المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

إنما التفريط في اليقظة. فإذا نسي أحدكم صلاة أو نام - مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - جـ ٢

[عبيد الله الرحماني المباركفوري]

فهرس الكتاب

-

- ‌(3) كتاب الطهارة

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(1) باب ما يوجب الوضوء

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(2) باب آداب الخلاء

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(3) باب السواك

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(4) باب سنن الوضوء

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(5) باب الغسل

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(6) باب مخالطة الجنب وما يباح له

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(7) باب أحكام المياه

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(8) باب تطهير النجاسات

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(9) باب المسح على الخفين

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(10) باب التيمم

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(11) باب الغسل المسنون

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(12) باب الحيض

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(13) (باب المستحاضة)

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

-

- ‌(4) كتاب الصلاة

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(1) باب المواقيت

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(2) باب تعجيل الصلاة

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(3) باب فضائل الصلاة

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(4) باب الأذان

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(5) باب فضل الأذان وإجابة المؤذن

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(6) باب

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(7) باب المساجد ومواضع الصلاة

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(8) باب الستر

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(9) باب السترة

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

الفصل: إنما التفريط في اليقظة. فإذا نسي أحدكم صلاة أو نام

إنما التفريط في اليقظة. فإذا نسي أحدكم صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها، فإن الله تعالى قال:{وأقم الصلاة لذكري} رواه مسلم.

{الفصل الثاني}

607-

(19) عن علي: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا علي! ثلاث

ــ

اليقظة، قاله السندي. (إنما التفريط في اليقظة) بفتح القاف، أي إنما يوجد التقصير في حال اليقظة، بأن يفعل ما يؤدي إلى النوم أو النسيان، كاضطجاع عند غلبة النوم والاشتغال بما يترتب عليه النسيان من المشاغل كلعب الشطرنج ونحوه فيكون مقصراً حينئذٍ ويأثم بذلك. قال الشوكاني: ظاهر الحديث أنه لا تفريط في النوم سواء كان قبل دخول وقت الصلاة أو بعده قبل تضييقه. وقيل: إنه إذا تعمد النوم قبل تضييق الوقت واتخذ ذلك ذريعة إلى ترك الصلاة لغلبة ظنه أنه لا يستيقظ إلا وقد خرج الوقت كان آثماً. والظاهر أنه لا إثم عليه بالنظر إلى النوم؛ لأن فعله في وقت يباح فعله، فيشمله الحديث. وأما إذا نظر إلى التسبب به للترك، فلا إشكال في العصيان بذلك، ولا شك في إثم من نام بعد تضييق الوقت لتعلق الخطاب به، والنوم مانع من الامتثال، والواجب إزالة المانع. (أقم الصلاة لذكري) اللام فيه للوقت، وهو بالإضافة إلى ياء المتكلم وهي القراءة المشهورة لكن بظاهرها لا يناسب المقصود، فأوله بعضهم بأن المعنى: وقت ذكر صلاتي، على حذف المضاف، أو المراد بالذكر المضاف إلى الله تعالى ذكر الصلاة لكون ذكر الصلاة يفضي إلى فعلها المفضي إلى ذكر الله تعالى فيها، فصار وقت ذكر الصلاة كأنه وقت لذكر الله، فقيل في موضع أقم الصلاة لذكرها: لذكر الله. وقراءة ابن شهاب للذكرى بلام الجر ثم لام التعريف وآخره ألف مقصورة، وهي قراءة شاذة لكنها موافقة للمطلوب هنا بلا تكلف، قاله السندي. وقال الطيبي: الآية تحتمل وجوهاً كثيرة من التأويل، لكن الواجب أن يصار إلى وجه يوافق الحديث؛ لأنه حديث صحيح، ثم ذكر التوجيهين الذي تقدما في كلام السندي، قال: أو وضع ضمير الله موضع ضمير الصلاة لشرفها وخصوصيتها. والحديث يدل على أن شرع من قبلنا شرع لنا؛ لأن المخاطب بالآية المذكورة موسى عليه الصلاة والسلام، وهو الصحيح في الأصول ما لم يرد ناسخ. (رواه مسلم) فيه نظر؛ لأن اللفظ المذكور ليس لمسلم بل هو للنسائي والترمذي، إلا أنه ليس عندهما: فإن الله تعالى يقول: {أقم الصلاة لذكري} [20: 14] قال الترمذي: حديث حسن صحيح، وأخرجه أيضاً أحمد وأبوداود وابن ماجه. قال الحافظ: إسناد أبي داود على شرط مسلم، ورواه مسلم بنحوه في قصة نومهم في صلاة الفجر، ولفظه: ليس في النوم تفريط إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت الصلاة الأخرى، فمن فعل ذلك فليصلها حيث ينتبه لها، فإذا كان الغد فليصلها عند وقتها.

607-

قوله: (ثلاث) أي من المهمات وهو المسوغ للإبتداء، والمعنى: ثلاثة أشياء، وهي الصلاة، والجنازة،

ص: 313

لا تؤخرها: الصلاة إذا أتت، والجنازة إذا حضرت، والأيم إذا وجدت لها كفؤاً)) رواه الترمذي.

