غاية للأكل، فلو لم يؤذن حتى يدخل في الصباح للزم منه جواز الأكل بعد طلوع الفجر، والإجماع على خلافه إلا من شذ كالأعمش. وأجيب بأن الغرض أن أذان ابن أم مكتوم جعل علامة لتحريم الأكل والشرب. والظاهر أنه كان له من يراعي الوقت بحيث يكون أذانه مقارناً لابتداء طلوع الفجر، وعند أخذه في الأذان يعترض الفجر في الأفق، ولم يكن الصحابة يخفى عليهم الأكل في غير وقته، بل كانوا أحوط لدينهم من ذلك. وقيل: المعنى قاربت الصباح جداً، فإن قرب الشيء قد يعبر به عنه، كما في قوله تعالى:{فإذا بلغن أجلهن} أي قارين لأن العدة إذا تمت فلا رجعة، فلا يلزم وقوع أذان ابن أم مكتوم قبل الفجر ولا الأكل بعد طلوع الفجر، لاحتمال أن يكون قولهم ذلك يقع في آخر جزء من الليل، وأذانه يقع في أول جزء من طلوع الفجر، وهذا وإن كان مستبعداً في العادة فليس بمستبعد من مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم المؤيد بالملائكة، فلا يشاركه فيه من لم يكن بتلك الصفة. وقيل: إن أذانه كان يقع في أول طلوع الفجر الثاني قبل تببنه وانتشاره، وتحريم الأكل إنما يتعلق بانتشاره وتبينه، لا بطلوعه كما يدل عليه قوله تعالى. {حتى يتبين لكم} [2: 187] . وفي الحديث دليل على جواز أذان الأعمى من غير كراهة إذا كان عنده من يخبره بدخول الوقت؛ لأن الوقت في الأصل مبني على الشهادة. وفيه جواز تقليد الأعمى للبصير في دخول الوقت. وفيه جواز ذكر الرجل بما فيه من العاهة إذا كان القصد التعريف به ونحوه. (متفق عليه) وأخرجه أيضاً مالك وأحمد والترمذي والنسائي.
686-
قوله: (من سحوركم) بضم السين مصدراً أي تسحركم، وبفتحها اسم للمأكول، أي من أكل سحوركم وهو ما يتسحر به (أذان بلال) أي فإنه يؤذن بليل. (ولا الفجر المستطيل) أي ولا يمنعكم الصبح الذي يصعد إلى السماء كالعمود تسميه العرب ذنب السرحان، وبطلوعه لا يدخل وقت صلاة الصبح، ولا يحرم الطعام. قال ابن الملك: وهو الفجر الكاذب، يطلع أولاً مستطيلاً إلى السماء ثم يغيب، وبعد غيبوبته بزمان يسير يظهر الفجر الصادق. (ولكن) بالتخفيف ويشدد. (الفجر) بالرفع وينصب. (المستطير في الأفق) هو الذي انتشر ضوءه، واعترض في الأفق الشرقي كأنه طار في نواحي السماء بخلاف المستطيل كذب السرحان بكسر السين وهو الذئب. وفي الحديث بيان صفة الفجر الذي يتعلق به الأحكام من الدخول في الصوم، ودخول وقت صلاة الصبح، وهو الفجر الثاني، ويسمى الصادق والمستطير، وأنه لا أثر للفجر الأول في الأحكام، وهو الفجر الكاذب والمستطيل كذنب الذئب. (رواه مسلم) في الصيام أي بمعناه بألفاظ مختلفة. (ولفظه للترمذي) أخرجه الترمذي في الصيام، وحسنه. قيل: الأظهر أن يقول: رواه الترمذي، ولمسلم معناه. وقيل: الأنسب "رواه مسلم والترمذي واللفظ له". قلت: يستفاد هذا من كلام المصنف مع الاختصار، وهو أنسب
687-
(3) وعن مالك بن الحويرث، قال:((أتيت النبي صلى الله عليه وسلم أنا وابن عم لي، فقال: إذا سافرتما فأذنا وأقيما، وليؤمكما أكبركما)) . رواه البخاري.
