الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال: إنه أرفع لصوتك)) رواه ابن ماجه.
(5) باب فضل الأذان وإجابة المؤذن
{الفصل الأول}
659-
(1) عن معاوية، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((المؤذنون أطول الناس أعناقاً يوم القيامة)) رواه مسلم.
ــ
(قال إنه) أي جعلهما في الأذنين. (أرفع لصوتك) قال الطيبي: ولعل الحكمة أنه إذا سد صماخيه لا يسمع إلا الصوت الرفيع فيتحرى في استقصائه كالأطروش أي الأصم. قيل: وبه يستدل الأصم على كونه أذاناً فيكون أبلغ في الإعلام. قال الترمذي: وعليه العمل عند أهل العلم يستحبون أن يدخل المؤذن إصبعيه في أذنيه في الأذان. قال الحافظ: قالوا: في ذلك فائدتان، إحداهما أنه قد يكون أرفع لصوته، وفيه حديث ضعيف. أخرجه أبوالشيخ من طريق سعد القرظ، عن بلال. وثانيتهما أنه علامة للمؤذن ليعرف من رآه على بعد، أو كان به صمم أنه يؤذن. (رواه ابن ماجه) قال في الزوائد: إسناده ضعيف لضعف أولاد سعد- انتهى. وأخرجه أيضاً الحاكم في كتاب الفضائل وسكت عنه، وأخرجه الطبراني في معجمه من حديث بلال، وأخرج ابن عدي في الكامل من حديث أبي أمامة، وروى الترمذي عن أبي جحيفة وصححه، قال: رأيت بلالاً يؤذن ويدور، يتبع فاه ههنا وههنا وإصبعاه في أذنيه.
(باب فضل الأذان وإجابة المؤذن) عطف على الأذان.
659-
قوله: (وأطول الناس أعناقاً) بفتح الهمزة جمع عنق، واختلفوا في معناه، فقيل: معناه أكثر الناس تشوقاً إلى رحمة الله؛ لأن المتشوق يطيل عنقه لما يتطلع إليه، فمعناه إليه، فمعناه كثرة ما يرونه من الثواب. وقيل: إذا ألجم الناس العرق يوم القيامة طالت أعناقهم لئلا ينالهم ذلك الكرب والعرق، وقيل: هو كناية عن كونهم رؤساء، فإن العرب تصف السادة بطول العنق، وقيل: كناية عن فرحتهم وسرورهم وأنهم لا يلحقهم الخجل، وقيل معناه: أكثرهم أعمالاً، يقال: لفلان عنق من الخير أي قطعة منه. وقيل: معناه أن الناس يعطشون يوم القيامة، فإذا عطش الإنسان انطوت عنقه، والمؤذنون لا يعطشون، فأعناقهم قائمة. قال الشوكاني: وفي صحيح ابن حبان من حديث أبي هريرة: يعرفون بطول أعناقهم يوم القيامة، زاد السراج: لقولهم لا إله إلا الله. وظاهره الطول الحقيقي فلا يجوز المصير إلى التفسير بغيره إلا لملجئ. والحديث يدل على فضيلة الأذان وأن صاحبه يوم القيامة يمتاز عن غيره، ولكن إذا كان فاعله غير متخذ أجراً عليه وإلا كان فعله لذلك من طلب الدنيا والسعي للمعاش، وليس من أعمال الآخرة،. (رواه مسلم) وأخرجه أيضاً أحمد، وابن ماجه. وفي الباب عن أبي هريرة، وابن الزبير بألفاظ مختلفة.
