الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الرحمن 26/ 55] أي الأرض، ومثل {حَتّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ} [ص 32/ 38] أي الشمس وإن لم يسبق له ذكر. {مُصَدِّقاً} حال منصوب من هاء {نَزَّلَهُ} وكذلك {هُدىً} و {بُشْرى} حال من هاء {نَزَّلَهُ} . {فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ} » أقام المظهر مقام المضمر، كقوله تعالى:{إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [يوسف 90/ 12] أي أجرهم. وجملة {فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ.} . جواب الشرط.
البلاغة:
{نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ} خص القلب بالذكر، لأنه موضع العقل والعلم وتلقي المعارف.
{وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ} ذكرا بعد الملائكة من باب ذكر الخاص بعد العام للتشريف والتنويه.
{فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ} الجملة اسمية لزيادة التقبيح، لأنها تفيد الثبات. وأقام الظاهر مقام المضمر لبيان صفة الكفر وهو عداوتهم للملائكة.
المفردات اللغوية:
{الْعَدُوُّ} : ضد الصديق، يستوي فيه المذكر والمؤنث، والواحد والمثنى والجمع.
{وَهُدىً} من الضلالة {وَبُشْرى} بالجنة.
{وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ} عطف على الملائكة من عطف الخاص على العام {فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ} ولم يقل: لهم، بيانا لحالهم.
سبب نزول الآية (97):
أخرج الترمذي أن اليهود قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إنه ليس نبي من الأنبياء إلا يأتيه ملك من الملائكة من عند ربه بالرسالة وبالوحي، فمن صاحبك حتى نتابعك؟ قال جبريل، قالوا: ذاك الذي ينزل بالحرب والقتال، ذاك عدونا! لو قلت: ميكائيل الذي ينزل بالقطر وبالرحمة تابعناك، فأنزل الله الآية إلى قوله: للكافرين
(1)
.
قال الإمام أبو جعفر الطبري رحمه الله: أجمع أهل العلم بالتأويل جميعا أن
(1)
تفسير القرطبي: 36/ 2، وأخرجه أيضا أحمد والنسائي، انظر أسباب النزول للسيوطي: ص 23، والواحدي: ص 15
هذه الآية نزلت جوابا لليهود من بني إسرائيل، إذ زعموا أن جبريل عدو لهم، وأن ميكائيل ولي لهم، ثم اختلفوا في السبب الذي من أجله، قالوا ذلك.
فروى الإمام أحمد عن ابن عباس أنه قال: حضرت عصابة من اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا أبا القاسم، حدثنا عن خلال نسألك عنهن لا يعلمهن إلا نبي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«سلوا عما شئتم، ولكن اجعلوا لي ذمة، وما أخذ يعقوب على بنيه: لئن أنا حدثتكم عن شيء، فعرفتموه لتتابعنني على الإسلام» فقالوا: ذلك لك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«سلوا عما شئتم» قالوا: أخبرنا عن أربع خلال نسألك عنهن، أخبرنا: أي الطعام حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة، وأخبرنا: كيف ماء المرأة وماء الرجل، وكيف يكون الذكر منه والأنثى؟ وأخبرنا بهذا النبي الأمي في التوراة ومن وليه من الملائكة، فقال النّبي صلى الله عليه وسلم:«عليكم عهد الله، لئن أنا أنبأتكم لتتابعنني؟» فأعطوه ما شاء الله من عهد وميثاق. فأجابهم عن الأسئلة كلها، وحينما قال لهم:«إن وليي جبريل، ولم يبعث الله نبيا قط إلا وهو وليه» قالوا: إنه عدونا، فأنزل الله عز وجل:{قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ.} ..
وروى البخاري عن أنس بن مالك قال: سمع عبد الله بن سلام بمقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو في أرض (يخترف) فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي:
ما أول أشراط الساعة؟ وما أول طعام أهل الجنة؟ وما ينزع الولد إلى أبيه أو إلى أمه؟ قال: «أخبرني بهذه جبريل آنفا» قال: جبريل؟ قال:
«نعم» ، قال: ذاك عدو اليهود من الملائكة، فقرأ هذه الآية:{مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ} .
«أما أول أشراط الساعة: فنار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب. وأما
أول طعام يأكله أهل الجنة، فزيادة كبد الحوت. وإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة، نزع الولد، وإذا سبق ماء المرأة نزعت».
قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، يا رسول الله، إن اليهود قوم بهت، وإنهم إن يعلموا بإسلامي قبل أن تسألهم يبهتوني.
فجاءت اليهود: فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أي رجل عبد الله بن سلام فيكم؟» قالوا: خيرنا وابن خيرنا، وسيدنا وابن سيدنا، قال:«أرأيتم إن أسلم؟» . قالوا: أعاذه الله من ذلك، فخرج عبد الله، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله. فقالوا: هو شرنا وابن شرنا، وانتقصوه، فقال: هذا الذي كنت أخاف يا رسول الله
(1)
.
قال ابن حجر في فتح الباري: ظاهر السياق أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ الآية، ردا على اليهود، ولا يستلزم ذلك نزولها حينئذ، قال: وهذا المعتمد، فقد صح في سبب نزول الآية قصة عبد الله بن سلام (السابقة).
وجاء في بعض الروايات: أن أحد علماء اليهود من أحبار فدك عبد الله بن صوريا سأل النّبي صلى الله عليه وسلم عن الملك الذي ينزل عليه بالوحي، فقال: هو جبريل، فقال ابن صوريا: ذاك عدونا، ولو كان غيره لآمنا به، وقد عادانا جبريل مرارا، ومن عداوته أن الله أمره أن يجعل النبوة فينا، فجعلها في غيرنا، وهو صاحب كل خسف وعذاب، وأنذر بخراب بيت المقدس. وميكال يجيء بالخصب والسلام.
وفي رواية أن عمر بن الخطاب دخل مدراسهم
(2)
، فذكر جبريل، فقالوا:
(1)
تفسير الطبري 342/ 1 وما بعدها، تفسير ابن كثير: 129/ 1 - 130
(2)
المدراس: بيت تدرس فيه التوراة.