ــ
للفصل الأول، فهو أولى بالاعتبار. والحديث أخرجه أيضاً أحمد وأبوداود والنسائي والدارقطني والحاكم وابن خزيمة والطبراني وأبويعلى وابن أبي شيبة.
687-
قوله: (وعن مالك بن الحويرث) بالتصغير، يكنى أبا سليمان الليثي الصحابي، نزل البصرة، له خمسة عشر حديثا، اتفقا على حديثين، وانفرد البخاري بحديث، مات سنة (74) . (أنا وابن عم لي) بالرفع على العطف، وبالنصب على أنه مفعول معه. (فقال) أي لنا، ففي رواية للنسائي: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولصاحب لي. ولفظ البخاري في باب سفر الاثنين من كتاب الجهاد "انصرفت من عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لنا أنا وصاحب لي". قال الحافظ: لم أرى في شيء من طرقه تسمية صاحبه. (فأذنا) أي ليؤذن أحدكما ويجيب الآخر، وإنما احتيج إلى هذا التأويل وصرف عن ظاهره لقوله في الرواية الآتية "فليؤذن لكم"، ولما رواه الطبراني في هذا الحديث: إذا كنت مع صاحبك فأذن وأقم، وليؤمكما أكبركما. ولأن أذان الواحد يكفي الجماعة إجماعاً، فاجتماعهما في الأذان غير مطلوب. وقيل: الإسناد مجازى، أي ليتحقق بينكما الأذان، كما في "بنو فلان قتلوا" أي وجد القتل فيما بينهم. والمعنى: يجوز لكل منكما الأذان أيكما فعل حصل، فلا يختص بأكبر كالإمامة، فنسب الأذان إليهما للتنبيه على عدم خصوصه بأحدهما بعينة كالإمامة. وقيل: المراد من أحب منكما أن يؤذن فليؤذن، ونسب إليهما لإستوائهما في الفضل، ولا يعتبر في الأذان السن بخلاف الإمامة. وقال الكرماني: قد يطلق الأمر بالتثنية والجمع والمراد واحد كقوله: يا حرسي! اضربا عنقه. مع أن الضارب واحد. (وأقيما) فيه حجة لمن قال باستحباب إجابة المؤذن بالإقامة إن حمل الأمر على ما مضى من التأويل الأول، وإلا فالذي يؤذن هو الذي يقيم. (وليؤمكما أكبركما) أي سناً، وإنما خص الأكبر بالإمامة لمساواتهما في سائر الأشياء الموجبة للتقدم كالأقرئية والأعلمية بالسنة لمساواتهما في المكث والحضور عنده صلى الله عليه وسلم، وذلك يستلزم المساواة في هذه الصفات عادة. والحديث قد استدل به من قال بوجوب الأذان. قال القسطلاني: لكن الإجماع صارف للأمر عن الوجوب، وفيه نظر. وفي الحديث الحض على المحافظة على الأذان في السفر. وفيه أن أقل صلاة الجماعة إمام ومأموم، وهو إجماع المسلمين. وفيه أن الأذان والجماعة مشروعان للمسافرين. (رواه البخاري) في باب الأذان للمسافرين إذا كانوا جماعة والإقامة، وفي باب اثنان فما فوقهما جماعة، وفي باب سفر الإثنين من كتاب الجهاد، لكن ليس في واحد من هذه الروايات لفظ "وابن عم لي"، نعم هو عند الترمذي وأبي داود والنسائي. والحديث أخرجه أيضاً أحمد ومسلم والترمذي وأبوداود والنسائي وابن ماجه، فكان الأنسب للمنصف أن يقول متفق عليه.
688-
(4) وعنه، قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((صلوا كما رأيتموني أصلي، وإذا حضرت الصلاة، فليؤذن لكم أحدكم، ثم ليؤمكم أكبركم)) . متفق عليه.