ــ

والمرأة، ولذا ذكر العدد. (لا تؤخرها) بالرفع إما خبر لثلاث أو صفة، أي فإن في التأخير آفات بل تعجل فيها، وهذه الأشياء مستثناه من حديث: العجلة من الشيطان. (الصلاة) بالرفع أي منها، أو أحدها، أو هي. وقيل: بالنصب بتقدير أعني. (إذا أتت) بالتائين مع القصر، من الإتيان، أي جاءت، يعني وقتها. قال التوربشتي: في أكثر النسخ المقروءة، أي للمصابيح "أتت" بتاءين، وكذا عند أكثر المحدثين، وهو تصحيف، والمحفوظ من ذوي الإتفاق "آتت" على وزن حانت وبمعناه ذكره الطيبي. والظاهر أنهما روايتان صحيحتان ومعناهما متقارب. قال ابن العربي في عارضة الأحوذى (ج1: ص284) : كذا رويته بالتاءين كل واحد منهما معجمة باثنتين من فوقها، وروي "إذا آنت" بنون وتاء معجمة من فوقها بمعنى حانت. تقول: آن الشيء بئين أيناً أي حان يحين حيناً – انتهى. وكذا قال ابن سيد الناس كما ذكره السيوطي في قوت المغتذي. وقال الأبهرى: "إذا أنت" بفتح الهمزة من أنى يأنى، وهو أيضاً بمعنى حان، ومنه قوله تعالى. {ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم} [57: 16] . (والجنازة) بكسر الجيم وفتها لغتان للميت في النعش. (إذا حضرت) ؛ لأن تأخيرها قد يؤدي إلى التغير فالتعجيل فيها أحب، وأيضاً إن كانت خيراً فالتقديم إليه أحب، وإن كانت شراً فتبعيده أول كما في حديث: لا ينبغي لجيفة مسلم أن تحبس، عند أبي داود. وكما في حديث أسرعوا بالجنازة، عند الشيخين. وفيه دليل على أن الصلاة على الجنازة لا تكره في الأوقات المكروهة، ذكره الطيبي. قال القاري: وهو كذلك عندنا، يعني الحنفية أيضاً، إذا حضرت في تلك الأوقات من الطلوع والغروب ولاستواء، وأما إذا حضرت قبلها وصلى عليها في تلك الأوقات، فمكروهة، وكذا حكم سجدة التلاوة، وأما بعد الصبح وقبله، وبعد العصر فلا يكرهان مطلقاً. (والأيم) بفتح الهمزة وكسر الياء المشددة، هي التي لا زوج لها بكراً كانت أو ثيباً، مطلقة كانت أو متوفى عنها. (كفؤاً) بضم الكاف وسكون الفاء، المثل والنظير، وفي النكاح أن يكون الرجل مثل المرأة في الإسلام، والصلاح. وقيل: في الحرية، والنسب، وحسن الكسب والعمل، والأول هو المعتمد. (رواه الترمذي) في الصلاة من حديث سعيد بن عبد الله الجهني، عن محمد بن عمر بن علي، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب. قال الترمذي: هذا حديث غريب حسن. على ما في النسخة المصرية المطبوعة بتعليق العلامة الشيخ أحمد محمد شاكر. وقد نقل هذا الحديث الزيلعي في نصب الراية (ج1: ص244) عن الترمذي، ونقل أنه قال: حديث غريب، وما أرى إسناده بمتصل. وهكذا نقل الحافظ في التلخيص (ص96) أيضاً. قال صاحب التعليق المذكور: ليس في شيء من النسخ التي معي من الترمذي عبارة "وما أرى إسناده بمتصل"، وكذلك قال شيخنا في شرح الترمذي: إن هذه العبارة ليست في النسخ المطبوعة والقلمية الموجودة عندنا. قال صاحب التعليق: وأنا أظن أن الحافظ الزيلعي انتقل نظره حين الكتابة إلى كلام الترمذي على حديث عائشة الآتي، وأن الحافظ ابن حجر نقل منه تقليداً له فقط – انتهى. وقال الحافظ في الدراية: أخرجه الترمذي والحاكم بإسناد ضعيف. قلت: الظاهر أن هذا الحديث لا ينحط عن درجة الحسن، وأن سنده متصل، فإن سعيد بن عبد الله الجهني

ص: 314

608-

(20) وعن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الوقت الأول من الصلاة رضوان الله، والوقت الآخر عفو الله)) رواه الترمذي.

ــ

ذكره ابن حبان في الثقات، وقال الحافظ: إنه مقبول. ومحمد بن عمر بن علي صدوق، وعمر بن علي ثقة، وقد سمع من أبيه على بن أبي طالب، قاله أبوحاتم، فاتصل سنده. والحديث أخرجه أيضاً أحمد، والنسائي في مسند علي، وأخرج ابن ماجه منه النهي عن تأخير الجنازة فقط، وأخرجه الحاكم في النكاح (ج2: ص162) مطولاً وقال: هذا حديث غريب صحيح ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.

