الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال السدّي: كان بنو إسرائيل يأمرون الناس بطاعة الله وبتقواه وبالبر، ويخالفون، فعيّرهم الله عز وجل
(1)
.
التفسير والبيان:
بان مما سبق في سبب النزول أن الآيات نزلت في أهل الكتاب وعلى التخصيص الأحبار والرهبان، كانوا يأمرون الناس بالخير والثبات على الإسلام ويتركون أنفسهم، فهذا مدعاة العجب والاستغراب، فإن الآمر بالشيء هو القدوة، فعليه المبادرة إلى فعل ما أمر به غيره، وإلاّ كان كمثل السراج يضيء للناس ويحرق نفسه. وفي هذا توبيخ وتأنيب شديد، فكيف يليق بكم يا أهل الكتاب، وأنتم تأمرون الناس بالبر، وهو جماع الخير، أن تنسوا أنفسكم، فلا تأتمرون بما تأمرون به، وأنتم مع ذلك تتلون الكتاب، وتعلمون ما فيه من وعيد على من قصر في أوامر الله، أفلا تعقلون ما أنتم صانعون بأنفسكم؟ فتنتبهوا من رقدتكم، وتتبصروا من عمايتكم.
وهذا الخطاب، وإن كان لليهود من أهل الكتاب، فهو موجه أيضا لغيرهم، لأن العبرة بعموم اللفظ، لا بخصوص السبب.
وطريق العلاج لهذا المرض أن تؤمنوا حقا، وتستعينوا على أنفسكم الأمارة بالسوء، على مرضاة الله بالصبر الحقيقي وهو إنما يكون بتذكر وعد الله بحسن الجزاء لمن صبر عن الشهوات المحرمة، وتستعينوا بالصلاة لترويض النفس على التزام جادة الاستقامة، فمن صبر على احتمال التكاليف، وصرف نفسه عن المعاصي، وناجى ربه في صلاته، وعقد الصلة مع الله فيها خمس مرات في اليوم، كان جديرا بنصح الآخرين، مدركا بعقله الواعي مخاطر الانحراف، ضامنا لنفسه النجاة، لأن الأمر بالمعروف واضح، وهو واجب على العالم، وأوجب منه أن
(1)
تفسير ابن كثير: 85/ 1
يبدأ الواعظ بفعله بنفسه، ولا يتخلف بشيء عمن أمرهم به، قال شعيب عليه السلام-فيما حكاه القرآن:{وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ} [هود 88/ 11].
والتزام الصلاة أمر شاق إلا على من خشعت نفوسهم لله، وخافوا من شديد عقابه، وعمرت قلوبهم بالإيمان وصدقوا بلقاء الله وحسابه، فبادروا إلى الصلاة، لإراحة أنفسهم، وتطمين قلوبهم، وإراحة بالهم، وإزالة قلقهم، وهو
ما عبر عنه النّبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «وجعلت قرّة عيني في الصلاة»
(1)
.
والأصح أن المراد بالصلاة التي أمر بها اليهود وغيرهم هي الصلاة الإسلامية، بناء على أنهم مخاطبون بفروع الشريعة ومكلفون بها، ولأن الصلاة التي أمروا بها هي المشتملة على الركوع، كما في الآية السابقة، وصلاتهم لا ركوع فيها، كما بينا.
وعبر بالظن في قوله: {الَّذِينَ يَظُنُّونَ} للإشارة إلى أن من ظن اللقاء لا يشق عليه الصلاة، فكيف بمن يتيقنه؟! فهذا سبب آخر بعد نسيان أنفسهم وتلاوة الكتاب للتقريع والتوبيخ.
وفي مجالات الأوامر والترغيب في المأمورات يحسن التذكير بالنعم الإلهية، لذا كرر تعالى تذكير الكتابيين بالنعم التي أنعم بها على آبائهم وعليهم، وأنه فضلهم على غيرهم من العالم في زمانهم، وأنه جعل فيهم الأنبياء، والخطاب ليس موجها إلى الجماعة فقط، وإنما إلى كل فرد أيضا، لأن كل امرئ مسئول عن نفسه، فليخش كل إنسان يوما مليئا بالأهوال، لا منجاة فيه إلا بتقوى الله في السر والعلن، ولا فائدة فيه إلا لمن عمل لنفسه، فلا تقبل هناك شفاعة الشفعاء والوسطاء، ولا ينفع دفع البدل أو الفداء، ولا يمنع المقصرون من العذاب.
(1)
نص الحديث بكامله: «حبّب إلي من دنياكم: النساء، والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة» أخرجه الإمام أحمد والنسائي والحاكم والبيهقي عن أنس بن مالك رضي الله عنه.