689-
(5) وعن أبي هريرة، قال: ((إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قفل من غزوة خيبر، سار ليلة، حتى إذا أدركه الكرى عرس،
ــ
688-
قوله: (صلوا كما رأيتموني أصلي) أي في مراعاة الشروط والأركان والسنن والآداب. (وإذا حضرت الصلاة) أي وقتها. (ثم ليؤمكم أكبركم) أي في السن، وإنما قدمه وإن كان الأقرأ والأعلم مقدمين عليه؛ لأنهم استووا في الفضل؛ لأنهم مكثوا عنده عشرين ليلة فاستووا في الأخذ عنه عادة، فلم يبق ما يقدم به إلا السن. قال الشوكاني: الحديث يدل على وجوب جميع ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في الصلاة من الأقوال والأفعال، ويؤكد الوجوب كونها بيانا لمجمل قوله تعالى:{وأقيموا الصلاة} وهو أمر قرآني يفيد الوجوب، وبيان المجمل الواجب واجب كما تقرر في الأصول، إلا أنه ثبت أنه صلى الله عليه وسلم اقتصر في تعليم المسيء صلاته على بعض ما كان يفعله، ويداوم عليه، فعلمنا بذلك أنه لا وجوب لما خرج عنه من الأقوال والأفعال؛ لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز كما تقرر في الأصول بالإجماع. ووقع الخلاف إذا جاءت صيغة أمر بشيء لم يذكر في حديث المسيء، فمنهم من قال يكون قرينة لصرف الصيغة إلى الندب، ومنهم من قال تبقى الصيغة على الظاهر الذي تدل عليه ويؤخذ بالزائد فالزائد. (متفق عليه) أخرجه البخاري في الصلاة، وفي الأدب، وفي أخبار الآحاد، ومسلم في الصلاة، وأخرجه أيضاً أحمد (ج3: ص436 وج5: ص53) والنسائي. قال السيد: لم يذكر مسلم "صلوا كما رأيتموني أصلي"، فقول المصنف "متفق عليه" محل بحث. وأجيب بأنه يحمل على الغالب، أو محل الشاهد والأمر الذي يتعلق به الحكم ويترتب عليه الخلاف من الوجوب والندب. واعلم أن حديث مالك هذا وحديثه السابق واحد في الأصل، وفيه قصة، وبعضهم أطال، وبعضهم اختصر، والمعنى متقارب. وقيل في توجيه اختلاف السياق: أنه يحتمل أن تكون هذه الألفاظ المتعددة كانت منه في وفاتين أو في وفادة واحدة غير أن النقل تكرر منه ومن النبي صلى الله عليه وسلم. والله أعلم.
689-
قوله: (حين قفل) أي رجع إلى المدينة. (من غزوة خيبر) في المحرم سنة سبع، وخيبر غير منصرف للعلمية والتأنيث، وهي اسم موضع على ستة مراحل، وقيل على ستة وتسعين ميلاً من المدينة. (حتى إذا أدركه الكرى) بفتحتين وهو النعاس، وقيل النوم. (عرس) من التعريس أي نزل آخر الليل للنوم والاستراحة. قال النووي: التعريس نزول المسافرين آخر الليل للنوم والاستراحة، هكذا قاله الخليل والجمهور. وقال أبوزيد: هو النزول أي وقت كان
وقال لبلال: إكلأ لنا الليل. فصلى بلال ما قدر له، ونام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه. فلما تقارب الفجر، استند بلال إلى راحلته موجه الفجر، فغلبت بلالاً عيناه، وهو مستند إلى راحلته، فلم يستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا بلال، ولا أحد من أصحابه حتى ضربتهم الشمس، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أولهم استيقاظاً، ففزع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أي بلال! فقال بلال: أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك. قال: اقتادوا.