608-

قوله: (الوقت الأول من الصلاة) من تبعيضية، والتقدير من أوقات الصلاة، قاله القاري. وقال الطيبي: من بيان للوقت- انتهى. وخص منه بعض الأوقات كالعشاء والظهر في شدة الحر. (رضوان الله) أي يحصل بأدائها فيه رضوان الله تعالى عن فاعلها، وهو خبر إما بحذف مضاف، أي الوقت الأول سبب رضوان الله لما فيه من المبادرة إلى الطاعة، وهي مؤدية إلى رضاه، أو على المبالغة، أي الوقت الأول عين رضا الله تعالى عنه. (والوقت الآخر) أي بحيث يحتمل أن يكون خروجاً عن الوقت، أو المراد به وقت الكراهة نحو الاصفرار في العصر، والتجاوز عن نصف الليل في العشاء، قاله القاري. (عفو الله) ولا عفو إلا عن ذنب. قال المناوي: والعفو يكون عن المقصرين، فأفاد أن تعجيل الصلاة أول وقتها أفضل- انتهى. وقال الشافعي: ولا يؤثر على رضوان الله شيء؛ لأن العفو لا يكون إلا عن تقصير، نقله البيهقي، زاد في حديث أبي محذورة عند الدارقطني بسند ضعيف جدا: وأوسطه رحمة الله، أي يحصل لفاعل الصلاة فيه رحمته، ومعلوم أن رتبة الرضوان أبلغ. (رواه الترمذي) وكذا الدارقطني والبيهقي كلهم من طريق يعقوب بن الوليد المدني، عن عبد الله بن عمر العمري، عن نافع، عن ابن عمر. ونقل البيهقي عن أبي أحمد بن عدي الحافظ أنه قال: هذا الحديث بهذا الإسناد باطل، ثم قال البيهقي: هذا حديث يعرف بيعقوب بن الوليد المدني، ويعقوب منكر الحديث، ضعفه يحيى بن معين، وكذبه أحمد بن حنبل، وسائر الحفاظ، ونسبوه إلى الوضع نعوذ بالله من الخذلان. وقال في المعرفة: حديث "الصلاة في أول وقتها رضوان الله" إنما يعرف بيعقوب بن الوليد، وقد كذبه أحمد بن حنبل، وسائر الحفاظ. قال: وقد روي هذا الحديث بأسانيد كلها ضعيفة، وإنما يروى عن أبي جعفر محمد بن على من قوله- انتهى. قال الزيلعي في نصب الراية (ج1: ص127) بعد ذكر كلام البيهقي هذا: وأنكر ابن القطان في كتابه على أبي محمد عبد الحق كونه أعل الحديث بالعمري، وسكت عن يعقوب، قال: ويعقوب هو علة، فإن أحمد قال فيه: كان من الكذابين الكبار، وكان يضع الحديث. وقال أبوحاتم: كان يكذب، والحديث الذي رواه موضوع، وابن عدي إنما أعله به، وفي بابه، ذكره- انتهى. والعجب من الترمذي أنه سكت عن هذا الحديث، ولم يعله بيعقوب ولا بالعمري.

ص: 315

609-

(21) وعن أم فروة، قالت:((سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أفضل؟ قال: الصلاة لأول وقتها)) . رواه أحمد، والترمذي، وأبو داود، وقال الترمذي: لا يروى الحديث إلا من حديث عبد الله بن عمر العمري، وهو ليس بالقوي عند أهل الحديث.