660-
(2) وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا نودي للصلاة، أدبر الشيطان له ضراط حتى لا يسمع التأذين، فإذا قضي النداء أقبل، حتى إذا ثوب بالصلاة أدبر، حتى إذا قضي التثويب، أقبل، حتى يخطر بين المرء ونفسه، يقول: اذكر كذا، اذكر كذا لما لم يذكر،
ــ
660-
قوله: (للصلاة) أي لأجل الصلاة. (أدبر الشيطان) أي عن موضع الأذان، قيل: المراد بالشيطان إبليس، ويحتمل أن المراد جنس الشيطان، وهو كل متمرد من الجن والإنس، لكن المراد هنا شيطان الجن خاصة. (له ضراط) بضم الضاد كغراب، وهو ريح من أسفل الإنسان وغيره، وهي جملة اسمية، وقعت حالاً بدون الواو لحصول الارتباط بالضمير، وفي بعض الروايات"وله ضراط" بالواو، وحقيقته ممكنة؛ لأن الشياطين أجسام يأكلون ويشربون كما ورد في الأخبار، فيصح منهم خروج الريح، فالظاهر حمله على الحقيقة، فقيل: يحصل له عند سماع الأذان شدة خوف وهيبة، ويحدث له ذلك الصوت بسببها من غير أن يتعمد ذلك. قال القاري: هذا لثقل الأذان عليه كما للحمار من ثقل الحمل عليه- انتهى. وقيل: يتعمد إخراج ذلك إما ليشتغل بسماع الصوت الذي يخرجه عن سماع الأذان، أو يصنع ذلك استخفافاً بالأذان كما يفعله السفهاء، أو ليقابل ما يناسب الصلاة من الطهارة بالحدث، وقيل الحديث محمول على التشبيه، شبه شغل الشيطان نفسه وإغفاله عن سماع الأذان بالصوت الذي يملأ السمع ويمنعه عن سماع غيره، ثم سماه ضراطاً تقبيحاً له. وقيل: هو عبارة عن شدة نفاره. (حتى لا يسمع التأذين) تعليل لإدباره. واستدل به على استحباب رفع الصوت بالأذان؛ لأن قوله "حتى لا يسمع" ظاهر في أنه يبعد إلى غاية ينتفي فيها للصوت، وقد وقع بيان الغاية في رواية لمسلم من حديث جابر فقال:"حتى يكون مكان الروحاء" وبين الروحاء والمدينة ستة وثلاثون ميلاً. (فإذا قضى) على بناء لمفعول أو الفاعل، والضمير للمنادى، أي فرغ المؤذن منه. (أقبل) الشيطان أي فوسوس كما في رواية مسلم:(حتى إذا ثوب بالصلاة) أي أقيم لها، ففي رواية لمسلم: إذا أقيمت، وفي أخرى له: إذا سمع الإقامة. (أدبر حتى) لا يسمع الإقامة. (حتى يخطر) بفتح ياء وكسر طاء، وحتى تعليلية. (بين المرء ونفسه) أي قلبه، والمعنى: حتى يوسوس بما يكون حائلاً بين الإنسان وما يقصده، ويريد إقبال نفسه عليه مما يتعلق بالصلاة من خشوع وغيره، وأكثر الرواة على ضم الطاء أي يسلك ويمر، ويدخل بين الإنسان ونفسه، فيكون حائلاً بينهما على المعنى الذي ذكرنا أولاً، وهذا لا ينافي إسناد الحيلولة إلى الله تعالى في قوله. {إن الله يحول بين المرء وقلبه} [8: 24] ؛ لأن إسناده إليه تعالى حقيقي، وهذا باعتبار أن الله تعالى مكنه منها حتى يتم ابتلاء العبد به. (يقول) أي للمصلي، وهو بالرفع استئناف مبين، وقيل: بالنصب على أنه يدل من يخطر. (أذكر كذا، أذكر كذا) كناية عن أشياء لم تتعلق بالصلاة. (لما لم يذكر) أي لشيء لم يكن على ذكره قبل دخوله
حتى يظل الرجل لا يدري: كم صلى؟)) متفق عليه.
661-
(3) وعن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يسمع مدى صوت المؤذن جن،
ولا إنس، ولا شيء، إلا شهد له
ــ
في الصلاة (حتى يظل الرجل) بفتح الظاء أي يصير ويبقى من الوسوسة بحيث. (لا يدري كم صلى) أي يقع في الشك. قال الطيبي: كرر "حتى" في الحديث خمس مرات، الأولى والأخيرتان بمعنى "كي"، والثانية والثالثة دخلتا على الجملتين الشرطيتين وليستا للتعليل- انتهى. وقد اختلف العلماء في الحكمة في هروب الشيطان عند سماع الأذان والإقامة دون سماع القرآن والذكر في الصلاة، فقيل: يهرب حتى لا يشهد للمؤذن يوم القيامة، فإنه لا يسمع مدى صوته جن ولا إنس إلا شهد له يوم القيامة. وقيل: لأن الأذان دعاء إلى الصلاة المشتملة على السجود الذي أباه وعصى بسببه. وقيل: غير ذلك مما بسطه الحافظ في الفتح، والزرقاني في شرح الموطأ. قال ابن بطال: يشبه أن يكون الزجر عن خروج المرء من المسجد بعد أن يؤذن المؤذن من هذا المعنى، لئلا يكون متشبهاً بالشيطان الذي يفر عند سماع الأذان. (متفق عليه) وأخرجه أيضاً مالك، وأبوداود، والنسائي.
661-
قوله: (لا يسمع مدى صوت المؤذن) بفتح الميم والقصر، أي غاية صوته، قال البيضاوي: غاية الصوت تكون أخفى، فإذ شهد له من بعد عنه ووصل إليه منتهى صوته فلأن يشهد له من دنا منه، وسمع مبادئ صوته أولى بالشهادة. (جن ولا إنس) تنكيرهما في سياق النفي لتعميم الأحياء والأموات. (ولا شيء) أي من النبات والحيوانات والجمادات، فهو من باب عطف العام على الخاص، يدل عليه ما في رواية ابن خزيمة:"لا يسمع صوته شجر ولا مدر، ولا حجر، ولا جن، ولا إنس". ولأبي داود والنسائي من حديث أبي هريرة: "المؤذن يغفر له مدى صوته، ويشهد له كل رطب ويابس"، ونحوه لأحمد والنسائي من حديث البراء، وصححه ابن السكن، فهذه الأحاديث تبين المراد من قوله في حديث الباب:"ولا شيء"، وغير ممتنع عقلاً ولا شرعا أن يخلق الله في الجمادات الحياة والقدرة على السماع والكلام والشهادة، ومثله قوله تعالى. {وإن من شيء إلا يسبح بحمده} [17: 44] وفي صحيح مسلم: إني لأعرف حجراً كان يسلّم عليّ. ومنه ما ثبت في البخاري وغيره من قول النار: أكل بعضي بعضاً. قال القاري: والصحيح أن للجمادات والحيوانات والنباتات علماً وإدراكاً وتسبيحاً كما يعلم من قوله تعالى: {وإن منها لما يهبط من خشية الله} [2: 74]، وقوله تعالى:{وإن من شيء إلا يسبح بحمده} ومن حديثه عليه السلام: "يقول الجبل للجبل: هل مر بك أحد ذكر الله؟ فإذا قال: نعم استبشر". قال البغوي: وهذا مذهب أهل السنة، ويدل عليه قضية كلام الذئب والبقر وغيرهما فلا يحتاج إلى ما قاله ابن حجر: بأن يخلق الله تعالى فهماً وسمعاً حيى تسمع أذانه وتعقله. (إلا شهد له) أي بلسان القال. والسر في
يوم القيامة)) رواه البخاري.
662-
(4) وعن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول
ــ
هذه الشهادة مع أنها تقع عند الغيب والشهادة أن أحكام الآخرة جرت على نعت أحكام الخلق في الدنيا من توجيه الدعوى والجواب والشهادة، قاله الزين بن المنير، وقال التوربشتي: المراد من شهادة الشاهدين له {وكفى بالله شهيداً} اشتهاره يوم القيامة فيما بينهم بالفضل والعلو، فإن الله تعالى يهين قوماً ويفضحهم بشهادة الشاهدين، فكذلك يكرم قوماً تكميلاً لسرورهم وتطييباً لقلوبهم. وفي الحديث استحباب رفع الصوت بالأذان ليكثر من يشهد له ما لم يجهده أو يتأذى، وفيه أن أذان الفذ مندوب إليه، ولو كان في قفر، ولو لم يترج حضور من يصلي معه؛ لأنه إن فاته دعاء المصلين فلم يفته استشهاد من سمعه من غيرهم. (رواه البخاري) وأخرجه أيضاً مالك، والشافعي، وأحمد والنسائي، وابن ماجه وغيرهم.