ــ
من ليل أو نهار، وفي الحديث معرسون في نحر الظهيرة – انتهى. وقال الخطابي: هو النزول لغير إقامة. (إكلأ) بهمزة في آخره، أي ارقب واحفظ واحرس، ومصدره الكلأ بكسر الكاف والمد. (الليل) أي آخره لإدراك الصبح. (فصلى بلال ما قدر له) أي ما تيسر له من التهجد. (وأصحابه) بالرفع على العطف، ويجوز نصبه على أنه مفعول معه. (استند بلال إلى راحلته) لغلبة ضعف السهر وكثرة الصلاة. (موجه الفجر) أي ليرقبه حتى يوقظهم عقب طلوعه. قال القاري: هو بكسر الجيم على أنه فعل لازم، ولذا قال الطيبي: أي متوجه الفجر يعني موضعه، وفي نسخة بفتح الجيم على أن الفعل متعد، والموجه هو الله تعالى. {ولكل وجهة} - انتهى. ووقع في صحيح مسلم، وكذا عند ابن ماجه "مواجه الفجر" بزيادة الألف بعد الواو من المواجهة، قال النووي: أي مستقبله بوجهه. (فغلبت بلالاً عيناه) قال الطيبي: هذا عبارة عن النوم كأن عينيه غالبتاه فغلبتاه على النوم، تم كلامه. وحاصله أنه نام من غير اختيار. (وهو مستند إلى راحلته) جملة حالية تفيد عدم اضطجاعه عند غلبة نومه. (حتى ضربتهم الشمس) أي أصابتهم ووقع عليهم حرها، وألقت عليهم ضوءها. (ففزع) بكسر زاي معجمة وعين مهملة أي قام قيام المتحير. (رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي من استيقاظه وقد فاتته الصبح. وقال الخطابي: معناه انتبه من نومه، يقال: أفزعت الرجل من نومه. إذا استيقظته ففزع، أي نبهته فانتبه. (فقال: أي بلال) العتاب محذوف أو مقدر أي لم نمت حتى فاتتنا الصلاة؟. (أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك) أي كما توفاك الله في النوم توفاني، أو يقال: معناه غلب على نفسي ما غلب على نفسك من النوم، أي كان نومي بطريق الاضطرار دون الاختيار ليصح الاعتذار، وليس فيه احتجاج بالقدر كما توهمه بعضهم. (اقتادوا) أمر من الاقتياد، وهو جر حبل العير، أي سوقوا رواحلكم من هذا الموضع، وفي رواية مسلم: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ليأخذ كل رجل برأس راحلته، فإن هذا منزل حضرنا فيه الشيطان. وفيها بيان سبب تأخير الصلاة عن المكان الذي كانوا فيه، وهو أنه أراد أن يتحول عن المكان الذي أصابته الغفلة فيه. وفيها رد على من قال: إنه أخر قضاء الصلاة في ذلك المكان لكون ذلك وقت الكراهة. قال النووي: فإن قيل: كيف نام النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس مع قوله: إن عيني تنامان ولا ينام قلبي؟ فجوابه من وجهين:
فاقتادوا رواحلهم شيئاً، ثم توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمر بلالاً فأقام الصلاة، فصلى بهم الصبح، فلما قضى الصلاة، قال: من نسي الصلاة، فليصلها إذا ذكرها، فإن الله تعالى قال:{وأقم الصلاة لذكرى} . رواه مسلم.