ــ

609-

قوله: (عن أم فروة) ذكر ابن عبد البر والطبراني أن أم فروة هذه بنت أبي قحافة أخت أبي بكر الصديق لأبيه، كانت ممن بايع تحت الشجرة، وكانت من المهاجرات، وتبعهما على ذلك المنذري، وابن العربي، وغيرهما من العلماء، ووهموا وغلطوا من قال: إنها أنصارية. ورجح الحافظ وغيره أنها غير أخت أبي بكر الصديق، وأنها أنصارية، أخذ ذلك من ظاهر بعض الروايات أنها جدة القاسم بن غنام الأنصاري، أو عمته. والراجح عندنا هو القول الأول. والظاهر أنها جدة القاسم بن غنام من جهة أمه أو أم أبيه، ففي رواية للحاكم عن القاسم بن غنام الأنصاري، عن جدته أم أبيه الدنيا، عن أم فروة جدته، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي رواية أخرى له عن القاسم بن غنام، عن جدته الدنيا، عن جدته أم فروة. وكانت ممن بايعت النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت من المهاجرات الأول، فهذا يدل على غلط من ظن أنها أنصارية. (أي الأعمال أفضل) أي أكثر ثواباً. (الصلاة لأول وقتها) اللام بمعنى في، قاله ابن الملك. وقال الطيبي: اللام للتأكيد، فيه دليل على أن الصلاة لأول الوقت أفضل الأعمال، لكن الحديث ضعيف كما سيأتي، لكن له شاهد من حديث ابن مسعود عند الحاكم والدارقطني والبيهقي، وأيضاً المحافظة منه صلى الله عليه وسلم على الصلاة أول الوقت دالة على أفضليته. (رواه أحمد) (ج6: ص374، 375، 440) . (والترمذي وأبوداود) وسكت عنه هو والمنذري. (وقال الترمذي: لا يروى الحديث) أي هذا الحديث. (إلا من حديث عبد الله بن عمر) بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب المدني، وفي كلام الترمذي هذا نظر؛ لأنه رواه عن القاسم بن غنام غيره أيضاً، فقد رواه عنه عبيد الله بن عمر العمري عند الحاكم، والدارقطني، والضحاك بن عثمان عند الدارقطني، ونسب الحافظ رواية الضحاك هذه في الإصابة للطبراني. (وهو ليس بالقوي عند أهل الحديث) قد اختلف في جرحه وتعديله، فضعفه الحاكم، وابن حبان، وابن المديني، وأبوحاتم، وصالح جزرة، ويحيى بن سعيد، والنسائي، والبخاري فيما حكاه الترمذي عنه، ووثقه أحمد بن حنبل، وابن معين، وابن عدي، ويعقوب بن شيبة، والعجلى. وقال الذهبي في الميزان: صدوق في حفظه شيء. وقال الخليلي: ثقة، غير أن الحفاظ لم يرضوا حفظه. ثم إنه يظهر من كلام الترمذي الذي نقله المصنف أن الحديث قد تفرد به عبد الله بن عمر العمري، وهو ضعيف، فيكون الحديث ضعيفاً، لكن الظاهر أن سبب ضعف الحديث كونه مضطرب الإسناد، كما قال الترمذي بعد ذلك: واضطربوا عنه في هذا الحديث، واختلف في أن اضطرابه من قبل عبد الله بن عمر العمري أو من قبل شيخه القاسم بن غنام، والظاهر أن اضطراب سنده من جهة القاسم بن غنام، وقد ذكره ابن حبان في الثقات، وذكره العقيلي في الضعفاء، وقال في حديثه اضطراب. وقال الحافظ: صدوق مضطرب الحديث، وتفصيل الاضطراب أنه ورد

ص: 316

610-

(22) وعن عائشة رضي الله عنها، قالت:((ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة لوقتها الآخر مرتين حتى قبضه الله تعالى)) رواه الترمذي.

ــ

في بعض الروايات عن القاسم، عن جدته أم فروة. وفي بعضها "عن عمته أم فروة" بدون واسطة، وفي بعضها "عن بعض أمهاته"، وفي بعضها "عن بعض أهله"، وفي بعضها "عن عماته"، وفي بعضها "عن أهل بيته"، كل هؤلاء عن أم فروة، وتقدمت روايتا الحاكم وهما أوضح الروايات في ذلك. والذي يظهر أن القاسم بن غنام يروي الحديث تارة فيذكر الواسطة المبهمة، ويرويه أخرى فيحذفها، ويقول عن أم فروة. قال الزيلعي في نصب الراية (ج1: ص241) : ذكر الدارقطني في كتاب العلل في هذا الحديث اختلافاً كثيراً واضطراباً، ثم قال: والقول قول من قال عن القاسم، عن جدته الدنيا، عن أم فروة- انتهى. وهكذا رواه الحاكم في المستدرك، والدارقطني في سننه. قال في الإمام: وما فيه من الاضطراب في إثبات الواسطة بين القاسم وأم فروة، وإسقاطها يعود إلى العمري، وقد ضعف، ومن أثبت الواسطة يقضي على من أسقطها، وتلك الواسطة مجهولة- انتهى. فالحديث ضعيف بكل حال لجهل الواسطة بين القاسم بن غنام وبين أم فروة.

610-

قوله: (ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة لوقتها الآخر مرتين) الخ. يعني أنه صلى بعض الصلوات في أخر وقتها لكنه لم يقع له ذلك أكثر من مرة إلى أن توفاه الله تعالى. قيل: وتلك المرة هي التي صلاها صلى الله عليه وسلم للتعليم حين جاء رجل سائل عن أوقات الصلاة، فكان كل صلاة في آخر وقته. وأما حديث إمامة جبريل فخارج عن المبحث؛ لأنه لم يكن اختياراً منه، أو المقصود المبالغة في عدم وقوع ذلك منه صلى الله عليه وسلم، فلا يحتاج إلى الجواب عما وقع ذلك منه أحياناً، يعني أن أوقات صلاته عليه الصلاة والسلام كلها كانت في وقتها الاختياري إلا ما وقع من التأخير إلى آخره نادراً لبيان الجواز، ووقع في بعض نسخ الترمذي: لوقتها الآخر إلا مرتين. بزيادة إلا، وهو يوافق ما نقله الزيلعي في نصب الراية (ج1: ص244) وصاحب جمع الفوائد (ج1: ص60) كلاهما عن الترمذي. والظاهر أن المراد منه حين إمامة جبريل وسؤال الرجل، لكن الظاهر أن يكون المراد غير ما هو للتعلم والتعليم، أو لم يفعل من حين تزوجها فأخبرت بما أحاط به علمها، كذا قيل. (رواه الترمذي) وقال غريب، وفي بعض النسخ "حسن غريب" قال: وليس إسناده بمتصل. وأخرجه أيضاً الدارقطني، والحاكم، والبيهقي كلهم من طريق سعيد بن أبي هلال، عن إسحاق بن عمر، عن عائشة. قال الزيلعي في نصب الراية (ج1: ص244) : قال البيهقي: وهو مرسل، إسحاق بن عمر لم يدرك عائشة، وقال ابن أبي حاتم عن أبيه: إسحاق بن عمر روى عنه سعيد بن هلال مجهول- انتهى. وكذلك قال ابن القطان في كتابه: أنه منقطع، وإسحاق بن عمر مجهول، وأخرجه أيضاً الدارقطني عن عمرة عن عائشة نحوه، وفي سنده معلى بن عبد الرحمن،

ص: 317

611-

(23) وعن أبي أيوب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يزال أمتي بخير، أو قال: على الفطرة، ما

لم يؤخروا المغرب إلى أن تشتبك النجوم)) رواه أبوداود.