662 – قوله: (إذا سمعتم المؤذن) أي صوته أو أذانه. وظاهره اختصاص الإجابة بمن سمع حتى لو رأى المؤذن على المنارة مثلاً في الوقت وعلم أنه يؤذن لكن لم يسمع لبعد أو صمم لا تشرع له المتابعة (فقولوا) قال ابن رسلان: الأمر للندب عند الجمهور، والصارف عن الوجوب على ما قيل اقترانه بأمر الصلاة وسؤال الوسيلة، وهما مستحبان، وفيه نظر، فإن دلالة الاقتران غير معمول عند الجمهور خلافاً للمزني- انتهى. قال الحافظ استدل الجمهور بحديث أخرجه مسلم وغيره: أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع مؤذناً، فلما كبر قال: على الفطرة، فلما تشهد قال: خرجت من النار، قالوا: فلما قال صلى الله عليه وسلم غير ما قال المؤذن علمنا أن الأمر بذلك للاستحباب. ورد بأنه ليس في الرواية أنه لم يقل مثل ما قال. فيجوز أن يكون قاله، ولم ينقله الراوي اكتفاء بالعادة ونقل القول الزائد، وباحتمال أنه وقع ذلك قبل الأمر بالإجابة. (مثل ما يقول) أي مثل قول المؤذن أي إلا في الحيعلتين، فيأتي بلا حول ولا قوة إلا بالله، لحديث عمر الآتي فهو عام مخصوص. وقال ابن المنذر: يحتمل أن يكون ذلك من الاختلاف المباح، فيقول تارة كذا وتارة كذا. وحكى بعض المتأخرين عن بعض أهل الأصول أن العام والخاص إذا أمكن الجمع بينهما وجب إعمالهما، قال: فلم لا يقال يستحب للسامع أن يجمع بين الحيعلة والحوقلة، وهو وجه عند الحنابلة؟ قال القسطلاني: ويقول بدل كل من كلمتي التثويب في الصبح: صدقت وبررت. (بكسر الراء الأولى، أي صرت ذابر وخير كثير) . قال في الكفاية: لخبر ورد فيه- انتهى. وقال الأمير اليماني: وقيل: يقول في جواب التثويب: صدقت وبررت، وهذا استحسان من قائله، وإلا فليس فيه سنة تعتمد- انتهى. وقيل: يقول في جوابه: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، الصلاة خير من النوم. وهذا أيضاً استحسان من قائله لا دليل عليه من السنة، قال الكرماني: قال: مثل ما يقول، ولم يقل:"مثل ما قال" ليشعر بأنه يجيب بعد كل كلمة مثل كلمتها. قال الحافظ.
ثم صلوا عليّ؛ فإنه من صلى عليّ صلاة، صلى الله عليه بها عشراً، ثم سلوا الله لي الوسيلة؛ فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة)) . رواه مسلم.
663-
(5) وعن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا قال المؤذن: الله أكبر، الله أكبر؛ فقال أحدكم: الله أكبر، الله أكبر. ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله؛ قال: أشهد أن لا إله إلا الله. ثم قال: أشهد أن محمداً رسول الله؛ قال: أشهد أن محمداً رسول الله. ثم قال: حي على الصلاة؛ قال: لا حول
ــ
والصريح في ذلك ما رواه النسائي من حديث أم حبيبة: أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول كما يقول المؤذن حتى يسكت. وأصرح من ذلك حديث عمر الآتي بعد هذا. (ثم صلوا عليّ) بتشديد الياء، أي ندباً وسلموا. قال المناوي: وصرف عن الوجوب الإجماع على عدمه خارج الصلاة. (فإنه) الضمير للشأن (صلاة) أي واحدة (صلى الله بها عشراً) أي أعطاه الله بتلك الصلاة الواحدة عشراً من الرحمة (ثم سلوا) أمر من سأل (الوسيلة) هي ما يتقرب به إلى الكبير، يقال: توسلت أي تقربت، وتطلق على المنزلة العلية، قاله الحافظ. والمتعين المصير إلى ما في هذا الحديث من تفسيرها (فإنها) أي الوسيلة (منزلة في الجنة) من منازلها وهي أعلاها على الإطلاق (لا تنبغي) أي لا تليق ولا تصلح ولا تحصل ولا تتيسر تلك المنزلة (وأرجو) قال المناوي: ذكره على منهج الترجي تأدبا وتشريعا. وقال القرطبي: قال ذلك قبل أن يوحى إليه أنه صاحبها، ثم أخبر بذلك، ومع ذلك فلا بد من الدعاء بها، فإن الله يزيد بكثرة دعاء أمته رفعة كما زاده بصلاتهم، ثم يرجع ذلك إليهم بنيل الأجور ووجوب شفاعته صلى الله عليه وسلم. (أكون أنا هو) من وضع الضمير المرفوع موضع المنصوب على أن "أنا" تأكيد أو فصل، ويحتمل أن يكون" أنا" مبتدأ خيره "هو" والجملة خبر "أكون" والله أعلم،. (حلت عليه الشفاعة) وفي حديث جابر الآتي حلت له، قال الحافظ: واللام بمعنى علي أي استحقت ووجبت، أو نزلت عليه، ولا يجوز أن تكون من الحل؛ لأنها لم تكن قبل ذلك محرمة. ثم المراد شفاعة مخصوصة. (رواه مسلم) أخرجه أيضاً أحمد، والترمذي في أوائل المناقب، وأبوداود والنسائي في الصلاة.
663-
قوله: (إذا قال المؤذن) شرطية جزاؤها "دخل الجنة". (الله أكبر، الله أكبر) لم يذكر الأربع اكتفاء بذكر اثنين منها، ومن ثم ذكر واحداً من الاثنين فيما بعد، وفيه دليل أنه يستحب للمؤذن أن يقول كل تكبيرتين بنفس واحد. (فقال أحدكم) عطف على فعل الشرط. (ثم قال) عطف على قال الأول، قال الطيبي: المعطوفات بثم مقدرات بحرف الشرط والفاء في فقال، أي إذا قال المؤذن أشهد (أن لا إله إلا الله قال) أي فقال أحدكم فحذف اختصارا. (لا حول
ولا قوة إلا بالله. ثم قال: حي على الفلاح؛ قال: لا حول ولا قوة إلا بالله. ثم قال: الله أكبر، الله أكبر؛ قال الله أكبر؛ الله أكبر. ثم قال: لا إله إلا الله؛ قال: لا إله إلا الله من قلبه، دخل الجنة)) رواه مسلم.
664-
(6) وعن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمداً الوسيلة والفضيلة،
ــ
ولا قوة إلا بالله) أى لا حيلة في الخلاص عن موانع الطاعة، ولا حركة ولا قوة على الطاعة إلا بتوفيق الله، وإنما أفرد صلى الله عليه وسلم الشهادتين والحيعلتين في هذا الحديث مع أن كل نوع منها مثنى كما هو المشروع لقصد الاختصار. قال النووي: فاختصر صلى الله عليه وسلم من كل نوع شطراً تنبيهاً على باقيه. (من قلبه) قيد للأخير أو للكل وهو الأظهر قاله القاري. (دخل الجنة) قال عياض: إنما كان كذلك؛ لأن ذلك توحيد وثناء على الله تعالى، وانقياد لطاعته، وتفويض إليه بقوله: لا حول ولا قوة إلا بالله، فمن حصل هذا فقد حاز حقيقة الإيمان، وكمال الإسلام، واستحق الجنة بفضل الله. وقال الطيبي: وإنما وضع الماضي موضع المستقبل لتحقيق الموعود، قال ابن حجر: على حد قوله. {أتى أمرالله} [16: 1] . {ونادى أصحاب الجنة} [7: 44] . والمراد أنه يدخل مع الناجين، وإلا فكل مؤمن لا بد له من دخولها، وإن سبقه عذاب بحسب جرمه إذا لم يعف عنه إلا إن قال ذلك بلسانه مع اعتقاده بلقبله حقيقة ما دل عليه وإخلاصه فيه-انتهى. (رواه مسلم) وأخرجه أيضاً أحمد وأبوداود وأخرج البخاري نحوه من حديث معاوية.