ــ
أصحهما وأشهرهما أنه لا منافاة بينهما؛ لأن القلب إنما يدرك الحسيات المتعلقة به كالحدث والألم ونحوهما، ولا يدرك طلوع الفجر وغيره مما يتعلق بالعين وإنما يدرك ذلك بالعين، والعين نائمة وإن كان القلب يقظان. والثاني أنه كان له حالان أحدهما ينام فيه القلب، وصادف هذا الموضع، والثاني لا ينام، وهذا هو الغالب من أحواله، وهذا التأويل ضعيف، والصحيح المعتمد هو الأول- انتهى. (فاقتادوا) ماض أي ساقوا. (شيئاً) أي يسيراً من الزمان أو اقتياداً قليلاً من المكان، أي ذهبوا برواحلهم من ثمة مسافة قليلة. (وأمر بلالاً) أي بالإقامة. (فأقام الصلاة) أي للصلاة، وفيه إثبات الإقامة للفائتة، وفيه إشارة إلى ترك الأذان للفائتة، وفي حديث أبي قتادة عند الشيخين إثبات الأذان للفائتة، وهي زيادة صحيحة، والزيادة إذا صحت قبلت وعمل بها. وأما ترك ذكر الأذان في حديث أبي هريرة فجوابه من وجهين: أحدهما لا يلزم من ترك ذكره أنه لم يؤذن فلعله أذن وأهمله الراوي، أو لم يعلم به، والثاني لعله ترك الأذان في هذه المرة لبيان جواز تركه، وإشارة إلى أنه ليس بواجب متحتم لا سيما في السفر. (فصلى بهم الصبح) أي قضاء، وفيه استحباب الجماعة في الفائتة. (فلما قضى الصلاة) أي فرغ منها. (من نسي الصلاة) وفي معنى النسيان النوم، أي من تركها بنسيان أو نوم، واكتفى بالنسيان عن النوم؛ لأنه مثله بجامع ما في كل من الغفلة وعدم التقصير. (فليصلها إذا ذكرها) فيه وجوب قضاء الفريضة الفائتة سواء تركها بعذر كنوم أو نسيان، أم بغير عذر، وإنما قيد في الحديث بالنسيان لخروجه على سبب، ولأنه إذا وجب القضاء على المعذور فغيره أولى بالوجوب، وهو من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى، وقوله: فليصلها إذا ذكرها محمول على الاستحباب، فإنه يجوز تأخير قضاء الفائتة بعذر على الصحيح. {أقم الصلاة لذكرى} بالإضافة إلى ياء المتكلم، وهي القراءة المشهورة، وظاهرها لا يناسب المقصود فأوله بعضهم بأن المعنى: وقت ذكر صلاتي، على حذف المضاف وإضافة المصدر إلى المفعول، واللام بمعنى الوقت أي إذا ذكرت صلاتي بعد النسيان، أو المراد بالذكر المضاف إلى الله تعالى ذكر الصلاة لكون ذكر الصلاة يفضى إلى فعلها المفضي إلى ذكر الله تعالى فيها، فصار وقت ذكر الصلاة كأنه وقت لذكر الله، فقيل في موضع: أقم الصلاة لذكر الله، وقراءة ابن شهاب "للذكرى" بلام الجر ثم لام التعريف وآخره ألف مقصورة، وهي قراءة شاذة لكنها موافقة للمطلوب هنا بلا تكلف. (رواه مسلم) في الصلاة، وأخرجه أيضاً الترمذي في تفسير سورة طه. وأبوداود، وابن ماجه في الصلاة.
690-
(6) وعن أبي قتادة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني قد
خرجت)) . متفق عليه.
691-
(7) وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا أقيمت الصلاة،
ــ
690-
قوله: (إذا أقيمت الصلاة) أي ذكرت ألفاظ الإقامة ونودي بها. (فلا تقوموا حتى تروني قد خرجت) أي من الحجرة الشريفة، أي فإذا رأيتموني قد خرجت فقوموا، وذلك لئلا يطول عليهم القيام، ولأنه قد يعرض له ما يؤخره. وفيه أنه إذا لم يكن الإمام في المسجد لا يقوم المؤتمون عند الإقامة إلى الصلاة إلا حين يرونه. وإليه ذهب الجمهور. وأما إذا كان هو معهم في المسجد فالمستحب أن يقوم الناس إذا أخذ المؤذن في الإقامة. وفيه جواز الإقامة والإمام في منزله إذا كان يسمعها وتقدم إذنه في ذلك. قال القرطبي: ظاهر الحديث أن الصلاة كانت تقام قبل أن يخرج النبي صلى الله عليه وسلم من بيته، وهو معارض لحديث جابر بن سمرة: إن بلالاً كان لا يقيم حتى يخرج النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا خرج أقام الصلاة حين يراه. أخرجه مسلم. ويجمع بينهما بأن بلالاً كان يراقب خروج النبي صلى الله عليه وسلم، فأول ما يراه يشرع في الإقامة قبل أن يراه غالب الناس، ثم إذا رأوه قاموا، فلا يقوم في مقامه حتى تعتدل صفوفهم، وأما حديث أبي هريرة عند مسلم بلفظ: أقيمت الصلاة فقمنا فعدلنا الصفوف قبل أن يخرج إلينا النبي صلى الله عليه وسلم، فأتى فقام مقامه-الحديث. وعند البخاري بلفظ: أقيمت الصلاة فسوى الناس صفوفهم، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم. وعنه في رواية أبي داود "إن الصلاة كانت تقام لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فيأخذ الناس مقامهم قبل أن يجئ النبي صلى الله عليه وسلم "، فيجمع بينه وبين حديث أبي قتادة بأن ذلك ربما وقع لبيان الجواز، وبأن صنيعهم في حديث أبي هريرة كان سبب النهي عن ذلك في حديث أبي قتادة، وأنهم كانوا يقومون ساعة تقام الصلاة، ولو لم يخرج النبي صلى الله عليه وسلم، فنهاهم عن ذلك لاحتمال أن يقع له شغل يبطئ فيه عن الخروج فيشق عليهم انتظاره، ولا يرد هذا الحديث أنس عند البخاري وغيره: أنه قام في مقامه طويلاً في حاجة بعض القوم. لاحتمال أن يكون ذلك وقع نادراً، أو فعله لبيان الجواز. (متفق عليه) قال ميرك: فيه نظر؛ لأن قوله "قد خرجت" من إفراد مسلم، قال القاري: هذا من باب التأكيد الذي بدونه تحصل الإفادة، فكان اللفظ للبخاري والمعنى لمسلم. قلت: الظاهر أن المراد اتفاق الشيخين على إخراج أصل الحديث من غير نظر إلى خصوص اللفظ، والحديث أخرجه أيضاً أحمد والترمذي وأبوداود والنسائي.
691-
قوله: (إذا أقيمت الصلاة) ذكر الإقامة ليس بقيد لما في حديث أبي قتادة عند البخاري "إذا أتيتم الصلاة" فإنه يتناول ما قبل الإقامة، فالمراد الذهاب والمشي إلى الصلاة، وإنما ذكر الإقامة في حديث أبي هريرة؛ لأنها هي الحاملة في الغالب على الإسراع، وهي محل توهم جواز الإسراع لإدراك أول الصلاة مع الإمام، فإن المسرع إذا أقيمت الصلاة يترجى إدراك فضيلة التكبير الأولى، فإذا لم يجز الإسراع مع وجود هذه المصلحة. فعند انتفائها بالأولى،
فلا تأتوها تسعون، وأتوها تمشون وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا.