ــ

قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه، فقال: متروك الحديث، وأخرجه أيضاً عن أبي سلمة، عن عائشة نحوه، وفيه الواقدي، وهو معروف عندهم- انتهى مختصراً. قال العلامة أحمد محمد شاكر في تعليقه على الترمذي (ج1: ص329) : قد ترك الزيلعي أصح إسناد لهذا الحديث، فقد روى الحاكم (ج1: ص190) من طريق أبي النضر هاشم بن القاسم قال: حدثنا الليث بن سعد، عن أبي النضر، عن عمرة، عن عائشة قالت: ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة لوقتها الآخر حتى قبضه الله. قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، ورواه البيهقي (ج1: ص435) عن الحاكم، وأبوالنضر شيخ الليث هو سالم أبوالنضر مولى عمر بن عبيد الله، وهو مجمع على توثيقه، وهذا الحديث هو الذي أشار الزيلعي إلى أن الدارقطني رواه من طريق معلى بن عبد الرحمن، عن الليث، وهو في سنن الدارقطني (ص92) وقد أشار البيهقي إلى رواية معلى، ومعلى هذا ليس بثقة كان يضع الحديث، ولكن الرواية صحت برواية أبي النضر هاشم بن القاسم عن الليث- انتهى.

611-

قوله: (لا يزال) بالتحتية وفي رواية لأحمد، وكذا في أبي داود بالمثناة الفوقية. (أمتي بخير أو قال على الفطرة) أي السنة المستمرة، أو الإسلام أو الاستقامة، أو للشك من الراوي. (إلى أن تشتبك النجوم) أي تظهر جميعا، ويختلط بعضها ببعض لكثرة ما ظهر منها، وهو كناية عن الظلام. فيه دليل على استحباب المبادرة والتعجيل بصلاة المغرب وكراهة تأخيرها إلى اشتباك النجوم، وقد عكست الروافض القضية، فجعلت تأخير صلاة المغرب إلى اشتباك النجوم مستحباً، والحديث يرده. قال النووي في شرح المسلم: إن تعجيل صلاة المغرب عقيب غروب الشمس مجمع عليه. قال: وقد حكي عن الشيعة فيه شيء لا التفات إليه، ولا أصل له. وأما الأحاديث الواردة في تأخير المغرب إلى قرب غروب الشفق فكانت لبيان آخر الوقت؛ لأنها كانت جوابا للسائل عن الوقت، وأحاديث التعجيل عامتها إخبار عن عادة رسول الله صلى الله عليه وسلم المتكررة التي واظب عليها إلا لعذر فالاعتماد عليها. (رواه أبوداود) وسكت عنه هو والمنذري، وأخرجه أيضاً أحمد (ج5: ص417، 422) والحاكم في المستدرك (ج1: ص190) وقال: صحيح على شرط مسلم، وأقره الذهبي، وفي سنده عندهم محمد بن إسحاق، وهو مدلس لكنه صرح بالتحديث، قال الزيلعي: قال الشيخ في الإمام: وقد خولف ابن إسحاق في هذا الحديث، قال ابن أبي حاتم: ورواه حيوة وابن لهيعة، عن يزيد بن حبيب، عن أسلم أبي عمران التجيبي، عن أبي أيوب، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: بادروا بصلاة المغرب قبل طلوع النجوم، قال أبوزرعة: وحديث حيوة أصح- انتهى كلامه. قلت: حديث ابن لهيعة أخرجه أحمد (ج5: ص415) وأخرج أحمد أيضاً (ج5: ص421) من حديث ابن أبي ذئب، عن يزيد بن أبي حبيب عن رجل عن أبي أيوب بنحوه.

ص: 318

612-

(24) ورواه الدارمي عن العباس.

613-

(25) وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يؤخروا

العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه)) رواه أحمد، والترمذي، وابن ماجه.

