الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يتبين من هذا أن طريقة الجمع اعتمدت على أمرين معا: هما المكتوب في الرقاع والعظام ونحوها، وحفظ الصحابة للقرآن في صدورهم. واقتصر الجمع في عهد أبي بكر على أنه جمع القرآن في صحف خاصة، بعد أن كان متفرقا في صحف عديدة، ولم يكتف زيد بحفظه القرآن، وإنما اعتمد أيضا على حفظ غيره من الصحابة وهم العدد الكثير الذي يحصل به التواتر، أي اليقين المستفاد من نقل الجمع الكثير الذي يؤمن في العادة تواطؤهم على الكذب.
الجمع الثالث-في عهد عثمان بنسخ المصاحف على خط واحد:
اقتصر دور عثمان بن عفان رضي الله عنه على كتابة ست نسخ من المصاحف على حرف واحد وطريقة واحدة، ووزعها في الأمصار الإسلامية، فأرسل ثلاثة منها إلى الكوفة ودمشق والبصرة، وأرسل اثنين إلى مكة والبحرين، أو إلى مصر والجزيرة، وأبقى لديه مصحفا بالمدينة. وأمر بإحراق المصاحف الأخرى المخالفة في العراق والشام فقط. وظل المصحف الشامي محفوظا بجامع دمشق (الجامع الأموي) عند الركن، شرقي المقصورة المعمورة بذكر الله، وقد رآه ابن كثير كما ذكر في كتابه (فضائل القرآن) في آخر تفسيره، إلى أن أصابه الحريق الكبير الذي أصاب المسجد الأموي سنة 1310 هـ، ورآه قبل الحريق كبار علماء دمشق المعاصرين.
وسبب هذا الجمع يظهر فيما رواه لنا البخاري في فضائل القرآن في الجزء السادس عن أنس بن مالك رضي الله عنه: «أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان، وكان يغازي أهل الشام في فتح إرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة، فقال حذيفة لعثمان:
يا أمير المؤمنين، أدرك هذه الأمة، قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى.
فأرسل عثمان إلى حفصة: أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها ثم نردها إليك، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، فأمر زيد بن ثابت، وعبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، فنسخوها في المصاحف، وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة:
إذا اختلفتم أنتم وزيد في شيء من القرآن، فاكتبوه بلسان قريش، فإنه إنما نزل بلسانهم.
ففعلوا، حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف، ردّ عثمان الصحف إلى حفصة، وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرّق
(1)
.
وأصبح المصحف العثماني أساسا في نشر وطبع المصاحف المتداولة الآن في العالم، فبعد أن كان الناس يقرءون بقراءات مختلفة، إلى وقت عثمان، جمع عثمان الناس على مصحف واحد، وحرف واحد، وجعله إماما، ولهذا نسب إليه، ولقّب بأنه جامع القرآن.
والخلاصة: إن جمع القرآن في عهد أبي بكر كان جمعا له في نسخة واحدة موثوقة، وجمع القرآن في عهد عثمان كان نسخا من صحف حفصة، لمصاحف ستة بحرف واحد. وكان هذا الحرف ملائما للأحرف السبعة التي نزل بها القرآن.
وأصبح لقراءة رسم المصحف طريقان: موافقة للرسم المكتوب حقيقة، وموافقة للرسم احتمالا أو تقديرا.
ولا خلاف بين العلماء في أن ترتيب آيات السور توقيفي منقول ثابت عن النّبي صلى الله عليه وسلم، كما أن ترتيب السور أيضا توقيفي على الراجح. أما دليل ترتيب
(1)
صحيح البخاري: 315/ 6 - 316.