ــ
فإن غيره ممن جاء قبل الإقامة لا يحتاج إلا الإسراع؛ لأنه يتحقق إدراك الصلاة كلها، فينهى عن الإسراع من باب الأولى، ففي هذا التقييد تنبيه على ما سواه، وإفادة أن الإسراع لا يجوز بحال. (تسعون) حال أي لا تأتوا إلى الصلاة مسرعين في المشي وإن خفتم فوت بعض الصلاة، والمراد بالسعي ههنا هو الإسراع، وقد يطلق على مطلق المشي والذهاب، وهو المراد في قوله تعالى. {فاسعوا إلى ذكر الله} [62: 9) يدل عليه قراءة عمر: فامضوا إلى ذكر الله. وقيل المراد في الآية العمل والقصد، يدل عليه قوله تعالى:{وذرو البيع} [62: 9] أي اشتغلوا بأمر المعاد واتركوا أمر المعاش، ومنه قوله تعالى:{وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} [53: 39] وقوله. {إن سعيكم لشتى} [92: 4] ، وعلى هذا فلا تنافي بين الآية والحديث في الذهاب إلى الجمعة. (تمشون) المشي وإن كان يعم الإسراع لكن التقييد بقوله "وعليكم" الخ خصه بغيره ولولا التقييد صريحا لكفى المقابلة في إفادته. (وعليكم السكينة) ضبطها القرطبي بالنصب بعليكم، أي على الإغراء، يعني على أنها مفعول بها، والمعني الزموا السكينة، وضبطها النووي بالرفع على الابتداء، والخبر سابقها، والجملة في موضع الحال، زاد في رواية للشيخين "والوقار"، فقيل: هو بمعنى السكينة وذكر على سبيل التأكيد، وقيل: إن بينهما فرقاً وإن السكينة التأنى في الحركات، واجتناب العبث. والوقار في الهيئة كغض البصر، وخفض الصوت وعدم الالتفات. (فما أدركتم) الفاء جواب شرط محذوف، أي إذا بينت لكم ما هو أولى بكم "فما أدركتم فصلوا"، أو التقدير إذا فعلتم الذي أمرتكم به من السكينة وترك الإسراع فما أدركتم فصلوا. واستدل به الجمهور على حصول فضيلة الجماعة بإدراك أي جزء كان من الصلاة، لعموم قوله "فما أدركتم فصلوا" ولم يفصل بين القليل والكثير. وقيل: لا يدرك فضل الجماعة بأقل من ركعة لحديث: من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك. وقياساً على الجمعة. والجواب عن الحديث أنه وارد في الأوقات، وحديث الجمعة خاص بها. واستدل الحنفية بإطلاق الحديث على أن من أدرك مع الإمام شيئاً من صلاة الجمعة ولو في التشهد يصلي ما أدرك معه ويتم الباقي، ولا يصلي الظهر، وسيأتي الكلام في هذه المسألة في موضعها. واستدل به على استحباب الدخول مع الإمام في أي حالة وجد عليها. وفيه حديث أصرح أخرجه ابن أبي شيبة من طريق عبد العزيز بن رفيع عن رجل من الأنصار مرفوعاً: من وجدني راكعاً أو قائماً أو ساجداً فليكن معي على حالتي التي أنا عليها. (وما فاتكم) أي بحسب الحس والمشاهدة دون الحكم. (فأتموا) أي أكملوه وحدكم كذا في أكثر الروايات بلفظ فأتموا، وفي بعضها فاقضوا. وقد اختلفوا في المسبوق هل ما يصلي بعد الإمام أول صلاته أم آخرها؟ فمن قال بالأول - وهو أبوحنيفة - استدل برواية "اقضوا"؛ لأن القضاء لا يكون إلا للفائت، فمن سبق بثلاث ركعات فإنه إذا سلم الإمام يقوم فيصلي ركعة بالفاتحة وسورة، ثم يقوم من غير تشهد فيصلي أخرى بالفاتحة وسورة، ثم يقعد ويتشهد ثم يقوم فيصلي أخرى بالفاتحة لا غير، ويتشهد ويسلم، بناء على أن ما أدركه مع الإمام هو آخر صلاته وأنه يكون قاضياً في الأقوال والأفعال. ومن قال بالآخر - وهو الشافعي - استدل
متفق عليه. وفي رواية لمسلم: ((فإن أحدكم إذا كان يعمد إلى الصلاة فهو في صلاة)) .
ــ
برواية "أتموا"؛ لأن لفظ الإتمام واقع على باق من شيء قد تقدم سائره، فمن سبق بثلاث ركعات فإنه يقوم بعد سلام الإمام فيصلي ركعة بالفاتحة وسورة، ثم يجلس ويتشهد، ثم يقوم فيصلي ركعتين بالفاتحة فقط، ثم يتشهد ويسلم، بناء على أن ما أدرك مع الإمام هو أول صلاته، وأنه يكون بانياً عليه في الأقوال والأفعال. وروى البيهقي من طريق إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي:"ما أدركت فهو أول صلاتك". وعن ابن عمر بسند جيد مثله. وقال مالك: إنه أول صلاته بالنسبة إلى الأفعال، فيبني عليها، وآخرها بالنسبة إلى الأقوال فيقضيها، فمن سبق بثلاث ركعات يقضي ركعة بالفاتحة وسورة ويقعد ويتشهد، ثم يقوم فيصلي ركعتين أولاهما بالفاتحة وسورة، وآخراهما بالفاتحة خاصة، وكأنه أراد الجمع بين الروايتين والعمل بمقتضى اللفظين، واستدل لذلك بما رواه البيهقي من حديث قتادة أن علياً قال: ما أدركت مع الإمام فهو أول صلاتك، واقض ما سبقك من القرآن. والراجح عندي هو ما ذهب إليه الشافعي؛ لأن أكثر الرواة أجمعوا على قوله عليه السلام: وما فاتكم فأتموا. ولا يخالفه لفظ "اقضوا" كما سيأتي. قال الحافظ: إن أكثر الروايات ورد بلفظ "فأتموا" وأقلها بلفظ "فاقضوا"، وإنما تظهر فائدة ذلك إذا جعلنا بين الإتمام والقضاء مغايرة، لكن إذا كان مخرج الحديث واحداً واختلف في لفظه منه وأمكن رد الاختلاف إلى معنى واحد كان أولى، وهنا كذلك؛ لأن القضاء وإن كان يطلق على الفائت غالباً لكنه يطلق على الأداء أيضاً، ويرد بمعنى الفراغ كقوله تعالى:{فإذا قضيت الصلاة} [62: 10] ويرد بمعان آخر، فيحمل قوله هنا "فاقضوا" على معنى الأداء، أو الفراغ، فلا يغاير قوله "فأتموا"، فلا حجة فيه لمن تمسك برواية "فاقضوا" على أن ما أدركه المأموم هو آخر صلاته بل هو أولها، وإن كان آخر صلاته إمامه؛ لأن الآخر لا يكون إلا عن شيء تقدمه، وأوضح دليل على ذلك أنه يجب عليه أن يتشهد في آخر صلاته على كل حال، فلو كان ما يدركه مع الإمام آخراً له لما احتيج إلى إعادة التشهد، وقول ابن بطال: إنه ما تشهد إلا لأجل السلام؛ لأن السلام يحتاج إلى سبق تشهد. ليس بالجواب الناهض على دفع الإيراد المذكور. واستدل ابن المنذر لذلك أيضاً على أنهم أجمعوا على أن تكبيرة الافتتاح لا تكون إلا في الركعة الأولى-انتهى. واستدل بالحديث على أن مدرك الركوع لا يعتد بتلك الركعة للأمر بإتمام ما فاته؛ لأنه فاته القيام والقراءة فيه، وهو قول أبي هريرة وجماعة، بل حكاه البخاري في القراءة خلف الإمام عن كل من ذهب إلى وجوب القراءة خلف الإمام، واختاره ابن خزيمة والضبعي وغيرهما من محدثي الشافعية، وقواه الشيخ تقي الدين السبكي من المتأخرين. (متفق عليه) وأخرجه أيضاً الترمذي وأبوداود والنسائي وابن ماجه. (وفي رواية لمسلم فإن أحدكم) تعليل لقوله: وعليكم السكينة. (إذا كان يعمد) بكسر الميم أي يقصد. (فهو في صلاة) أي حكماً وثواباً، فينبغي له من الخشوع والوقار الذي يجب على المصلي، مع أن عدم الإسراع يستلزم كثرة الخطأ وهو معنى مقصود لذاته وردت فيه أحاديث.