614-

(26) وعن معاذ بن جبل، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أعتموا بهذه الصلاة؛ فإنكم قد فضلتم

بها على سائر الأمم، ولم تصلها أمة قبلكم))

ــ

612-

قوله: (ورواه الدارمي عن العباس) وكذا روى ابن ماجه والحاكم وابن خزيمة في صحيحه وأبوبكر البزار كلهم من حديث إبراهيم بن موسى، عن عباد بن العوام، عن عمر بن إبراهيم، عن قتادة، عن الحسن، الأحنف بن قيس، عن العباس بن عبد المطلب. قال البوصيري في الزائد: إسناده حسن، وجعله الحاكم شاهداً صحيحاً لحديث أبي أيوب المتقدم ووافقه الذهبي. وقال أبوبكر البزار: لا نعلمه يروى عن العباس إلا من هذا الوجه، ورواه غير واحد عن عمر بن إبراهيم، عن قتادة، عن الحسن مرسلاً. قال الترمذي: وحديث العباس قد روى عنه موقوفاً وهو أصح، قال ابن سيد الناس: ومراد البزار بالمرسل هنا الموقوف؛ لأنه متصل الإسناد إلى العباس. وذكر الخلال بعد إيراد هذا الحديث: قال أبوعبد الله: هذا حديث منكر. كذا في النيل.

613-

قوله: (إلى ثلث الليل أو نصفه) قال ميرك: "أو" يحتمل التنويع، أي إلى ثلث الليل في الصيف ونصف الليل في الشتاء. وقيل: بمعنى بل، والظاهر أنه شك من الراوي، أي سعيد بن أبي سعيد المقبري، أو من الرواة عنه، وأخرجه الحاكم من طريق عبد الرحمن السراج، عن سعيد، عن أبي هريرة. وفيه إلى نصف الليل بغير شك. والحديث صريح في أن التأخير في العشاء أولى من التعجيل، ولا يعارضه ما تقدم من أحاديث أفضلية أول الوقت؛ لأنها عامة، وحديث أبي هريرة هذا وما في معناه من الأحاديث الدالة على تأخير العشاء خاصة، فيجب بناء العام عليها. (رواه أحمد والترمذي) وقال: حديث حسن صحيح. (وابن ماجه) وأخرجه أيضاً الحاكم (ج1: ص146) .

614-

قوله: (أعتموا) بفتح الهمزة وكسر التاء، أمر من باب الإفعال. (بهذه الصلاة) أي العشاء والباء للتعدية، أي أدخلوها في العتمة، أو للمصاحبة، أي أدخلوا العتمة متلبسين بهذه الصلاة، فالجار والمجرور حال، يقال: أعتم الرجل إذا دخل في العتمة، وهي ثلث الليل الأول بعد غيبوبة الشفق، أو مطلق الظلمة بعد غيبوبته، وقيل: هو مأخوذ من العتم الذي هو الإبطاء، والمعنى أخروا العشاء الآخرة. وفيه دليل على استحباب تأخير صلاة العشاء عن أول وقتها، وتنبيه على أفضلية التأخير، وهو مقيد إلى الثلث أو النصف لما تقدم. (قد فضلتم) بصيغة المجهول من التفضيل. (بها) أي بصلاة العشاء. (على سائر الأمم) أي جميعها أو باقيها. (ولم تصلها أمة قبلكم) التوفيق بينه وبين قوله في حديث جبريل: هذا

ص: 319

رواه أبوداود.

615-

(27) وعن النعمان بن بشير قال: ((أنا أعلم بوقت هذه الصلاة صلاة العشاء الآخرة: كان

رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليها لسقوط القمر لثالثة)) .

ــ

وقت الأنبياء من قبلك. أن صلاة العشاء كانت تصليها الرسل نافلة لهم أي زائدة، ولم تكتب على أممهم كالتهجد، فإنه وجب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يجب علينا، قاله الطيبي. وقال ميرك: يحتمل أنه أراد أنه لم تصلها على النحو الذي تصلونها من التأخير وانتظار الاجتماع في وقت حصول الظلام وغلبة المنام على الأنام، كذا في المرقاة. (رواه أبوداود) وسكت عليه هو والمنذري.