664-
قوله: (حين يسمع النداء) أي تما الأذان، إذا المطلق يحمل على الكامل، ويدل عليه أيضاً حديث عبد الله بن عمرو بن العاص المتقدم. (اللهم) أي الله! والميم عوض عن "يا" فلذلك لا يجتمعان. (رب) بالنصب على أنه منادي ثان، أو بدل، ويجوز رفعه على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي أنت رب هذه الدعوة. (هذه الدعوة) بفتح الدال، قال العيني: المراد بالدعوة ههنا ألفاظ الأذان التي يدعى بها الشخص إلى عبادة الله –انتهى. وقال الحافظ: المراد بها دعوة التوحيد كقوله تعالى. {له دعوة الحق} [13: 14] وقيل لدعوة التوحيد: تامة لأن الشرك نقص، أو التامة التي لا يدخلها تغيير ولا تبديل، بل هي باقية إلى يوم القيامة، أو لأنها هي التي تستحق صفة التمام، وما سواها فمعرض للفساد والنقص، وقال ابن التين: وصفت بالتامة؛ لأن فيها أتم القول، وهو لا إله إلا الله، ومعنى رب هذه الدعوة أنه صاحبها، أو المتمم لها، والزائد في أهلها، والمثيب عليها أحسن الثواب، والآمر بها ونحو ذلك، وقيل المراد الكاملة الفاضلة. (والصلاة القائمة) أي الدائمة التي لا تغيرها ملة ولا تنسخها شريعة، أو القائمة إلى يوم القيامة، أو التي ستقوم. (آت) أي أعط أمر من الإيتاء. (الوسيلة) تقدم تفسيرها في حديث عبد الله بن عمرو. (والفضيلة) هي المرتبة الزائدة على سائر الخلائق، ويحتمل أن تكون تفسيراً للوسيلة، وأما زيادة "الدرجة الرفيعة" المشتهرة على الألسنة، فقال السخاوي: لم أرها
وابعثه مقاما محموداً الذي وعدته؛ حلت له شفاعتي يوم القيامة)) رواه البخاري.
665-
(7) وعن أنس، قال: ((كان النبي صلى الله عليه وسلم يغير إذا طلع الفجر، وكان يستمع الأذان، فإن سمع أذاناً أمسك، وإلا أغار.
ــ
في شيء من الروايات ذكره القاري. (وابعثه مقاماً محموداً) على حكاية لفظ القرآن، أي مقاماً يحمدك فيه الأولون والآخرون، أو مقاماً يحمد القائم فيه، وهو يطلق على كل ما يجلب الحمد من أنواع الكرامات، ونصبه على الظرفية، أي ابعثه يوم القيامة فأقمه مقاما محموداً. أو ضمن "ابعثه" معنى "أقمه" أو على أنه مفعول به، ومعنى "ابعثه""أعطه"، أو على الحال أي ابعثه ذا مقام، والتنكير للتعظيم والتفخيم كما قال الطيبي، كأنه قال: مقاماً أي مقام محمودا بكل لسان. وقد روي بالتعريف عند النسائي، وابن حبان، والطحاوي، والطبراني، والبيهقي. وهذا يرد على من أنكر ثبوته معرفاً كالنووي. (الذي وعدته) أراد بذلك قوله تعالى. {عسى أن يبعثك ربك مقاما محموداً} [17: 79] ، وأطلق عليه الوعد؛ لأن عسى في كلام الله للوقوع، والموصول إما بدل من "مقاماً" أو عطف بيان، أو خبر مبتدأ محذوف، وليس صفة للنكرة لعدم المطابقة في التنكير، ووقع في رواية النسائي وغيره "المقام المحمود" بالألف واللام، فيصح وصفه بالموصول. قال ابن الجوزي: والأكثر على أن المراد بالمقام المحمود الشفاعة. والحكمة في سؤال ذلك مع كونه واجب الوقوع بوعد الله، وعسى في الآية للتحقيق إظهار لشرفه، وعظم منزلته، وتلذذ بحصول مرتبته ورجاء لشفاعته. (حلت) كذا في رواية البخاري بدون إلا، وهو الظاهر، وفي رواية الترمذي، وأبي داود والنسائي، وابن ماجه: إلا حلت، بإثبات إلا، وهي تحتاج إلى تأويل، ورواية البخاري أوضح؛ لأن أول الكلام "من قال" وهو شرطية و"حلت" جوابها، ولا يقترن جواب الشرط بإلا، وأما مع إلا فينبغي أن يجعل من في قوله "من قال" استفهامية للإنكار، فيرجع إلى النفي. وقال بمعنى "يقول" أي ما من أحد يقول ذلك إلا حلت له، ومثله:{من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه} [2: 255] و {هل جزاء الإحسان إلا الإحسان} [55: 60) وأمثلته كثيرة. (رواه البخاري) وأخرجه أيضاً أحمد والترمذي وأبوداود والنسائي وابن ماجه وابن السني في عمل اليوم والليلة عن النسائي.
665-
قوله: (يغير) من الإغارة. (إذا طلع الفجر) ليعلم أنهم مسلمون أو كفار. (وكان يستمع الأذان) أي يطلب سماعه، ويتوجه بسمعه إلى صوت الأذان ليعرف حالهم. (أمسك) أي عن الإغارة به. (وإلا) أي وإن لم يسمع الأذان (أغار) قال القاضي: أي كان يتثبت فيه ويحتاط في الإغارة حذراً عن أن يكون فيهم مؤمن، فيغير عليه غافلا عنه جاهلا بحاله. وفي الحديث دليل على جواز الحكم بالدليل لكونه صلى الله عليه وسلم كف عن القتال بمجرد سماع الأذان، وفيه الأخذ بالأحوط في أمر الدماء؛ لأنه كف عنهم في تلك الحال مع احتمال أن لا يكون ذلك على الحقيقة، وقال الخطابي: فيه بيان أن الأذان شعار لدين الإسلام،
فسمع رجلا يقول: الله أكبر، الله أكبر. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: على الفطرة. ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خرجت من النار. فنظروا إليه فإذا هو راعي معزي)) رواه مسلم.
666-
(8) وعن سعد بن أبي وقاص، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قال حين يسمع المؤذن: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، رضيت بالله رباً، وبمحمد رسولاً، وبالإسلام
ــ
فلو أن أهل بلد أجمعوا على تركه كان للسلطان قتالهم عليه، ذكره القاري. (فسمع رجلاً) الفاء فصيحة، أي لما كانت عادته ذلك استمع فسمع. (على الفطرة) أي أنت أو هو على الدين، أو السنة، أو الإسلام؛ لأن الأذان لا يكون إلا للمسلمين. وفيه أن التكبير من الأمور المختصة بأهل الإسلام، وأنه يصح الاستدلال به على إسلام أهل قرية سمع منهم ذلك. (خرجت) أي بالتوحيد. (من النار) قال الطيبي إشارة إلى استمرار تلك الفطرة وعدم تصرف الوالدين فيه بالشرك. وأما خرجت بلفظ الماضي فيحتمل أن يكون تفاولاً وأن يكون قطعاً؛ لأن كلامه عليه السلام حق وصدق، كذا في المرقاة. وقال الشوكاني: هو نحو الأدلة القاضية بان من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة، وهي مطلقة مقيدة بعدم المانع جمعاً بين الأدلة. (فنظروا) أي الصحابة. (إليه) أي إلى ذلك الرجل. (فإذا هو) أي الرجل المؤذن. (راعي معزي) بكسر الميم منوناً بمعنى المعز، وهو اسم جنس، وواحد المعزي ماعز، وهو خلاف الضأن قاله الطيبي. واحتج به على أن الأذان مشروع للمنفرد. (رواه مسلم) أخرج البخاري منه ذكر الإغارة بدون ذكر قصة الرجل الراعي للمعز، وأخرجه أيضاً أحمد، والترمذي في آخر أبواب السير، وصححه أبوداود في أواخر كتاب الجهاد مختصراً بغير قصة الرجل.
666-
قوله: (من قال حين يسمع المؤذن) أي قوله، وهو يحتمل أن يكون المراد به حين يسمع تشهده الأول أو الأخير، وهو قوله آخر الأذان: لا إله إلا الله، وهو أنسب، ويمكن أن يكون معنى يسمع يجيب، فيكون صريحاً في المقصود وأن الثواب المذكور مرتب على الإجابة بكمالها مع هذه الزيادة، ولأن قوله بهذه الشهادة في أثناء الأذان ربما يفوته الإجابة في بعض الكلمات الآتية. كذا في المرقاة. (أشهد) الخ. كذا في رواية لمسلم بغير لفظ أنا، وبغير الواو، وفي أخرى له: وأنا أشهد، وكذا وقع عند أحمد والترمذي وأبي داود والنسائي وابن ماجه. قال السندي في حاشية النسائي: قوله حين يسمع المؤذن أي يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، فقوله: وأنا أشهد، عطف على قول المؤذن، أي وأنا أشهد كما تشهد. (رضيت بالله رباً) تمييز، أي بربوبيته، وبجميع قضائه وقدره، وقيل: حال أي مربياً، ومالكاً، وسيداً، ومصلحاً. (وبمحمد رسولاً) أي بجميع ما أرسل به، وبلغه إلينا من الأمور الاعتقادية وغيرها. (وبالإسلام)
ديناً، غفر له ذنبه)) رواه مسلم.
667-
(9) وعن عبد الله بن مغفل، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بين كل أذانين صلاة، بين كل أذانين
صلاة. ثم قال في الثالثة: لمن شاء))
ــ
أي بجميع أحكام الإسلام من الأوامر والنواهي. (ديناً) أو إعتقاداً أو انقياداً. (غفر له ذنبه) أى من الصغائر جزاء لقوله من قال حين يسمع المؤذن. (رواه مسلم) وأخرجه أيضاً أحمد والترمذي وأبوداود والنسائي وابن ماجه. والعجب أن الحاكم أخرجه في مستدركه (ج1: ص203) . وأعجب من ذلك تقرير الذهبي له في استدراكه عليه، وهو في صحيح مسلم بلفظه، وأخرجه الحاكم من طريق قتيبة عن الليث، وقتيبة هذا شيخ مسلم في هذا الحديث.
667-
قوله: (بين كل أذانين) أي أذان وإقامة، وهذا من باب التغليب كالقمرين للشمس والقمر، ويحتمل أن يكون أطلق على الإقامة أذان حقيقة؛ لأن الأذان في اللغة بمعنى الإعلام، فالإقامة إعلام بحضور فعل الصلاة، كما أن الأذان إعلام بدخول الوقت. قال السندي في حاشية ابن ماجه: وعمومه يشمل المغرب، بل قد جاء صريحاً كما في حديث أنس وغيره، فلا وجه للقول بالكراهة-انتهى. قلت: قد ورد ذكر المغرب بخصوصه نصاً في حديث عبد الله ن مغفل أيضاً، ففي الصحيحين عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: صلوا قبل صلاة المغرب. قال في الثالثة: لمن شاء كراهية أن يتخذها الناس سنة، وأما حديث أنس فسنذكره إن شاء الله تعالى (صلاة) أي نافلة، أو نكرت لتتناول كل عدد نواه المصلي من النافلة كركعتين، أو أربع، أو أكثر. (بين كل أذانين صلاة) قال ابن الملك: كرر تأكيداً للحث على النوافل بينهما. قال المظهر: إنما حرض عليه السلام أمته على صلاة النفل بين الأذانين؛ لأن الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة لشرف ذلك الوقت، وإذا كان الوقت أشرف كان ثواب العبادة أكثر. (لمن شاء) ذكره دلالة على عدم وجوبها. قال السندي في حاشية النسائي: وهذا الحديث وأمثاله يدل على جواز الركعتين قبل صلاة المغرب بل ندبهما. قلت: أراد بأمثاله ما روي في ذلك من الأحاديث الصحيحة الصريحة. منها حديث عبد الله بن مغفل الذي ذكرنا لفظه، وهو حديث صحيح أخرجه الشيخان. ومنها حديث أنس بن مالك أخرجه أيضاً الشيخان. قال: كان المؤذن إذا أذن قام ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يبتدرون السواري حتى يخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهم كذلك، يصلون الركعتين قبل المغرب. زاد مسلم: حتى أن الرجل الغريب ليدخل المسجد فيحسب أن الصلاة صليت من كثرة من يصليها. ومنها حديث عقبة بن عامر أخرجه البخاري عن مرثد بن عبد الله اليزني، قال: أتيت عقبة بن عامر الجهني فقلت: ألا أعجبك من أبي تميم يركع ركعتين قبل صلاة المغرب، فقال: إنا كنا نفعله على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، قلت: فما يمنعك الآن؟ قال: الشغل، وسيأتي هذه الأحاديث في باب السنن وفضائلها. ومنها حديث عبد الله بن مغفل أيضاً: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى قبل المغرب ركعتين، أخرجه ابن حبان في صحيحه، وأخرجه محمد بن نصر في قيام الليل بلفظ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى قبل المغرب ركعتين، ثم قال: