الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(3) كتاب الطهارة
{الفصل الأول}
283-
(1) عن أبي مالك الأشعري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الطهور
ــ
(كتاب الطهارة) الطهارة لغة: النظافة والنزاهة من كل عيب حسي أو معنوي، وشرعاً: طهارة البدن من النجاسة الحكمية، أي الحدثين الأكبر والأصغر، وطهارة البدن والثوب والمكان من النجاسة الحقيقة، أي الأخباث وفضلات الأعضاء، ولما كان العمل نتيجة العلم، وبعد العلم يكون العمل، وأفضل الأعمال البدنية الصلاة، ولا يتوصل إليها إلا بالطهارة، عقب كتاب العلم بكتاب الطهارة. وينبغي بل يجب للطالب أن يرجع لمعرفة أسرار الدين ومصالح أحكامه إلى إعلام الموقعين للإمام ابن قيم، وحجة الله البالغة، وإحياء علوم الدين مع تخريج أحاديثه للعراقي، والحصون الحميدية للجسر، وغير ذلك من كتب هذا الفن.
283-
قوله: (عن أبي مالك الأشعري) اختلف في اسمه فقيل: عبيد. وقيل: عبيد الله. وقيل: عمرو. وقيل: كعب ابن كعب. وقيل: عامر بن الحارث. وقيل: الحارث بن الحارث. وقيل: غير ذلك. صحابي، مات في خلافة عمر في طاعون عمواس سنة (18) . وقال الحافظ في المقدمة: لا يعرف اسمه، وهو من رواة مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وله عند البخاري تعليقاً، روى عنه عبد الرحمن بن غنم الأشعري، وربيعة الجرشي، وأبوسلام ممطور الأسود وغيرهم، وروى أبوسلام أيضاً عن عبد الرحمن بن غنم عنه. وفي الصحابة أبومالك الأشعري اثنان غير هذا. أحدهما الحارث بن الحارث الأشعري الشامي من رواة الترمذي والنسائي، تفرد بالرواية عنه أبوسلام ممطور الأسود، أخرج له الترمذي والنسائي حديثاً قدسياً طويلاً جامعاً لأنواع من العلوم، وهو حديث:"إن الله أمر يحيى بن زكريا بخمس كلمات". والثاني كعب بن عاصم الأشعري نزل الشام ومصر، له حديثان فقط: أحدهما ماروته أم الدرداء عنه مرفوعاً: "ليس من البر الصيام في السفر". أخرجه أحمد، والنسائي، وابن ماجه، وغيرهم. والحديث الثاني: ما روى جابر بن عبد الله عنه أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يخطب عند الجمرة أوسط أيام النحر. أخرجه البغوي، وابن السكن وهو أي أبومالك كعب بن عاصم الأشعري راوى حديث:"الطهور شطر الإيمان" هو كعب بن عاصم الأشعري، كذا قال البخاري في التاريخ وغيره. وقيل: هو الحارث بن الحارث الأشعري المتقدم الذى روى الحديث القدسي الطويل. والراجح عندى أنه غيرهما، أعني هو أبومالك الأشعري الذي اختلف في اسمه حتى قال الحافظ في المقدمة فيه: أنه لا يعرف اسمه، فليس هو الحارث بن الحارث الأشعري؛ لأن هذا قد تأخرت وفاته، وأما أبومالك الأشعري المختلف في اسمه فقد تقدم أنه توفي في خلافة عمر. وليس هو كعب بن عاصم أيضاً؛ لأنه لم يرو عنه غير أم الدرداء وجابر بن عبد الله، والله أعلم. (الطهور) بضم أوله على الأفصح،
شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن – أو تملأ – ما بين السماوات والأرض،
ــ
والمراد به المصدر أي التطهر، وروي بالفتح على حذف المضاف، أي استعماله، وفي بعض الروايات الوضوء بدل الطهور. (شطر الإيمان) أي نصفه، قيل: المراد به الترغيب في الطهور، وتعظيم ثوابه، حتى كأنه بلغ إلى نصف ثواب الإيمان. وقيل: الإيمان يكفر الصغائر والكبائر والوضوء لا يكفر إلا الصغائر، فكان في مرتبة نصف الإيمان. وقيل: المراد بالإيمان الصلاة، ولا تصح الصلاة إلا بالطهارة فصارت كالشطر. وتوضيحه أن صحة الصلاة باستجماع الشرائط الخارجة عنها، والأركان الداخلة فيها. والطهارة أقوى الشرائط وأعظمها. فجعلت كأنها لا شرط سواها، واعتبرت الأركان والشرائط نصفاً، والطهارة وحدها نصفاً آخر على سبيل المبالغة والإدعاء. وقيل: المراد بالطهور ههنا التخلية عن الرذائل من العقائد الزائغة، والأخلاق الذميمة، والجرائم، والآثام، ولأحداث والأخباث. ومن المعلوم أن الإيمان موجب التخلية عن الرذائل والتحلية بالفواضل، فيكون الطهور شطر الإيمان. ويرد هذا الاحتمال رواية "الوضوء شطر الإيمان" وكذا رواية إسباغ الوضوء. وقيل: المراد بالشطر الجزء، والمعنى أن الطهارة جزء من أجزاء الإيمان، وركن من أركان الإسلام، وقد تقدم أن الأعمال من أجزاء الإيمان. وهذا أيضاً ضعيف، يرده حديث رجل من بني سليم بلفظ "الطهور نصف الإيمان"، وأيضاً إنما يعرف استعمال الشطر لغة في النصف. (والحمد لله) أي تلفظه. (تملأ) بالتأنيث على تأويل الكلمة أو الجملة، وروي بالتذكير على إرادة اللفظ والكلام، أو المضاف المقدر أي ثوابها لو قدر مجسماً لملأ. (الميزان) فمعناه بيان عظيم أجرها وأن ثوابها يملأ الميزان، أو محمول على أن الأقوال والأعمال والمعاني تتجسد يوم القيامة عند الوزن، وقد تظاهرت نصوص الشرع من القرآن والسنة على وزن الأعمال، وثقل الموازين وخفتها، وأما القول بأن الأعمال والأقوال أعراض مستحيلة البقاء، غير متصفة بالثقل والخفة، فمن هفوات الأهفاء وسقطات الحمقاء، قد أبطلها وحقق خلافها الفلسفة الحديثة الجديدة. وقال السندى: ولعل الأعمال تصير أجساماً لطيفة نورانية، لا تزاحم بعضها ولا تزاحم غيرها أيضاً، كما هو المشاهد في الأنوار، إذ يمكن أن يسرج ألف سراج في بيت واحد مع أنه يمتلئ نوراً من واحد من تلك السرج لكن لكونها لا يزاحم يجتمع معه نور ثاني ونور ثالث، ثم لا يمنع امتلاء البيت من النور جلوس القاعدين فيه لعدم التزاحم، فلا يرد أنه كيف يتصور ذلك مع كثرة التسبيحات والتقديسات، مع أنه يلزم من وجوده أن لا يبقى مكان لشخص من أهل المحشر، ولا لعمل آخر متجسد مثل تجسد التسبيح وغيره. (تملآن) أي هاتان الجملتان. (أو تملأ) أو للشك من الراوى والضمير في "تملأ" للجملة الشاملة لهما، ويمكن أن يكون الإفراد بتقدير كل واحدة منهما. (ما بين السماوات والأرض) معناه لو قدر ثوابهما جسماً لملأ ما بين السماوات والأرض، وسب عظم فضلهما ما اشتملتا عليه من التنزيه لله تعالى بقوله: سبحان الله، والتفويض والإفتقار إليه بقوله: الحمد لله، وقد أوضحه الشيخ عبد الحق الدهلوي في أشعة اللمعات، فارجع إليها.
والصلاة نور، والصدقة برهان. والصبر ضياء، والقرآن حجة لك أو عليك. كل الناس يغدو: فبائع نفسه، فمعتقها أو موبقها)) رواه مسلم.
ــ
(والصلاة نور) لتأثيرها في تنوير القلوب وإشراح الصدور وإشراق أنوار المعارف وكشف الحقائق لفراغ القلب فيها، وقيل: لأنها تمنع من المعاصي والشهوات، وتنهى عن الفحشاء والمنكر، وتهدي إلى الصواب كما أن النور يستضاء به، وقيل: يكون أجرها نوراً لصاحبها يوم القيامة. وقيل: إنها تكون نوراً في ظلمة القبر، وقيل إن الصلاة تكون نوراً ظاهرا على وجهه يوم القيامة، ويكون في الدنيا أيضاً على وجهه البهاء، بخلاف من لم يصل. (والصدقة برهان) أي دليل واضح على صدق صاحبه في دعوى الإيمان إذ الإقدام على بذله خالصاً لله لا يكون إلا من صادق في إيمانه، وقيل: معناه يفزع إليها كما يفزع إلى البراهين، كأن العبد إذا سئل يوم القيامة عن مصرف ماله كانت صدقاته براهين في جواب هذا السؤال، فيقول تصدقت به، ويجوز أن يوسم المتصدق بسيما يعرف بها، فيكون برهاناً له على حاله، ولا يسأل عن مصرف ماله. (الصبر) على الطاعة، وعن المعصية، وفي النائبات، وأنواع المكاره في الدنيا. (ضياء) أي نور قوي، شديد كامل، فإن الضياء أقوى من النور، قال تعالى {هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نوراً} [5:10] ، وذلك لأن الصبر أوسع من الصلاة؛ لأن كل واحدة من الواجبات والمحظورات تحتاج إلى الصبر، بل مناط جميع أمور الدين على الصبر. وقيل معناه: الصبر المحمود المحبوب في الشرع لا يزال صاحبه مستضيئاً مهتدياً مستمراً على الصواب، وقيل: المراد بالصبر الصوم بقرينة ذكره مع الصلاة والصدقة، وهو لكونه قهراً على النفس، قامعا لشهواتها له تأثير عادة في تنوير القلوب أتم وجه، وقيل: خص الصبر بالضياء على تفسيره بالصوم لتخصيصه بالنهار كتخصيص الشمس به، لا لمزية الصوم على الصلاة. (والقرآن حجة لك) أي تنتفع به إن عملت به. (وعليك) أي إن أعرضت عنه، أو قصرت فيه بترك العمل بما فيه. (كل الناس يغدو) أي يصبح أو يسير، وهي جملة مستأنفة، جواب ما يقال: قد تبين الرشد مما تقدم، فما حال الناس؟ فأجيب بأن كلهم يغدو أي يسعى ويعمل، فيبيع نفسه من الله أو من الشيطان، فالأول أعتقها؛ لأن الله أشترى أنفسهم، والثاني أوبقها {ولبئس ماشرو به أنفسهم} [102:2] . وقال النووى: معناه كل إنسان يسعى بنفسه، فمنهم من يبيعها لله تعالى بطاعته، فيعتقها من العذاب، ومنهم من يبيعها للشيطان والهوى بإتباعهما فيوبقها أي يهلكها، وقوله. (فبائع) خبر لمبتدأ محذوف، أي فهو بائع أي باذل نفسه، فمن بذلها في طاعة الله فهو معتقها، ومن بذلها في هوى نفسه فهو مهلكها، وقوله:"فمعتقها"، قال الطيبي: الفاء فيه للسببية وهو خبر بعد خبر، ويجوز أن يكون بدل البعض من قوله فبائع. (رواه مسلم) في أول الطهارة، وأخرجه أيضاً أحمد، والترمذي في الدعوات، والنسائي في الزكاة، وابن ماجه في الطهارة إلا أنهما قالا: إسباغ الوضوء شطر الإيمان. والحديث أخرجه مسلم، وأحمد، والترمذي من طريق يحيى بن أبي كثير، عن زيد بن سلام، عن جده أبي سلام، عن أبي مالك الأشعري، وأخرجه النسائي، وابن ماجه من طريق معاوية بن سلام، عن أخيه زيد بن سلام، عن جده أبي سلام، عن عبد الرحمن بن غنم، عن أبي مالك
وفي رواية: ((لا إله إلا الله والله أكبر، تملآن ما بين السماء والأرض)) . لم أجد هذه الرواية في الصحيحين، ولا في كتاب الحميدى، ولا في الجامع، ولكن ذكرها الدارمي بدل: سبحان الله والحمد لله.
284-
(2) وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات؟ قالوا: بلى يا رسول الله قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط.
ــ
الأشعري. فتكلم الدارقطني وغيره في رواية مسلم، فقالوا: هي منقطعة، لسقوط عبد الرحمن بن غنم فيها بين أبي سلام وأبي مالك، قال النووى: ويمكن أن يجاب لمسلم عن هذا بأن الظاهر من حال مسلم أنه علم سماع أبي سلام لهذا الحديث من أبي مالك فيكون أبوسلام سمعه من أبي مالك، وسمعه أيضاً من عبد الرحمن بن غنم عن أبي مالك، فرواه مرة عنه ومرة عن عبد الرحمن عنه. (وفي رواية لا إله إلا الله والله أكبر تملآن مابين السماء والأرض) هذا قول صاحب المصابيح. قال صاحب المشكاة. (لم أجد هذه الرواية) أي التي أوردها صاحب المصابيح في ما ذكر في قوله من الصحاح. (في الصحيحين) أي متنيهما. (ولا في كتاب الحميدى) الجامع بين الصحيحين. (ولا في الجامع) أي للأصول الستة. (ولكن ذكرها) أي هذه الرواية. (الدارمي) يعنى التزم صاحب المصابيح أن يكون جميع ما ذكر في قوله من الصحاح المعبر عنه بالفصل الأول مما أخرجه الشيخان أو أحدهما، وهذه الرواية ليست في أحدهما، فإيرادها في الصحاح خلاف لما التزمه، وقد يجاب بأن الإلتزام إنما هو في أصول الأحاديث، وأما هذه فإنما هي زيادة إفادة متفرعة على أصل الحديث الموجود في صحيح مسلم، والله أعلم.
284-
قوله: (ألا أدلكم) الهمزة للاستفهام، ولا نافية، وليس إلا للتنبيه بدليل قولهم: بلى. (يمحو الله به الخطايا) أي يغفرها، أو يمحوها من كتب الحفظة، ويكون ذلك المحو دليلاً على عفوه تعالى ومغفرته، والمراد بالخطايا الصغائر، مما يتعلق بحقوق الله. (يرفع به الدرجات) أي يعلي به المنازل في الجنة، ويحتمل رفع الدرجات في الدنيا أيضاً. (قالوا: بلى) فائدة السؤال والجواب أن يكون الكلام أوقع في النفس بحكم الإبهام والتبيين. (إسباغ الوضوء) أي إكماله بتطويل الغرة والتحجيل والتثليث والدلك. (على المكاره) جمع مكره، بفتح الميم من الكره بمعنى المشقة، كبرد الماء، وألم الجسم، والإشتغال به مع ترك أمور الدنيا. قيل: ومنها الجد في طلب الماء مع إعوازه وشراءه بالثمن الغالي. (وكثرة الخطى إلى المساجد) إما لبعد الدار، أو على سبيل التكرار، والخطى بضم الخاء جمع خطوة وهي ما بين القدمين. (وانتظار الصلاة) بالجلوس لها في المسجد، أو تعلق القلب بها والتأهب والاهتمام لها مع إشتغاله بكسبه في بيته، كما ورد "ورجل قلبه معلق بالمسجد إذا خرج منه، حتى يعود". (فذلكم) الإشارة إلى ما ذكر من الأعمال الثلاثة، وقيل: إلى انتظار الصلاة. (الرباط) المرغب فيه، أو أفضل أنواع الرباط، كما قيل: الجهاد جهاد النفس، أو الرباط المتيسر الممكن، أي أنه من أنواع الرباط، أو
وفي حديث مالك بن أنس: ((فذلكم الرباط فذلكم الرباط مرتين)) رواه مسلم. وفي رواية الترمذي ثلاثاً.
285-
(3) وعن عثمان، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من توضأ فأحسن الوضوء، خرجت خطاياه من جسده حتى تخرج من تحت أظفاره)) متفق عليه.
ــ
أراد أن ثوابه كثواب الرباط. وقيل: أصل الرباط ملازمة ثغر العدو لمنعه، والمعنى أن هذه الأعمال هي المرابطة الحقيقة المذكورة في قوله تعالى:{يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا} [200:4] ؛ لأنها تسد طرق الشيطان عنه، وتمنع النفس عن الشهوات، وعداوة النفس والشيطان لا تخفى، فهذا هو الجهاد الأكبر الذي فيه قهر أعدى عدوه، فلذلك قال: فذلكم الرباط، بالتعريف، أي هو الذي يستحق أن يسمى رباطاً، والتكرار تعظيماً لشأنه. (وفي حديث مالك بن أنس) إمام دار الهجرة، صاحب المذهب، راوي الحديث في سند مسلم. (فذلكم الرباط فذلكم الرباط مرتين) وفي بعض النسخ ردد مرتين، أي كرر "فذلكم الرباط" مرتين والذي في صحيح المسلم"وفي حديث مالك ثنتين فذلكم الرباط فذلكم الرباط" قال النووي: هكذا هو في الأصول "ثنتين" وهو صحيح ونصبه بتقدير فعل أي ثنتين أو كرر ثنتين انتهى. وهذا قول مسلم صاحب الصحيح، قاله بناء على رواية معن عنده، وإلا فأكثر المؤطات ثلاثاً (رواه مسلم) في الطهارة، وأخرجه أيضاً مالك، وأحمد، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة بمعناه (وفي رواية الترمذي ثلاثاً) أخرجه الترمذي أولا من طريق على بن حجر، وذكر فيه "فذلكم الرباط" مرة، ثم رواه من طريق قتيبة: وقال: قال قتيبة: فذلكم الرباط ثلاثاً"، أي ذكره ثلاثاً تأكيداً أو تعظيما لشأنه، ولزيادة الحث عليه.
285-
قوله: (فأحسن الوضوء) بضم الواو، والفاء لتفسير كيفية الوضوء على أحسن وجه بمراعاة سننه وآدابه، والمعنى من أراد الوضوء وشرع فيه فأحسنه. (خرجت خطاياه) هو محمول على الحقيقة بناء على أن الخطايا جواهر متعلقة ببدن الإنسان تتصل به وتنفصل عنه، لا أعراض كما قيل، قال السيوطي في قوت المغتذي: الظاهر حمله على الحقيقة، ثم حقق ذلك بأحاديث تدل على أن الذنوب جواهر وأجسام، ووافقه شيخنا في شرح الترمذي، لكن جعله السيوطي من عالم المثال، وعندنا ينبغي تفويض أمثال هذه الأمور إلى الله تعالى. وقيل: هو تمثيل وتصوير لبراءة البدن عن الذنوب ومجاز عن غفرانها. ثم الظاهر عموم الخطايا، والعلماء خصصوها بالصغائر المتعلقة بحقوق الله للتوفيق بين الأدلة، فإن منها ما يقتضي الخصوص كما سيأتي. (من جسده) أي جميع بدنه أو أعضائه. (حتى تخرج من تحت أظفاره) أي مثلاً، والأظفار جمع ظفر بضمتين. (متفق عليه) قلت تفرد مسلم بهذا اللفظ، ولذا اقتصر المنذري في الترغيب. على عزوه لمسلم. وقال القاري: قال عبد العزيز الأبهرى في منهاج المشكاة فيه: أنه من أفراد مسلم. وقال ابن حجر المكي: كذا في جامع الأصول. واقتصر شيخ الإسلام الحافظ ابن حجر العسقلانى في "هداية الرواة إلى تخريج المصابيح والمشكاة" على عزوه لمسلم انتهى. وأخرجه أيضاً أحمد، والنسائي، وابن ماجه بنحوه مختصراً.
286-
(4) وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا توضأ العبد المسلم – أو المؤمن – فغسل وجهه، خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء – أومع آخر قطر الماء – فإذا غسل يديه، خرج من يديه كل خطيئة كان بطشتها يداه مع الماء – أو مع آخر قطر الماء – فإذا غسل رجليه، خرج كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء – أو مع آخر قطر الماء – حتى يخرج نقيا من الذنوب)) رواه مسلم.
287-
5) وعن عثمان، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها
ــ
286-
قوله: (إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن) شك من الرواى في لفظ النبوة، وإلا فهما مترادفان شرعاً. والمؤمنة في حكم المؤمن. (فغسل وجهه) عطف على توضأ عطف تفسير، أو المراد إذا أراد الوضوء. (خرج من وجهه) جواب إذا. (كل خطيئة نظر إليها) أي إلى الخطيئة يعني إلى سببها، إطلاقا لاسم المسبب على السبب مبالغة. (بعينيه) تأكيد. وسبب التخصيص بالعين مع أن الوجه مشتمل على الأنف والفم هو أن كلاً من الفم والأنف، وكذا الأذن له طهارة مخصوصة خارجة عن طهارة الوجه، فكانت متكفلة بإخراج خطاياه، بخلاف العين، فإنه ليس لها طهارة إلا في غسل الوجه، فخصت خطيئتها بالخروج عند غسله دون غيرها مما ذكر، وسيأتي في الفصل الثالث حديث عبد الله الصنابحي، وهو صريح في ذلك. (مع الماء) أي مع انفصاله. (أو مع آخر قطر الماء) أو للشك من الراوى. (كل خطيئة كان بطشتها) أي أخذت. (يداه) كملامسة المحرمة، ويدخل فيه كتابة إثم. (كل خطيئة مشتها) الضمير للخطيئة، ونصبت بنزع الخافض، أي مشت إلى الخطيئة، أو في الخطيئة، أو يكون مصدرا أي مشت المشية. (نقياً من الذنوب) أي ذنوب أعضاء الوضوء، أو جميع الذنوب من الصغائر. (رواه مسلم) وأخرجه أيضاً مالك، والترمذى، وليس عندهما غسل الرجلين.
287-
قوله: (ما من امرئ مسلم) من زائدة لتأكيد النص على العموم. (فيحسن وضوءها) بمراعاة السنن والآداب والمكملات. (وخشوعها) بإتيان كل ركن على وجه هو أكثر تواضعاً وإخباتاً وتضرعاً، ظاهراً وباطناً بالقلب والجوارح. (وركوعها) اكتفى بذكر الركوع عن السجود؛ لأنهما ركنان متتابعان، فإذا حث على إحسان أحدهما حث على الآخر، وفي تخصيصه بالذكر تنبيه على أن الأمر فيه أشد، فافتقر إلى زيادة توكيد؛ لأن الراكع يحمل نفسه في الركوع، ويتحامل في السجود على الأرض. وقيل: خص الركوع بالذكر لاستتباعه السجود إذ لا يستقل عباده وحده، بخلاف السجود
إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب، ما لم يؤت كبيرة، وذلك الدهر كله)) رواه مسلم.
288-
(6) وعنه، أنه توضأ فأفرغ على يديه ثلاثاً، ثم تمضمض واستنثر، ثم غسل وجهه ثلاثاً، ثم غسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاثاً، ثم غسل يده اليسرى
ــ
فإنه يستقل عبادة، كسجود التلاوة والشكر. وقيل: تخصيص الركوع؛ لأنه من خصائص المسلمين، فأراد التحريض عليه، ولعل هذا في الأغلب لقوله تعالى في شأن مريم:{واسجدي واركعي مع الراكعين} [43: 3] . وقيل: معناه انقادى وصلى مع المصلين، فلا إشكال. (إلا كانت) أي الصلاة. (ما لم يؤت) بكسر التاء معلوماً من الإيتاء وقيل مجهول، أي ما لم يعمل، وضع الإيتاء موضع العمل. (كبيرة) بالنصب لا غيره، كأن الفاعل يعطى العمل من نفسه، أو يعطيه غيره من الداعي أو المحرض عليه، فهو على حد {ثم سئلوا الفتنة لآتوها} [33: 14] بالمد أي لأعطوها من أنفسهم، ثم ظاهره أن كون الصلاة كفارة الذنوب مشروط بعدم إتيان الكبائر، فإن أتى بالكبائر لم يكفر صغائره، وهو الظاهر من قوله تعالى:{إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيآتكم} [4: 31] لكنهم قالوا: معناه أن الذنوب كلها تغفر إلا الكبائر فإنها لا تغفر. قال النووى: هذا هو المراد، والأول وإن كان محتمل العبارة فسياق الحديث يأباه، والكبائر إنما يكفرها التوبة، أو رحمة الله تعالى وفضله، وقد يقال: إذا كفر الوضوء فماذا تكفر الصلاة؟ وإذا كفرت الصلاة فماذا تكفر الجماعات وغيرها مما ورد في الأحاديث من مكفرات الذنوب؟ وأجيب بأن كل واحد من هذه المذكورات صالح للتكفير، فإن وجد ما يكفر من الصغائر كفره، وإن صادفت كبيرة أو كبائر ولم يصادف صغيره يعنى غير مكفرة رجونا أن يخفف من الكبائر، وإن لم يصادف صغيرة ولا كبيرة كتبت به حسنات ورفعت به درجات،. (وذلك) أي التكفير بسبب الصلاة. (الدهر) بالنصب على الظرفية، ومحله الرفع على الخبرية، أي ذلك الحكم من التكفير حاصل ومستمر في جميع الأزمان لا يختص بزمان دون زمان. (كله) تأكيد للدهر. (رواه مسلم) هو من مفاريد مسلم لم يروه بهذا اللفظ غيره.
288-
قوله: (فأفرغ) من الإفراغ عطف بيان وتفسير أي صب الماء. (على يديه) أي فغسلهما إلى رسغيه وفي رواية كفيه، والمراد غسل اليدين إلى الرسغين. وفيه دليل على غسل اليدين قبل إدخالهما الإناء ولو لم يكن عقب نوم احتياطاً. وفي الحديث الترتيب في أعضاء الوضوء للإتيان بثم في جميعها. (واستنثر) الاستنثار هو إخراج الماء من الأنف بعد الاستنشاق، وهو جذب الماء بالنفس إلى الأقصى، ويدل عليه الرواية الأخرى "استنشق واستنثر، فجمع بينهما، وهو مأخوذ من النثرة وهو طرف الأنف، قال الحافظ: لم أر في شيء من طرق هذا الحديث تقييد ذلك بعدد، نعم، ذكره ابن المنذر من طريق يونس عن الزهرى، وكذا ذكره أي تقييد المضمضة والاستنشاق بثلاث أبوداود من وجهين آخرين
إلى المرفق ثلاثاً، ثم مسح برأسه، ثم غسل رجله اليمنى ثلاثاً، ثم اليسرى ثلاثاً، ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ نحو وضوئي هذا. ثم قال: من توضأ نحو وضوئي هذا، ثم يصلى ركعتين لا يحدث نفسه فيهما بشيء، غفر له ما تقدم من ذنبه)) متفق عليه. ولفظه للبخاري.
289-
(7) وعن عقبة بن عامر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من مسلم يتوضأ، فيحسن وضوءه،
ــ
عن عثمان. (إلى المرفق) بكسر الميم وفتح الفاء "وإلى" بمعنى منع عند الجمهور. (ثم مسح برأسه) ليس في شيء من طرق هذا الحديث في الصحيحين ذكر عدد المسح، فالظاهر الاكتفاء بالمرة الواحدة، وهو مذهب الجمهور. (ثم قال) أي النبي صلى الله عليه وسلم. (من توضأ نحو وضوئي هذا) أي جامعاً لفرائضه وسننه، وقوله "نحو وضوئي هذا" كذا وقع في الصيام من نسخ البخارى الموجودة عندنا، وقال الحافظ في شرح كتاب الوضوء:"وللبخارى في الصيام من رواية معمر: من توضأ بوضوئي هذا" أي بترك حرف الشبيه. (ثم يصلى ركعتين) فيه استحباب ركعتين عقب كل وضوء، ولو صلى فريضة حصلت له هذه الفضيلة كما تحصل تحية المسجد بذلك. (لا يحدث فيهما نفسه بشيء) من أمور الدنيا، وما يتعلق بالصلاة ولو عرض له حديث فأعرض عنه لمجرد عروضه، عفي عنه ذلك، وحصلت له هذه الفضيلة؛ لأن هذا ليس من فعله وكسبه، وقد عفي لهذه الأمة عن الخواطر التي تعرض ولا تستقر. وقال الحافظ: المراد ما تسترسل النفس معه، ويمكن المرء قطعه؛ لأن قوله "يحدث" يقتضى تكسباً منه فأما ما يهجم من الخطرات والوساوس ويتعذر دفعه فذلك معفو عنه. وقال السندهي: أي يدفع الوسوسة مهما أمكن. وقيل: يحتمل العموم إذ ليس هو من باب التكليف حتى يجب دفع الحرج والعسر، بل من باب ترتب ثواب مخصوص على عمل مخصوص، أي من باب الوعد على العمل، فمن حصل منه ذلك العمل يحصل له ذلك الثواب، ومن لا فلا. نعم، يجب أن يكون ذلك ممكن الحصول في ذاته وهو هنا كذلك، فإن المتجردين عن شواغل الدنيا يتأتى منهم هذا العمل على وجهه. انتهى. (غفر له ما تقدم من ذنبه) حملوه على الصغائر، لكن كثير من الأحاديث يقتضي أن مغفرة الصغائر غير مشروطة بقطع الوسوسة، فيمكن أن يكون الشرط لمغفرة الذنوب جميعاً، قاله السندهي. ثم إنه يفهم من هذا الحديث أن غفران الذنوب مرتب على الوضوء الموصوف بتلك الصفة، وصلاة ركعتين لا يحدث فيهما نفسه بشيء، ومن الحديث المتقدم ترتبه على مجرد الوضوء، ويمكن أن يقال كل منهما مكفر، أو الوضوء المجرد مكفر لذنوب أعضاء الوضوء، ومع الصلاة مكفر لذنوب جميع الأعضاء أو الوضوء مكفر للذنوب الظاهرة، ومع الصلاة مكفر للذنوب الظاهرة والباطنة. (متفق عليه) وأخرجه أيضاً أبوداود والنسائي. (ولفظه للبخارى) أي في باب السواك الرطب واليابس للصائم من كتاب الصيام.
289-
قوله: (وعن عقبة) بضم عين وسكون قاف. (بن عامر) الجهنى صحابي مشهور، اختلف في كنيته على سبعة أقوال، أشهرها أبوحماد، اختط البصرة، وولى إمرة مصر لمعاوية ثلاث سنين، وحضر معه بصفين، وولي غزو البحر،
ثم يقوم فيصلى ركعتين، مقبلاً عليهما بقلبه ووجهه، إلا وجبت له الجنة)) رواه مسلم.
290-
(8) وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما منكم أحد يتوضأ فيبلغ – أو فيسبغ –الوضوء، ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله – وفي رواية أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله – إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية،
ــ
وكان فصيحاً، شاعراً، مفوهاً، كاتباً، قارئاً لكتاب الله، عالماً بالفرائض والفقه، قديم الهجرة، والسابقة، والصحبه، مات سنة (58) بمصر، ودفن بالمقطم، له خمسة وخمسون حديثاً، اتفقا على سبعة، وانفرد البخاري بحديث، ومسلم بتسعة، روى عنه خلق كثير. (ثم يقوم) حقيقة أو حكماً سيما إذاكان بعذر، فإطلاقه جرى على الغالب لا أنه قيد احترازى، وثم للترقى. (مقبلاً عليهما بقلبه وجهه) الإقبال بالقلب أن لا يغفل عنهما ولا يتفكر في أمر لا يتعلق بهما، ويصرف نفسه عنه مهما أمكن، والإقبال بالوجه أن لا يلتفت به إلى جهة لا يليق بالصلاة الالتفات إليها، ومرجعه الخشوع والخضوع، فإن الخشوع في القلب والخضوع في الأعضاء، قال السندهي: يمكن أن يكون هذا الحديث بمنزلة التفسير لحديث عثمان "وهو من توضأ نحو وضوئي" الخ، وعلى هذا فقوله "أحسن الوضوء" هو أن يتوضأ نحو ذلك الوضوء. وقوله في حديث عثمان:"لايحدث نفسه فيهما" هو أن يقبل عليهما بقلبه ووجهه. وقوله في ذلك الحديث "غفر له" الخ. أريد به أنه يجب له الجنة، ولا شك أن ليس المراد دخول الجنة مطلقا فإنه يحصل بالإيمان، بل المراد دخولاً أولياً، وهذا يتوقف على مغفرة الصغائر والكبائر جميعا، بل مغفرة ما يفعل بعد ذلك أيضاً، نعم لابد من اشتراط الموت على حسن الخاتمة، وقد يجعل هذا الحديث بشارة بذلك أيضاً. انتهى. (إلا وجبت له الجنة) أي أنه تعالى يدخله الجنة بفضله بحيث لا يخالف وعده، كمن وجب عليه شيء. (رواه مسلم) وأخرجه أيضاً أبوداود والنسائي.
290-
قوله: (ما منكم) من بيانية. (من أحد) مبتدأ ومن زائدة. (فيبلغ) من الإبلاغ. (أو فيسبغ) من الإسباغ وأو للشك. (الوضوء) بفتح الواو وقيل بضمها أي ماء الوضوء، والمراد بإبلاغ الوضوء أو إسباغه هو أن يتم الوضوء ويكمله فيوصله مواضعه على الوجه المسنون. (ثم يقول) أي عقيب وضوءه. (أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله) قال الطيبي: قول الشهادتين عقيب الوضوء إشارة إلى إخلاص العمل لله، وطهارة القلب من الشرك والرياء، بعد طهارة الأعضاء من الحدث والخبث. (إلا فتحت له) هو من باب "ونفخ في الصور" عبر عن الآتي بالماضى لتحقق وقوعه، والمراد تفتح له يوم القيامة. (أبواب الجنة الثمانية) أي تعظيماً لعمله المذكور وإن كان الدخول يكفى فيه باب واحد. ثم الظاهر أن يوفق للدخول من الباب الذى غلب عليه عمل أهله، إذ أبواب الجنة معدة لأعمال مخصوصة، كالريان لمن غلب
يدخل من أيها شاء)) . هكذا رواه مسلم في صحيحه، والحميدى في افراد مسلم، وكذا ابن الأثير في جامع الأصول. وذكر الشيخ محي الدين النووى في آخر حديث مسلم على ما رويناه، وزاد الترمذي:((اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين)) .
ــ
عليه الصيام ونحو ذلك، قال ابن سيد الناس: فائدة تعدد الأبواب وفتحها والدعاء منها هو التشريف في الموقف والإشارة بذكر من حصل له ذلك على رؤوس الأشهاد، فليس من يؤذن له في الدخول من باب لا يتعداه، كمن يتلقى من كل باب ويدخل من حيث شاء. وحديث عمر هذا يدل على أن للجنة ثمانية أبواب، وقد جاء تعيين هذه الأبواب لبعض العمال، كباب الصلاة، وباب الجهاد، وباب الصدقة، وباب الصيام، وباب التوبة، وباب الكاظمين الغيظ، وباب الراضين، وباب الأيمن الذي يدخل منه من لا حساب عليه، وذكر الحكيم الترمذي أبواب الجنة فعد أبواباً غير ما ذكر، وعلى قوله أبواب الجنة أحد عشر باباً، والتفصيل في تذكرة القرطبي. (هكذا رواه مسلم في صحيحه) وأخرجه أيضاً أحمد، والنسائي، وأبوداود، وابن ماجه، وقال: فيحسن الوضوء، وفي رواية لأحمد وأبي داود "ثم رفع نظره إلى السماء فقال" الحديث، وفي سنده رجل مجهول، وأخرجه أيضاً الترمذي وزاد "اللهم اجعلني" الخ وتكلم فيه بما يطول ذكره، إن شئت الوقوف عليه فارجع إلى تحفة الأحوذي، وجامع الترمذي المطبوع بتعليق العلامة الشيخ أحمد محمد شاكر. واعلم أن حديث عقبة بن عامر المتقدم، وحديث عمر هذا، حديث واحد، رواهما بسياق واحد مسلم، وأبوداود، وابن حبان في قصة، لكن صدره أي الحديث المتقدم، سمعه عقبة بن عامر من رسول الله صلى الله عليه وسلم: والحديث الثاني تكلم به النبي صلى الله عليه وسلم قبل حضور عقبة، فأخبره عمر به، فرواه عقبة بن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. (والحميدي) أي وهكذا ذكره الحميدى. (في أفراد مسلم وكذا) ذكره. (ابن الأثير) الجزرى. (في جامع الأصول، وذكر الشيخ محي الدين) من الأحياء. (النووى) قال ابن حجر: بواوين ليس بينهما ألف، وبعضهم يقولون النواوى بالألف، والقياس الأول لأنه منسوب إلى "نوى" قرية قريب دمشق. (على ما رويناه) متعلق بآخر، وهو معلوم، وقيل مجهول أي على وفقه. (وزاد الترمذى) الخ هذا مذكور النووي. (اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين) جمع بينهما إلماماً بقوله تعالى {إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين} [2: 222] ولما كانت التوبة طهارة الباطن عن أدران الذنوب، والوضوء طهارة الظاهرة عن الأحداث المانعة عن التقرب إلى الله تعالى ناسب الجمع بينهما، وقد تفرد بهذه الزيادة الترمذى وفي صحتها نظر، لما في سنده من الاضطراب والخطأ، وإنما جاءت في حديث بهذا المعنى عن ثوبان مرفوعاً، نقله الهيثمى في مجمع الزوائد (ج1: ص239) وقال: رواه الطبراني في الأوسط والكبير باختصار، وقال في الأوسط: تفرد به مسور بن مورع، ولم أجد من ترجمه، وفيه أحمد بن سهيل الوراق، ذكره ابن حبان في الثقات، وفي إسناد
والحديث الذى رواه محي السنة في الصحاح: "من توضأ فأحسن الوضوء" إلى آخره، رواه الترمذي في جامعة بعينه إلا كلمة "أشهد" قبل "أن محمداً".
291-
(9) وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أمتي يدعون يوم القيامة غراً محجلين من آثار الوضوء، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل))
ــ
الكبير أبوسعيد البقال، والأكثر على تضعيفه، ووثقه بعضهم، انتهى. ورواها أيضاً عن ثوبان البزار كما في التلخيص، وابن السني، والخطيب، وابن النجار كما في كنز العمال. (الحديث الذى رواه محي السنة) أي ذكره في المصابيح. (في الصحاح) المعبر عنه في المشكاة بالفصل الأول. (رواه الترمذى في جامعه بعينه) الخ والحاصل ورود الاعتراض على صاحب المصابيح، حيث ذكر رواية الترمذى في الصحاح لإيهامها أنه كله في أحد الصحيحين أو كليهما وليس كذلك.
291-
قوله: (إن أمتي) أي أمة الإجابة وهم المسلمون أي المتوضئون منهم. (يدعون) أي ينادون أو يسمون. (غرا) جمع أغر أي ذوى غرة، وأصلها لمعة بيضاء تكون في جبهة الفرس، والمراد ههنا النور الكائن في وجود المسلمين. (محجلين) من التحجيل، وهو بياض يكون في قوائم الفرس، وأصله من الحجل بالكسر وهو القيد والخلخال، والمراد به هنا أيضاً النور. وانتصابهما على الحال إذا كان يدعون بمعنى ينادون، ويحتمل أن يكون غراً مفعولاً ثانياً ليدعون بمعنى يسمون، والمراد بيض مواضع الوضوء من الوجوه، والأيدى والأقدام، استعار أثر الوضوء في الوجه واليدين والرجلين للإنسان من البياض الذي يكون في وجه الفرس ويديه ورجليه، والمعنى: إذا دعوا على رؤس الأشهاد أو إلى الموقف، أو إلى الميزان، أو إلى الصراط، أو إلى الجنة نودوا بهذا الوصف، وكانوا على هذه الصفة، أو سموا بهذا الاسم. (من) أي لأجل. (آثار الوضوء) أو من سببية أي بسبب آثار الوضوء، وهو متعلق بمحجلين أو بيدعون على الخلاف في باب التنازع بين البصريين والكوفيين. والوضوء بضم الواو ويجوز فتحها، فإن الغرة والتحجيل نشأ عن الفعل بالماء، فيجوز أن ينسب إلى كل منها، وللغرة علتان الوضوء كما في هذا الحديث، والسجود كما يدل عليه حديث عبد الله بن بسر عند الترمذي، وأما التحجيل فعلته هو الوضوء. (فمن استطاع منكم) الخ ظاهر سياق الحديث أن قوله فمن استطاع إلى آخره من الحديث، وهو يدل على عدم الوجوب، إذ هو في قوة "فمن شاء منكم" فلو كان واجبا ما قيده بها، إذا الاستطاعة لذلك متحققة قطعاً، وقال نعيم أحد رواته: لا أدرى قوله: "فمن استطاع" الخ من قول النبي صلى الله عليه وسلم أو من قول أبي هريرة. قال الحافظ في الفتح: لم أر هذه الجملة في رواية أحد ممن روى هذا الحديث من الصحابة وهو عشرة، ولا ممن رواه عن أبي هريرة، غير رواية نعيم هذه. (غرته) أي وتحجيله وإنما اقتصر على أحدهما لدلالته على الآخر وآثر الغرة وهي مؤنثة على التحجيل وهو مذكر لشرف موضعها. (فليفعل) أي ما ذكر من الغرة والتحجيل والإطالة، فحذف المفعول للعلم به. وفيه دليل