615-

قوله: (وعن النعمان) بضم النون. (بن بشير) مكبراً، ابن سعد بن ثعلبة الأنصاري الخزرجي أبوعبد الله المدني، له ولأبويه صحبة، وأمه عمرة بنت رواحة. ولد على رأس أربعة عشر شهراً من الهجرة، وهو أول مولود ولد في الأنصار بعد قدوم النبي صلى الله عليه وسلم، سكن الشام، ثم ولى إمرة كوفة. ثم حمص. وكان فصيحاً. له مائة وأربعة وعشرون حديثاً، اتفقا على خمسة، وانفرد البخاري بحديث، ومسلم بأربعة، قتله خالد بن خلى الكلاعي بحمص يوم راهط سنة (64) أو (65) أو (66) وله (64) سنة. (أنا أعلم بوقت هذه الصلاة) هذا من باب التحدث بنعمة الله عليه بزيادة العلم، مع ما فيه من حمل السامعين على اعتماد مرويه، ولعل وقوع هذا القول منه بعد موت غالب أكابر الصحابة وحفاظهم الذين هم أعلم بذلك منه، قاله القاري. ويحتمل أنه قال ذلك على ظن أنه لم يضبط وقت صلاة العشاء من الصحابة أحد كما ضبطه هو بناء على أنه بحث عنه واستقرأه واجتهد في علمه ومشاهدته ما لم ير شيئاً من ذلك لأحد غيره من الصحابة. (صلاة العشاء) بالجر على البدل، وبالنصب بتقدير أعني. (الآخرة) احتراز عن المغرب. (لسقوط القمر) اللام للوقت أي وقت غروبه وغيبته. (لثالثه) أي في ليلة ثالثه من الشهر، وهو متعلق بسقوط القمر، وقيل صفة للقمر أي لسقوط القمر الكائن لليلة ثالثة من الشهر. والحاصل أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي العشاء وقت مغيب القمر في الليلة الثالثة من الشهر، وكان هذا هو الغالب، وإلا فقد علم أنه كان يعجل تارة ويؤخر أخرى حسب ما يرى من المصلحة. قال العلامة في تعليقه على الترمذي: قد استدل بعض علماء الشافعية بهذا الحديث على استحباب تعجيل العشاء. انظر المجموع للنووي (ج3: ص55-58) وتعقبهم ابن التركماني في الجوهر النقي (ج1: ص45) فقال: إن القمر في الليلة الثالثة يسقط بعد مضيى ساعتين ونصف ساعة ونصف سبع ساعة من ساعات تلك الليلة المجزأة على ثنتي عشرة ساعة، والشفق الأحمر يغيب قبل ذلك بزمن كثير، فليس في ذلك دليل على التعجيل عند الشافعية، ومن يقول بقولهم. قال: وقد يظهر هذا النقد صحيحاً دقيقاً في بادي الرأي، وهو صحيح من جهة أن الحديث لا يدل على تعجيل العشاء، وخطأ من جهة حساب غروب القمر، فلعل ابن التركماني راقب غروب القمر في ليلة ثالثة من بعض الشهور، ثم ظن أن موعد غروبه متحد في كل ليلة

ص: 320

رواه أبوداود، والدارمي.

ــ

ثالثة من كل شهر، وليس الأمر كذلك. ثم نقل لإثبات خطأ ابن التركماني جدولين لأوقات غروب القمر في الليالي الثالثة من شهور سنة 1345هـ. وسنة 1356هـ. بحساب مدينة القاهرة ذكر فيهما أوقات العشاء، وأوقات الفجر، وأوقات غروب القمر بالساعة العربية. بتقسيم اليوم والليلة إلى 24 ساعة واحتساب مبدأها من غروب الشمس. قال: ومنه يظهر خطأ ابن التركماني، فإنك إذا قسمت الوقت بين غروب الشمس وبين طلوع الفجر إلى اثنى عشر قسماً – سماها ابن التركماني ساعات – وجدت أن القمر يغرب في بعض الليالي الثالثة قبل الوقت الذي ذكر، وفي بعض الليالي بعده. ومنه يظهر أيضاً أن النعمان بن بشير لم يستقرأ أوقات صلاة النبي صلى الله عليه وسلم العشاء استقراء تاماً، ولعله صلاها في بعض المرات في ذلك الوقت، فظن النعمان أن هذا الوقت يوافق غروب القمر لثالثة دائماً، ومما يؤيد ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يلتزم وقتاً معيناً في صلاتها، كما قال جابر بن عبد الله في ذكر أوقات صلاة النبي صلى الله عليه وسلم: والعشاء أحياناً يؤخرها، وأحياناً يعجل، إذا رآهم اجتمعوا عجل، وإذا رآهم أبطأوا أخر. وهو حديث صحيح أخرجه أحمد والبخاري ومسلم وأبوداود والنسائي. (رواه أبوداود) وسكت عنه هو والمنذري. (والدارمي) وأخرجه أيضاً أحمد (ج4: ص274) والترمذي والحاكم (ج1: ص194) والبيهقي (ج1: ص448، 449) . قال ابن العربي في عارضة الأحوذى (ج1: ص277) : حديث النعمان حديث صحيح وإن لم يخرجه الإمامان فإن أباداود خرجه عن مسدد، والترمذي عن ابن أبي الشوارب كلاهما عن أبي عوانة، عن أبي بشر جعفر بن أبي وحشية، عن بشير بن ثابت، عن حبيب بن سالم، فأما حبيب بن سالم مولى النعمان بن بشير، فقال أبوحاتم: هو ثقة، وأما بشير بن ثابت، فقال: يحيى بن معين: إنه ثقة. ولا كلام فيمن دونهما، وإن كان هشيم قد رواه عن أبي بشر، عن حبيب بن سالم بإسقاط بشير. وما ذكرناه أصح. وكذلك رواه شعبة وغيره، وخطأ من أخطأ في الحديث لا يخرجه عن الصحة – انتهى. قلت: حديث شعبة أخرجه أحمد (ج4: ص272) عن يزيد بن هارون، والحاكم (ج1: ص194) من طريق يزيد بن هارون، عن شعبة، عن أبي بشر نحو رواية أبي عوانة. وحديث هشيم أخرجه أيضاً أحمد (ج4: ص270) وأبوداود الطيالسي كلاهما عن هشيم، وأخرجه الحاكم (ج1: ص194) من طريق عمرو بن عون، عن هشيم، عن أبي بشر، عن حبيب بن سالم بغير ذكر واسطة بشير بن ثابت، قال الحاكم: تابعه رقبة مصقلة، عن أبي بشر، هكذا اتفق رقبة وهشيم على رواية هذا الحديث عن أبي بشر، عن حبيب بن سالم، وهو إسناد صحيح، وخالفهما شعبة وأبوعوانة فقالا: عن أبي بشر، عن بشير بن ثابت، عن حبيب بن سالم – انتهى. ورقبة بن مصقلة ثقة، وروايته عند النسائي عن محمد بن قدامة، عن جرير بن عبد الحميد. عن رقبة. وهذا كما ترى قد اختلفت الرواية عن أبي بشر، فبعضهم رواه عنه، عن حبيب بن سالم بلا واسطة، وبعضهم رواه عنه، عن بشير بن ثابت، عن حبيب. وقد رجح الترمذي وتابعه ابن العربي رواية من زاد عن بشير بن ثابت. قال الترمذي: وحديث أبي عوانة أصح عندنا؛ لأن يزيد بن هارون روى عن شعبة، عن أبي بشر نحو رواية أبي عوانة،

