الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خَيْراً يَرَهُ} [الزلزلة 7/ 99] والله عالم بجميع أعمالكم، بصير بقليلها وكثيرها، لا تخفى عليه خافية، من خير أو شرّ، فالصلاة والزكاة من أسباب النصر في الدنيا، وكذلك من أسباب السعادة في الآخرة، بدليل قوله تعالى:{إِنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} .
فقه الحياة أو الأحكام:
يحذر الله تعالى عباده المؤمنين من سلوك طريق الكفار من أهل الكتاب، ويعلمهم بعداوتهم لهم في الباطن والظاهر، وما هم مشتملون عليه من حسد المؤمنين، مع علمهم بفضلهم وفضل نبيهم، ويأمر عباده المؤمنين بالصفح والعفو، أو الاحتمال، حتى يأتي أمر الله من النصر والفتح.
ويأمرهم بإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، ويحثهم على ذلك ويرغبهم فيه.
روى محمد بن إسحاق عن ابن عباس قال: كان حييّ بن أخطب وأبو ياسر بن أخطب من أشد يهود للعرب حسدا، إذ خصّهم الله برسوله صلى الله عليه وسلم، وكانا جاهدين في ردّ الناس عن الإسلام ما استطاعا، فأنزل الله فيهما:{وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ، لَوْ يَرُدُّونَكُمْ} .
والحسد نوعان: مذموم ومحمود، فالمذموم: أن تتمنى زوال نعمة الله عن أخيك المسلم، سواء تمنيت مع ذلك أن تعود إليك أو لا. وهذا النوع الذي ذمّه الله تعالى في كتابه بقوله:{أَمْ يَحْسُدُونَ النّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النساء 54/ 4] وإنما كان مذموما، لأن فيه تسفيه الحق سبحانه، وأنه أنعم على من لا يستحق.
وأما المحمود وهو المسمى بالغبطة أو المنافسة، فهو ما
جاء في صحيح الحديث من قوله عليه السلام: «لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن، فهو
يقوم به آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالا، فهو ينفقه آناء الليل، وآناء النهار» وحقيقته: أن تتمنى أن يكون لك ما لأخيك المسلم من الخير والنعمة، ولا يزول عنه خيره. وفي أمره تعالى لهم بالعفو والصفح إشارة إلى أن المؤمنين على قلّتهم، هم أصحاب القدرة والشوكة، لأن الصفح لا يكون إلا من القادر.
أخرج ابن أبي حاتم عن أسامة بن زيد-وأصله في الصحيحين-: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يعفون عن المشركين وأهل الكتاب، كما أمرهم الله، ويصبرون على الأذى، قال الله تعالى:{فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ، إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة 109/ 2]. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتأوّل من العفو ما أمره الله به، حتى أذن الله فيهم بالقتل، فقتل الله به من قتل من صناديد قريش.
وقد جرت سنة الله في القرآن أن يقرن الزكاة بالصلاة، لما في الصلاة من إصلاح حال الفرد، ولما في الزكاة من إصلاح حال المجتمع، وكلاهما من أسباب السعادة الدنيوية والأخروية، بدليل ما أردف الله تعالى الأمر بهما بقوله:{وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ}
جاء في الحديث: «إن العبد إذا مات، قال الناس: ما خلف؟ وقالت الملائكة: ما قدّم؟» .
ودلّ قوله تعالى: {إِنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} على أنه مهما فعل الناس من خير أو شرّ، سرا وعلانية، فهو به بصير، لا يخفى عليه منه شيء، فيجزيهم بالإحسان خيرا، وبالإساءة مثلها. وهذا الكلام وإن خرج مخرج الخبر، فإن فيه وعدا ووعيدا، وأمرا وزجرا، وذلك أنه أعلم القوم أنه بصير بجميع أعمالهم، ليجدّوا في طاعته، إذ كان ذلك مذخورا لهم عنده، حتى يثيبهم عليه، كما قال تعالى:{وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ} [البقرة 110/ 2].
وثبت في الحديث: «إذا مات الإنسان، انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة