الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تقليب الأفئدة في قوله تعالى: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ} [الأنعام 110/ 6]، والختم على القلب في قوله:{خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ} [البقرة 7/ 2]، وزيادة المرض في قوله:{فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ، فَزادَهُمُ اللهُ مَرَضاً} [البقرة 10/ 2]، فمن اختار الضلالة، أبقاه الله فيها، ومنع عنه نفوذ الهداية إلى قلبه، عقابا له من الله تعالى.
فقه الحياة أو الأحكام:
لا يوجد في القرآن آية بدون معنى أو فائدة أو حكمة أو تشريع، فهو كلام الله المعجز دستور الحياة البشرية، وبناء عليه، يقصد بالآيات القرآنية تحقيق فائدة الإنسان في حياته الدينية والدنيوية والأخروية، وتربطه بالحياة.
وتكون بالتالي الأحكام المستفادة من معاني الآيات مرتبطة ارتباطا وثيقا إما بالعقيدة أو بالعبادة أو بالأخلاق والسلوك أو بالتشريع الصالح للفرد والجماعة، وهذا المعنى الأعمّ هو الذي عنيته بفقه الحياة في القرآن الكريم.
والمعاني أو الأحكام المستفادة من الفاتحة تشمل صلة الإنسان بالله، وتحدد طريق مناجاته، وترسم له نوع مسيرته في الحياة، وتلزمه باتّباع المنهج الأقوم والطريق الأعدل، الذي لا انحراف فيه قيد أنملة عن جادّة الاستقامة، ولا قبول بأي لون من ألوان الضلال والغيّ والانحراف. ومعنى البسملة في الفاتحة: أنّ جميع ما يقرر في القرآن من الأحكام وغيرها هو لله ومنه، ليس لأحد غير الله فيه شيء.
1 -
كيفية حمد الله: الفاتحة ذلك النشيد العاقد للصلة مع الله، والذي علّمنا الله إياه، يقرؤه المؤمن في كل المناسبات، في الصلاة وغيرها، لأن بدايته على تأويل: قولوا: الحمد لله ربّ العالمين، وذلك يقضي أن الله أمرنا بفعل الحمد، وعلمنا كيف نحمده ونثني عليه، وكيف ندعوه، ويفهم منه أنّ من آداب الدعاء: أن يبدأ بحمد الله والثناء عليه، ليكون ذلك أدعى إلى الإجابة.
2 -
قراءة الفاتحة في الصلاة: للعلماء رأيان في وجوب قراءة الفاتحة في الصلاة.
الرأي الأول-للحنفية: وهو عدم وجوب قراءة الفاتحة، وإنما الواجب للإمام والمنفرد مطلق قراءة، وهو قراءة آية من القرآن، وأقلها عند أبي حنيفة آية بمقدار ستة أحرف، مثل:{ثُمَّ نَظَرَ} [المدثر 21/ 74] ولو تقديرا، مثل:
{لَمْ يَلِدْ} إذ أصله: «لم يولد» [الإخلاص 3/ 112]. وقال الصاحبان: فرض القراءة ثلاث آيات قصار أو آية طويلة.
واستدلوا بالكتاب والسنة والمعقول.
أما الكتاب: فقوله تعالى: {فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل 20/ 73]، وهو أمر بمطلق قراءة، فتتحقق بأدنى ما يطلق عليه اسم القرآن.
وأما السنة:
فحديث المسيء صلاته: «إذا قمت إلى الصلاة، فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة، فكبّر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن»
(1)
. وأما
حديث: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب»
(2)
، فمحمول على نفي الفضيلة، لا نفي الصحة، أي لا صلاة كاملة.
وأما المعقول: فهو أنه لا تجوز الزيادة بخبر الواحد الظني على ما ثبتت فرضيته بالدليل القطعي في القرآن، ولكن خبر الواحد يقتضي وجوب العمل به، لا الفرضية، فقالوا بوجوب قراءة الفاتحة فقط، أي أن الصلاة تصح بتركها، مع الكراهة التحريمية.
ولا قراءة مطلقا على المقتدي عند الحنفية، سواء أكانت الصلاة سرية أم
(1)
رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، وهو حديث متواتر.
(2)
رواه الأئمة الستة عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه.
جهرية، واستدلوا أيضا بالكتاب والسنة والقياس.
أما الكتاب: فقوله تعالى: {وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ، فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا، لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف 204/ 7]، وهي تأمر بالاستماع والإنصات، والاستماع خاص بالجهرية، والإنصات يعمّ السريّة والجهريّة.
وأما السّنة:
فقول النّبي صلى الله عليه وسلم: «من صلّى خلف إمام، فإن قراءة الإمام له قراءة»
(1)
، وهو يشمل السرية والجهرية.
وأما القياس: فهو أنه لو وجبت القراءة على المأموم، لما سقطت عن المسبوق، كسائر الأركان، فقاسوا قراءة المؤتم على قراءة المسبوق في حكم الصلاة، فتكون غير مشروعة.
الرأي الثاني-للمالكية والشافعية والحنبلية: وهو وجوب قراءة الفاتحة بعينها في الصلاة للإمام والمنفرد،
لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» ، وحملوا النفي على نفي الحقيقة، لأن الأصل والأقوى أن النفي على العموم، أي لا صلاة صحيحة، ونفي الصحة أقرب إلى نفي الحقيقة.
وقوله عليه الصلاة والسلام أيضا: «لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب»
(2)
، ولفعله صلى الله عليه وسلم
كما روى مسلم، مع خبر البخاري:«صلوا كما رأيتموني أصلي» . قال القرطبي: الصحيح من هذه الأقوال قول الشافعي وأحمد ومالك في القول الآخر، وأن الفاتحة متعينة في كل ركعة، لكل أحد على العموم.
وتتعين عند الشافعية قراءة الفاتحة، في كل ركعة، للإمام والمأموم والمنفرد، سواء أكانت الصلاة سرية أم جهرية، فرضا أم نفلا،
لحديث:
(1)
رواه أبو حنيفة عن جابر رضي الله عنه، وهو ضعيف، كما ذكر القرطبي (تفسير القرطبي: 122/ 1).
(2)
رواه ابنا خزيمة وحبان في صحيحهما.
«لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» ، و
حديث: «صلّى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح، فثقلت عليه القراءة، فلما انصرف، قال: إني أراكم تقرؤون وراء إمامكم؟» قال: قلنا: يا رسول الله، إي والله، قال:«لا تفعلوا إلاّ بأمّ القرآن، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ فيها»
(1)
، فهو نص صريح خاص بقراءة المأموم، دال على فرضيتها، وظاهر النفي متجه إلى الإجزاء، أي لا تجزئ، وهو كالنفي للذات في المآل، وقراءة الفاتحة مستثناة من النص القرآني الآمر بالاستماع إلى القرآن والإنصات له.
ورأى المالكية والحنابلة: أنه لا يقرأ المأموم الفاتحة في الصلاة الجهرية، وإنما يستحب أن يقرأها في السرية، لأن الأمر القرآني بالاستماع والإنصات للقرآن خاص بالصلاة الجهرية، بدليل
(2)
. وهذا صريح في كراهة القراءة للمؤتم حالة الجهر.
وأما دليلهم على استحباب القراءة في حالة السرّ: فهو
قول النّبي صلى الله عليه وسلم:
(3)
.
3 -
استحضار معاني الفاتحة: على المصلي أن يستحضر في صلاته كل معاني الفاتحة من كون الله أعظم من كل عظيم، وأكبر من كل شيء، وأن كل ثناء جميل هو لله تعالى استحقاقا وفعلا، من حيث إنه الرّب خالق العالمين ومدبّر جميع
(1)
رواه أبو داود والترمذي وأحمد وابن حبان.
(2)
رواه أبو داود والنسائي والترمذي عن أبي هريرة، وقال: حديث حسن.
(3)
رواه الدارقطني والترمذي.
أمورهم، وأنّ رحمة الله مقرونة بعظمته وملكه وسلطانه وتصرفه دون غيره يوم الحساب، فهو المستحق للعبادة وحده، ومنه وحده تطلب المعونة على العبادة وعلى جميع الشؤون، وهو سبحانه الدّال بتوفيقه ومعونته إلى طريق الخير والحق في العلم والعمل، وللمؤمن في مناجاته قدوة حسنة وهم أولئك الذين أنعم الله عليهم بالإيمان والعمل الصالح، من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، كما أن أمامه عبرة وعظة وهم الذين غضب الله عليهم بإيثارهم الباطل على الحق، وترجيحهم الشّر على الخير، والضّالون عن طريق الحق والخير بجهلهم، الذين ضلّ سعيهم في الحياة، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، فمصيرهم إلى جهنم وساءت مصيرا.
وأما الذين جاءوا على فترة من الرّسل كأهل الفترة في عصر الجاهلية، فلا يكلفون في رأي الجمهور بشريعة، ولا يعذبون في الآخرة، لقوله تعالى:
{وَما كُنّا مُعَذِّبِينَ حَتّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الإسراء 15/ 7]. وقال جماعة من العلماء: إنهم يكلّفون ويعذّبون، لأن العقل وحده كاف في التكليف، فمتى أوتيه الإنسان، وجب عليه النظر في ملكوت السموات والأرض، والتدبّر والتفكّر في خالق الكون، وما يجب له من عبادة وإجلال، بقدر ما يهديه عقله، ويصل إليه اجتهاده، وبذلك ينجو من العذاب.
4 -
قراءة غير العربي: أجمع الفقهاء على أنه لا تجزئ قراءة القرآن بغير العربية، ولا الإبدال بلفظها لفظا عربيا، سواء أحسن قراءتها بالعربية أو لم يحسن، لقوله تعالى:{قُرْآناً عَرَبِيًّا} [يوسف 2/ 12]، وقوله سبحانه:
{بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء 195/ 26]، ولأن القرآن معجزة بلفظه ومعناه، فإذا غيّر خرج عن نظمه، فلم يكن قرآنا ولا مثله، وإنما يكون تفسيرا له، والتفسير غير المفسر، وليس هو مثل القرآن المعجز المتحدي بالإتيان بسورة مثله.
وأجاز القرطبي المالكي للعاجز عن العربية أن يذكر في موضع القراءة ما أمكنه من تكبير أو تهليل أو تحميد أو تسبيح أو تمجيد أو لا حول ولا قوة إلا بالله. وأجاز الكاساني لعاجز عن القراءة بالعربية أن يقرأ الفاتحة بغير العربية
(1)
.
5 -
تأمين المصلي: يؤمن المنفرد اتّفاقا. وأما الإمام: فيؤمن سرّا عند أبي حنيفة وفي الراجح عند المالكية، لأنه دعاء. وروي عن مالك أنه قال:
لا يؤمن وإنما يقول ذلك من خلفه، وقال الشافعية والحنابلة: يجهر الإمام بالتأمين في الصلاة الجهرية، كما بيّنا سابقا. وقال ابن العربي والقرطبي
(2)
:
والصحيح تأمين الإمام جهرا،
فإن ابن شهاب الزهري قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: آمين، خرجه البخاري ومسلم وغيرهما، وفي البخاري:
حتى إن للمسجد للجّة
(3)
من قول الناس: آمين. وأما المأموم: فيؤمّن سرّا عند الحنفية والمالكية، وجهرا فيما يجهر فيه بالقراءة، ويخفيه فيما يخفي فيه القراءة عند الشافعية والحنابلة.
(1)
تفسير القرطبي: 126/ 1، البدائع: 112/ 1
(2)
أحكام القرآن: 7/ 1، تفسير القرطبي: 129/ 1
(3)
اللجة: الجلبة، يعني أصوات المصلين.