ص: 321

616-

(28) وعن رافع بن خديج، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أسفروا بالفجر، فإنه أعظم للأجر))

ــ

وصرح ابن العربي كما تقدم بأن هشيماً أخطأ في روايته، ولكن متابعة رقبة بن مصقلة له تبعد احتمال الخطأ. والظاهر أن أبا بشر سمعه من حبيب وسمعه من بشير بن ثابت عن حبيب، فكان يرويه مرة هكذا ومرة هكذا كما تراه كثيراً في صنيع الرواة، والإسناد صحيح في الحالين كذا حققه صاحب التعليق، وهو تحقيق جيد.

616-

قوله: (أسفروا بالفجر) أي صلوا صلاة الفجر إذا أضاء الفجر وأشرق. (فإنه) أي الإسفار بالفجر. (أعظم للأجر) احتج به الحنفية على أفضلية تأخير الفجر إلى الإسفار. وأجيب عنه بأن استمرار صلاته صلى الله عليه وسلم بغلس ومداومته على التغليس يشعر بأن المراد بأسفروا غير ظاهره، فقيل: يحمل على التأخير حتى يتبين وينكشف بحقيقة الأمر، ويعرف يقيناً طلوع الفجر، وعلى هذا "أعظم" ليس للتفضيل. وقيل: يحمل على الليالي المقمرة؛ لأن أول الفجر لايتضح معها لغلبة نور القمر لنوره. وقيل: يحمل على الليالي القصيرة لإدراك النوم الصلاة كما في حديث معاذ بن جبل قال: بعثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فقال: يا معاذ إذا كان في الشتاء فغلس بالفجر، وأطل القراءة قدر ما يطيق الناس ولا تملهم، وإذا كان الصيف فأسفر بالفجر، فإن الليل قصير والناس ينامون، فأمهلهم حتى يدركوا. ذكره البغوي في شرح السنة، وأخرجه بقي بن مخلد في مسنده، وأبونعيم في الحلية. وقيل: المراد طولوا القراءة في صلاة الصبح حتى تخرجوا منها مسفرين، وهو الأوفق بحديث: ما أسفرتم بالفجر فإنه أعظم للأجر، قال الإمام ابن القيم في إعلام الموقعين بعد ذكر حديث رافع بن خديج ما لفظه: وهذا بعد ثبوته إنما المراد به الإسفار دواماً لا ابتداء فيدخل فيها مغلساً، ويخرج منها مسفراً كما كان يفعله صلى الله عليه وسلم، فقوله موافق لفعله لا مناقض له، وكيف يظن به المواظبة على فعل ما الأجر الأعظم في خلافه – انتهى. وهذا هو الذي اختباره الطحاوي في شرح الآثار، وبسط الكلام فيه، وقال في آخره: فالذي ينبغي الدخول في الفجر في التغليس والخروج منها في وقت الإسفار، على موافقة ما روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وهو قول أبي حنيفة، وأبي يوسف، ومحمد بن الحسن – انتهى. ولا يخدش هذا الجواب حديث عائشة المتقدم: فتنصرف النساء ما يعرفن من الغلس؛ لأنه يمكن أن يقال: إنه كان أحياناً. وقيل في جواب حديث رافع هذا: أن قوله: أسفروا بالفجر، مروي بالمعنى، والأصل أصبحوا بالصبح، كما في رواية أبي داود. قال الجزري: أي صلوها عند طلوع الصبح، يقال: أصبح الرجل إذا دخل في الصبح – انتهى. قال السيوطي في حاشية أبي داود: وبهذا يعرف أن رواية من روى هذا الحديث بلفظ "أسفروا بالفجر" مروية بالمعنى، وأنه دليل على أفضلية التغليس بها لا على التأخير إلى الإسفار-انتهى. وقال السندي في حاشية ابن ماجه: تعين أن "أسفروا " منقول بالمعنى، محتاج إلى الدليل، إذ يمكن العكس. نعم! قد سقط استدلال من يقول بالإسفار بلفظ "أسفروا"؛ لاحتمال أنه من تصرف الرواة، والأصل أصبحوا، كما سقط استدلال من يقول بالتغليس بلفظ "أصبحوا" لاحتمال أنه من تصرف الرواة، إلا أن يقال

ص: 322